سياسة "المقاومة والممانعة" لم تحقق مكاسب لسوريا رهانات الأسد وطموحات السوريين

تاريخ الإضافة الجمعة 1 نيسان 2011 - 5:21 ص    عدد الزيارات 486    التعليقات 0

        

من حقيبة "النهار" الديبلوماسية
سياسة "المقاومة والممانعة" لم تحقق مكاسب لسوريا رهانات الأسد وطموحات السوريين

رفع مبعوث أوروبي خاص زار حديثاً دمشق وبيروت تقريراً الى حكومته عن تطورات الأوضاع في سوريا تناول فيه الأمور الآتية :
أولاً - نظام الرئيس بشار الأسد يتصرف على أساس انه "ليس مهدداً ولم يدخل مرحلة الخطر" لكنه يشعر بقلق جدي من التململ الشعبي الواسع الذي فاجأه ويتخوف من ردود الفعل الخارجية عليه ومن الإنعكاسات السلبية للإضطرابات التي تشهدها مدن وبلدات عدة على علاقات سوريا الإقليمية والدولية وعلى الدور السوري في لبنان وفي دول أخرى. وأخطر ما يواجه نظام الأسد هو السقوط في دوامة عنف داخلي طويل الأمد إذا لم يقدم على إصلاحات جذرية عميقة.
ثانياً - ما يجري في سوريا ليس عصياناً مسلحاً كي يجري التعامل معه من طريق القوة المسلحة مما أدى الى سقوط أعداد كبيرة من القتلى والجرحى، بل إحتجاجات شعبية أصيلة تشكل "أقوى وأوضح" رسالة يتلقاها الأسد منذ تسلمه السلطة عام 2000 مفادها ان الوضع الداخلي الراهن ليس قابلاً للإستمرار بل ان لا مفر من التغيير والتحسين والتطوير في مجالات حيوية عدة وبسرعة أو خلال فترة زمنية قصيرة.
ثالثاً - نظام الأسد على إقتناع بأن "المضمون العقائدي" لسياساته وتبنيه إستراتيجية "المقاومة والممانعة" في التعامل مع أميركا والدول الغربية وإسرائيل كافيان لإرضاء السوريين ولحماية البلد من أي إضطرابات أو إنتفاضات شعبية، وفي ضوء هذا الإقتناع قال الأسد في مقابلة مع صحيفة "الوول ستريت جورنال" الأميركية في نهاية كانون الثاني الماضي: "إن الأوضاع في سوريا أكثر صعوبة من الأوضاع في معظم الدول العربية لكن سوريا مستقرة على رغم ذلك. لماذا؟ لأن عليك أن تكون منسجماً الى حد كبير مع معتقدات الشعب. هذه هي المسألة الجوهرية: حين تعتمد سياسة تتناقض مع معتقدات الشعب ومع مصالحه يحدث فراغ وتقع إضطرابات". وأوضح الأسد أن سياسة "المقاومة والممانعة" أحدثت تقارباً وثيقاً بينه وبين الشعب السوري.
رابعاً - التطورات الراهنة والمرتقبة في سوريا تظهر ان إستراتيجية "المقاومة والممانعة" ليست كافية لتأمين الحاجات الحيوية المشروعة للسوريين ولإرضائهم، كما تظهر ان هذا البلد ليس إستثناء ولن يكون بمنأى عن التحولات والتغييرات المهمة التي تشهدها المنطقة العربية والتي يتابعها السوريون باهتمام شديد.
