مصطلحات جديدة ومقاطعة العرب السنّة ووعي الأكراد المبكر بالخرائط

تاريخ الإضافة السبت 26 نيسان 2014 - 7:39 ص    عدد الزيارات 703    التعليقات 0

        

مصطلحات جديدة ومقاطعة العرب السنّة ووعي الأكراد المبكر بالخرائط

فريد أيار

 

الحديث عن التجربة الانتخابية الحقيقية الأولى في عراق ما بعد الانقلاب على الملكية (1958) فيه الكثير من التشعبات بل الاجتهادات، وقد بدأت في الفترة ما بين حزيران (يونيو) 2004، وانتهت تقريباً في الربع الأول من عام 2006، لذا سمينا تلك السنوات «الزمن الصعب» وفي بعض الأحيان «سنوات القدر» التي قادت العراق إلى إيجاد نموذج جديد في الحكم وممارسته، وفي التفكير بآلية جديدة سماها نائب الرئيس الأميركي السابق ديك تشيني «الديموقراطية المتواضعة».

 

 

< لم يخطر ببالي يوماً أن أكون أحد المعنيين بإنجاز عمليات انتخابية في العراق عام 2005، وبعد زوال الحكم الديكتاتوري في العراق عام 2003، لأنني كنت أمتلك، ولا أزال، أفكاراً رسخت بذهني تفيد بعدم عدالة الانتخابات في دول العالم الثالث في أشكالها الحالية طالما تتساوى فيها أصوات أشخاص لا يمتلكون قدرة للتمييز بين ما هو غث وما هو سمين، ولا إرادة لديهم تمكنهم من اتخاذ قرارات مدروسة وثابتة تقوم على التمييز بين مرشح وآخر بسبب اندفاعاتهم العاطفية والدينية والطائفية، في مقابل أشخاص يمتلكون قابليات التمييز نتيجة رصانة أفكارهم التي تطورت من خلال مراحل التعلم واكتساب المعرفة.

 

 

ولم يعد التأثير في الجماهير باستعمال الرموز الدينية أمراً خافياً على أحد، ولأن مجتمعات الدول المتحضرة تقوم انتخاباتها على أساس تقويم برامج كل مرشح، بعكس ما هو موجود في دول العالم الثالث حيث تكثر الأمية، ما يسهل التأثير باستعمال الرموز الدينية على نطاق واسع.

 

 

إن الأخذ بالنموذج الغربي (الديموقراطية البرلمانية) باعتبار التصويت حقاً لكل مواطن، موضوع يجب إعادة النظر فيه ودراسته في شكل مستفيض والتفكير فيه ملياً، ويفترض بالمشرعين في الدول النامية أن يأخذوا في الاعتبار الواقع الاجتماعي والثقافي ونسبة الأمية والفئات العمرية في المجتمع عند صياغة القوانين الانتخابية بالذات.

 

 

العمليات الانتخابية الثلاث التي أجريت في العراق عام 2005 لا يمكن اعتبارها دليلاً على أن الشعب العراقي بمعظمه تفهم العملية الانتخابية، وأن انتخابات العراق التالية ستكون أفضل.

 

 

 

 

حكام بلا خبرة

 

 

وقد يكون من سوء حظ العراق أن غالبية الطبقة السياسية التي تسلمت الحكم بعد عام 2003، لم تكن تمتلك الخبرة والمعرفة بقيادة البلد، إضافة إلى أن بعض الأحزاب السياسية كانت تمتلك أفكاراً وبرامج لها بعد ديني - مذهبي تسببت على مدى الأيام في تقطيع أوصال النسيج الاجتماعي العراقي، وبذلك تراجعت الوطنية العراقية إلى الوراء لحساب الأفكار الدينية والمذهبية.

 

 

كنا نشعر بأن من المبكر إجراء هذه الانتخابات، فلم يكن الشعب العراقي مهيئاً لقبول فكرة التنافس الحر في انتخابات برلمانية نزيهة، بل ستكون الأفكار الدينية والمذهبية مسيطرة على الجو العام، وهذا ما تم فعلاً إذ أجريت الانتخابات على أساس قوائم وائتلافات طائفية فاضحة وكان نتيجتها بروز فوضى وصراع مستمرين إلى يومنا هذا.

