بورقيبة يصطدم بعبدالعزيز الثعالبي ويرثه...بن علي ألغى بورقيبة حياً وميتاً... و«الثورة» أعادت ترميزه في شكل «محيّر»! 1-2

تاريخ الإضافة السبت 21 كانون الثاني 2012 - 7:38 ص    عدد الزيارات 1193    التعليقات 0

        

بورقيبة يصطدم بعبدالعزيز الثعالبي ويرثه: كوّنتُ شعباً من «حفنة غبار» (1 من 2)
حسونة المصباحي

الكاتب التونسي حسونة مصباحي يختزل، في كتابه «رحلة في زمن بورقيبة»، حياة رئيس تونس الأسبق، ويتتبع في مساحة مختصرة مفاصل حياة الزعيم الغنية، نشأة، ونضالاً، وحباً، وحكماً. وسجل الكاتب بتقدير لـ «المجاهد الأكبر» كما يحب أن يلقب، أنه كان سابقاً لعصره بحدسه السياسي الخارق، فقد كفر بالألمان في عز سطوتهم، وبالاشتراكية في أيام فتوّتها، كما هجر الوحدات العربية والإسلامية، ولم يقتنع بمثالية رمي إسرائيل في البحر!

وفي جانب ملفت يعتبر الكاتب أن أحد الجوانب الأكثر تأثيراً في الراحل، كان «المسرح»، إذ انضم إلى إحدى الفرق المسرحية، ومثل إلى جانب حبيبة مسيكة، الفنانة اليهودية الفائقة الجمال التي أحرقها أحد عشاقها غيرة، في مسرحية «شهداء الحرية» المقتبسة من مسرحية «الوطن» لفيكتوردو ساردو. ويبدو أن قلب الفتى خفق حباً للفنانة التي كان عشاقها كثيرين في المدينة. وعندما عرف أن الوصول إلى قلبها صعب بل مستحيل، طلب منها ذات ليلة، وهما يستعدان للصعود على خشبة المسرح أن تُقبله «لا قبلة الأم لابنها، ولا الأخت لأخيها، وإنما قبلة العشيقة للعشيق». واستجابت حبيبة مسيكة لطلبه. وبعد مرور عقود طويلة على ذلك، روى تفاصيل الواقعة في أحد خطبه الرسمية أمام شعبه المذهول، ولاحظ كثيرون أن المسرح علّم بورقيبة «سحر الكلمة، وسلطة الصمت، وأهمية الحركة، والتغير في مقام الصوت، والتعبير الخاطف على الوجه». في ما يلي حلقة أولى من مقتطفات، اخترناها من الكتاب الذي يصدر قريباً عن «دار جداول للنشر»، وغداً حلقة ثانية أخيرة.

في خطاب شهير ألقاه في جنيف في شهر حزيران (يونيو) 1973، أمام المنظمة العالمية للعمل، قال بورقيبة «من حفنة من غبار، من خليط من القبائل والعروش، كلها كانت مستسلمة للخنوع والمذلة، صنعت شعباً وأمة!». والحقيقة أن «حفنة من غبار» لم تكن من مبتكرات بورقيبة التي كانت كثيرة، وإنما هي عبارة تلفظ بها أحد المقيمين العامين الفرنسيين واصفاً بها الشعب التونسي. وقد استعملها بورقيبة، أو «المجاهد الأكبر» كما كان يحب أن يسمى، للتأكيد على أنه لعب الدور الحاسم والأساسي في صنع تونس الحديثة مقصياً الزعماء الآخرين، أو مقلّصاً من أدوارهم. ونحن نقر أن هناك مبالغة من جانبه في هذا الأمر. غير أننا لا ننكر أنه كان أحد الصانعين الأساسيين لصورة تونس الحديثة. كما أنه أقام نظاماً جمهورياً عقب مسيرة نضالية طويلة عرف خلالها السجن والإبعاد، وأمن للمرأة حقوقها في التعليم والعمل والإرث والانتخاب، وأطلق ثورة تعليمية غيرت وجه البلاد، وقضى على الكثير من المظاهر القبلية والعروشية، وضمن الصحة لجميع التونسيين، وفتح دور الثقافة في كل مدينة وفي كل قرية، وجعل من تونس، البلد الصغير المحدود الثروات، جسراً بين الشرق والغرب.

باختصار يمكن القول إن بورقيبة نجح إلى حد بعيد في إقامة المرتكزات والأسس التي تقوم عليها الدولة الحديثة. وكان من أكثر القادة العرب والأفارقة المعاصرين له إدراكاً لمتطلبات العصر، وفهما للحضارة الغربية ولنواميسها، ومستفيداً منها، استطاع أن يحقق نجاحات كثيرة في المجالات الاجتماعية والسياسية والثقافية والتربوية.

غير أن بورقيبة لم يأت من فراغ وإنما كان ثمرة حركة إصلاحية هامة عرفتها البلاد التونسية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وتحديداً منذ عام 1857، عندما سُنَّ أول دستور تونسي حمل اسم «عهد الأمان». وقد تم ذلك تحت ضغط نخب تونسية مؤمنة بالإصلاح والتحديث. وعقب المصادقة على «عهد الأمان» عرفت البلاد التونسية إصلاحات كبيرة في مجالات عدة. وقد أشرف على عمليات الإصلاح تلك، الوزير خير الدين باشا التونسي (1822-1890) صاحب كتاب «أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك» الذي صاغ فيه رؤيته الإصلاحية لمجمل العالم الإسلامي.

وعلى رغم الصعوبات التي واجهها، فإن الوزير خير الدين واصل عمليات الإصلاح بانياً لها أسساً متينة كان من أبرزها تشجيع الطباعة والنشر، وإنشاء «المدرسة الصادقية» عام 1874. وكان لإنشاء هذه المدرسة التي تخصصت في تعليم اللغات الأجنبية، والعلوم الصحيحة أثر كبير في تاريخ البلاد. فقد تخرج منها جل النخب التي سوف تلعب أدواراً مهمة في مجال النضال الوطني بالخصوص، وفي مجالات أخرى، ثقافية واجتماعية وتربوية. وكان الحبيب بورقيبة أحد خريجي هذه المدرسة العتيدة.

ومنذ مطلع القرن العشرين، بدأت النخب السياسية المتخرجة من «المدرسة الصادقية» أو من «المدرسة الخلدونية» التي أسسها المناضل الوطني البشير صفر عام 1896، تنظم صفوفها لمواجهة الاحتلال الفرنسي. وكانت النوادي الثقافية والصحف هي وسيلتها المفضلة لنشر أفكارها. ثم لم تلبث هذه النخبة أن أسست حركة سياسية أطلق عليها اسم «تونس الفتاة». وقد تزعم هذه الحركة التي كانت تحثّ السلطة الفرنسية على تمكين التونسيين من الاضطلاع بالمسؤوليات السياسية، المناضل المرموق علي باش حامبة الذي سوف يموت في ما بعد في منفاه السويسري. ومن خلال جريدة «التونسي» التي أسسها عام 1907، استطاع علي باش حامبة ورفاقه المحيطون به أن يبعثوا الحيوية في الحركة الوطنية، وأن يوقظوا المشاعر الوطنية لدى عدد كبير من التونسيين.

