تراجع دور وزارة الخارجية في المساعدات العسكرية والعرقلة تبقى في الكونغرس

رؤية البنتاغون في عهد أوباما لدور الجيش وسلاح «حزب الله»

تاريخ الإضافة الأربعاء 24 شباط 2010 - 9:11 ص    عدد الزيارات 3077    التعليقات 0    القسم دولية

        


جو معكرون
واشنطن :
هناك شيء من عدم التوازن عندما يلتقي قيادات اركان دولة بـ60,000 عسكري مع ميزانية 800 مليون دولار مع قيادة مركزية لجيش فيه 1,445,000 عسكري مع ميزانية تصل الى 600 مليار دولار. التفاوت بين العرض الاميركي والطلب اللبناني لمساعدات عسكرية، تحمي حدود النظام وأزماته، يترك مساحة شاسعة من التساؤلات اللبنانية حول المقاربة الأميركية المتحولة حيال بيروت ورؤيتها لدور الجيش في المعادلة المحلية.
بعد انقطاع دام 22 عاماً منذ عهد الرئيس الاسبق أمين الجميل سنة 1983، استعادت المساعدات العسكرية الأميركية وتيرتها الخجولة عام 2005 بقرار سياسي أكثر من قرار عسكري نابع من البنتاغون. الهدف المعروف والمعلن كان حماية حكومة حليفة من الاعتراض والاستهداف في مرحلة من المواجهة الإقليمية. بالنسبة إلى الأميركيين، هناك ثلاثة تطورات رئيسية بين عامي 2005 و2007 مهّدت إلى تحوّل رمزي في نظرة واشنطن الى الجيش اللبناني، هي انسحاب القوات السورية في آذار 2005 وحرب تموز الإسرائيلية عام 2006 وما تبعها في القرار 1701 ومواجهات مخيم «نهر البارد» بين أيار وايلول 2007، التي تعتبرها الإدارة الأميركية اول مؤشر على وحدة الجيش اللبناني في معركة ما منذ 40 عاماً.
لا شيء تغير في طبيعة ووتيرة العلاقات العسكرية اللبنانية الأميركية من إدارة جورج بوش إلى ادارة باراك اوباما بالنسبة الى بيروقراطية البنتاغون الذي تمسّك دوماً بنظرة عقلانية إلى حدود دور الجيش اللبناني وضرورة الحفاظ عليه «كقوة مقاتلة ومؤسسة وطنية»، بحسب مصادر أميركية. ومع انسجام الأدوار بين هيلاري كلينتون في الخارجية وروبرت غيتس في الدفاع، تشير المعلومات المتوفرة ان هناك تراجعاً لدور وزارة الخارجية الاميركية في صياغة المساعدات العسكرية الى الجيش اللبناني، لا سيما منذ الانتخابات النيابية في حزيران الماضي. عندها ربطت وزارة الخارجية مصير المساعدات بنتائج هذه الانتخابات لأهداف سياسية تكتيكية، لكن البنتاغون كان مدركاً ان تشكيل اللجنة العسكرية المشتركة في تشرين الاول 2008 يعني ان لا عودة عن هذه النظرة الاستراتيجية الى الجيش اللبناني مهما تغير المشهد السياسي، المحكوم بطبيعة الحال بالتركيبة الديموغرافية.
في خريطة صنع القرار العسكري في واشنطن، يركز البنتاغون على التعاون الامني ووزارة الخارجية على المساعدات الامنية بينما تسليم المعدات أمر سيادي يحتاج الى توقيع الكونغرس. الثابت الوحيد في نظرة واشنطن الى الجيش اللبناني هو ضمان الحدود الشمالية لإسرائيل، وهذا لا يعني طبعاً عدم إقامة علاقات عسكرية طبيعية مع سائر البلدان في الشرق الاوسط، لكن بشروط يضمنها القانون الأميركي. فقد أصدر الكونغرس عام 2008 قانون 110ـ429 الذي يضمن بصراحة ولغة لا لبس فيها التفوق العسكري لإسرائيل في المساعدات العسكرية، بحيث يدعو الرئيس إلى إجراء تقييم «على أساس مستمرّ لمدى امتلاك إسرائيل لتفوق عسكري نوعي على التهديدات العسكرية ضدها»، ويشترط هذا الامر قبل اي موافقة على بيع او تصدير معدات عسكرية الى أي بلد في الشرق الاوسط. لا يؤثر هذا القانون على الجيش اللبناني تحديداً، لأن ما يطلبه من معدات متواضع مقارنة مع ما تحصل عليه اسرائيل من البنتاغون.
