هادي وصالح.. هل يغرقان المركب؟.. الرئيس اليمني يقاطع حزبه لأن سلفه يهيمن على زعامته

تاريخ الإضافة السبت 19 أيار 2012 - 5:59 ص    عدد الزيارات 1054    التعليقات 0

        

 

هادي وصالح.. هل يغرقان المركب؟.. الرئيس اليمني يقاطع حزبه لأن سلفه يهيمن على زعامته.. والرئيس المخلوع يحاول تطويق نائبه السابق للسيطرة على البلاد

لندن: محمد جميح ... لم يكن أحد يتحدث عن طبيعة العلاقة بين الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي وسلفه علي عبد الله صالح، أيام كان الأخير رئيسا، والأول نائبا له، نظرا لأن هادي كان يعيش حسب اليمنيين في الظل.
غير أن العلاقة بين الرجلين اللذين تلازما لعقود وكانت علاقتهما «سمنا على عسل»، باتت تكتسب طابعا حادا هذه الأيام وأزمة مكتومة نظرا للتوترات غير المعلنة بين الرجلين على خلفية خلافات حول قرارات الرئيس هادي الأخيرة والتي أقصى فيها مقربين من صالح، وقبل ذلك فيما يخص مراحل التفاوض على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية في اليمن.
والآن بات لليمن رئيس جديد، ولكنه لا يهيمن على كل شيء.. لأن سلفه صالح، لا يزال رئيسا في عيون أنصاره وقبيلته المترامية، ولا يزال رئيسا لأكبر حزب شريك في الحكم هو حزب المؤتمر الشعبي، الذي حكم البلاد بالحديد والنار على مدى عقود. وكما يقال فإن ريسين يغرقان المركب.. فهل سيغرق المركب اليمني، أم يصل إلى بر الأمان، بترجل الريس السابق.
بدأت فصول الأزمة منذ مرحلة التفاوض.. حينما تمكن الرئيس السابق من انتزاع تنازلات هامة من خصومة في المعارضة اليمنية ودول مجلس التعاون الخليجي، بالإجابة على مجموعة مطالب قبل أن يتنحى عن الحكم. ومن بين المطالب العديد أن يمنح الحق في قيادة حزب المؤتمر الشعبي العام من داخل اليمن، بالإضافة إلى الحصانة من الملاحقات القضائية على جرائم القتل التي ارتكبت ضد المتظاهرين السلميين. في ذاك الوقت حسب كثيرون أثناء فترة التفاوض ومنهم المعارضة أن تلك المقترحات مقبولة حيث كان الهدف كله هو حماية البلاد من الانزلاق إلى الحرب الأهلية. إلا أن تبعات تلك الخصوصية التي منحت لصالح وعائلته لا تزال تلقي بظلالها على عملية التحول السياسي في البلاد.
يقول مراقبون في الشأن اليمني.. إن البلاد كانت بين خيارين أحلاهما مر فتبني الحل الإقصائي كان سينتج عنه بلا ريب أعمال عنف ربما أدت إلى تفتيت البلد والدخول في حرب أهلية فعلية، حيث لا يمكن تصور استسلام فريق صالح بسهولة إذا ما تمت عملية إقصائهم تماما كما حدث للحزب الوطني في مصر على سبيل المثال. وفي المقابل فإن الحل التوافقي الذي توصل إليه اليمنيون بالإبقاء على حزب المؤتمر الشعبي العام شريكا في الحكم والإبقاء على صالح على رأسه، أصبح أكبر كابوس الآن على الرئيس الجديد، وانعكس سلبا على قراراته التي لم تنفذ وألقت بظلالها على العلاقات بين الرئيس هادي وسلفه. وباتت العلاقة بين الرجلين، على «كف عفريت» على الرغم من محاولات التكتم على حجم الهوة التي أصبحت تفصل بين الرجلين.
هناك من يرجع الخلاف بين الرجلين إلى ما قبل التوقيع على الاتفاق الخليجي عندما ذكرت بعض المصادر أن صالح كان يريد أن يعين رئيس الوزراء السابق علي مجور نائبا له ليتمكن فيما بعد من تقلد منصبه الرئاسي بدلا من هادي، ولكن بعض مصادر المعارضة أشارت إلى أن أنها كانت وراء التمسك بهادي في نص الاتفاق الخليجي لقطع الطريق على أي شخص آخر قد يختاره صالح نائبا له.