 

 

في اجتماع ضمناً، نهاية عام 2004، مع أحد أعضاء مجلس الحكم الذي أسسه بريمر قال: «عندما تحدث خبراء الأمم المتحدة مع أعضاء مجلس الحكم حول الانتخابات لم نكن نفهم معظم المصطلحات التي يذكرونها، فكان من الصعوبة فهم معنى القائمة المفتوحة والقائمة المغلقة والنظام النسبي و «الهيركوتا» و «السان ليغو» وغيرها من المصطلحات الجديدة علينا». وأضاف: «عليكم أنتم في المفوضية شرح كل ذلك للسياسيين والمرشحين للانتخابات». وفعلاً، فقد تسلمت المفوضية في بداية عهدها سيلاً من الأسئلة التي تطلب تفسير معنى «الكيان السياسي» والقائمة المغلقة والنظام النسبي وتسجيل الناخبين وكيفية جمع وطرح نتائج الانتخابات إلى ما شابه ذلك من أسئلة تعتبر في الكثير من الدول من بدهيات العمل الانتخابي.

 

 

لقد تم كل شيء على عجل، وحتى طريقة تشكيل المفوضية تمت في شكل غير مدروس ولا تتلاءم مع النموذج الإداري المعروف في العراق. لقد استنسخت الأمم المتحدة هذا الشكل من تجارب اعترفت هي أنها لم تكن كاملة وأتت بها إلى العراق، هذه التجارب طبقت في كوسوفو وأفغانستان وتيمور الشرقية وغيرها من دول العالم الثالث.

 

 

هناك من يقول إن الانتخابات حصلت ونجحت، ولكن، الحقيقة أنه نجاح ناقص، حيث لم يستطع الشعب معرفة من أيد ومن انتخب وغابت المحاسبة ولا زال الشعب العراقي يجهل أنه يستطيع محاسبة النائب الذي انتخب بعدم انتخابه في المرة المقبلة إن لم يقدم خدماته للمنطقة التي تم ترشيحه فيها.

 

 

وإن كان التركيز على العوامل الدينية والمذهبية لعب دوراً بارزاً في استقدام ما يقارب الأربعة ملايين ناخب من أصل ثمانية ملايين ونصف المليون في الانتخابات الأولى عام 2005 للتصويت لقوائم ذات صفة مذهبية، فإن التركيز على العامل القومي عند شريحة أخرى من الشعب العراقي، لعب هو أيضاً دوراً بالغ التأثير مستقدماً أكثر من مليوني عراقي ليس لممارسة حقهم في الإدلاء بآرائهم بكل حرية وديموقراطية، بل لإتمام فعل كان مسكوناً بهواجس الخوف مما حصل لهم في الماضي والحروب التي خاضوها، بحيث أصبح رد فعلهم الانعكاسي التصويت «لقوميتهم» التي تحميهم كما يتصورون.

 

 

والأدهى من ذلك أن هذا المسار صاحبته ظواهر فيها الكثير من الشذوذ، وذلك بتجاوز حقوق الآخرين في التصويت الحر فغمطت حقوق أقليات تعيش في المنطقة ذاتها من خلال إجراءات أقلها منع هؤلاء من التعبير الحر عن خياراتهم.

 

 

إن قيام حوالى ستة ملايين من أصل ثمانية ملايين ونصف المليون أدلوا بأصواتهم في شكل يغاير التصويت الحر المبني على الاختيار العقلي يبرز لنا مكامن الخلل التي صاحبت عملية التحضير للانتخابات برمتها، ويفرض بالتالي إيجاد السبل اللازمة لتصحيح بعض المسارات، لا سيما في الجانب الإعلامي والتنظيمي.

 

 

إن استغلال بعض الأحزاب «الرموز الدينية» و «الدعوات الإفتائية» في حملاتها الانتخابية ومحاولة توجيه الجماهير توجيهاً مذهبياً، أمر يقف على طرفي نقيض من التوجيه المدني العصري بضرورة امتلاك الحرية الفردية الخالصة في عملية الانتخاب. وقد يعود هذا كله لأسباب عدة أبرزها يعود إلى غياب النصوص الواضحة وعدم اتخاذ مجلس المفوضية العليا للانتخابات القرارات الحازمة في حينه للحد من هذه الحالة التي أدت إلى انقسام الشعب العراقي وتغييب الهوية الوطنية لمصلحة الهوية المذهبية، وبدء الحروب الداخلية المتنقلة.

