هل فشلت العقوبات الاقتصادية على طهران؟

تاريخ الإضافة الثلاثاء 28 كانون الأول 2010 - 6:15 ص    عدد الزيارات 483    التعليقات 0

        

هل فشلت العقوبات الاقتصادية على طهران؟

شكل إعلان إيران عن مشروعها النووي في عام 2003، بداية حقبة من المواجهة الحادة ما بينها وبين المجتمع الدولي، والذي رأى في المشروع محاولة إيرانية خطرة لامتلاك السلاح النووي الذي سيؤدي الى زعزعة الاستقرار في المنطقة. ومع وصول محمود أحمدي نجاد الى السلطة في إيران، تصاعدت المواجهة بصورة كبيرة مع الولايات المتحدة التي كانت تخوض في الأعوام الماضية وحدها، حملة لفرض عقوبات مالية على إيران، ولتبدأ مرحلة جديدة سعت خلالها واشنطن الى فرض عقوبات جماعية دولية على إيران عبر الأمم المتحدة ومجلس الأمن، لا سيما في أعقاب اصرار طهران على مواصلة مشروعها النووي، واستمرارها في عمليات تخصيب الأورانيوم.
جاءت أولى العقوبات الدولية في عام 2006، عندما أصدر مجلس الأمن بالاجماع أول قرار له بفرض عقوبات اقتصادية على إيران، وحظر من خلاله بيع طهران أي معدات تكنولوجية تساعدها في الصناعة النووية أوالباليستية، ومنحها مدة 60 يوماً لوقف نشاطها النووي. وفي عام 2007 وبعدما أعلنت طهران استمرارها في عمليات التخصيب، قرر مجلس الأمن تشديد العقوبات وفرض مجموعة جديدة من العقوبات، أردفها بمجموعة ثالثة في عام 2008، ورابعة في 9 حزيران عام 2010 هي الأقسى على الإطلاق، لأنها تناولت هذه المرة قطاعي النفط والغاز، نقطة الضعف الإيرانية. ومنع القرار الصادر بيع إيران أي تكنولوجيا يمكن استخدامها في هذين القطاعين اللذين يحتاجان الى الكثير من الاستثمارات والتكنولوجيا لتطويرهما، بالإضافة الى تشديد الحظر على عمل المصارف الإيرانية، ومنع تقديم الخدمات لإيران في مجالي النقل البحري والجوي، وتجميد أرصدة 57 شركة و42 شخصية ايرانية في الخارج. وكان لافتاً ان هذا القرار قد نال تأييد روسيا والصين، وهما اللتان رفضتا سابقاً العقوبات الاقتصادية على ايران، ناهيك بالتجاوب الكبير لدول الاتحاد الأوروبي والتزامها تطبيق العقوبات، لا سيما من دول أوروبية كانت قد حافظت خلال الأعوام التي تلت فرض العقوبات الأولى، على علاقات تجارية غنية وواسعة النطاق مع إيران.
إن اضطرار مجلس الأمن الدولي الى فرض أربع مجموعات من العقوبات الاقتصادية على إيران خلال أربعة أعوام يدفعنا الى طرح السؤال التالي : الى أي حد نجحت هذه العقوبات في تحقيق الهدف المرجو منها أي كبح المشروع النووي الإيراني؟ وهل في إمكان العقوبات الاقتصادية الدولية تغيير التوجهات المتشددة للسياسة الخارجية الإيرانية؟

 

أين نجحت العقوبات، وأين أخفقت؟
 

يرى أكثر من خبير أميركي أن العقوبات المالية على إيران نجحت في الحاق ضرر معين بالاقتصاد الإيراني. فرأى ميخائيل جاكوبسون، في دراسة صادرة في صيف 2008 في مجلة"Washington Quarterly"، أن الجهود الأميركية للضغط على المصارف والمؤسسات المالية العالمية قد نجحت في تقليص عدد المصارف العالمية المتعاملة مع إيران، من 46 مصرفاً في عام 2006، الى 20 مصرفاً في عام 2008. كما أن الاتحاد الأوروبي خفّض صادراته الى ايران من 18 مليار أورو في عام 2005 الى 13 ملياراً في عام 2006، ناهيك بالخسائر الكبيرة التي منيت بها المصارف الإيرانية جراء حظر تعاملها مع النظام المالي الأميركي. ونظراً الى ان غالبية المعاملات المالية تجري بالدولار، يواجه رجال الأعمال الإيرانيون صعوبات في فتح حسابات بالعملة الأجنبية ويضطرون أحياناً الى الدفع نقداً وسلفاً ثمناً لبضائعهم. كما أثمرت العقوبات تراجعاً في الاستثمارت الأجنبية، اضافة الى هروب المستثمرين الأجانب في إيران، ولا سيما في قطاع النفط.