وبات الرئيس هادي الآن وهو من حزب المؤتمر الشعبي تحت قيادة صالح داخل الحزب، مما دفعه لمقاطعة الاجتماعات، حتى لا يبدو في ظل صالح، كما أن قراراته تصطدم بأنصار صالح في الحكومة، ومؤيديه الذين يتحركون بفعالية لتكسيرها. وتلمح صحف ومواقع إلكترونية محسوبة على حزب صالح، إلى أن الرئيس هادي بات يميل إلى معسكر المعارضة السابقة، على الرغم من كونه نائب رئيس المؤتمر الشعبي العام إلى حد اللحظة. وخلال الأسابيع الماضية ذكر أن الرئيس السابق صالح طلب من خلفه الرئيس هادي حضور اجتماعات قيادة المؤتمر الشعبي العام، الأمر الذي يرفضه هادي ما لم تصحح أوضاع الحزب.
وبعد مداولات شاقة بدأ الرئيس اليمني الجديد فرض سلطته عبر السيطرة على سلاح الجو والحرس الرئاسي الأمر الذي يؤكد ترسيخ صلاحياته في بلد يمر بمرحلة انتقالية. وقال أحد الدبلوماسيين إن قرارات هادي فاجأت معسكر الرئيس السابق علي عبد الله صالح وكذلك بعض الأوساط السياسية والعسكرية التي أبدت شكوكا بقدراته كرئيس للدولة. وأضاف رافضا ذكر اسمه «لقد اعتقدوا جميعا أن بإمكانهم التأثير عليه والحصول على ما يريدون. لكنه يرفض أن يكون بتصرف أي جهة، فقد بدأ يفرض نفسه». وقد رفض عدد من قادة الأجهزة العسكرية تنفيذ قرارات هادي، لكن أمام الضغوط الدولية وخاصة من مبعوث الأمم المتحدة جمال بن عمر، وكذا من المجموعة الدولية الراعية للمبادرة الخليجية استجاب هؤلاء الواحد تلو الآخر. إلا أن معركة إعادة هيكلة الجيش والأجهزة الأمنية التي ينص عليها اتفاق أدى إلى تخلي صالح عن السلطة بعد 33 عاما في الحكم لم تنته بعد.
وتنتشر قوات الحرس الجمهوري التي يقودها النجل الأكبر للرئيس السابق العميد أحمد علي صالح في التلال التي تحيط بالعاصمة صنعاء. وما يزال إبدال صالح مستبعدا والأمر ذاته بالنسبة لضابطين آخرين من أبناء إخوة الرئيس السابق يتوليان رئاسة جهازي مكافحة الإرهاب والأمن الوطني. لكن سيطرة صالح ما تزال طاغية على الأجهزة الأمنية حيث يسيطر العشرات من أبناء قبيلته على مناصب مهمة داخل هذه الأجهزة مما يبقي على التوتر في العاصمة.
وقال اللواء علي محسن الأحمر قائد الفرقة الأولى مدرعة في تصريحات بينما كان في مقره في صنعاء «هناك من يريد عرقلة المرحلة الانتقالية».
وقد انضم الأحمر بين أكثر الضباط نفوذا في اليمن إلى حركة الاحتجاجات الشعبية التي انطلقت العام الماضي في خضم الربيع العربي وخاض جنوده طوال أشهر عدة مواجهات عنيفة مع القوات الموالية للرئيس السابق. واعتبر أن صالح الذي حصل على الحصانة مقابل قبوله التخلي عن منصبه يجب أن يغادر البلاد. وقال في هذا الشأن «سيكون ذلك أفضل وإذا كان يحب اليمن وأهله فيجب أن تتبع أفعاله كلماته». وحذر الأحمر صالح من «التدخل» في شؤون الحكومة قائلا إن «أمن واستقرار اليمن يتطلبان تطبيق قرارات الرئيس دون أي تأخير».
وفي المقابل يوجه رجل الأعمال حميد الأحمر ابن إحدى أكبر قبائل اليمن انتقادات حادة للمؤيدين للرئيس السابق قائلا «يعتقدون أنهم يملكون الجيش والدولة، وأنهم يتخلون عنهما مؤقتا لكي يعودوا في وقت لاحق». وتجول دوريات مسلحة الحي حيث يسكن شقيقه صادق زعيم القبيلة الذي يتولى قيادة ميليشيا خاصة.
ويتقاسم قادة الميليشيات أحياء العاصمة مما يشكل امتحانا لقدرات هادي في المضي قدما في عملية إعادة هيكلة القوات الحكومية وهي مرحلة أساسية في المرحلة الانتقالية في البلد الفقير ذي التكوين القبلي. لكن سلطان البركاني المسؤول في حزب المؤتمر الشعبي العام المؤيد للرئيس السابق يقول إن إعادة هيكلة الجيش «لا تعني سحب العناصر إنما إعادة تشكيل المؤسسة بمجملها».