 

 

إن تحليل الانتخابات الأولى التي حصلت في 30 كانون الثاني (يناير) 2005، وكذلك الثانية التي حصلت في 15 كانون الأول (ديسمبر) 2005، يظهر للعيان أن الانتخابات كانت منافسة بين الطوائف والقوميات لتفوز الواحدة على الأخرى، وليس بين برامج لتنمية العراق وتطوير مرافقه. أما الاستفتاء الذي كان أقل حدة من الانتخابات، فقد كان منافسة واضحة إن لم أقل «منازلة بين طائفتين»، وبهذا الصدد علينا أن نفهم أن الانتخابات (كالمحدلة) ما إن تتحقق وتعلن الأسماء حتى تصبح أمراً واقعاً ويتم الاعتراف بها داخلياً وخارجياً من دون النظر إلى ما حصل، فالمجتمع الدولي لا يعتبر التفاصيل والأحداث السلبية خلال فترة الانتخابات مهمة بل يقدر نتائج الانتخابات وفقاً لمصالحه.

 

 

وأقتطف هنا فقرة من مقالة نشرها الزميل غسان شربل في 27 آب (أغسطس) 2009، وقال فيها «إن من حق القوى والأحزاب العراقية أن تغرق في الاستعداد للانتخابات النيابية، في الائتلافات والطلاقات، والالتفافات وتصفية الحسابات، لكن السؤال هو ما إذا كانت الانتخابات تكفي وحدها لحل المشكلة إذا خيضت بمنطق تحركه عصبيات فئوية ومذهبية وإن رفعت شعارات جامعة لا يحتاج العراق إلى انتخابات تذكره بالنسب السكانية، يحتاج إلى انتخابات تذكره بالعراق كوطن ودولة ومؤسسات قادرة على احتضان العراقيين بغض النظر عن انتماءاتهم المذهبية أو العرقية».

 

 

 

 

هل المفوضية شيعية؟

 

 

لم تكن الاستمارات التي تم إعدادها للمتقدمين لشغل المناصب في المفوضية تحتوي على دين المتقدم أو قوميته أو مذهبه. يكفينا أنه عراقي، وعند المقابلات التي أجريتها مع عشرات المتقدمين لم يتبادر إلى ذهني أن سألت عن دين المتقدم أو طائفته أو قوميته. كنت أذكر أن المفوضية جهة مستقلة تقف على مسافة واحدة من جميع الأحزاب والكتل والكيانات السياسية وهي تمثل المكونات الاجتماعية للشعب العراقي.

 

 

ولأن الوضع السياسي في تموز (يوليو) 2004، كان متأزماً في شكل كبير دفع المجتمع العراقي إلى عدم المشاركة في أية عملية سياسية أو انتخابية، إذ يعتبر ذلك من إفرازات الاحتلال، ولأن المقابلات التي أجرتها المفوضية للراغبين في العمل، كانت تحصل داخل قصر المؤتمرات في المنطقة الخضراء المحروسة جيداً من قوات المارينز، فإن كثراً من الراغبين في العمل من تلك الفئة استنكفوا، فكانت النتيجة بالتالي أن نسبة تزيد عن 75 في المئة من المتقدمين كانت من الطائفة الشيعية.

 

 

وعلى رغم العمل المضني في المقابلات وتنظيم العمل داخل المفوضية ومواءمة استقلالية المفوضية كونها هيئة حكومية مستقلة عن السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، لم تتوقف الدعايات التي كانت تنتشر بقوة بين العراقيين بأن المفوضية تنظيم شيعي هدفه الإتيان بالشيعة إلى الحكم، وأنها تتلقى تعليماتها من مكتب السيد علي السيستاني ومن حزبي الدعوة برئاسة إبراهيم الجعفري، والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية برئاسة السيد عبدالعزيز الحكيم.