 

خسائر وبطالة
 

وفي دراسة لـ"سوزان مالوني" نشرها مركز صابان للدراسات الشرق أوسطية في كانون الثاني سنة 2010، تعدد الكاتبة بعض أهم الخسائر التي مني بها الاقتصاد الإيراني نتيجة العقوبات الدولية المفروضة عليه، فتشير الى أن العقوبات تزامنت مع الانخفاض الذي طرأ على سعر برميل النفط خلال النصف الثاني من عام 2008 من 147 دولاراً للبرميل الى 50 دولاراً ، مما حرم الاقتصاد الإيراني العائدات النفطية التي كانت ساعدته كثيراً على مواجهة العقوبات خلال السنوات الماضية وفاقم من أزمته. وأعطت مؤشرات على ذلك، منها ارتفاع معدل البطالة، بصورة خاصة وسط الشباب، والحاجة الملحة للاقتصاد الإيراني الى تأمين فرص العمل لـ 700 ألف شاب إيراني يدخلون سوق العمل سنوياً، بالاضافة الى ازدياد الانتقادات الموجهة الى محمود أحمدي نجاد لتدخله في السياسات الاقتصادية، حتى من جانب المحافظين من رجال الأعمال الايرانيين الذين هم على صلة جيدة مع تجار "البازار". كما أدت الضائقة الاجتماعية الى ارتفاع عدد المدمنين على المخدرات من الإيرانيين، والذي بلغ وفق الأرقام الرسمية مليوني شخص، أي ما نسبته 2,9 في المئة من السكان. وأظهرت دراسات اجتماعية حديثة ارتفاع حالات الطلاق، فنحو 30 في المئة من الزيجات الحديثة مصيرها الطلاق بعد مرور ثلاثة أعوام.
لكن برغم كل ذلك، فإن الضغوط الاقتصادية لم تؤد وفي أي شكل من الأشكال الى تراجع إيران عن مشروعها النووي، لا بل على العكس، ادت الى تسريع العمل في عمليات تخصيب الأورانيوم، بحيث تشير تقارير عدد من أجهزة المخابرات الأجنبية والإسرائيلية الى أن لدى إيران اليوم كمية من الأورانيوم المخصب تكفي لإنتاج قنبلتين نوويتين. فكيف استطاعت إيران مواجهة هذه العقوبات؟

 