الطريق إلى الزعامة

ومن المؤكد أن بورقيبة الذي ولد عام بورقيبة مع جمال عبدالناصر.jpg 1903 في المنستير (البعض يقول إنه ولد عام1900) قد تأثر منذ طفولته الأولى بالحركات السياسية والثقافية التي ظهرت في البلاد. وكانت منطقة الساحل، من أكثر المناطق تأثراً بالأفكار الوطنية والإصلاحية. ومثلما يؤكد المؤرخ الفرنسي شارل اندريه جوليان، فإن عائلات هذه المنطقة، بما في ذلك الفقيرة منها، كانت حريصة على تعليم أبنائها، وعلى إرسالهم إلى أرقى المدارس. وكان والد بورقيبة، علي بورقيبة الذي كان يعمل في عسكر الباي من ضمن الذين يتطلعون إلى مستقبل أفضل لأبنائهم. لذا أرسل كل أبنائه إلى المدارس العصرية. وكانت عائلة بورقيبة المتواضعة قد شاركت عبر الجد والعم في الانتفاضة الشهيرة التي هزت منطقة الساحل التونسي عام 1864. وقد قام الجنرال زروق بقمع تلك الانتفاضة بشدة و عنف. فكانت الضحايا بالمئات بين قتلى وجرحى ومساجين و مشردين.

كان بورقيبة في الخامسة من عمره حين غادر المنستير إلى العاصمة تونس، ليستقر مع أخويه الكبيرين اللذين كانا يعملان في حي «تربية الباي» الواقع في قلب المدينة العتيقة حيث كانت تعيش العائلات التونسية العريقة. والملفت للانتباه هو أن بورقيبة لا يتحدث إلا قليلاً عن والده. أما والدته فقد كانت تحتل مكانة خاصة في قلبه. والثابت أنه كان شديد التعلق بها، هو الذي كان أصغر إخوانه وأخواته الثمانية. وحتى عندما أصبح رئيساً، كان يجهش بالبكاء كلما ذكرها في خطبه الرسمية. وفي واحد من هذه الخطب تحدث عنها بتأثر بالغ قائلاً: «كانت أمي تعمل دون انقطاع من الصباح حتى المساء. والإرضاع المتواصل، والأعمال الشاقة الأخرى هدت صحتها». وفي خطاب آخر، ذكر بورقيبة أن الآلام التي تجرعتها والدته في حياتها كأم وكربة بيت هي التي جعلته يعجل، حال تسلمه السلطة، في تأمين حقوق المرأة التونسية. والواضح أن وفاة الأم أثرت في عادات العائلة.

وفي كتابه «حياتي ،أرائي جهادي» يتحدث بورقيبة عن والده قائلاً: «اضطرته العزلة إلى قضاء جانب من وقته في السهر. وكان معظم جلسائه من قدماء العساكر الذين وصلوا مثله لرتبة ضابط». وفي عام 1913 توفيت والدة بورقيبة فكانت الصدمة الأشد في حياته حتى تلك الساعة. وفي ما بعد سوف يحدث عن ذلك قائلاً: «إن الحدث الجسيم الذي طبع حياتي عام 1913 كان موت أمي. وسيظل هذا الحدث حاضراً في كياني بصفة مؤلمة حتى اللحظة الأخيرة من حياتي».

ولم يلبث بورقيبة أن التحق بـ «المدرسة الصادقية» التي كان يرتادها أبناء العائلات المرفهة. غير أن التعليم العصري لم يله الطفل الصغير الذي كان ينتعل حذاءً مثقوباً عن تعلم القرآن الكريم. وهذا ما سوف يساعده في ما بعد على كسب قلوب الناس في أنحاء البلاد. وفي مطلع الثمانينات، عندما بدأت حركة النهضة بزعامة راشد الغنوشي تتغلغل في أوساط الشباب، أراد بورقيبة أن يعطي درساً لمن كانوا متعاطفين معها. وفي «يوم العلم» الذي ينتظم كل نهاية سنة دراسية، كان يوزع الجوائز على المتفوقين عندما وقف أمامه طالب ملتح فسأله «هل تحفظ القرآن؟».. نعم، سيدي الرئيس رد الطالب الملتحي. وعندئذ تلا بورقيبة آية من القرآن الكريم، ثم طلب من الطالب إكمالها فتلجلج لسان هذا الأخير، وبدا عليه الارتباك. ومرة ثانية، تلا بورقيبة آية أخرى، ثم طلب من الطالب الشيء ذاته، فما استطاع هذا الأخير تنفيذ الطلب الرئاسي. وكانت المحاولة الثالثة شبيهة بالمحاولتين السابقتين. وعندئذ غضب بورقيبة، وخاطب الطالب الملتحي بشيء من الحدة قائلاً: «الأفضل لك أن تحفظ القرآن عوضاً أن تُطْلِقَ هذه اللحية!».

ومن المشاهد التي ظلت راسخة في ذاكرة بورقيبة عندما كان في المدرسة الصادقية، قدوم الباي إلى قصر الحكومة بالقصبة. وقد وصف ذلك في أحد خطبه قائلاً: «رأيته ينزل من العربة، وكان شعر لحيته ورأسه أشقر. أما صدره فكان مزيناً بالنياشين». ولعل هذا المشهد هو الذي ولّد في نفس الطفل الصغير الرغبة في أن يكون ذات يوم شخصية كبيرة لها تلك المهابة، وذلك الوقار، وتلك النياشين التي تزين الصدر.

في «حياتي، أرائي، جهادي» يروي بورقيبة أنه كان شغوفاً بالدروس التي كان يلقيها شيوخ جامع الزيتونة المتمكنين من اللغة العربية وأدابها القديمة بالخصوص، والذين كانوا يدعون التلاميذ إلى حفظ «المعلقات العشر». وقد وجد الطفل بورقيبة في تلك المعلقات ما حرضه على حفظها. ومن بين تلك المعلقات التي أعجب بها، لامية السموأل التي يقول في مطلعها:

إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه

فكل رداء يرتديه جميل

كما أعجب بمعلقة عمرو بن كلثوم التي يقول في مطلعها:

ألا هبي بصحنك فأصبحينا

ولا تبقي خمور الأندرينا

مشعشعة كأن الحص فيها

إذا ما الماء خالطها سخينا

في ما بعد، خلال الاحتفالات الضخمة التي كانت تقام لمناسبة عيد ميلاده في قصر «صقانس» بمسقط رأسه المنستير، كان بورقيبة يطرب بالخصوص للعكاظيات الشعرية. ويومياً كان يجلس محاطاً بوزرائه وبكبار الشخصيات في الدولة والحزب، وقد بدا شبيهاً بملوك العرب القدامى، ليستمع إلى شعراء الفصحى والدارجة وهم غلاف كتاب "رحلة في زمن بورقيبة".jpg يتغنون بأمجاده وبطولاته. وكان أحمد اللغماني، أصيل قرية «الزارات» بالجنوب التونسي، شاعره المفضل، والأكثر صدقاً ونزاهة. وقد تكون القصائد التي كتبها هذا الشاعر في مدح بورقيبة هي أجمل قصائده على الإطلاق.