 

 

تلقف الكثيرون من السياسيين، ولا سيما الذين وقفوا في السابق ضد العملية الانتخابية باعتبارها مؤامرة أميركية شائعة، كون مفوضية الانتخابات تنظيماً شيعياً أو على الأقل تأتمر بأوامر الحزبين الدينيين الكبيرين واستمر هذا التصور حتى بعد أن أتممنا الانتخابات الأولى. ولكن، بعد أن بدأ العرب السنّة يدركون أن مقاطعة الانتخابات لم تكن في مصلحتهم، ما يوجب عليهم المشاركة الفعالة في الاستفتاء على الدستور وفي انتخاب البرلمان العراقي الجديد، بدأت الأمور تتغير وأصبح التقرب من المفوضية ضرورة للبعض من سياسيي تلك الفئة على وجه الخصوص.

 

 

 

 

«الحزب الإسلامي» يقاطع...

 

 

كان مجلس المفوضين يرغب حقاً في أن يشارك جميع أفراد الشعب العراقي في العملية الانتخابية التي ستجرى نهاية كانون الثاني 2005، ولا سيما العرب السنّة الذين هم من المكونات الأساسية في المجتمع.

 

 

وأشارت المعلومات المتوافرة لدى المفوضية والوقائع الظاهرة إلى أن قطاعات كبيرة من العرب السنّة لن تشارك في العملية الانتخابية المقبلة، على أساس أنها من صنع الاحتلال الأميركي باستثناء الحزب الإسلامي الذي يرأسه السيد محسن عبدالحميد (رحمه الله).

 

 

في 27 كانون الأول 2004، تلقى مجلس المفوضين خبراً يكاد يكون محبطاً من الحزب الإسلامي مفاده انسحاب الحزب من الانتخابات العامة. ونسب إلى محسن عبدالحميد قوله خلال مؤتمر صحافي في مقر الحزب، إن الحزب الإسلامي العراقي يجد نفسه ملزماً بالانسحاب من الانتخابات التشريعية المقرر إجراؤها في الثلاثين من كانون الثاني المقبل، ويتبرأ من النتائج التي ستتمخض عنها وما سيترتب عليها من استحقاقات. وأضاف: نحن ابتداء وافقنا على أن الانتخابات ضرورة للشعب العراقي من أجل أن تأتي حكومة منتخبة ومجلس نيابي منتخب ويدخل الجميع لرسم مستقبل العراق إلى السيادة الكاملة والاستقلال وتحديد أجندة زمنية لخروج قوات المحتل ووضع دستور العراق، لكن ظروفاً قاهرة واجهتنا وتواجه الشعب العراقي درسناها دراسة معمقة في الأسابيع الأخيرة وتأكد لنا أن الانتخابات لن تجرى بصورة صحيحة وشاملة وكاملة في جميع أنحاء العراق.

 

 

وقال إن خمساً أو ستاً من محافظات العراق لن تجرى فيها الانتخابات بصورة صحيحة، مؤكداً الحاجة إلى مدة إضافية حتى ستة أشهر حتى نستطيع الدخول في حوار مع جميع الأطراف الأخرى ويتهيأ الجميع لهذه الانتخابات.

 

 

لم يكن يخفى على مجلس المفوضين أن للحزب الإسلامي أسبابه الخاصة بالانسحاب من الانتخابات وأهمها تهديد «القاعدة» الشديد للأحزاب والأشخاص الذين سيشاركون فيها، ولا سيما في محافظة الأنبار حيث الرصيد القوي للحزب ومحافظة نينوى أيضاً. أما مسألة عدم إجابة رسائل الحزب، فقد كان انسحاب الحزب الإسلامي المعول عليه تمثيل العرب السنّة في الانتخابات يغير الكثير من المفاهيم، ومع ذلك فقد خاض البعض من أفراد الحزب وفي المناطق الغربية من العراق الانتخابات، لا سيما في محافظة الأنبار على رغم العدد القليل من المشاركين. أما ما جاء حول الحاجة لمدة إضافية، بمعنى تأجيل الانتخابات، فإن هذه القصة محسومة قانوناً مما لا يسمح للمفوضية ولا لأعلى سلطة في العراق المس بها.

 

 

والحقيقة في هذا الأمر أن المفوضية لم تبلغ رسمياً بهذا الانسحاب، بل اطلعت على ذلك من الصحف وهو أمر لا يمكن قبوله، إضافة إلى ذلك، فإن توقيت الانسحاب تم بعد انتهاء الفترة التي حددتها المفوضية للانسحابات وإن اسم الحزب الإسلامي سيظهر على أوراق الاقتراع التي تم طبعها في ذلك الوقت، وكل ذلك يعني أنه على رغم الإعلان الصحافي للحزب، فإن المفوضية تعتبر الحزب مشاركاً في عملية الانتخاب.

