مقاربة علمية لمخاطر التوطين وتحريك مسارات سياسية وديبلوماسية

تاريخ الإضافة الثلاثاء 14 أيلول 2010 - 5:35 ص    عدد الزيارات 2966    القسم محلية

        


مقاربة علمية لمخاطر التوطين وتحريك مسارات سياسية وديبلوماسية

كتبت ريتا صفير:
مع انطلاق مفاوضات السلام المباشرة بجولتها الثانية على المسار الفلسطيني – الاسرائيلي  وبالتزامن مع تحرك اميركي - فرنسي يشمل لبنان وسوريا سعياً الى الحل الشامل، يعود الى الواجهة ملف اللاجئين الفلسطينيين من زاوية "اقليمية" هذه المرة. واذا كان لبنان قد خطا خطوة في هذا الشأن، على المستوى الداخلي، باقرار مجلس النواب حق العمل  في توقيت "لافت"، عشية انطلاق هذه المفاوضات، فيتوقع ان يعود الانشغال المحلي بالمسألة في الاسابيع المقبلة. انشغال يحتمه تضمن العناوين الخمسة للمسار الفلسطيني – الاسرائيلي، عنوانين يخصان لبنان هما الامن واللاجئون، ولا مناص من بلوغهما في مرحلة لاحقة، وفقا لما نقلته "النهار" عن مصادر ديبلوماسية الاسبوع الفائت.
جديد الملف، على المستوى المسيحي، اعادة تزخيم الاهتمام الكنسي بالقضية. تزخيم تبلور ظاهرا في البيان الاخير للمطارنة الموارنة بتمنّيه  اولاً ان تصل المفاوضات المباشرة بين الاسرائيليين والفلسطينيين الى حل عادل، وتذكيره ثانيا بأن لبنان معني في شكل مباشر بهذه القضية "ولا سيما بمعضلة اللاجئين الفلسطينيين الذين قد يجبرون على التوطين وهذا ما يرفضه جميع اللبنانيين لأنه يتناقض مع الدستور ويشكل خطراً على لبنان"، وبمناشدته ثالثا الدولة مواكبة هذه المفاوضات "بحملة ديبلوماسية وإعلانية واسعة وواضحة ترفض تنصّل المجتمع الدولي من مسؤولياته".
والواقع ان موقف المطارنة الموارنة يشكل جزءاً من تحرك اشمل تعمل الكنيسة على بلورته، ويؤشر بحسب متابعين للمشاورات الجارية الى دلالات عدة، اولها، سعي الكنيسة الى الامساك بالملف واستباق اي تسوية محتملة حياله برسم سقف محدد في هذا الشأن. سقف تجدد بموجبه موقفها الرافض للتوطين، وتعيد فيه التأكيد على ضرورة ان يتواكب هذا الرفض مع خطوات عملية تجسدها الحملة المشار اليها لشرح محاذير الخطوة وتداعياتها المحتملة ولا سيما على الداخل اللبناني.
واذا كان بيان المطارنة عكس في جانب منه هذا المنحى، فثمة خطوات اخرى قيد النقاش، يبقى جزء منها بعيداً من الاعلام.
في خلفيات التحرك الكنسي، معادلة واضحة. "ركيزتها" رفض اي تسوية على حساب لبنان او اي طرف من الاطراف اللبنانيين في هذا الملف، بحسب المتابعين. اما "قنوات" التعبير عنه فتتمثل في اعتماد مقاربة هادئة وعلمية للملف، انطلاقا من "الحساسية" التي يفرضها. ولا يخفى على المتابعين التذكير بان الحساسية هذه ترتبط طبعا في جانب منها ، "بجذور" الحرب اللبنانية، حين شكل المسيحيون رأس حربة في مواجهة "الوطن البديل".
ما هي مكونات التحرك المرتقب؟
يؤكد متابعون للحركة الجارية العمل على تكوين ملف شامل وجدي يتناول تداعيات التوطين والمخاطر التي قد يحدثها على الوضعين الفلسطيني واللبناني على السواء. هي انعكاسات يفترض ان تبينها دراسات علمية ترتكز على مسح ديموغرافي وجغرافي، وتبلور الابعاد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي يمكن ان تتأتى عن اي خطوة محتملة في هذا الموضوع ولا سيما على مستوى التركيبة السياسية الداخلية.
وفي الشق التنفيذي هذا، تتحدث اوساط عن تعزيز الرابطة المارونية تحركها في هذا الشأن عبر قرارات تضمنت، في ما تضمنته، الشروع في الدراسات اللازمة بالتنسيق مع البطريركية، تمهيدا لطرح ملف متكامل على المؤسسات الدستورية اللبنانية والمولجين بها، وبالتنسيق مع المقام الماروني الاول اي رئاسة الجمهورية.
وثمة كلام على إعداد ورقة عمل موحدة تنطلق من وثيقة الضوابط والمنطلقات التي طرحت في وقت سابق، الى طرح الموضوع على مجلس البطاركة والاساقفة الكاثوليك. كما تم التقدم بطروحات تتناول تحديد "خريطة او خرائط طريق" لآلية مقاربة الملف تضمنت تنفيذ قرار مجلس شورى الدولة الداعي الى نزع الجنسية اللاجئين الذين نالوها عن غير ذي وجه حقّ في مرسوم 1994، توجيه عام لمقاربة القضية في لبنان والانتشار، والإفادة من الاغتراب لاثارة القضية.
على المسار الخارجي، يبرز توجه الى تسخير الوسائل السياسية الداخلية والديبلوماسية الدولية ولاسيما منها الدينية لهذا الغرض. والتوجه هذا لاحت بوادره مع المعطيات التي رشحت عن اللقاء الذي جمع الرئيس الاسرائيلي شمعون بيريس والبابا بينيديكتوس الـ 16 في الايام الاخيرة، حيث تبلغت اوساط سياسية محلية اثارة البابا ملف اللاجئين الفلسطينيين وتحديداً الموجودين في لبنان خلال لقائه المسؤول الاسرائيلي. وفي وقت تنقل عن مسؤولين في السفارة البابوية تكرارهم في لقاءات خاصة  رفض الفاتيكان لاي تسوية في الملف، تتحدث الاوساط عن عمل جدي تقوم به عاصمة الكثلكة لدى عواصم القرار على هذا المستوى من تجلياته، حتى الآن، تخصيص السينودس المرتقب عقده في روما جلسة خاصة عن قضية اللاجئين ولا سيما في لبنان، يتخللها عرض لسيناريوات وحلول ممكنة.