خامساً - رهانات نظام الأسد وحساباته ليست مطابقة تماماً لطموحات السوريين وتطلعاتهم وآمالهم، إذ ان هذا النظام أجرى إصلاحات إقتصادية محدودة أفادت فئة من الشعب لكنه إمتنع عن إجراء إصلاحات سياسية حقيقية تؤدي الى تغيير طبيعته وتركيبته وتوجهاته في الداخل والخارج. وقال لنا ديبلوماسي أوروبي مطلع: "إن خطاب الأسد أمام مجلس الشعب الأربعاء أثار خيبة أمل لدى كثيرين في الداخل والخارج، ذلك انه رأى ان الإحتجاجات الشعبية جزء من "مؤامرة كبيرة" تتعرض لها سوريا بهدف إضعافها وتفتيتها وامتنع عن إطلاق عملية إصلاحية واسعة، واكتفى بالإشارة الى القرارات التي أعلنت الأسبوع الماضي والمتعلقة بزيادة رواتب العاملين في الدولة وبإجراءات أخرى لتخفيف ضغوط الظروف المعيشية الصعبة والتي تشمل أيضاً "دراسة" إنهاء العمل بقانون الطوارئ ووضع آليات لمحاربة الفساد وإعداد قانون جديد للأحزاب وآخر لتطوير الإعلام وتعزيز سلطات القضاء ومنع التوقيف العشوائي. ورفض الأسد تحديد جدول زمني لتنفيذ هذه القرارات قائلاً إنه سيجري درسها في المؤسسات المعنية مما يعني ان تطبيقها مؤجل الى موعد غير محدد". وأضاف الديبلوماسي الأوروبي: "ما قاله الأسد ليس كافياً إطلاقاً ويتناقض مع توقعات الكثيرين. والإستقرار في سوريا يتطلب أن يحدث النظام تحولاً حقيقياً عميقاً في مساره فيتخذ إجراءات وخطوات ملموسة وجدية تؤدي الى القضاء على الفساد وتحقيق العدالة الإجتماعية وتحسين الظروف القاسية التي يعانيها السوريون وتؤدي أيضاً الى رفع قانون الطوارىء بسرعة والى إنفتاح سياسي جدي في الداخل يؤمن التعددية ويلغي سلطة حزب البعث الحاكم ويحقق مشاركة في الحكم لقوى شعبية تحصل على صفة تمثيلية من خلال إنتخابات حرة ويضع حداً نهائياً للأساليب المتشددة في التعامل مع المواطنين ويطلق حرية الرأي والتعبير".
سادساً - يصعب جداً أن يحافظ النظام السوري على علاقات جيدة أو طبيعية مع الدول البارزة في الساحة الدولية إذا قمع الإحتجاجات الشعبية بالقوة المسلحة وامتنع عن إجراء الإصلاحات اللازمة وخصوصاً وقت يدعم المجتمع الدولي التغييرات الديموقراطية في عدد من دول المنطقة. والتنديدات الأميركية والأوروبية والدولية بعمليات قمع الإحتجاجات الشعبية في سوريا ولرفض تلبية المطالب المشروعة للسوريين تعكس هذا التوجه. وما يستدعي الانتباه في هذا المجال أن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي فتح أبواب الغرب أمام نظام الأسد عام 2007 ، ندد بشدة بعمليات القمع في سوريا وقال انه ليس مقبولاً أن تطلق النار على المتظاهرين. وحذر وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه في لقاء مع عدد من الصحافيين من "ان الإنتفاضات الشعبية ستندلع في دول عربية عدة" وقال: "يجب إحترام تطلعات الشعوب الى الحرية والديموقراطية وينبغي عدم إستخدام العنف لقمعها أو لمحاولة وضع حد لها. ان مهنة الديكتاتور صارت مهنة بالغة الخطورة". ولمح الى إحتمال محاسبة الحكام الذين يواجهون بالعنف والقوة المسلحة الإحتجاجات الشعبية أمام المحكمة الجنائية الدولية.

