اتساع نفوذ المتدينين والمحافِظين أمنياً في الجيش الإسرائيلي

تاريخ الإضافة السبت 27 نيسان 2013 - 6:21 ص    عدد الزيارات 725    التعليقات 0

        

اتساع نفوذ المتدينين والمحافِظين أمنياً في الجيش الإسرائيلي
الناصرة – أسعد تلحمي

يعيد كتاب إسرائيلي جديد صدر أخيراً إلى الواجهة الصراع الدائم في الدولة العبرية بين «الدين والدولة»، ليضيف هذه المرة مسألة إشكالية جديدة تتعلق باحتمالات سيطرة «التيار الديني الصهيوني» على التيار العلماني في صفوف الجيش، وسط عودة السجال عن طبيعة هذا الجيش: «هل يبقى «جيش الشعب»، كما أراده رئيس الحكومة الأولى ديفيد بن غوريون، أم أن الوقت حان ليصبح «جيشاً مهنياً» مثله مثل سائر الجيوش الغربية.

ويتضمن الكتاب، وعنوانه «بين الطاقية الدينية والطاقة العسكرية – الدين والسياسة والجيش في إسرائيل»، 22 مقالةً لباحثين وخبراء تخوض في العلاقات بين الدين والسياسة والجيش، إذ رأى بعضهم أن الجيش يسير نحو التديّن، فيما رأى آخرون أن الجيش ما زال «جيش الشعب» الذي يفرضه واقع الدولة العبرية (التجنيد الإجباري لكل شاب يبلغ الثامنة عشرة)، وانعكس في العقود الأولى لقيام إسرائيل بالدمج بين المتدينين والعلمانيين في الألوية والكتائب العسكرية المختلفة، ليكون «بوتقة صهر» مركزية لكل الإسرائيليين، كما شدد بن غوريون.

ويبدو لقارئ الكتاب أن وراء إصداره شعور واضعه رؤوفين غال وفئات واسعة بتعاظم نفوذ المعسكر الديني داخل الجيش، أو بلغة الكاتب «سيرورة تديّن في مقابل تراجع علمانيته»، ليبقى السؤال ما إذا كان هذا التدين يفوق حجم التديّن العام في المجتمع الإسرائيلي المتعاظم في السنوات الأخيرة، أم أنه يعكس التغيير العام (السياسي) الحاصل في هذا المجتمع؟. كذلك ناقش أصحاب المقالات السؤال هل يراد من سيرورة التديّن دفع رؤية أيديولوجية سياسية، أي تعزيز نفوذ التيار الديني الصهيوني في الجيش، لمنع احتمال انسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة.

ويتضمن القسم الأول من الكتاب مقالات لباحثين يرون في عملية تدين في الجيش «مشكلة حقيقية تستوجب إبداء الرأي حولها بلا تأخير قبل أن نقف أمام انقلاب عسكري وحرب أهلية تخوضها أوساط دينية قومية ضد صناع القرار السياسي». أما القسم الثاني، فيشمل مقالات يرى واضعوها أن ثمة مبالغة وتضليلاً في نقل الصورة الحقيقية عما يحصل، وأن التديّن ليس واسعاً إلى درجة التأثير على قرارات الجيش.

 «جيش واحد» حتى 1965

ويستذكر زئيف دروري في مقاله رفض بن غوريون مطلب الحاخامات بأن تقام في الجيش أطر منفردة للجنود المتدينين، وإن وافق في المقابل على تطبيق القواعد الدينية الأساسية، مثل المحافظة على قدسية السبت والأكل «الحلال»، وتشديده على أن «جيشنا سيكون واحداً بلا تيارات، لكن علينا احترام الدين والتثقيف على الاحترام المتبادل»، مضيفاً أن ولاء الجيش هو للحكومة وللقيادة العسكرية فقط «من دون أي ارتباط بأحزاب سياسية أو سلطة دينية خارج الجيش»، وأن القائد العسكري هو صاحب القرار وبيده السلطة العليا، شرط أن يكون الاعتبار العسكري فوق الاعتبار الديني. لكن الوضع تبدل مع انصراف بن غوريون عام 1965، إذ أقيمت مجموعات منظمة من الجنود المتدينين لدرس التوراة أثناء خدمتهم العسكرية («يشيفوت هِسدر»)، وبات عددها اليوم يفوق 30 مجموعة.

ويعتقد دروري أنه منذ عام 1977، عام صعود «ليكود» واليمين إلى الحكم للمرة الأولى في إسرائيل، بدأت تظهر مفاهيم جديدة رفضت تلك القائمة المعروفة بـ «دين الأمن القومي» التي أخلت مكانها لـ «دين الخلاص الإلهي»، والتي تعني بنظر المؤمنين بها أن ثمة واجباً دينياً بالتمرد على مؤسسات الدولة والجيش «في حال تحركت هذه بما يتعارض والتعاليم الدينية والحقوق المطلقة الناجمة عن العهد الإلهي»، كما حصل إبان انسحاب إسرائيل من قطاع غزة (عام 2005) ورفض 63 جندياً تنفيذ أوامر الضباط بإخلاء المستوطنين والمستوطنات، علماً أن العدد الفعلي أكبر بكثير لو لم تعفِ قيادة الجيش مئات الجنود المتدينين من مهمة الإخلاء.

ويورد الكاتب أمثلة كثيرة على تدخل «حاخامات» في أمور عسكرية يومية، ما دفعه إلى الاستنتاج بأن الجيش الإسرائيلي فقدَ مهنيته العسكرية واستقلالية قيادته التي لم تعد قوية بالقدر الكافي، ما يضطرها إلى التنسيق مع الحاخامات.

