رئيس وزراء كوسوفو.. رجل دولة يريد محو ماضيه «الدموي»

تاريخ الإضافة الإثنين 15 تموز 2013 - 7:36 ص    عدد الزيارات 796    التعليقات 0

        

رئيس وزراء كوسوفو.. رجل دولة يريد محو ماضيه «الدموي»
هاشم تاتشي بات محل إشادات غربية لسياسته البراغماتية مع أعدائه السابقين في صربيا
بريشتينا: دان بليفسكي*
عندما شن هاشم تاتشي حرب عصابات دموية من جبال كوسوفو، كان ماهرا في الهروب من الاعتقال للدرجة التي جعلت زملاءه من المقاتلين يصفونه بالثعبان. والآن، يريد تاتشي، 45 عاما، وهو القائد السابق لـ«جيش تحرير كوسوفو» ورئيس الوزراء الحالي لكوسوفو، أن يتذكره الناس باعتباره رجل دولة، ففي يونيو (حزيران) الماضي وافق تاتشي على اتفاق تاريخي لتقاسم السلطة مع صربيا، في خطوة وصفتها أوروبا والولايات المتحدة بأنها انتصار للسلام والمصالحة في المنطقة بعد حروب البلقان في التسعينات من القرن الماضي، التي قتل فيها نحو 120,000 شخص، بينهم أكثر من 10,000 في كوسوفو وحدها.

وُصف تاتشي في واشنطن وبروكسل على أنه «جيري أدامز البلقان»، وباتت بلاده على الطريق نحو أوروبا، كما تم ترديد اسمه ضمن المرشحين للحصول على جائزة نوبل للسلام. ومع ذلك، لا يزال تاتشي شخصية مكروهة للغاية في صربيا، وهو ما يعكس التحديات المتمثلة في التغلب على العداوات العرقية في منطقة ما زالت تسيطر عليها ذكريات الماضي. ويقول قادة سابقون في «جيش تحرير كوسوفو» ودبلوماسيون غربيون إن تاتشي كان زعيما متحجر القلب خلال حرب كوسوفو بين عامي 1998 و1999، وهو الذي أمر بالاعتقالات والاغتيالات وعمليات التطهير في صفوف جيش المتمردين للقضاء على المنافسين المحتملين، غير أن تاتشي قد نفى ذلك بشدة.

وقالت ليليانا سماغلوفيتش، وهي معلقة صربية بارزة ورئيسة اتحاد الصحافيين الصرب: «معظم الناس في صربيا ينظرون إلى تاتشي على أنه مجرم حرب لم يتم محاكمته، في تجسيد للمعايير المزدوجة لعدالة المنتصر. إنه يريد الآن أن يمحو ماضيه، ولا يوجد أدنى شك في سعيه الحثيث للقيام بذلك. لكن كل أمراء الحروب في يوغوسلافيا السابقة يصورون أنفسهم على أنهم ديمقراطيون ليبراليون». وفي مقابلة شخصية، رفض تاتشي هذا التوصيف، مشيرا إلى أنه كان يخوض حربا وحشية ضد عدو عنيف، مضيفا: «كنت أقاتل على الجانب الصحيح من التاريخ، لتحرير شعبي من الطغيان ضد عدو لا يعرف الرحمة ويقاتل بهدف الإبادة الجماعية».

ومع ذلك، لا يزال الماضي يطارده، ففي عام 2010، اتهم تقرير لـ«مجلس أوروبا»، تاتشي بقيادة مجموعة «تشبه المافيا» قامت بتهريب الأسلحة والهيروين والأعضاء البشرية خلال الحرب وبعدها. ورفض تاتشي تلك الاتهامات أيضا، ووصفتها حكومة كوسوفو آنذاك بأنها «مهينة». وفي شهر أغسطس (آب) 2011، شكل الاتحاد الأوروبي فرقة عمل خاصة للتحقيق في صحة ادعاءات الاتجار بالأعضاء البشرية، بما في ذلك ما إذا كان تاتشي قد تورط في ذلك أم لا. ولم يتم الكشف عن نتائج التحقيقات حتى الآن.

وعندما سئل عن هذه الاتهامات، بما في ذلك الادعاءات بأن ألبان كوسوفو قد خطفوا صربا خلال الحرب ووضعوهم في «بيت أصفر» سري في ألبانيا، أبدى تاتشي استياءه قائلا: «لم يحدث شيء من هذا القبيل، وليس لدينا ما نخفيه. كلما تم إيضاح هذه المسألة بصورة أسرع، كان ذلك أفضل لكوسوفو. إنه عبء ثقيل للغاية بالنسبة لنا، ونحن نؤمن بالحقيقة وبالعدالة».