 

خلفيات ومعطيات

شكّل اقتراح "اللقاء الديموقراطي" منح حقوق للفلسطينيين قبل نحو شهرين، شرارة انطلاق المواجهة السياسية الداخلية حول الملف . مواجهة تلقفت "نيرانها" القوى الآذارية - بأبعادها الاقليمية - فشرعت في سلسلة خطوات سعت الى استيعاب الموضوع والحد من انعكاساته المحتملة على صفوفها  اولا والشركاء الآخرين ثانيا. وعليه، كانت " تسوية" اقرار حق العمل.
في "طيات" التحرك القائم، وفقاً للاوساط العاملة على تعزيز التنسيق المسيحي في هذا المجال ، معلومات عن احتمال جدي لاعادة اثارة ملف الحقوق والتسهيلات الممنوحة للفلسطينيين في الفترة المقبلة، من زاوية اعادة رمي "كرة" التملك وفقا لسيناريو لا يختلف عما سبقه. والاوساط التي لا تفصل الحركة الداخلية المرتقبة عن اطارها الاقليمي - الدولي المستجد، تدلل على مجموعة معطيات ممهدة في هذا الشأن منها:
- الاصرار الذي برز لدى بعض القوى، وبتنسيق مسبق، على موضوع انشاء حساب داخلي للاجئين ضمن الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، خلال جلسة مجلس النواب التشريعية الاخيرة، الامر الذي ساهم في امرار الاقتراح بالصيغة التي مر فيها. وعليه سقط احد بنود الاتفاق "الاذاري" القاضي بقيام حساب منفصل ومستقل في هذا الشأن.
- عودة القوى نفسها الى التلويح بأحقية التملك للاجئين، على وقع لقاءات اقليمية ودولية عقدها ممثلوها مع مسؤولين مهتمين بالشأن اللبناني. وحضر في هذه الاجتماعات الملف الفلسطيني بقوة وفقا لما تناهى الى الاوساط المتابعة. وعليه، لا يخفي المتابعون للحركة الجارية، خشيتهم من امكان العمل على سيناريو تسوية، بايحاء اقليمي – دولي، من شأنه ان يأتي على حساب طرف او اطراف لبنانيين.