سرّ المسرح والحسناء اليهودية

في سن السابعة عشرة، اكتشف الفتى الحبيب بورقيبة سحر المسرح، وذلك بمساعدة أخيه محمد الذي كان رجلاً متفتحاً ومحباً للفن. وكان آنذاك في التاسعة والثلاثين من عمره. وكان قد تعاطف في فترة من حياته مع الحزب الشيوعي التونسي، وطاف بحكم عمله (كان ممرضاً) في البلاد من أدناها الى أقصاها. وصادف أن توعكت صحة الحبيب بورقيبة، فذهب لزيارة أخيه الذي كان يعمل في مدينة الكاف. وخلال الفترة التي أمضاها في المدينة الشمالية الواقعة بالقرب من الحدود التونسية - الجزائرية، تعلم لعب الورق، وتناقش مع الجنود العائدين من جبهات القتال، وسمع لأول مرة باسم مصطفى كمال أتاتورك الذي سيصبح عقب سنوات قليلة على ذلك (نحن الآن في عام 1920) المثال الأرقى بالنسبة له، خصوصاً في مجال تحديث المجتمع وبناء أسس الدولة العلمانية. غير أن إعجابه المبكر بالزعيم التركي لن يثنه في ما بعد عندما أصبح رئيساً للجمهورية عن انتقاد بعض الجوانب في سياسته. ففي خطاب أمام الطلبة التونسيين عام 1973 أشار بورقيبة أن إعلان أتاتورك عن قيام الجمهورية بعد انهيار الامبراطورية العثمانية كان «أشبه شيء بكارثة نزلت على المسلمين». إذ إن أتاتورك بحسب رأيه كان «يحب الظهور بمظهر المجدد المقتفي لآثار العصر. لذلك فضل تقليد مظاهر الحياة في باريس وجرّد الدولة التركية من كل صفاتها الدينية ليجعلها لائكية لا تعترف بالأديان رغم تشبث الشعب التركي بدينه الإسلامي إلى حد التزمت أحياناً». وأضاف بورقيبة قائلاً إن أتاتورك ذهب في نشر لائكية لم تذهب إليها فرنسا بعد ثورتها العلمانية.

غير أن المسرح كان أهم اكتشاف له وهو في الكاف. وكان أخوه محمد أحد المولعين بهذا الفن، وهو الذي كشف له عن أسراره وخفاياه، وعن المتع التي يجلبها للمتفرج. وعندما عاد إلى تونس العاصمة ازداد ولعه بالمسرح، بل إنه انضم إلى إحدى الفرق المسرحية، ومثل إلى جانب حبيبة مسيكة، الفنانة اليهودية الفائقة الجمال التي أحرقها أحد عشاقها غيرة، في مسرحية «شهداء الحرية» المقتبسة من مسرحية «الوطن» لفيكتوردو ساردو. ويبدو أن قلب الفتى خفق حباً للفنانة التي كان عشاقها كثيرين في المدينة. وعندما عرف أن الوصول إلى قلبها صعب بل مستحيل، طلب منها ذات ليلة، وهما يستعدان للصعود الى خشبة المسرح أن تقبله «لا قبلة الأم لابنها، ولا الأخت لأخيها، وإنما قبلة العشيقة للعشيق». واستجابت حبيبة مسيكة لطلبه. وبعد مرور عقود طويلة على ذلك، روى تفاصيل الواقعة في أحد خطبه الرسمية أمام شعبه المذهول.

ومثلما قال أحدهم فإن المسرح علّم بورقيبة «سحر الكلمة، وسلطة الصمت، وأهمية الحركة، والتغير في مقام الصوت، والتعبير الخاطف على الوجه». وهذا ما يفسر براعته الخطابية. تلك البراعة التي كانت تجعل التونسيين بجميع فئاتهم، يتجمعون أمام المذياع أو التلفزيون للاستماع إلى خطبه التي كان بعضها عبارة عن مسرحيات ممتعة من نوع الـ «وان مان شو». وفي كتاب «العقود الثلاثة لبورقيبة»، يروي وزير الداخلية السابق الطاهر بلخوجة أن بورقيبة كان قبل إلقاء أي خطاب من خطبه، يمضي ساعات في التمارين، تماماً مثلما يفعل الممثل قبل الصعود الى المسرح!

الثورات الفاشلة!

عند عودته إلى العاصمة (بعد أن غاب في المشرق العربي فترة)، رفع بورقيبة تقريراً إلى المقيم العام الفرنسي الجديد يحتوي على جملة من المقترحات والمطالب بهدف إجراء إصلاحات، خصوصاً في مجال الإدارة والتربية، وتمكين الشعب التونسي من حقه في العدالة والحرية والكرامة. وفي انتظار الجواب، عاد بورقيبة إلى الطواف في البلاد طولاً وعرضاً بهدف إعادة تنظيم الحزب وتوسيع قاعدته. وفي كل قرية أو مدينة يصلها كان يجمع الناس ليلقي فيهم خطاباً بحماسته المعهودة مخاطباً إياهم بـ «اللغة التي يفهمونها» كما كان يحب أن يقول. وأحياناً كان يسمح لمثقفين فرنسيين متعاطفين مع الحركة الوطنية، مثل «فيليسيان شالاي» و«جان روس» بمرافقته في تلك الجولات. وكان يحب أن يقود بنفسه سيارته المتواضعة من نوع «بيجو». وعندما يكون الطقس حاراً كان ينزع سترته ويعلقها على نافذة السيارة لتجف من العرق.

وبفضل تلك الجولات، اكتسب بورقيبة شعبية لم يكتسبها زعيم وطني آخر. فكان الناس يستقبلونه في كل مكان يحل به بترحاب كبير. وباهتمام وانتباه كانوا ينصتون إلى كل كلمة يقولها. وكان يحدثهم عن همومهم وعن مشاكلهم و عن وطنهم الذي أفقده الاستعمار «روحه ومعناه». وفي بعض المناطق تخلى الشعراء الشعبيون عن قصائد الحب والغزل ليلقوا أمام الزعيم الشاب قصائد تتغنى بالوطن وبالحرية. وبعد أن ينتهي من خطبه الحماسية كان بورقيبة يقول لمرافقيه: «لست من المولعين بالمشاريع الوهمية ولا من ذوي مذاهب الثورات الفاشلة». وكان يقول أيضاً: «إن إثارة الرأي العام و إعلامه بالأوضاع والإمكانات وإرشاده إلى الخطة المتبعة هو دور القائد بالذات».