في هذا السياق، ضمّن أودي ليفل مقالته بإفادة لجندي أعرب فيها عن صدمته لدى سماعه وزملائه رجل دين (حاخام) يلقي محاضرة عليهم قبل توغلهم إلى قطاع غزة يحضهم فيها على القتال في غزة «لأنها حرب أبناء النور ضد أبناء الظلام»، وأن «هالة القدسية ستكللنا في الحرب كوننا نؤدي فريضة دينية». ويشير الكاتب إلى أن جنود أحد الألوية تلقوا كراسةً من «الحاخامية العسكرية» جاء فيها أنه «يحظر علينا التنازل عن ميليمتر واحد من أرض إسرائيلية... والقساوة مع العدو هي أحياناً خصلة حسنة».

 صراع بين مؤيدي «جيش الشعب» وجيش مهني

وبرأي ليفل، فإن الصراع الدائر في الجيش اليوم هو بين من يطالب بأن يتحول الجيش إلى جيش مهني، وبين من يريد الإبقاء على «جيش الشعب» وتقويته، مشيراً إلى أن الغلبة هي للفئة الثانية، وإن كان مصطلح «جيش الشعب» شهد تغييراً في مفهومه «إذ أصبح المقصود جيش الشعب اليهودي من خلال تبني نظرية قومية إثنية تأثرت من الأيديولوجية الدينية القومية». ويضيف أن رئيس هيئة أركان الجيش سابقاً، وزير الدفاع الحالي موشيه يعالون كان وراء تعزيز مكانة الجيش على أنه «بانٍ للأمة»، رافضاً «الجيش المهني» بعد أن اعتبر أن الصراع مع الفلسطينيين هو «استمرار لحرب استقلال إسرائيل، ما يستوجب تجنداً للجيش على أساس قومي لتأكيد المهمات التقليدية كجيش للشعب وتعزيز مكانته الجماهيرية». ويرى يعالون أنه في دولة إسرائيل لا يمكن الاحتفاظ بجيش لا يقوم على كونه «جيش الشعب» (أي التجنيد الإلزامي) بداعي أن مناعة إسرائيل الاجتماعية ما زالت متعلقة ببقاء الجيش «جيش الشعب»، بينما الجيش المهني الذي يعتمد متطوعين يتلقون الراتب الشهري سيكون متوسطاً أو أدنى في مستواه ولن يلائم الواقع الإسرائيلي.

وترجم اثنان من مديري «مدرسة الضباط» هذه النظرية بتعليمات للمشاركين تقول إن «القائد العسكري الذي يرفض القول إنه فخور بأنه يهودي، ولا يعرف كيف يفسر لجنوده سبب فخره، لن ينتصر في الحرب»، بينما فرض مدير ثان على المشاركين امتحاناً بتاريخ الشعب اليهودي تم إقصاء كل من فشل فيه عن المدرسة.

مع ذلك، يرى ليفل أن إسرائيل تقترب من نقطة الحسم بين من يرى أن نموذج «جيش الشعب» يوفر الرد على احتياجاتها الأمنية، وبين من يعتقد أن التغييرات الناجمة عن طبيعة التهديدات الوجودية تستوجب تبني نموذج «الجيش المهني»، بالإضافة إلى الحسم بين «من يريد تعميق أسطورة جيش الشعب اليهودي الذي يخرج لحرب لأنها فرض ديني ضد أبناء الديانات والقوميات الأخرى، وبين من يريد جيشاً يكون جسماً مهنياً».

 «عودة نفوذ المحافظين»

وتعتقد شوشانه لوبيش أن سيرورة التدين في الجيش هي رد فعل من «المحافظين» المحتجين على سمات عصرية للجيش تبناها منذ عام 1990 تمثلت برأيهم في أن الجيش أخذ يرى نفسه جيش سلام يقدم المساعدات الطبية والإنسانية، ولا يفرط في استخدام القوة، «وذوّت من ناحية قضائية قواعد القتال ليحظى بحماية قانونية في المحاكم الدولية». وينتقد هؤلاء الجيش الذي أخذ قادته يتحدثون عن «بلورة الوعي» (لدى العدو بأن إسرائيل قوية) ويبحثون عن «صورة الانتصار» بدلاً من العمل على الحسم الحقيقي في أرض المعركة، مضيفيْن أن هؤلاء القادة باتوا يخشون مقتل الجنود في المعارك أو قتل مدنيين لا علاقة لهم بالحرب. وتضيف أن المحافظين يريدون العودة إلى القيم القديمة والمعادلة المثلثة الأضلاع «التحذير والردع والحسم»، فضلاً عن إيمانهم بوجوب نقل المعركة إلى أرض العدو والاستعداد للتضحية بالأرواح والعمل على الحسم السريع. وتخلص الكاتبة إلى الاستنتاج بأن ما يشهده الجيش ليس مقاربة جديدة للتيار الصهيوني الديني فقط إنما للمحافظين.

ويختتم مؤلف الكتاب رووفين غال بالاستنتاج مما كتبه أترابه الباحثون أن سيرورة التديّن التي يمر بها الجيش الإسرائيلي لا تشكل في الوقت الراهن خطراً حقيقياً على الطباع الإيجابية الرسمية والتاريخية المميزة للجيش «لكن هذه السيرورة ليست بمنأى عن تأثيرات سياسية، بعضها بعيد كل البعد عن الإجماع القومي».

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 154,791,911

عدد الزوار: 6,966,348

المتواجدون الآن: 71