ولا يتردد الجيش اللبناني في الاجتماعات مع الجانب الاميركي في تحديد التهديدات التي يواجهها، وهي العدوان الاسرائيلي والسلاح الفلسطيني والامن الداخلي او بصراحة اكثر خطر نشوب حرب أهلية. وتتقاطع المصادر الاميركية واللبنانية في القول إن توجّهات الجيش اللبناني والمهمات العسكرية التي تبنى المساعدات عليها تختصر بمكافحة الإرهاب والقرار 1701 وإدارة الحدود اللبنانية السورية. وتحرص المصادر الأميركية على القول إن هذه العناوين ليست شرطاً مسبقاً لتسليم المساعدات بل قضايا طرحها الجانب اللبناني ووافق عليها الجانب الاميركي. بطبيعة الحال المساعدات العسكرية ليست جمعية خيرية، وهي تخدم أولاً وأخيراً المصالح الاميركية في المنطقة، لا سيما ضمن برنامج «تمويل الجيش الأجنبي» الذي يصرف من اموال دافعي الضرائب الاميركيين ويسمح للبنتاغون بتمويل معدات مع كل ما يتعلق بتجهيزها وقطع غيارها وصيانتها والتدريب عليها. لو ان الحكومة اللبنانية مقتدرة مالياً وقادرة على شراء المعدات العسكرية من الاسواق بميزانيتها ليس عليها القلق من البنتاغون او البيت الابيض او وزارة الخارجية، وفي هذا الوضع يكون قرار قبول الصفقة منوط بالكونغرس فقط ما يعطي مرونة لناحية نوعية وحجم ووقت تسليم المعدات.
النقاش في بيروت حول دور الجيش ومساعداته العسكرية يكتسب بدون شك بعداً عاطفياً لأنه مرتبط بمسألتين رئيسيتين تطغيان على الجدل السياسي الدائر منذ عام 2005، وهما الوضع الامني في الجنوب وإدارة الحدود اللبنانية السورية. اي مساعدات الى الجيش تعني حكماً بنظر البعض ضغطاً باتجاه تعديل العقيدة العسكرية او اعتماداً مالياً يحتّم التبعية السياسية في اتخاذ القرارات. ويبدو التشكيك في مكان ما بالطرف الداخلي الذي يطالب بالمساعدات أكثر من مصدر هذه المساعدات أكانت سورية ام اميركية، ما يعود بنا الى أزمة النظام نفسه.
أما القلق بين القيادات اللبنانية حول مساعدات الجيش فله أبعاد كثيرة مرتبطة بالنزاع الداخلي الذي كان دائراً بين عامي 2005 و2009 على القرار الأمني في البلاد، وتتواصل فصوله بشكل مستتر لكن بأبعاد إدارية، في بيروقراطية لبنانية لا تكتفي بالجمود وانعدام الفعالية بل فيها اتجاه دفين إلى عدم تبادل المعلومات داخل قطاعات الجيش (أو حتى بين الوزارات وهذا النقاش ليس مكانه هنا)، بدون وجود إدارة محترفة تمكّن للإشراف على تطوير إدارة المؤسسة العسكرية التي فيها نقص في الموارد البشرية والتجهيزات والتخطيط. الاتجاه بالتركيز على القوات الخاصة سمح في مكان ما بتفعيل ممارسة الجيش لقدراته القتالية، لأن قرار التعيين والفصل في الأفواج نابع من المؤسسة العسكرية، ولا يحتاج إلى قرار من مجلس الوزراء كما هو الحال مع الألوية التقليدية، ما يعزز التعاضد بين أفراد هذه الافواج الخاصة. والدليل على فعالية هذه الوحدات الخاصة كان في مخيم «نهر البارد»، وتحديداً مع مدير العمليات في الجيش اللبناني العميد فرانسوا الحاج، الذي كان له هامش مستقل سمح بفرض معادلة حسم هذه المواجهة على الأرض، وهذا الاتجاه لا يحبذه عدد لا بأس به من اركان النظام الطائفي. هناك حالياً اتجاهان داخل وزارة الدفاع والمؤسسة العسكرية، الاول يميل نحو تعزيز الوحدات الخاصة واتجاه آخر كلاسيكي أكثر في استعراض القوة العسكرية. ولا يعني هذا التباين بالضرورة خلافاً سياسياً، بل وجهات نظر عسكرية متباينة حول رؤية هذا الجيش المستقبلية.