 

إستراتيجية حماية النظام

ضمن هذا السياق رأت مصادر ديبلوماسية أوروبية معنية بالملف السوري ان الأسد تبنى إستراتيجية لضمان الحماية لنظامه ولتعزيز دوره في المنطقة وتقوية موقعه التفاوضي إقليمياً ودولياً، تقوم على التشدد الأمني في الداخل والإمتناع عن إجراء إصلاحات سياسية حقيقية، كما تقوم على تبني "نهج المقاومة والممانعة" والإنفتاح في الوقت عينه على الدول العربية والأجنبية البارزة والمؤثرة. وتتضمن إستراتيجية الأسد هذه العناصر الأساسية الآتية:
أولاً - نظام الأسد يعطي الأولوية للحفاظ على التحالف الوثيق مع إيران ويرفض كل العروض والإقتراحات العربية والدولية المقدمة اليه والهادفة الى تفكيك هذا التحالف الصامد والمستمر، على رغم حدوث خلافات في وجهات النظر بين دمشق وطهران على بعض المسائل. فالأسد يراهن على ان إيران ستنتصر في المواجهة مع المجتمع الدولي وستتحول قوة نووية تفرض إرادتها على الدول الأخرى مما سيعزز موقعها ومواقع حلفائها في المنطقة، كما ان الأسد يرى ان تحالفه الوثيق مع إيران هو ما شجع الدول الغربية على السعي الى تحسين علاقاتها مع سوريا.
ثانياً - نظام الأسد يتبنى سياسة مزدوجة في التعامل مع إسرائيل تحميه في الداخل وتقضي، من جهة، بدعم المقاومة المسلحة خارج الأراضي السورية في لبنان والأراضي الفلسطينية بالتفاهم التام مع إيران، ومن جهة ثانية، بالتمسك باستعادة الجولان المحتل بالوسائل السلمية ومن خلال المفاوضات المباشرة وغير المباشرة مع الإسرائيليين وإبقاء الجبهة السورية - الإسرائيلية مقفلة منذ العام 1974 أمام المقاومة المسلحة والنشاطات والعمليات العسكرية.
ثالثاً - نظام الأسد يرفض التعامل مع السلطة الوطنية الفلسطينية على أساس انها تمثل الفلسطينيين وتتفاوض بإسمهم لتأمين حقوقهم ومطالبهم المشروعة، بل انه يريد، بالتعاون مع إيران، الإضطلاع بدور خاص في الساحة الفلسطينية يتركز على إحباط أي جهود سعودية أو مصرية أو عربية أو فلسطينية لإنجاز المصالحة بين الفصائل الفلسطينية لأن ذلك يعزز الموقف الفلسطيني التفاوضي ويدعم السلطة الوطنية، كما يتركز على دعم خطط "حماس" للحفاظ على سيطرتها على قطاع غزة، من منطلق ان إمتلاك هذه "الورقة الفلسطينية" يدعم الموقف التفاوضي لسوريا في تعاملها مع إسرائيل وأميركا ودول أخرى.
رابعاً - يسعى نظام الأسد، منذ الغزو الأميركي للعراق، الى تأمين دور سياسي مميز لسوريا في هذا البلد، وقد تبنى خطة تقضي، من جهة، بتسهيل إنتقال مئات الجهاديين العرب الى الأراضي العراقية لتنفيذ عمليات عسكرية متنوعة وبتأمين الحماية والدعم لقيادات وشخصيات بعثية مرتبطة بنظام صدام حسين السابق، ومن جهة ثانية، بفتح قنوات حوار واتصال مع القوى والشخصيات العراقية المرتبطة بالنظام الجديد الذي نشأ بعد الغزو، وبالسعي الى الدخول في عملية "مساومة ومقايضة" مع الأميركيين لمحاولة تحقيق مكاسب في مقابل تعاونه معهم في الساحة العراقية.
خامساً - يتعامل نظام الأسد مع لبنان على أساس انه "بلد ذو سيادة محدودة وإستقلال نسبي" وعلى أساس أن "من الطبيعي وجود روابط وعلاقات وثيقة وخاصة ومميزة بين لبنان وسوريا" على رغم كل ما حدث من تطورات منذ الإنسحاب السوري من هذا البلد في نيسان 2005. ويرى الأسد ان "التمسك بلبنان" يعزز الدور السوري في المنطقة، ويرى أيضاً ان ذلك يتحقق من خلال الإعتماد على "حزب الله" وحلفاء دمشق الآخرين وتقديم الدعم العسكري والسياسي للحزب والحرص على احتفاظه بسلاحه وبقرار المواجهة مع إسرائيل، والعمل، في الوقت عينه، على إضعاف نفوذ الإستقلاليين ودورهم وعلى محاولة تعطيل مهمة المحكمة الخاصة بلبنان وتقليص الدعم الدولي والعربي الواسع للبنان المستقل السيد.
سادساً - يرفع الأسد شعار "المقاومة والممانعة"، لكنه ليس معادياً لأميركا وللدول الغربية، بل انه يسعى منذ سنوات الى محاولة عقد صفقة سياسية مع الإدارة الأميركية ومع حكومات غربية أخرى تحقق مكاسب سياسية وإستراتيجية لنظامه وتعزز نفوذه في لبنان وفي المنطقة عموماً.