حان وقت النزال!بورقيبة مع العاهل المغربي محمد الخامس في خمسينات القرن الماضي.jpg />
في عام 1937 وجد بورقيبة نفسه مجبراً على خوض معركة سياسية جديدة. ففي تموز (يوليو) من تلك السنة، عاد الشيخ عبدالعزيز الثعالبي من رحلة استمرت سنوات طويلة، طاف خلالها في بلاد المشرق، وارتبط بعلاقات صداقة وثيقة مع زعماء من مصر والعراق واليمن والكويت وبلاد الشام. وكان الشيخ الثعالبي، خريج الجامعة الزيتونية يتمتع باحترام واسع داخل البلاد، خصوصاً عقب صدور كتابه «تونس الشهيدة». وكان إلى جانب نشاطه السياسي، فقيهاً بارزاً، ومؤرخاً قديراً، ورجل علم وخطابة. وإذا ما كان أنصار الحزب الدستوري القديم يأملون أن تساعدهم عودة الشيخ الثعالبي على كسب المواقع التي خسروها في معركة 1933 و1934، فإن الحبيب بورقيبة ورفاقه في الحزب الحر الدستوري الجديد كانوا يخططون لكسب الشيخ المناضل إلى صفوفهم. لهذا هرعوا لاستقباله في الباخرة التي أقلته من مرسيليا إلى ميناء حلق الوادي. وفي الكرسي الوثير الذي جلس عليه في الباخرة راح الشيخ الثعالبي يتحدث إلى مستقبليه بلهجة الأب المعجب بما قام به من أعمال واتصالات خلال رحلته الطويلة. وقد أعلمهم أنه أصبح صديقاً للعديد من الحكام والشخصيات في العالم العربي - الإسلامي مردداً في كل مرة أن الفكرة الصالحة تنتشر ولا تنقرض أبداً. غير أن الدستوريين الجدد سرعان ما أدركوا أن غياب الشيخ المديد قطعه عن واقع البلاد. لذلك سيعلن بورقيبة بعد اجتماع انعقد بين الحزبين أن المسيرة الوطنية سوف تتواصل برفقة الشيخ أو بمعزل عنه. غير أن الشيخ الثعالبي لم يكترث كثيراً بالدستوريين الجدد. بل لعله حسبهم شباناً متحمسين يسهل عليه ترويضهم. لذا كان واثقاً من أن الشعب سيكون إلى جانبه في المعارك السياسية التي كان يعتزم خوضها لاستعادة زعامتها. وكان أن بادر بالقيام بجولات دعائية رفقة أعضاء اللجنة التنفيذية. و قد تمكن من إحراز تأييد سكان الوطن القبلي الذين استقبلوه استقبالاً حاراً، خصوصاً في الحمامات. لكن، عندما انتقل إلى الساحل تعكر الجو وبدأ الشيخ يفتقد هيبته ووقاره، فقد استقبله الناس هناك بكثير من الجفاء بل نعتوه بـ «الديكتاتور» و بـ «الخائن»، بـ «عميل بريطانيا». لذلك سارع الشيخ الثعالبي بالعودة إلى تونس موجع القلب. وقد استغل بورقيبة هزيمة خصمه فقام بجولة في القيروان لكسب تأييد أبناء الجلاص. وفي الخطب التي ألقاها هناك لم يتردد في انتقاد سياسة الشيخ الثعالبي وأفكاره التي لا تمت للواقع التونسي بصلة، بحسب تعبيره.

وساعياً الى استعادة الزعامة توجه الشيخ الثعالبي إلى مدينة ماطر، التي ظلت حتى ذلك الوقت معقلاً للحزب الدستوري القديم وأنصاره، وهناك تعرض إلى هجوم مسلح نجا منه بأعجوبة في حين قتل سائقه الخاص في عين المكان. و تكرر الأمر ذاته في «فيريفيل» (منزل بورقيبة الآن) وفي باجة. عقب تلك الأحداث الأليمة اعتزل الزعيم العجوز السياسة ولازم بيته في المدينة العتيقة إلى أن وافاه الأجل المحتوم عام 1944. وقبل ذلك كان قد حاول الانتقام من خصمه بورقيبة فأدلى بشهادة ضده عام 1939 متهماً إياه بالتآمر ضد أمن الدولة. أما بورقيبة الذي حقق انتصاراً جديداً في معركة لا تقل ضراوة عن معاركه السابقة، فقد أصبح سيد الموقف. ولعله كان يشعر أن تونس كلها، ببدوها وحضرها، وبمدنها وأريافها أصبحت خاضعة ومطيعة له. فالزعماء من طينته يتعاملون مع أوطانهم وكأنها ملك خاصّ له وحده. لذلك راح يسعى جاهداً الى كسب المزيد من الأنصار، والى وضع المنظمات الشعبية الأخرى تحت سيطرة الحزب الحر الدستوري. ولتحقيق هذا الهدف الأخير، نجح في فرض شاب من المنستير يدعى الهادي نويره كأمين للمالية في الاتحاد العام التونسي للشغل بقيادة فرحات حشاد، ومنذ تلك الفترة شرع بورقيبة يقسم التونسيين إلى صنفين: الذين مع الحزب، والذين ضده، وأثناء ذلك شرع المعمرون الفرنسيون يتحركون لإجبار السلطات الفرنسية على التراجع عن سياسة الانفتاح تجاه القوى الوطنية.

وعندما لم يتلق بورقيبة رداً إيجابياً على المقترحات التي كان رفعها إلى المقيم العام بعد عودته من معتقل «برج البوف»، تخلى عن اعتداله، وخلال مؤتمر الحزب الحر الدستوري الذي انعقد بين 30 تشرين الأول (أكتوبر)، و2 تشرين الثاني (نوفمبر) 1937، خاطب الشعب التونسي بلهجة حازمة، مطالباً إياه بضرورة الثبات في الدفاع عن مصالحه الوطنية «اعتماداً على قواه الذاتية»، وليس «على الوعود الاستعمارية الكاذبة». وعبّر البيان الختامي الصادر عن المؤتمر المذكور عن تضامن الحزب الحر الدستوري التونسي مع الحركات الوطنية في كل من الجزائر والمغرب.

وبحلول عام 1938 شرعت السلطات الاستعمارية تضيق الخناق على الزعماء الوطنيين. وقامت باعتقال صالح بن يوسف، المحامي الشاب الذي درس في باريس هو أيضاً، والذي سيكون خصماً لدوداً لبورقيبة في معركة لاحقة. وفي 8 نيسان (أبريل) 1938، اعتقل زعيم الشباب، علي البلهوان، بعد أن قاد تظاهرة شعبية صاخبة في شوارع العاصمة احتجاجاً على السياسة الاستعمارية. وفي 9 نيسان من السنة ذاتها، خرجت الجماهير بأعداد وفيرة إلى شوارع العاصمة احتجاجاً على اعتقال علي البلهوان، فتصدت لها قوات الجيش والشرطة بالحديد والنار. وفي بضع ساعات تلطخت شوارع العاصمة وساحاتها بدماء عشرات بورقيبة مع الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي.jpg القتلى والجرحى.

أثناء تلك الأحداث كان الحبيب بورقيبة على فراش المرض. وقد كتب مقالة جاء فيها: «لقد استولت على الشعب اليوم نشوة مقدسة إذ أثار عنف الاضطهاد عواطفه وإن لم يكن هذا الاضطهاد إلا في المرحلة الأولى، وإنه ليصعب علي اليوم أن أقود الحركة وأنا رهن الفراش، ولست أدري ما سيؤول إليه الأمر في المستقبل القريب عندما ألتحق بأقراني في السجون المضيقة، وعندما يلقى القبض على جميع القادة وجميع إطارات الحزب والمسؤولين، فليست عادتي أن أفارق زملائي ولا أن أتأخر عن القافلة عندما يسقط أصحابي الواحد تلو الآخر تحت اضطهاد الاستعمار الغاشم. إننا اليوم نسير حثيثاً نحو التحرير النهائي».

ما أن أكمل تلك المقالة حتى داهمت الشرطة الفرنسية بيت بورقيبة لتقوده إلى السجن من جديد.