 

مساحة وطنية

تعود الاوساط بالذاكرة "القريبة" الى مواقف عدد من القيادات المسيحية "الاستباقية" غداة اقرار حق العمل. في خلاصتها الظاهرة، دلالات واضحة الى ان ما تحقق في هذا الشأن (اقرار حق العمل) يشكل " اقصى الممكن"، فيما هي تؤشر في باطنها، وفقا للاوساط، لتنسيق ضمني يرمى الى استباق اي تسويات قد تفضي الى تنازلات محتملة مستقبلاً في الملف، فضلا عن رفض اي من الاطراف المسيحيين تحمّل "وزر" اي تنازلات مستقبلية في الملف.
وتتحدث الاوساط عن تقاطع ضمني لمواقف القيادات المسيحية حيال الملف رغم تباعدها في قضايا اخرى، وعن جهد كنسي لتوسيع المساحة المشتركة مسيحيا في هذا الشأن، مقدمة لتوسيع المساحة الوطنية عبر التواصل مع المرجعيات الاسلامية، الدينية والسياسية  في لبنان والعالم. والتواصل هذا يبقى " بعيدا من هاجس الخلل الديموغرافي ومرادفاته، وينطلق في عنوانه الاعرض من مبدأ ضرورة حماية العدالة الدولية في حدها الادنى".
ولا تفوتها الاشارة الى محطات ومبادرات داخلية وخارجية يمكن ان يلتقطها المعنيون باعتبارها تشكل فرصة مؤاتية لطرح وجهة النظر اللبنانية من القضية، منها تزويد وزارة الخارجية والبعثة اللبنانية في نيويورك المعطيات الكافية عن ملف لبنان التفاوضي، ولا سيما قبيل زيارة رئيس الجمهورية ميشال سليمان المقررة الى الامم المتحدة، وتنظيم المديرية العامة للشؤون السياسية واللاجئين، مما يساهم في تبيان المعطيات العلمية المتعلقة بالملف، فضلا عن اعادة طرح الموضوع على طاولة الحوار  من باب وضع آلية عملية لتنفيذ مقرراتها لجهة نزع السلاح الفلسطيني وتنظيمه داخل المخيمات وخارجها.
ومع اقرارها بأهمية مبادرة مجلس الوزراء الى تبني توصية وزير العمل بطرس حرب لجهة  الشروع في حملة ديبلوماسية لدعم حق العودة وتعزيز "وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين وتشغيلهم" ("الاونروا”) تأكيداً لمسؤولية المجتمع الدولي عن الملف، الا ان الاوساط المتابعة نفسها تثير علامات استفهام حول مغزى اسقاط بند السلاح من هذه التوصية.
امر آخر يستوقفها ويتمثل في ردود الفعل الفلسطينية التي اعقبت  خطوة اقرار حق العمل، والتي تبارت على وصفها "بغير الكافية" مع الاصرار على المضي في المطالبة بحقوق اخرى، تيمنا بما تم التوصل اليه في الاردن. وتكشف في هذا الاطار عن استياء مسيحي نجم عن هذه المواقف مما استدعى مروحة اتصالات بلغت الاراضي الفلسطينية لاستيعاب تداعياتها.    

 

شركة واولويات

رغم المآخذ، ينفي المتابعون للملف اي انعكاسات محتملة للخطوات والمواقف على الشركة المسيحية – الاسلامية التي تبقى اولوية في نظر الكنيسة والقيادات. ويستعيدون في هذا الاطار مواقف ومبادرات تصب في الاتجاه نفسه اعرب عنها رئيس الحكومة سعد الحريري والرئيس فؤاد السنيورة . غير ان الاوساط نفسها تحرص على الحاق تأييدها اعطاء اللاجئين الفلسطينيين حق العمل بضرورة وضع ضوابط للملف، "تعكس في مكان ما توجها لابقاء الكلمة الفصل في يد المسيحيين انفسهم"، على قولها و"رفضها "توكيل" اي طرف خارجي في هذا الشأن".
هل يعكس هذا الكلام خشية من تسويات اقليمية ودولية على حساب طرف او اواطراف داخليين، على غرار ما طبع مرحلة التسعينات؟
يقود السؤال الاوساط المتابعة الى التلميح الى مؤشرات تبدل في اولويات المجتمع الدولي لاحت لدى بعض "الآذاريين" في الفترة الاخيرة. ملاحظة سرعان ما تستتبعها بتركيزها على عاملين يميزان الظرف القائم عما سبقه، كانتفاء الوجود العسكري السوري، ووجود قيادات مسيحية قادرة، مجتمعة، وبالتنسيق مع الكنيسة على تأدية دور ما في هذا الشأن.  


المصدر: جريدة النهار

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 154,840,285

عدد الزوار: 6,968,188

المتواجدون الآن: 82