 

 

وبرزت في تلك الأيام مسألة مهمة أشارت إليها الوكالات العالمية نقلاً عن صحيفة «نيويورك تايمز» من واشنطن والتي ذكرت أن السنّة قد يحصلون على مقاعد إضافية إذا ما تم التأكد من أن الإقبال على التصويت في مناطقهم كان ضعيفاً للغاية. وعبر مسؤولون أميركيون عن قلقهم من أنه إذا لم تعكس الانتخابات التي ستجرى في 30 كانون، الثاني التكوين العراقي والطائفي للعراق بسبب العنف ومقاطعة التصويت في مناطق السنّة، فإن المجلس التشريعي عندئذ سيفتقد الشرعية.

 

 

كانت هذه الإشاعات الصحافية التي ربما تقف وارءها دوائر معينة في الولايات المتحدة، مخالفة للأنظمة والقوانين التي نطبقها، لذلك أدليت بحديث لـ «رويترز» ذكرت فيه أن هذا الأمر هو تدخل غير مقبول في شؤوننا، وأن من يكسب أصوات الناخبين سيفوز وهذه هي الطريقة التي ستجرى بها الانتخابات وأبلغت «رويترز» أن الأميركيين يعبّرون عن وجهة نظرهم التي لا تكون دوماً مطابقة لوجهة نظر المفوضية.

 

 

 

 

زيارة إيران وإحراج المفوضية

 

 

في منتصف كانون الأول 2004، عرضت السيدة حمدية الحسيني على مجلس المفوضين، وفي شكل لم يتوقعه أحد، موضوع تلقيها دعوة لزيارة إيران مع وفد تختاره، وطلبت من المجلس إصدار قرار بالموافقة على هذه الزيارة ومفاتحة السفارة الأميركية لتوفير طائرة هليوكوبتر لنقلها إلى الحدود الإيرانية، حيث ستتكفل السلطات في إيران بإيصالها من الحدود إلى العاصمة طهران.

 

 

لم يسعد هذا الخبر أحداً في مجلس المفوضين ليس لأن لدى المجلس موقفاً معيناً أو سلبياً من إيران، بل لأن موضوع كهذا، إن تم تداوله على مستوى الإعلام والرأي العام، سيثبت ما يشاع ويكرر دوماً بأن مجلس المفوضين شيعي وكادر المفوضية كذلك ولهم ولاء للمرجعية وإيران إلى ما شابه ذلك من أحاديث لا سند حقيقياً لها.

 

 

كان أعضاء المجلس، ربما عدا المفوضة صاحبة الطلب، يمتلكون حساسية مفرطة تجاه الموضوع الإيراني، لأن أية خطوة غير محسوبة بدقة يتخذها المجلس ستودي بالعملية السياسية إلى مصير مجهول. لذلك، وبعد بحث ومناقشة عامة، رفض المجلس بأكمله الدعوة، فيما أصرت المفوضة المذكورة على الذهاب وتلبية الدعوة واعتبرتها دعوة شخصية. إزاء هذا الموقف المتصلب طلب المجلس من عبد الحسين الهنداوي إقناعها بالعدول، لأن الأمر سيلحق الضرر بالمفوضية والعملية الانتخابية. إلا أنه لم يفلح في مسعاه، فطلب من أمانة السر شطب كل ما يتعلق بهذا الموضوع من جدول أعمال المجلس ومن المحاضر أيضاً واعتبار الأمر كأنه لم يحصل...

 

 

 

 

القصة الحزينة لقرى سهل نينوى

 

 

منذ الساعات الأولى من يوم 30 كانون الثاني 2005، برزت أمام مجلس المفوضين مشكلة كبرت مع الوقت ككرة الثلج وتتعلق بعدم وصول الصناديق والمواد الانتخابية إلى الكثير من قرى سهل نينوى وكانت الصيحات في الهواتف تشير إلى ذلك ولم نكن نعلم ما كان يجري في تلك المنطقة البعيدة من المركز الوطني للمفوضية في بغداد.