 

 

بن علي ألغى بورقيبة حياً وميتاً... و«الثورة» أعادت ترميزه في شكل «محيّر»! (2 من 2)
حسونة المصباحي

أفلح الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، كما يقول الكاتب التونسي حسونة المصباحي، في إلغاء ولي نعمته بورقيبة حياً بعد تنحيته عن السلطة، وبعد أن مات بمحاولة قلب محاسنه إلى مساوئ. لكن «المجاهد الأكبر» الذي هزم بكياسته سياسيين أعتى وأشرس من ابن علي، وجد أخيراً من يعيد اعتباره بعد «ثورة الياسمين» في تونس. فقد كان «الازدحام شديداً (في مشهد إحياء ذكراه أخيراً) واحتشد الزوار لمشاهدة المعرض الوثائقي الذي أقيم في المناسبة واحتوى على صور للزعيم في مراحل مسيرته النضالية المديدة قبل الاستقلال وبعده».

وافترض المصباحي أن البعض يتساءل عن أسباب «هذا الوفاء المؤثر الذي أظهره التونسيون لبورقيبة خلال الاحتفال المذكور». ليضيف أن الجواب هو أن «التونسيين يعيشون راهناً مرحلة تتسم بالتذبذب والخوف من الحاضر ومن المستقبل بسبب تداعيات وإفرازات الزلزال الذي هز بلدهم مطلع 2011. وبالتالي هم بحاجة الى من يساعدهم على استعادة توازنهم وثقتهم بأنفسهم وقدرتهم على مواجهة المصاعب التي قد تغرق بلادهم في الفوضى والاضطرابات الخطيرة. ولعلهم وجدوا في بورقيبة جل خصال الشخصية التي يرغبون في اللجوء إليها في هذه الفترة». في ما يلي حلقة ثانية أخيرة من مقتطفات اخترناها من كتاب المصباحي «رحلة في زمن بورقيبة» الذي يصدر قريباً عن «دار جداول للنشر».

  قبل عودة بورقيبة إلى تونس، أوائل العام 1952، وعندما أصبح على يقين تام بأن فرنسا لن تستجيب المطالب التي رفعها، صرح قائلاً: «إن الشعب التونسي الذي خاب ظنه في الوعود التي قطعتها السلطات الفرنسية، هو الآن في أوج الغضب والسخط. وسوف يعرف كيف يقدم للعالم الدليل على أنه أصبح ناضجاً للحرية والاستقلال». ثم مخاطباً الولايات المتحدة، القوة العالمية الجديدة، قائلاً: «إن حرية تونس هي الضمان الضروري الوحيد للدفاع عن العالم الحر في البحر الأبيض المتوسط، وعن السلام في جميع أنحاء العالم». بهذه الجملة رسم بورقيبة بخطوط عريضة السياسة الخارجية التي سوف ينتهجها عندما سيصبح رئيساً لأول جمهورية تونسية.

في ذلك الوقت كان بورقيبة في حوالى الخمسين من عمره. وكان فرض وجوده كزعيم سياسي كبير لا على المستوى التونسي والمغاربي فحسب، وإنما على المستوى العالمي أيضاً. وكانت المعارك الكبيرة والصغيرة التي خاضها منذ مطلع الثلاثينات وحتى ذلك الحين أثبتت ذكاءه ومهارته وبعد نظره وقدرته على المناورة وكسب الانتصارات حتى في أحلك الظروف. كما أثبتت تلك المعارك صلابته ورفضه أشكال التخاذل والخوف والتعلق بالمصالح الشخصية. وبفضل قيادته الرشيدة والحكيمة، أصبح الحزب الحر الدستوري الذي أنشأه في ربيع عام 1934، يتمتع بنفوذ كبير في البلاد، وبات يحظى بأنصار لا من الطبقات الفقيرة والمتوسطة فحسب، بل أيضاً من الارستقراطية الحاكمة، ومن البورجوازية الوطنية، ومن رجال الدين، ومن أعيان القبائل، ومن النخبة المثقفة الجديدة.

وأمام تصاعد النضال الوطني في أنحاء البلاد، وانطلاق الكفاح المسلح في 18 كانون الثاني (يناير) 1952، اختارت السلطات الاستعمارية الفرنسية الرد بعنف. ففي مطلع 1952، عينت الحكومة الفرنسية جان دي هوتكلوك المعروف بتشدده مقيماً عاماً في تونس. وحال وصوله إلى ميناء بنزرت حيث استقبلته كتيبة عسكرية، أعلن أن «سياسة القوة هي الطريقة الوحيدة للحفاظ على مصالح فرنسا». وتحدياً لتصريحاته تلك، هبت التظاهرات في أنحاء البلاد، وسقط العديد من القتلى والجرحى. وفي 18 كانون الثاني من العام المذكور، داهمت الشرطة الفرنسية بيت الزعيم الحبيب بورقيبة وبيوت العديد من قادة الحزب الآخرين. وفي اليوم ذاته، اقتيد بورقيبة إلى طبرقة في حين أرسل مئات المناضلين الوطنيين إلى سجون ومحتشدات في شمال البلاد وجنوبها.

في طبرقة، عومل بورقيبة في البداية بكثير من الاحترام والتقدير. فقد أقام في فندق بأربع نجوم، وكان يستقبل الزوار ومعهم يتحدث ساعات طويلة في الشؤون الوطنية. وهذا ما حصل مع الهادي نويرة، رفيقه في الكفاح، ومع فرحات حشاد، الزعيم النقابي الكبير. وكان بورقيبة يحب أن يشرب الشاي في فندق «الميموزا» فوق هضبة خضراء تطل على البحر. كما كان يرسل بنصائحه وأوامره إلى محمد المصمودي في باريس. وفي رسالة بعث بها لهذا الأخير بتاريخ 23 كانون الاول (ديسمبر) 1952 كتب يقول: «إننا اليوم على قاب قوسين من الخاتمة والمستقبل للحرية لا لاسترقاق البشر، وانتصار العقل السليم والعدالة قد يكون لأجل بعيد، لكنه سوف يأتي لا محالة، وسنأخذ نصيبنا منه عن جدارة». وبين وقت وآخر، كان يهاتف وسيلة بن عمار، حبيبة قلبه، التي أصبحت تحظى بمكانة خاصة في حياته العاطفية منذ أن تعرف عليها في شهر نيسان (ابريل) 1943 عندما جاءت لتهنئته في مناسبة عودته إلى الوطن بعد خمس سنوات في المنافي.

المنفى الأخير

وفي مطلع شباط (فبراير)، تمكنت الحركة الوطنية من وضع ملف القضية التونسية أمام الأمم المتحدة عبر كل من صالح بن يوسف ومحمد بدره. وكان رد المقيم العام الفرنسي دي هو تكلوك، إقالة حكومة محمد شنيق بتهمة التواطؤ مع الحركة الوطنية، ومع الحزب الحر الدستوري، وإرسال كل وزرائها إلى رمادة وتطاوين. أما بورقيبة فقد تم حرمانه من إقامته المريحة في طبرقة، ونقل إلى رمادة ليلتقي هناك رفاقه في النضال من أمثال الهادي نويرة والهادي شاكر والمنجي سليم وجلولي فارس. كما التقى هناك مناضلين شيوعيين يهوداً متعاطفين مع الحركة الوطنية. ومرتدياً بنطلوناً عسكرياً بلون رمال الصحراء، وواضعاً على عينيه نظارات كبيرة كتلك التي يستعملها سائقو الدراجات النارية، كان بورقيبة يمضي ساعات طويلة متنقلاً في المحتشد الصحراوي، سعياً للحفاظ على لياقته البدنية. ولما عاين دي هو تكلوك أن إجراءاته التعسفية تلك لم تنل من معنويات من أصبح الشعب التونسي يسمّيه بـ «المجاهد الأكبر»، بل زادتها قوة وارتفاعاً، قرر عزله عن رفاقه، ونقله إلى «لافاليت» بجزيرة جالطة، شمال بنزرت وذلك في أيار (مايو) 1952.