وقد شهدت صنعاء بموازاة ذلك حربا كلامية خلال الأسابيع المنصرمة بين الرئيس السابق ورئيس الوزراء محمد سالم باسندوة بعد حضور الأخير لقاء في ساحة التغيير في صنعاء، وهجومه على الرئيس السابق الأمر الذي قابله صالح بهجوم مماثل أثناء اجتماعه بعدد من مناصريه في مسجد الصالح القريب من دار الرئاسة اليمني، مما أدى إلى توتر الأوضاع السياسية مجددا الأمر الذي استدعى تدخل سفراء الدول الراعية للمبادرة الخليجية للتهدئة.
ودخل هادي على خط الأزمة بعد أن أنذر وزراء المؤتمر بضرورة حضور اجتماعات مجلس الوزراء، وإلا فإن هادي سيشكل حكومة وحدة وطنية في اليوم التالي لمقاطعتهم جلسات الحكومة. الأمر الذي أخذه وزراء المؤتمر على محمل الجد، حيث امتثلوا لأوامر هادي بحضور اجتماعات الحكومة.
وإذا كانت تلك الخلافات بين هادي وصالح قد حدثت في إطار المؤتمر فإن قد عبد الكريم الإرياني المستشار السياسي للرئيس السابق حسب بعض التسريبات قد حاول التوصل إلى صيغة للحل ضمن إعادة هيكلة المؤتمر الشعبي العام تتمثل في أن يكون الرئيس هادي هو رئيس المؤتمر على أن يكون الرئيس السابق صالح رئيسا فخريا، غير أن تفاصيل مقترح الإرياني وما آل إليه غير معروفة إلى حد الآن، مما يترك المجال لوجهة الخلاف بين الرجلين مفتوحا على احتمالات أخرى. وحينها كان الوضع متوترا جدا ومرجح للانفجار إلى الحد الذي أصدر معه البيت الأبيض بيانا يعبر فيه عن خيبة أمله وقلقه من بعض اللاعبين السياسيين في اليمن الذين يسعون عمدا إلى عرقلة العملية الانتقالية.
ويعد قرار هادي إقالة عدد من كبار القادة العسكريين الموالين للنظام السابق وأربعة محافظين وثلاثة قادة عسكريين، ينتمي اثنان منهم إلى أسرة علي عبد الله صالح نفسه، من أجرأ الخطوات التي قام بها الرئيس الجديد. وتمثلت أكبر نقاط الخلاف بين الرجلين في قرار هادي بإقالة محمد صالح الأحمر، الأخ غير الشقيق لصالح والذي يشغل قائد القوات الجوية والدفاع الجوي، بالإضافة إلى طارق محمد عبد الله صالح نجل شقيق الرئيس السابق الذي كان قائدا للقوات الخاصة والحرس الخاص مع عدد آخر من المحسوبين على أنصار الرئيس السابق وعلى رأسهم حافظ معياد الذي أقاله هادي من رئاسة المؤسسة الاقتصادية العسكرية.
وقد اشترط قائد القوات الجوية لخروجه من قيادة هذه القوات شروطا منها مغادرة وزير الدفاع لمنصبه مع عدد من القيادات الأخرى حسب بعض وسائل الإعلام المحلية. وهو الأمر الذي رفضه هادي كما رفض اشتراطات مسبقة للرئيس صالح بالإبقاء على نجله الأكبر العميد أحمد في منصبه كقائد للحرس الجمهوري مقابل نفاذ القرار الرئاسي بإقالة أخيه غير الشقيق اللواء محمد صالح الأحمر من منصبه كقائد للقوات الجوية، وإنهاء حالة المراوحة في تنفيذ القرار من قبل الأخير الذي لا يزال يسيطر فعليا على قاعدة الديلمي الجوية، المجاورة لمطار صنعاء الدولي حسب مصادر في مكتب هادي. وأشارت المصادر في تصريحات لوسائل الإعلام إلى أن هادي يفكر جديا في اتخاذ قرارات جريئة فيما يخص تلويحه مؤخرا بفرض عقوبات على أقارب الرئيس السابق وتصنيفهم كمتمردين على الشرعية الدستورية القائمة في البلاد.