الأساليب الإيرانية للالتفاف على العقوبات الدولية
 

شجعت العقوبات الاقتصادية إيران على تطبيق العديد من الخطط الاصلاحية الاقتصادية، في محاولة لتحقيق "الاكتفاء الذاتي". واذا علمنا أنه برغم كون إيران رابع أكبر دولة مصدرة للنفط الخام في العالم، فإنها من جهة أخرى ذات قدرة محدودة على انتاج حاجات استهلاكها المحلي من المشتقات النفطية. وهي وفق الكثير من التقارير تستورد نحو 40 في المئة من حاجتها لمادة البنزين من الخارج، نظراً الى عدم توافر منشآت تكرير كافية على أراضيها. وتشير الأرقام الرسمية لعام 2009 الى أن إيران تستهلك يومياً 64,6 مليون ليتر من البنزين يومياً، لا يغطي انتاجها المحلي إلا جزءاً منها، هي تبقى في حاجة الى استيراد 20,9 مليون ليتر من البنزين يومياً من الخارج.
وتحسباً لاحتمال تعرض ايران الى فرض عقوبات على استيراد حاجاتها من الوقود، بدأت بالعمل على خفض استهلاكها للبنزين، مع محاولة استبداله بالغاز الطبيعي، لا سيما في قطاعي المواصلات والصناعة المحلية. كما تشير بعض التقارير الى اقدام إيران على تخزين كميات من البنزين في ناقلات نفطية تحسباً لأوقات الطوارىء. ومن الاساليب الأخرى التي لجأت اليها إيران لمواجهة أزمة محتملة في الوقود هو اللجوء الى الاستيراد من دول لا تقع تحت النفوذ الأميركي.
عمدت إيران أيضاً، الى الالتفاف على العقوبات المالية المفروضة عليها من المصارف الأجنبية، فاستبدلتها بمصارف باكستانية وهندية وفنزويلية لا تنشط في أميركا ولا تتأثر بالقيود الأميركية. وسعت الى استبدال الأسواق الأوروبية لمنتجاتها وصادراتها بالأسواق الآسيوية، فزادت من صادراتها الى الهند وكوريا الشمالية، وبصورة خاصة الى الصين، إذ تشير الأرقام الى ارتفاع هائل في حجم التبادل التجاري ما بين الصين وإيران خلال عامي 2006 و2007، ويقدر بنحو 70 في المئة، ناهيك بزيادة التصدير الى فنزويلا وسوريا وتركيا، وأفغانستان، وآسيا الوسطى. كما ارتفع حجم الأعمال التجارية بين إيران ودول الخليج التي لجأ اليها عدد كبير من رجال الأعمال الإيرانيين (يقدر عددهم بنحو 400 ألف يقيمون بصورة دائمة هناك) الى 12 مليار دولار سنوياً. وحاولت إيران الحصول على المعدات والمواد التكنولوجية التي كانت تشتريها عادة من دول الاتحاد الأوروبي وكندا واليابان، باستيرادها من ماليزيا وأندونيسيا والصين.
ومن بين الأساليب الأخرى التي تستخدمها إيران لمواجهة العقوبات، التوجه الى المنظمات الدولية ومنظمات حقوق الانسان، وتصوير حظر بيع قطع غيار الطائرات الى إيران بأنه تعرض لحياة المسافرين على الطائرات الإيرانية للخطر، مستفيدة من تجربة صدام حسين في هذا المجال والحملة التي شنها ضد العقوبات الدولية التي فرضت على العراق.
وبالاضافة الى هذا كله، شجع فرض العقوبات الاقتصادية النشاط غير المشروع للشركات التي تحاول الاستفادة من الحظر الدولي المفروض في الشركات العالمية على التعامل مع إيران، من أجل الحصول على عقود مربحة معها وذلك بالاحتيال على العقوبات الدولية.