وكما ذكرنا فان بورقيبة آنذاك كان تخطى الخمسين من عمره. وكانت الشيخوخة ومتاعبها بدأت تلقي بظلالها القاتمة على ملامحه. وهذا ما تثبته الصور القليلة التي التقطت له هناك. ففي واحدة من هذه الصور، نراه واضعاً يديه على العكاز الذي كان يستعمله في جولاته اليومية في الجزيرة، وقد استغرق في تفكير عميق ووجهه مجلل بسحابة حزن سوداء. ولا شيء يدل على أنه كان شاعراً بوجود حسن الطبرقي المسلم الوحيد في الجزيرة، الذي كان جالساً بالقرب منه، ينظر إليه بفضول كبير محاولاً استكشاف ما كان يدور في خاطره. وفي أخرى، نراه جالساً على صخرة كان يحب التردد عليها، وقد أمسك بعكازه، وعند قدميه كلبه المحبوب «زورو» الذي لازمه طوال إقامته في الجزيرة. وتكشف بعض الرسائل عن إحساس مر بالشيخوخة ومتاعبها وآلامها. ففي رسالة بعث بها إلى ابنه الذي كان يدرس الحقوق في باريس، كتب يقول بمرارة: «مرت علينا تسعة أشهر لم نلتق بورقيبة مع زين العابدين بن علي.jpg فيها، وهذه المدة تساوي تسع سنوات على الأقل في حياتي. أجل هذه الأشهر القليلة التسعة، إضافة إلى السنوات التي قضيتها في الكفاح والشواغل والإجهاد، قد أنهكتني كثيراً، ولعل السبب أنني بحكم السن الذي بلغته بدأت أسير نحو الشيخوخة والضعف. ومما لا جدال فيه أن السير نحو الضعف أسرع بكثير من السير نحو الفتوة والقوة».

السياسة والحب والمعتقل

وفي الجزيرة المعزولة، كان بورقيبة يواظب على مطالعة ما كان يصله من كتب مثل «حذار تونس» للصحافي الفرنسي جان روس، ومختارات للشاعر الفرنسي فيكتور هوغو في مجلدين، و«تأثير للسفر إلى موسكو» لميشال غرادي، و«الانشقاق الكبير» لروبيرهارون، و«إفريقيا الشمالية تسير» للمؤرخ الفرنسي شارل اندريه جوليان. وفي رسالة بعث بها إلى الدكتور الصادق المقدم في تاريخ 16 آذار (مارس) 1953، ينصح رفاقه في الحزب والنضال بقراءة الكتاب المذكور واصفاً إياه بـ»الجامع المانع». ويطلب منهم نقله إلى اللغة العربية لتعميم فوائده. ويكتب بورقيبة قائلاً: «هذا الكتاب صادر عن فرنساوي له قيمته في فرنسا وفي العالم ويحتوي على حقائق ووثائق رسمية لا يعلمها إلا القليل تضفي ضوءاً ساطعاً على نوايا فرنسا الاستعمارية في الشمال الإفريقي، وتكشف عن جوهر الخلاف القائم بيننا وبينها. وهو سيبقى قائماً ما دامت فرنسا متمسكة بإدماج تونس ومراكش في الكيان الفرنسي، أي مَحقهما من الوجود...».

وعند وصوله إلى الجزيرة، أصيب بورقيبة بنزلة صدرية حادة إثر صعوده هضبة صخرية عالية، فتعكرت صحته، وبات يسعل طوال الوقت. مع ذلك ظل محافظاً على رباطة جأشه، رافضاً شفقة العدو الذي أبعده إلى تلك الجزيرة التي لم يكن سمع بوجودها من قبل. وفي رسالة بعث بها إلى المناضلين في محتشد رمادة في آب (اغسطس) 1952، كتب بورقيبة: «حقاً إنها أيام شديدة قضيتها في غرفتي صابراً صامداً، لم يسمع مني العدو كلمة تحسُّر أو استعطاف، حتى أني حجّرت على زوجتي الذهاب إلى السفارة لطلب رخصة لزيارتي تاركًا أمر نقلي أو الإفراج عني لمجهود الشعب التونسي النبيل، واثقاً أن سياسة القمع والإرهاب سوف تفشل قبل أن ينهار جهازي الرئوي الذي أضنته رطوبة الجو وتقلبات الطقس، مؤمناً أن هناك من بين قومي من هم أتعس حالاً، سواء الذين زج بهم في غياهب السجون المظلمة يتحملون الضرب والتعذيب والأشغال الشاقة أو من لا يزالون في حالة سراح يتحملون مسؤولية العمل ومسؤولية الكفاح المرير الذي يتوقّف على نجاحه نجاح الأمة بأسرها في معركة الحياة أو الموت. أخذ الله بيدهم وأعانهم على أمرهم وجعل التوفيق حليفهم».

ونحن نلمس صلابة موقف بورقيبة، وعدم استسلامه لليأس في كل رسائل جالطة. وحتى عندما يشتد به المرض، ويشرع شبح الموت في الطواف حوله، يظل متمسكاً بصموده وصبره أمام المحن والتقلبات. وفي رسالة في أيار (مايو) 1953، كتب واصفاً صموده رغم المرض: «بعدما حدث لي، وهو على كل حال حادث خفيف (التواء فقرة في الظهر) اضطرني إلى ملازمة الفراش ملازمة أكيدة من جراء خناق كنت أظن أنني في مأمن منه منذ أجريت علي عملية اللوزتين في «بوبيني» سنة 1950. فما هي إلا بضعة أيام أقضيها في الحمى ليزول الالتهاب تدريجاً. وقد يصحب ذلك شيء من انحطاط الضغط الدموي والدوار والفتور. إن أيام المرض هذه، وعلى الأخص العزلة التي أنا فيها أبلت بدني إبلاء ظاهراً محسوساً... ولكن هذه المرة أيضاً سوف لن تكون النهاية. نعم هي آتية يوماً لا أظنه بعيداً، ويا للأسف، لذلك استقبل شبح الموت الرهيب بقدم ثابتة وتحد صريح على عادتي، وكما يليق بـ ـ«مجاهد أكبر»، لا يشق له غبار».

وكان بورقيبة يرفض رفضاً قاطعاً كل تدخل لدى الحكومة الفرنسية لإطلاق سراحه وللتخفيف من معاناته. ولما علم أن وسيلة بن عمار، حبيبة قلبه وقعّت على لائحة موجهة إلى رئيس الجمهورية الفرنسية تطالب بمنحه العفو، وتلتمس له الرحمة، استولى عليه الغضب وكتب لها معاتباً قائلاً (رسالة بتاريخ 5 أيار 1954: «إن هذا الصنيع (أي التوقيع على اللائحة المذكورة) من جانبك قد صدمني. فأنت لست امرأة عادية «هكة وبرة»، بل أنت وطنية ودستورية ومثلت الحزب في باريس وفي الأمم المتحدة وفي فرنسا. كما أنك عرفت الاضطهاد وعرفت السجون في باجة وبنزرت. ويجب أن تعرفي أني لم أقم إلا بواجبي كوطني، ولا يجوز أن أتساوى في الاعتبار مع مجرم يطلب له العفو والرحمة من أي كان».