البعد الآخر لدور الجيش هي علاقته بـ«حزب الله»، وهنا يتشعّب النقاش خارج الحدود وصولاً إلى واشنطن. بكل بساطة لو كان على حدود لبنان الجنوبية غير إسرائيل، لما كانت هناك مشكلة أميركية مع «حزب الله». قد يستغرب كثيرون هذا الأمر، لكن موضوع «حزب الله» ليس على بال البنتاغون كثيراً او بالحجم الذي يتصوره البعض. هناك فارق دائماً بين التصريحات العلنية للمسؤولين الاميركيين وبين الكلام خلف الابواب المغلقة من بيروقراطية أميركية متجذرة تحافظ على تراثها ورؤيتها الى الشرق الاوسط، حيث لبنان لاعب هامشي. بين عامي 2005 و 2008 كانت هناك افكار اميركية تنظر الى تعزيز قدرات الجيش كقوة على الارض توازن حزب الله او تحيد لبنان عن الصراع مع اسرائيل، لكن الميزانية المالية لم تدعم الكلام العلني وتوظيفاته السياسية. أدرك البنتاغون حينها استحالة توريط الجيش اللبناني في هذه اللعبة لأنه يعرف ان 30 بالمئة من الجيش اللبناني من الطائفة الشيعية، ويعرف البنتاغون انه حتى بين اركان قيادة الجيش التي شاركت في اجتماعات اللجنة العسكرية المشتركة الأخيرة في فندق «ريتز كارلتون» في فيرجينيا هناك وجهات نظر مختلفة حول «حزب الله». واذا كانت المساعدات العسكرية الاميركية لا تسعى إلى بناء جيش قادر على ردع إسرائيل، بل فقط قوة مقاتلة لمكافحة الإرهاب، فهذا الامر يعقد مسألة عرض طروحات بديلة لسلاح حزب الله، ويبقي النقاش في حلقة مغلقة.
الهاجس في البنتاغون متعلق بدور سلاح «حزب الله» على الحدود الشمالية لإسرائيل وليس هناك اهتمام بسيناريو سيطرة «حزب الله» على النظام اللبناني على سبيل المثال، كما كانت توحي بعض التصريحات الأميركية قبل الانتخابات النيابية الاخيرة، والدليل ان هاجس «حزب الله» لم يؤثر جدياً على وصول المساعدات العسكرية بغض النظر عن اللعبة السياسية في واشنطن. ويتطلب هذا الأمر في مكان ما تخلّي «حزب الله» عن شعور الحذر الدائم من اي تصريحات او مساعدات أميركية رغم هواجسه المشروعة، والاهم هو تخلي حزب الله عن فكرة ان الجيش اللبناني ضعيف وغير قادر على الدخول في مواجهات.
بحسب مصادر لبنانية وأميركية، لم يتطرق الحديث في اللجنة العسكرية المشتركة الى السياسة بأي شكل من الاشكال، لا حزب الله ولا القرار 1701 ولا سوريا. الجانب الاميركي يعرف الواقع على الارض ويعرف حجم التوقعات ومدى النفوذ الأميركي، ولم يطالب الجانب الأميركي باستراتيجية دفاعية هي محور النقاش في بيروت وتبدو كأنها للاستهلاك المحلي وإدارة الازمة. نظرة البنتاغون الى الجيش منفصلة عن دينامية الصراع العربي الإسرائيلي، والمشكلة الرئيسية لا تكمن في البنتاغون بل في الكونغرس الذي يملك القدرة على عرقلة اي صفقة عسكرية او اي مقاربة جديدة حيال المنطقة.
اما المقاربة اللبنانية منذ زيارة الرئيس ميشال سليمان الى واشنطن نهاية العام الماضي فهي ربط مسألة سلاح حزب الله بالسلاح الفلسطيني داخل وخارج المخيمات، اي يتساءل الجانب اللبناني كيف يمكن للحكومة اللبنانية ان تطالب «حزب الله» بالتخلي عن سلاحه او الدخول بحرب أهلية مجانية قبل نزع سلاح المجموعات الفلسطينية ويستفسر من الجانب الاميركي عما اذا كان مستعدا لبحث مصير اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. ما يعني في المحصلة انه بدون تعزيز قوة الجيش اللبناني لا يمكن الرد على التساؤلات الاميركية حول «حزب الله» ولا يمكن الجلوس على طاولة الحوار لبحث استراتيجية دفاعية تقــول فيها قيادة الجيش إن لديها بطاريات دفاعية للتصدي للخــروقات الاسرائيلية للأجواء اللبنانية وسلاحاً مضاداً للمدرعات اذا دخــلت الدبابات الإســرائيلية وطائرات نفاثة مقاتلة لحماية الجنود اللبنانيين على ارض المعركة. هذا تكتيك لبناني فعّال في التعامل مع الأميركيين، لكن يعود بنا النقاش إلى أساس الكلام عن نظام لا يريد دولة.
 

 


المصدر: جريدة السفير

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,624,280

عدد الزوار: 6,998,008

المتواجدون الآن: 72