حدود نظام العقوبات على إيران
 

قد يدفعنا ما سبق الى الاستنتاج بأن العقوبات الاقتصادية على إيران قد فشلت. ولكن تجربة الأعوام الأربعة الماضية أثبتت وجود حدود لقدرة نظام العقوبات على تحقيق النتيجة المرجوة، ووجود اكثر من سبب يؤدي الى تقليص فاعلية العقوبات الاقتصادية على ايران، منها مثلاً، الطبيعة الأحادية التي كانت لهذه العقوبات في البداية والحاجة الى نظام من العقوبات الجماعية، ولكن حتى عندما يتوافر ذلك، هناك عدم قدرة على وضع آلية لمراقبة تطبيق العقوبات الجماعية. فمهما ضغطت وزارة الخزينة الأميركية على إيران، لن تنجح في شل الاقتصاد الإيراني إلا بتعاون وثيق مع باقي الدول الكبرى، وهذا ما سعت اليه الولايات المتحدة، ونجحت في تحقيقه في المجموعة الرابعة للعقوبات الصادرة عن مجلس الأمن هذه السنة. وقد نجحت الولايات المتحدة في حمل روسيا والصين اللتين كانتا تعارضان على الدوام فرض العقوبات، على الموافقة على هذه الجولة من العقوبات عبر تقديم تنازلات لكلا البلدين، فتعهدت الإدارة الأميركية للصين بأن موافقتها على العقوبات لن يلحق الضرر بمصالحها، ووعدتها بأن تتولى السعودية تأمين حاجاتها من النفط في حال تعرض استيراد الصين للنفط من إيران الى الخطر. كما اضطر الأميركيون الى تقديم تنازلات الى الروس للحصول على مشاركتهم في العقوبات في ملفات مهمة هي موضوع تفاوض بين الروس والولايات المتحدة عليها، مثل الدرع الصاروخية في تشيكوسلوفاكيا، والشبكة المضادة للصواريخ في بولندا.
السبب الثاني في محدودية تأثير العقوبات، يعود الى قدرة السياستين الأمنية والخارجية في إيران على تحمل الضغوطات الاقتصادية. وأبرز دليل، عدم تأثير العقوبات على السياسة النووية الإيرانية، ولا على توجهات السياسة الخارجية.
السبب الثالث، قدرة إيران على استخدام نفوذها في المنطقة لمواجهة الضغوطات التي تُمارس عليها بإثارة عدم الاستقرار في دول المنطقة، وزرع الاضطرابات، سواء عبر تهديد أمن دول الخليج المجاورة لها، أو عبر التدخل في الحياة السياسية للعراق وفي لبنان وفلسطين.
السبب الرابع هو فشل الجهود الدولية ضد إيران في توظيف الاحتجاجات الداخلية فيها التي أعقبت نتائج الانتخابات الرئاسية في إيران، لإضعاف سلطة محمود أحمدي نجاد وسياساته المتشددة.
فهل يعني ذلك أن تأثير المجموعة الرابعة من العقوبات سيكون محدوداً مثل المجموعات السابقة الثلاث؟ من الصعب التنبؤ الآن بما سيحدث بعد مرور أربعة اشهر فقط على القرار الأخير لمجلس الأمن. ولكن في رأي الخبيرين الإسرائيليين أميلي لنداو و أفرايم أسكاوالي، من معهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل - أبيب، لا يمكن توقع فائدة كبيرة من العقوبات الأخيرة اذا لم تأت في اطار استراتيجيا واسعة للمواجهة مع إيران، بحيث تشكل العقوبات عنصراً من العناصر المكونة لهذه الاستراتيجيا الواسعة النطاق. ويتوقع الباحثان أن تكون المجموعة الرابعة من العقوبات هي المجموعة الأخيرة للأمم المتحدة في هذا الاطار.
ومن المعروف أن إسرائيل تعتبر أن المشروع النووي الإيراني يشكل خطراً وجودياً عليها، ويأتي في رأس سلم أولوياتها الأمنية. ورغم المعارضة الأميركية العلنية والواضحة لأي عمل عسكري ضد المنشآت النووية الإيرانية، فإن هذا لم يثن الاسرائيليين خلال الأعوام الأربعة الماضية عن وضع السيناريوات المختلفة لمنع ايران من تطوير السلاح النووي بالقوة، متوقعة فشل العقوبات الاقتصادية على إيران.
والواقع أن أربع جولات من العقوبات لم تجعل إيران أكثر عزلة على المستوى السياسي، ولم تضعف من نفوذها السياسي الإقليمي الذي شهد تحديداً خلال تلك المدة صعوداً كبيراً في أكثر من مكان من العراق الى لبنان، ولا خففت من غلواء التشدد الإيراني كما يعبر عنه الرئيس محمود أحمدي نجاد كل يوم، كما لم تغير شيئاً في السياسة الخارجية الإيرانية وفي دعمها للتنظيمات الراديكالية. والأهم من هذا كله، أن هذه العقوبات لم تثمر وقفاً ايرانياً لتخصيب الأوارنيوم أو وقف السعي المحموم لإيران للانضمام الى نادي الدول النووية، ووضع الولايات المتحدة والغرب أمام واقع لا يمكنهم التهرب من مواجهته بحيث يجد الغرب نفسه مكرهاً على القبول بإيران النووية.
هناك من يقول إن خطر حصول إيران على القنبلة النووية أكبر من الخطرالناتج من مهاجمة منشآتها النووية. لكن الذي لا شك فيه هو أن فشل العقوبات الأخيرة على إيران سيضع المجتمع الدولي أمام تحد كبير: إما اللجوء الى القوة للجم طموح إيران في الحصول على السلاح النووي، أو الرضوخ لواقع جديد تكون فيه إيران قوة نووية جديدة في منطقة الشرق الأوسط.

رندة حيدر      

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,496,274

عدد الزوار: 6,952,957

المتواجدون الآن: 86