وفي الرسائل التي وجهها إليها، حرص بورقيبة على تأكيد حبه لوسيلة بن عمار واجداً فيه «خير سلوان»، بل وسيلة ناجعة للصمود والصبر. ففي رسالة بتاريخ 22 كانون الثاني 1952، كتب يقول: «أبدأ هذه الرسالة - وفؤادي يخفق وحنجرتي جافة من جراء شعور لذيذ. وهي الأولى بعد صمت طويل وفراق طويل ذقت من أجله الأمرين مما يعجز القلم عن التعبير عنه. إذ كيف استطعت أن أعيش 6 أشهر دون أن أتصل بكلمة منك؟ تلك هي المعجزة. إن إيماني اليقيني بحبك وبأني أتبوأ مكانة مفضلة في سويداء فؤادك، هو وحده الذي منحني هذه القوة على الصمود أمام الكوارث». وفي الرسالة نفسها، يواصل بورقيبة كلامه عن حبه لوسيلة: «رباه! لم هذا الحب العارم؟ لماذا هذه الحواجز المتراكمة بيننا؟ هذه الطريق المسدودة؟ وهذا الحب الذي لن يفل فيه شيء. فلكأن الأقدار أرادت أن تتلاعب بقلبينا الضعيفين وتبين لنا أن لا حول لنا ولا قوة لمواجهة القضاء المبرم». ويصف بورقيبة حبه لوسيلة بأنه «الحب الذي يضيء رحاب الحياة».

وعندما تطلب منه وسيلة تمزيق الرسائل التي وجهتها اليه لئلا تنفضح قصة حبهما، يرد عليها بورقيبة في رسالة بتاريخ 5 كانون الثاني 1953، قائلاً: «ترجوني في رسالتك بتاريخ 12، أن أمزق رسائل. وكان جوابي أن لا حول لي ولا قوة على ذلك «لأن مسوداتك» اللطيفة تدخل علي من الحبور ولها من المكانة في نفسي ما يجعلني غير قادر أبداً على مفارقتها، ولئن كتب لها أن تنشر يوماً- عندما نغادر هذه الدنيا- فلن يجد فيها الناس إلا تعبيراً عن حب نزيه، نظيف، وصادق، ولن يضرنا ذلك لا في ذاكرة البشر ولا في أعين مواطنينا. ذلك أن هذا الحب العارم لم يحل بيننا وبين أداء واجبنا إزاء أسرتنا وإزاء وطننا. وهو أهم ما في الأمر». ويشعر بورقيبة بالفخر عندما تعلمه وسيلة بأنها لن تمزق رسائله لأنها درر، ويكتب لها في الرسالة نفسها: «لكن، في خصوص رسائلي فأنت تزعمين أنه لا يمكنك تمزيقها لأنها درر رائعة! هذا يدعوني إلى الاعتزاز. لا أعلم هل أن الأجيال القادمة ستزكي رأيك فيها، إذ لم أفكر في صوغ درر رائعة عندما حاولت التعبير في صفحات سودت على عجل عن الحب العميق الذي أكنه لك. ومهما يكن من أمر غلاف كتاب "رحلة في زمن بورقيبة".jpg فرسائلك أيضاً هي بالنسبة إلي دريرات رائعة. فرغم تواضع زادك في المعرفة (على حد زعمك أنت)، فإنك تهتدين أحياناً إلى الكلمة الصائبة والمؤثرة أيما تأثير، للتعبير عن لطيف المشاعر التي أحس بصدقها».

وعادة ما يختلط الحب بالسياسة في الرسائل التي كان بورقيبة يوجهها إلى وسيلة بورقيبة. ففي رسالة بتاريخ 23 كانون الثاني 1954، يروي «المجاهد الأكبر» لحبيبة قلبه، القصة التالية: في تشرين الاول (اكتوبر) 1952، قدم الطبيب العام للبحريّة (برتبة أميرال) لمقابلته عارضاً عليه نقله إلى فرنسا (قبل فصل الشتاء) مشترطاً في آخر المحادثة أن يراسل السيد دي هوتكلوك في هذا الأمر، وعلى الخصوص أن يلازم الهدوء. غير أن بورقيبة رفض هذين الشرطين. ولم يسافر في الباخرة التي أقلت ماتيلد زوجة بورقيبة وأخاه وأخته.

وفي إحدى الرسائل الموجهة إلى وسيلة بن عمار، يذكر بورقيبة بالأحابيل والفخاخ التي نصبتها له السلطات الاستعمارية بهدف الإيقاع به، وتشويه سمعـــته، غير أنّه عرف كيف يتخلص وينجو منها ضامناً بذلك النــجاح للحزب وللحركة الوطنية برمتها. ولأن ســـياسة القوة والعنف التي انتهجها دي هوتكلوك زادت الأوضاع تعفناً وأغرقت البلاد في الاغتيالات السياسية، فإن السلطات الفرنسية عيـــنت مكانه مقيماً عاماً آخر يدعى بيار فوازار في 23 أيلول (سبتمبر) 1953. ومنذ البداية، اختار المقيم العام الجديد سياسة اعتدال في ظاهرها. فقد ألغى القرارات الجائرة التي اتخذها سلفه مثل منع التجول والرقابة على الصحافة. في الآن نفسه أبدى استعداده للتعامل مع «المعتدلين» في الحزب الدستوري معلناً عن استعداد السلطات الفرنسية للقيام بإصلاحات، وتقديم الكثير من التنازلات لمصلحة الحركة الوطنية. بالإضافة إلى ذلك، تمت الإطاحة بحكومة صلاح الدين البكـــوش، وتــبديلها بحكومة يرأسها الســـيد محمد صالح مزالي. غير أن بورقيبة لم يكن راضياً عن كل هذا، بل اعتبر أن الســـياسة الجـــديدة التي انتهجها بيار فوازار، «مناورة» فرنسية أخرى لضرب الحركة الوطنية، وتذويب الهوية التونسية، وتشريع المشروع الاستعماري.

وبعد أن استقبل رشيد مزالي، نجل رئيــس الحــكومة الجديدة، الذي جاءه طالباً مساندته، كتب بورقيبة رسالة إلى وسيلة بتاريخ 5 أيار 1954، يسخر فيها من «إصلاحات» فوازار، ومن الحكومة الجديدة. وقد كتب يقول: «وقد تسألينني بخصوص مقابلتي الشاب رشيد مزالي: «لماذا لا تتظاهر بالتنازل عن موقفك، وذلك على الأقل لاسترجاع حريتك أو الحصول على نقلتك إلى باريس حيث يمكنك أن تقاوم كل تجربة فوازار بأكثر فاعلية، ويمكنك ربما تغيير الموقف لمصلحة القضية التونسية؟». وللإجابة على هذا السؤال، يختار بورقيبة أن يعطي درساً في الفكر الســـياسي لحبيبة القلب، ويكتب اليها قائـــلاً: «هذه الفكرة لم تجل بخاطري لأني أكره الكـــذب وأكثر منه النفاق. مع أني أعرف أن ذلك يعـــتبر عيباً ونقطة ضعف عند الرجل الديبلوماسي، حيث إن كل الديبلوماسية المعاصرة تكونت في مدرسة منــافق عبقري خان كل الأنظمة حتى ربه».