 

 

كل ما استطعت فعله في ذلك اليوم المشهود أن طلبت توضيحات من مدير إدارة العمليات وحثه على ضرورة توفير الصناديق والمواد الانتخابية الأخرى إلى تلك المناطق... علماً أن الواقع كان يشير إلى أنَّ أحداً منا لا يستطيع فعل أي شيء نظراً إلى بعد المنطقة مئات الكيلومترات ولطبيعة تلك المنطقة وخصوصيتها التي يتحكم فيها الحزبان الكرديان الكبيران.

 

 

ووردت إلى المفوضية برقية من رئيس مجلس قضاء الحمدانية نيسان كرومي رزوقي قال فيها: «ببالغ الأسف والألم نعلمكم برفضنا واحتجاجنا على حرمان شعبنا البالغ تعداده (150) مئة وخمسون ألف نسمة في قضاء الحمدانية وتوابعه، من الاشتراك في عملية الانتخاب التي أجريت في 30/ 1/ 2005، إذ لم تصلنا صناديق الاقتراع وفريق المفوضية المختص، ولم تجر أية انتخابات في قضائنا، ما أدى إلى قيام الآلاف من مواطنينا بأطيافهم القومية والحزبية كافة بتظاهرة سلمية احتجاجاً على سلب هذا الحق المشروع. ونزيدكم علماً أن قضاءنا يعتبر عراقاً مصغراً لاحتوائه القوميات والأطياف كافة، وهي (الكلدوآشوريون، السريان العرب، الشبك، الكاكية، التركمان والايزيدية)، والذي حصل يدل على تهميش هذا الجزء الحيوي من الشعب العراقي، ويشكل ضربة في صميم الديموقراطية والوحدة الوطنية... وعليه نطالبكم بما يأتي:

 

 

- تحريك شكوى رسمية وإجراء التحقيق اللازم في هذه الحالة الشاذة للوقوف على أسباب وقوعها.

 

 

- تعويض شعبنا في القضاء بإجراء انتخابات الجمعية الوطنية ومجلس محافظة نينوى أسوةً بما جرى في أنحاء العراق كافة.

 

 

ومن خلال ما قدم للمفوضية من شكاوى وطعون وإثباتات من أن قرى سهل نينوى المسيحية لم تستطع الإدلاء بأصوات منتسبيها لأسباب ذكرها أكثر من كيان سياسي معروف في تلك المنطقة يتساءل المرء: من هو المستفيد من عدم السماح لأبناء تلك المنطقة في المشاركة بالعملية الانتخابية؟ ومن هي القوى العسكرية وذات النفوذ التي تستطيع منع شعب بأكمله له خصائص معينة من الإدلاء بأصواته في عملية انتخابية يفترض أن تكون ديموقراطية.

 

 

في أدبيات الكثير من الكيانات السياسية التي تمثل الشعب المسيحي في سهل نينوى نجد أن هناك تياراً عروبياً يسيطر على أفكار مسؤولي تلك الكيانات، فقد قرأنا في أكثر من مقالة كتبها أحفاد الأب أنستاس ماري الكرملي رائد اللغة العربية أن قومية المسيحيين العراقيين هي عربية وليست كردية... وفي هذه الحالة، فإن عملية انتخابية في تلك المناطق ستصب في المشروع القومي العربي الداعي إلى وحدة العراق والتصاقه بالدول العربية».

 

 

ها الأمر لم يعجب ذوي الشأن في الحزبين الكرديين اللذين لهما حسابات أخرى معاكسة لذا كان لا بد من وضع العصي في دواليب العملية الانتخابية في قرى سهل نينوى حتى لا يظهر التوجه الحقيقي لأهالي تلك القرى، وعلى رغم بعض الجهد الذي بذلته المفوضية، فإنها لم تكن قادرة على تغيير الواقع الناشئ علماً أنه لم تكن هناك أنظمة تبيح إعادة إجراء الانتخابات وهكذا أضر ذلك الفعل بأهالي المنطقة نتيجة هذا التزوير غير المتوقع.

 

 

 

 

 

 

* عضو سابق في مجلس المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق، والنص مأخوذ من كتابه الماثل للطبع في عنوان «انتخابات الزمن الصعب - رؤية من داخل الانتخابات العراقية 2004 - 2006»

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,414,215

عدد الزوار: 6,948,960

المتواجدون الآن: 76