يقول أحد المراقبين «إن قرار إقالة كل من اللواء محمد صالح الأحمر، قائد القوات الجوية الذي لا يحظى بشعبية والذي ظل يقاوم دعوات الطيارين المنادية برحيله، وإقالة اللواء طارق صالح قائد الحرس الرئاسي، يبعثان برسالة للعالم مفادها أن الرئيس هادي عازم على استغلال فترة حكمة القصيرة - شهر العسل - التي منحها لها جمهور الناخبين اليمنيين، في اتخاذ تلك الخطوة. والأهم من ذلك أن سياسة العصا الغليظة التي اتخذها هادي، ستبرهن للشعب اليمني أن التغيير الذي خاطروا بحياتهم من أجله بدأ يتحول إلى حقيقة تدريجيا».
ويضيف «بالطبع فإن أقرباء صالح المقالين لن يتغيروا بين عشية وضحاها. أحمد علي، نجل صالح، وابن عمه يحيى ما يزالان في منصبيهما ولديهما صلاحيات كبيرة. ولن يكون بقاؤهما في السلطة أمرا سيئا على المدى القريب، وهذا ما يدركه هادي جيدا، لأن إقالة جميع أقرباء صالح في نفس الوقت ستؤدي إلى المزيد من سفك الدماء من قبل القبائل ووحدات الجيش التي ما زال يحتفظ بها معسكر الرئيس السابق وبقوة - إقالة اللواء محمد صالح الأحمر أحدثت هذا النوع من رد الفعل، ويعتبر ذلك بسيطا. إن عامل الوقت مع الصبر أمر مهم، ومن الحكمة أن يستمر هادي بنفس أسلوبه التدريجي في عملية هيكلة الجيش».
وتقول بعض التقارير إن هادي عمل بصمت وبتأن كبيرين، ساعده في ذلك شخصيته غير المستعجلة ووقوف الأحزاب السياسية إلى جانبه، خاصة أحزاب اللقاء المشترك، على الرغم من انتمائه إلى حزب المؤتمر الشعبي العام، الذي حكم البلاد لنحو 30 عاما، منذ أن أسسه الرئيس صالح لتثبيت حكمه لشمال البلاد قبل الوحدة وبعد الوحدة، وتحول إلى حزب حاكم التهم الأخضر واليابس. ورأى مراقبون أن خطوة الرئيس هادي بدت منسجمة مع طموحات الشارع الشعبي والسياسي، وحتى مع مطالب الساحات المطالبة بالتغيير، حيث ضغط شباب الثورة طوال الفترة التي أعقبت التوقيع على المبادرة الخليجية من أجل إقالة أقرباء الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح كشرط لرفع الاعتصامات من الساحات والبدء بتطبيع الأوضاع في البلاد. وبين قرارات هادي وممانعة أقارب الرئيس السابق في تنفيذها تتضح معالم الصورة التي يظهر فيها رئيس جديد ظل لفترة طويلة يشغل منصب نائب الرئيس، ورئيس سابق ظل لفترة أطول يشغل منصب الرجل الأول في البلاد، الرئيس الجديد يحاول أن يفرض سلطته التي أتاحتها له اتفاقية دولية واكتسب بها شرعية دولية وإقليمية تماما كما اكتسب بالانتخابات شرعية محلية واسعة، وهو فيما يبدو أكثر تصميما على إنفاذ قراراته حسب تصريحات مكتبه شبه اليومية لوسائل الإعلام، والتي يبدو أنها سوف تنفذ لوجود إرادة دولية وإقليمية بل وشعبية لإنفاذها، ولأنه رئيس البلاد المنتخب ومن حقه أن يختار طاقمه الذي يعمل معه، وهي الحجة التي كان الرئيس صالح يرددها في وجه من ينتقد سياساته بتولية مقربيه في مناصب قيادية في المؤسسة العسكرية. غير أن صالح الرجل الذي يعرف جيدا كيف تدار عملية الرقص مع الثعابين لا يزال يملك بعض التأثير وهو الأمر الذي مكنته منه الفترة الطويلة التي قضاها في حكم البلاد، وهو ذات الأمر الذي يقول خصومه إنه يحاول توظيفه من أجل عرقلة سير العملية السياسية الجديدة، بل وإفشال قيادة هادي للمرحلة الانتقالية.
ومهما يكن من أمر فلا يبدو أن عجلة القطار اليمني سوف ترجع إلى الوراء نظرا لوجود تصميم شعبي ورسمي في اليمن وآخر إقليمي ودولي خارج اليمن على إنفاذ مقررات المبادرة الخليجية.
 

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 154,801,110

عدد الزوار: 6,966,807

المتواجدون الآن: 67