يلجأون اليه بعد الثورة!

لا يوحّد بين التونسيين اليوم غير الوفاء لبورقيبة والاعتزاز به زعيماً وإنساناً تميز بخصال نادرة لم يتميز بها رجالات عصره. ومن الصباح حتى المساء ظل الاحتفال بالذكرى الحادية عشرة لوفاته متواصلاً حتى هبوط الليل على أنغام الأناشيد الوطنية القديمة والتراتيل القرآنية. وكان من الصعب على الزوار الوصول إلى الضريح لقراءة الفاتحة على روح «باني تونس الحديثة». وفي البيت العائلي بحي «الطرابلسية» كان الازدحام شديداً، إذ إن جل الزوار كانوا يرغبون في مشاهدة المعرض الوثائقي الذي أقيم في المناسبة والذي احتوى على صور للزعيم في مسيرته النضالية المديدة قبل الاستقلال أو بعده. وقد يتساءل البعض عن أسباب هذا الوفاء المؤثر الذي أظهره التونسيون لبورقيبة خلال الاحتفال. وأظن أن الجواب سهل، فهم يعيشون راهناً مرحلة تتسم بالتذبذب والترجرج والخوف من الحاضر ومن المستقبل بسبب تداعيات وإفرازات الزلزال الذي هز بلدهم مطلع عام 2011. وبالتالي هم بحاجة إلى من يساعدهم على استعادة توازنهم وثقتهم بأنفسهم وقدرتهم على مواجهة المصاعب التي قد تغرق بلادهم في الفوضى والاضطرابات. ولعلهم وجدوا في بورقيبة جل خصال الشخصية التي يرغبون في اللجوء إليها في هذه الفترة من تاريخهم. وليس هذا بالأمر الغريب، فبورقيبة قاد النضال الوطني من أجل الاستقلال، متحملاً في سبيل ذلك المنافي والعذاب بذكاء وفطنة وصلابة من دون أن يضعف أو يتخاذل. وعندما تسلم السلطة حرص على مقاومة مظاهر التخلف والانحلال والتزمت محارباً الأمراض الاجتماعية. كما حرص على نشر التعليم. وعندما كان الحكام العرب يصرفون مبالغ طائلة لشراء الأسلحة وتكديسها في المخابئ بهدف خوض حروب أدت في ما بعد إلى هزائم منكرة، كان هو يبني المدارس في كل مكان مردداً في خطبه الكثيرة بأنه لا يستطيع أن يبني دولة حديثة، وأن يوفر النجاح لبرنامجه الإصلاحي معتمداً على «شعب أمي».

معركة الشيخوخة

في صبيحة السابع من تشرين الثاني (نوفمبر) 1987 فاجأ الأطباء بورقيبة وقد استيقظ للتو من النوم، ليوقع أمامهم وهو مذهول وثيقة تثبت عجزه عن مواصلة أداء مهامه. وهو الذي أوصى بأن يحمل نعشه يوم وفاته على الأكتاف من تونس العاصمة إلى المنستير، مسقط رأسه. لا بد أنه فكر وهو يغادر قصر قرطاج للمرة الأخيرة أن الإنسان يمكن أن ينتصر في معارك كثيرة، غير أن معركته مع الزمن خاسرة دائماً وأبداً. وهكذا لم يحسن بورقيبة التحرر من فتنة السلطة وإغراءاتها وسحرها تماماً مثل كل الحكام الشرقيين المستبدين. ومنذ أن تولى زين العابدين بن علي الحكم وحتى هروبه في 14 كانون الثاني (يناير) 2011، سعى إلى إخراج بورقيبة من التاريخ التونسي، مستعملاً في ذلك جميع الطرق والوسائل. فأثناء العزلة الطويلة التي عاشها في مسقط رأسه المنستير وكأنه «الذئب الجريح» في قصيدة ألفريد دوفينيي التي كان يعشقها، أخضع بورقيبة لرقابة مشددة. ولم يكن يسمح له باستقبال زواره إلا بإذن من بن علي نفسه. لكن، رغم الشيخوخة والمرض، ظل بورقيبة محافظاً على شيء من صفائه الذهني وعلى قدرته على قراءة الأحداث قراءة صحيحة وموضوعية، وعندما غزا العراق الكويت في صيف 1990 صرح لجريدة «لوموند» الفرنسية أن صدام حسين أوقع نفسه في فخ يصعب عليه الخلاص منه. وقد أثبتت الأحداث صحة رؤيته. كما ظل بورقيبة محافظاً على رباطة جأشه فلم يبدِ ضعفاً ولا تخاذلاً أمام نظام بن علي، وحتى وفاته في 6 نيسان (ابريل) 2000، بقي وفياً لنفسه وأفكاره كما كان دائماً وأبداً.

رفض بن علي نقل موكب تشييع الجثمان إلى مقبرة آل بورقيبة على شاشات التلفزيون، وقد حضرت الموكب شخصيات عالمية مثل الرئيس الفرنسي جاك شيراك والرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة. كما حضرته جماهير غفيرة من أنحاء البلاد. وبكاه الكثير من التونسيين بمن في ذلك أولئك الذين كانوا معارضين له بالأمس. حتى أبناء الأجيال الجديدة الذين لم يعيشوا زمنه هبوا بورقيبة مع زوجته الفرنسية في زيارة للبيت الأبيض عام 1961.jpg إلى المنستير لتوديعه الوداع الأخير. وبعد سقوط نظام بن علي استعاد بورقيبة شعبيته. وعاد التونسيون إلى مسيرته النضالية وإلى أفكاره الإصلاحية والتحديثية، باحثين فيها عما يمكن أن يساعدهم في مواجهة مصاعب المستقبل ومخاطره، وفي الذكرى الحادية عشرة لوفاته، انتظمت احتفالات ضخمة في المنستير. وقد حضرت شخصياً الاحتفالات التي توافد عليها آلاف الزوار من مناطق الجمهورية، فبالإضافة إلى الشخصيات المرموقة التي حضرت الاحتفال وجلها من الزمن البورقيبي ومن المسؤولين الكبار الذين عملوا إلى جانب المجاهد الأكبر ومعه ساهموا في إرساء دعائم نظامه، كانت هناك أجيال مختلفة، شيوخ وعجائز، كهول، نساء في منتصف العمر، شبان وشابات في ربيع الحياة. وكانت هناك أيضاً أعداد وفيرة من الأطفال، كما كانت هناك طبقات وفئات متنوعة، أغنياء وفقراء، رجال أعمال وعمال بسطاء، فلاحون وموظفون، مثقفون وأميون.

Iran: Death of a President….....

 الأربعاء 22 أيار 2024 - 11:01 ص

Iran: Death of a President…..... A helicopter crash on 19 May killed Iranian President Ebrahim Ra… تتمة »

عدد الزيارات: 158,049,017

عدد الزوار: 7,089,116

المتواجدون الآن: 148