 

لا مكاسب حقيقية من "المقاومة والممانعة"

وأوضحت لنا المصادر الديبلوماسية الأوروبية المعنية بالملف السوري ان إستراتيجية "المقاومة والممانعة" جعلت نظام الأسد يمتلك أوراقاً تفاوضية مهمة لكنها، في الواقع، لم تحقق له ولسوريا وللسوريين مكاسب حقيقية ملموسة في الداخل والخارج. وأوردت في هذا الشأن الأمور الأساسية الآتية :
أولاً - لم يتمكن نظام الأسد من إستعادة الجولان المحتل ومن تحقيق أي إختراقات أو إنجازات في مفاوضاته مع إسرائيل.
ثانياً - لم يتمكن نظام الأسد من تحقيق إختراق كبير أو إنجازات حقيقية ملموسة في علاقاته مع أميركا وفرنسا والدول الغربية عموماً تؤدي الى رفع العقوبات الأميركية والدولية المفروضة على بلده والى إقامة تعاون بينه وبين هذه الدول في المجالات السياسية والإقتصادية والتجارية والأمنية يساعد على تحسين الأوضاع المعيشية والإقتصادية والإجتماعية الصعبة للسوريين. فهذه الدول الغربية تشترط لتحسين علاقاتها مع سوريا أن يفك نظام الأسد تحالفه الوثيق مع إيران وأن يتبنى سياسة مختلفة جوهرياً وجذرياً عن سياسته الحالية بحيث تتوقف دمشق عن زعزعة الأمن والإستقرار والتدخل سلباً في شؤون لبنان وفلسطين والعراق ودول أخرى.
ثالثاً - لم يتمكن نظام الأسد من تطوير علاقاته مع الكثير من الدول العربية وأبرزها السعودية ومصر في المجالات السياسية والإقتصادية والتجارية لأن هذه الدول تتعامل معه على أساس انه حليف رئيسي لإيران الساعية الى فرض هيمنتها على ساحات عربية عدة والى إضعاف المعتدلين العرب في المنطقة. كما ان الأسد أحبط جهوداً سعودية ومصرية وعربية عدة لتحقيق المصالحة الوطنية في لبنان وفلسطين ولتقليص النفوذ الإيراني في العراق.
رابعاً - لم يتمكن نظام الأسد من كسب "عقول وقلوب" اللبنانيين لأنه يرفض الإنفتاح الحقيقي على كل الأفرقاء ويعارض سياسة المصالحة الوطنية، ولم يستطع إضعاف الإستقلاليين ووقف عمل المحكمة الخاصة بلبنان وتقليص الدعم الدولي والعربي للبنان المستقل. لذلك يملك نظام الأسد نفوذاً في لبنان لكنه ليس قادراً على أن يحكم هذا البلد ويتصرف به وبمصيره كما يريد.
خامساً - لم يتمكن نظام الأسد من الحصول على دور سياسي مهم في العراق بل إن التطورات أظهرت انه ليس قادراً على التأثير على مسار الأحداث في هذا البلد أو على قرارات المسؤولين السياسيين فيه.
سادساً - فشل نظام الأسد في دفع الدول البارزة الى إشراكه في المساعي الجارية لتسوية النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي، كما فشل في إقناع أي دولة أو جهة دولية بالإنفتاح على "حماس" والتعامل معها على أساس انها شريك فلسطيني مقبول في عملية البحث عن حل للنزاع.
ولخص ديبلوماسي أوروبي الوضع بقوله: "إن إستراتيجية "المقاومة والممانعة" لم تؤمن لنظام الأسد ما يريده ولم تحقق له مكاسب حقيقية سياسية وإستراتيجية وإقتصادية في الداخل والخارج ولم تساعد على تحسين أوضاع السوريين المعيشية والإجتماعية والإقتصادية والأمنية والسياسية القاسية والصعبة ولم تمنع قيام إحتجاجات شعبية واسعة على سياسات هذا النظام وقراراته وتوجهاته وأعماله. بل ان إستراتيجية "المقاومة والممانعة" جعلت النظام السوري حليفاً للقوى المتشددة في المنطقة ووضعته في حال مواجهة وصدام محتمل مع دول عربية وأجنبية بارزة تمتلك قدرات وإمكانات واسعة ومؤثرة يمكن أن تستخدمها ضده في الوقت المناسب وعند الضرورة".
 

بقلم عبد الكريم أبو النصر     

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 154,638,065

عدد الزوار: 6,958,542

المتواجدون الآن: 70