ولو نجح اتفاق تقاسم السلطة فسيكون بمثابة رد اعتبار لتاتشي ونقطة تحول بالنسبة لبلاده، التي تكافح من أجل الحصول على قبول دولي كامل. وقال تاتشي إن تجربته زمن الحرب قد علمته أن يكون صبورا خلال المحادثات التي استمرت لمدة ستة أشهر وكانت تجري على مدى 12 ساعة يوميا خلال العام الجاري، عندما واجه خصمه السابق رئيس الوزراء الصربي إيفيتشا داسيتش. يذكر أن داسيتش كان في وقت الحرب هو المتحدث الرسمي باسم الزعيم الصربي السابق سلوبودان ميلوشيفيتش، الذي حاولت قواته، دون نجاح، مطاردة تاتشي وقتله.

وقال تاتشي وهو يتذكر أول مصافحة مع داسيتش: «لم يكن من السهل جلوس عدوين لدودين في الماضي على نفس الطاولة»، مشيرا إلى أن البرغماتية هي التي سادت في نهاية المطاف. وقد أسهم في ذلك كثيرا الاحتفاء به في موطنه كمحارب سابق.

ويأتي تاتشي الرجل الرياضي النحيف، والابن السابع بين تسعة أبناء من عائلة من الفلاحين في منطقة درنيكا بإقليم كوسوفو معقل المقاومة الألبانية للصرب. وقال إن القتال يجري في دمائه، فقد حارب جده الأب النازيين، وبعد الحرب صمدت عائلته بقوة لمكافحة الشيوعيين الذين قاتلوا ضد القوات الصربية في الجيش اليوغوسلافي. وأشار إلى أنه كان ناشطا في سن المراهقة، وتحول إلى السياسة أثناء زيارة الأسرة في فيينا وباريس في الثمانينات، وشاهد مدى إمكانية الحياة بسلام بعيدا عن هراوات الشرطة الصربية.

بعد ذلك انضم إلى جيش تحرير كوسوفو. وعلى الرغم من تفضيل البعض، من أمثال إبراهيم روغوفا، أول رئيس لكوسوفو، مقاومة غاندي السلمية، فإن تاتشي دافع بقوة عن الكفاح المسلح. وقال: «لم يكن النظام الصربي ليرضى بالابتسامات والعناق».

في بداية التسعينات سافر لاستكمال دراساته العليا في السياسة والتاريخ في سويسرا، وهو متزوج ولديه ابن. ويعود إليه الفضل في تحويل جيش تحرير كوسوفو المنقسم وصعب المراس إلى آلة قتال موحدة في أواخر التسعينات، أثناء احتدام اشتباكات مع القوات الصربية. ويذكر زملاؤه كيف عبر الحدود الجبلية بين كوسوفو وألبانيا أكثر من 50 مرة وهو يرتدي زيا مموها رثا ويتهرب من القناصة الصرب، عبر الثلوج. ويذكر بتريت سليمي، نائب وزير خارجية كوسوفو: «كان شخصية كارزمية قوية وشجاعة».

وخلال محادثات السلام التي جرت برعاية منظمة حلف شمال الأطلسي في رامبوييه، فرنسا، أوائل عام 1999، ترك تاتشي انطباعا قويا لدى مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك. وأثبت برغماتيته عندما وقع على اتفاق التسوية الذي لم يرق إلى ضمان استقلال كوسوفو. لكن المحادثات انهارت في نهاية المطاف عندما رفضت بلغراد سحب جميع قواتها العسكرية، مما دفع حلف شمال الأطلسي إلى شن حملة قصف جوي.

بعد الحرب، كان له الفضل في نزع سلاح جيش الثوار، على الرغم من أن الآلاف من الصرب أجبروا على الفرار خشية التعرض لهجمات انتقامية. وقام بتأسيس الحزب الديمقراطي لكوسوفو، الذي تألف بشكل كبير من أفراد مقاتلين سابقين. وبعد خسارة الحزب جولتين انتخابيين متتاليتين، في ضربة غير متوقعة، قام بتعديل صورته كمقاتل وطني، وأقام علاقات أوثق مع الغرب، إلى أن فاز في النهاية بانتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) 2007.

وعلى الرغم من أنه يعزى إليه الفضل على نطاق واسع في قيادة كوسوفو نحو الاستقلال - وصفه نائب الرئيس الأميركي جوزيف بايدن بأنه «جورج واشنطن كوسوفو» - واجهت حكومته أيضا اتهامات متكررة باستشراء الفساد.

وواجه في مايو (أيار) الماضي، ضربة أخرى هنا عندما أمرت محكمة الاتحاد الأوروبي باعتقال سبعة من قادة جيش تحرير كوسوفو السابق لاتهامهم بجرائم حرب، بما في ذلك اثنان من مساعديه.

ويصر تاتشي على أنه وجنوده كانوا مقاتلين للحرية. واقتبس أبياتا من أغنية شهيرة للمطرب ستينغ قال إنه استمع إليها كقائد حرب عصابات شاب. ويقول: «خذ أكثر من سترة عسكرية لتصنع رجلا. خذ أكثر من رخصة لبندقية، واجه أعداءك، وتجنبهم عندما تستطيع، فالرجل الحر يمشي لكنه لا يفر».

* خدمة «نيويورك تايمز»

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 154,605,678

عدد الزوار: 6,957,068

المتواجدون الآن: 63