عندما يجتمع القمع

عندما يجتمع القمع مع التفسير الديني السلطوي...

تاريخ الإضافة الأربعاء 24 حزيران 2009 - 7:10 ص    عدد الزيارات 3917    التعليقات 0    القسم محلية

        


ليس أبشع ولا أخطر ولا أمضّ من الاستبداد العسكري او الطائفي او الاقلوي او الطبقي، غير الاستبداد العسكري متجلببا بلباس الدين.
فعندما تجتمع القوة القمعية العارية مع قوة النص الديني بتفسير بشري منحاز الى سلطة الحاكم ومصالحه، عوض الانحياز الى مقاصد الشريعة، يسود القهر وتسلب حرية الانسان، اغلى عطايا الوجود.
الدين، اذذاك، برقع لشهوات السلطة ومفاسدها، لا مرقاة الى النماء الروحي والخلقي.
الفيصل القاطع، ساعتذاك، يكون للشارع لا للشرع.
هذا ما تُنبئنا به اخبار طهران التي تستدعي بعضا من الخواطر:
اولا- منذ تولي الرئيس الاصلاحي محمد خاتمي موقع رئاسة الجمهورية، ازدادت منابر الحوار العقدي والايديولوجي والسياسي، واكتسبت درجة عالية من الرصانة والجدية في الموضوعات النقاشية التي تتناولها. طهران، في سنوات خاتمي، هي الساحة الاشد خصوبة وحيوية للاطروحات الدينية الجريئة التي تبدو محرّمة او شبه محرّمة في الفضاء الفقهي السني العربي.
حتى المسيحية اللبنانية اصابها التكلس الفكري او الخمول الذهني، فارتدّت جل ادبياتها الدينية الى الخواطر والتأملات والقصص الديني والسرد التاريخي وسيَر القديسين والتكرار البليد للمحفوظات الشائعة في كتب التعليم الديني، بعيدا من الاطروحات اللاهوتية التي تستثير السجال العقلي او تحضّ على التفكّر خارج الترسيمات الجاهزة. وعندما يصدر كتاب دسم على المستوى اللاهوتي، يلقى الاهمال او الاعراض عنه، فيذهب الى النسيان والموت.
فقط في الساحة الفقهية الشيعية الايرانية، كان يمكن ان تقرأ دراسات ورؤى عن الحداثة والعقلانية في الدين لداريوش شايغان وعبد الكريم سروش ومحمد مجتهد شبستري ومصطفى ملكيان وسواهم من المشتغلين في شؤون العلاقة بين الدين والدنيا، في ضوء معارف العصر وتحدياته ومدارسه الفكرية وادواته العقلية. (مجلة "قضايا اسلامية معاصرة”) لصاحبها د. عبد الجبار الرفاعي ذات دور ريادي في هذا المضمار).
ثانيا: رغم هذه الخصوبة في طهران، بقيت الساحة الفقهية الشيعية في لبنان، ومثلها النخبة السياسية والثقافية الملتفة حول حركة "امل" و"حزب الله" غائبة عن المساهمة الجدية في هذا النقاش (ما خلا اجتهادات الامام الشيخ محمد مهدي شمس الدين في مرحلة سابقة) فيما لا تخلو الساحة الفكرية او التاريخية من مساهمات على قدر عال من الرصانة (وجيه كوثراني، احمد بيضون، وضاح شرارة، وجيه قانصو، وسواهم).
هل هو الخمول الفكري العام الذي يلف الحياة الدينية اللبنانية، ام حصرية اهتمام هذه النخب بالشأن السياسي العابر او الصراعات حول السلطة في لبنان؟
ثالثا: ابعد من النقاش الفقهي الشيعي، هناك حريات تنتهك، وابرياء يسقطون شهداء او جرحى، وعشرات يُزجّ بهم في السجون، وصحافيون وكتّاب تكمّم افواههم، ومواقع اعلامية تغلق، وتواصل مع الخارج ينقطع ويحظّر.
هناك شعب في المعتقل، برجاله ونسائه، يجري تهديده بالسحق. شعب يعاقب انه فتح فاه وصرخ سائلا الحرية والخبز.
لم يخرج الايرانيون على دينهم. لم يجحدوا. فقط، ارادوا دينا ينصر الانسان على جلاديه. يناصر المذبوح ويأمر بالعدل.
قالوا ان الله الذي يعبدون وسعت رحمته السموات والارض، وليس ضابطا في خدمة "الباسيج" فهل يسمع اهل الايمان صرخة الموجوعين؟


 

جورج ناصيف   


المصدر: جريدة الوطن الكويتية

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,306,082

عدد الزوار: 6,944,865

المتواجدون الآن: 73