صفقة السلام بين الحريري و"حزب الله"

تاريخ الإضافة السبت 25 كانون الأول 2010 - 5:53 ص    عدد الزيارات 507    التعليقات 0

        


 

من حقيبة "النهار" الديبلوماسية
صفقة السلام بين الحريري و"حزب الله"
انقاذ لبنان يتطلب اسقاط الرهان على هزيمة الاستقلاليين

مسؤول اوروبي بارز معني بالملف اللبناني، زار حديثاً بيروت ودمشق، توصل الى اقتناع بأن "حزب الله" أفرط في الثقة بذاته وبقدراته وتبنى الاستراتيجية الخاطئة في تعامله مع المحكمة الخاصة المكلفة النظر في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه وفي جرائم أخرى مرتبطة بها، وهو انتقل من تهديد الى تهديد من دون جدوى اذ انه يتحرك في عالم والمحكمة تعمل في عالم آخر. وأورد المسؤول الاوروبي في هذا المجال الامور الاساسية الآتية:
اولاً: خسر "حزب الله" معركته لمنع صدور القرار الظني، ذلك ان امينه العام السيد حسن نصرالله اعترف ضمناً بذلك حين قال في كلمته يوم 14 كانون الاول الجاري إن القرار سيصدر وانه سيقول بعد صدوره "كيف سنتصرف تجاهه وكيف يتصرف الآخرون". وقد اختار "حزب الله" المواجهة القاسية مع رئيس الحكومة سعد الحريري ومع الاستقلاليين عوض ان يتوصل معهم الى تفاهم مقبول لدى كل الافرقاء لمعالجة تداعيات القرار الظني.
ثانياً: اختار "حزب الله" المواجهة مع الغالبية من اللبنانيين المطالبين بتحقيق العدالة، محمّلاً اياهم مسؤولية صدور القرار الظني ومهدداً بمعاقبتهم بوسائل متنوعة، فلم ينجح في إقناع الرأي العام اللبناني بمواقفه.
ثالثاً: اختار "حزب الله" المواجهة مع مجلس الامن ومع الدول الداعمة للبنان المستقل ومع المحكمة وقضاتها، فلم يحقق نتائج ملموسة لمصلحته بل زاد التصميم الدولي على محاسبة المتورطين في الجرائم السياسية – الارهابية التي شهدها لبنان في السنوات الاخيرة.
رابعاً: لم يتمكن "حزب الله" من امتلاك الاسلحة والادوات المناسبة لتحقيق اهدافه لأنه خاض مع حلفائه معركة سياسية – اعلامية – امنية – نفسية ضد مؤسسة قضائية دولية مستقلة هي المحكمة الخاصة التي تلقى دعماً واسعاً ووتتمتع بحصانة حقيقية، فلم يحقق الحزب اياً من اهدافه.
خامساً: لم يتمكن "حزب الله" من ايجاد الآلية المناسبة لتعطيل مهمة المحكمة لأن هذه المحكمة تعمل خارج سلطة اللبنانيين وبمعزل عن الحسابات السياسية لهذه الجهة او تلك.
سادساً: راهن "حزب الله" على ان الفريق اللبناني المؤيد للمحكمة هو الطرف الاضعف في هذه المعركة، فركز حملاته وضغوطه وتهديداته عليه، لكن ما حصل هو العكس اذ ان هذا الفريق اكتسب مزيداً من الصلابة والمناعة في المواجهة مع الحزب فتعزز تصميمه على تحقيق العدالة".
هذا ما ادلت به الينا مصادر ديبلوماسية اوروبية وثيقة الاطلاع في باريس. وأوضحت ان المشاورات التي اجرتها جهات فرنسية وعربية واقليمية ودولية مع نظام الرئيس بشار الاسد وقيادة "حزب الله" اظهرت ان من الصعب جداً إن لم يكن من المستحيل التوصل الى صيغة تسوية مشرّفة ومتوازنة ومقبولة لدى كل الافرقاء لقضية المحكمة نظراً الى تمسّك المسؤولين السوريين وحلفائهم بالمواقف والمطالب الاساسية الآتية حتى الآن:
أولا: يتصرف المسؤولون السوريون وحلفاؤهم على اساس ان اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه وشخصيات وطنية اخرى ليس قضية مركزية وأساسية بل ان الاساس هو تأمين الحماية لـ"حزب الله" وكذلك لنظام الاسد من اي اتهام محتمل يمكن ان يوجهه المدعي العام الدولي دانيال بلمار الى عناصر في الحزب او الى مسؤولين سوريين في ضوء نتائج عمل لجنة التحقيق الدولية. ولذلك تبدو اولويات دمشق وحلفائها متناقضة جوهرياً مع اولويات الحريري والاستقلاليين واللبنانيين عموماً.
ثانياً: يرفض المسؤولون السوريون وحلفاؤهم الإقرار بأن من حق اهالي الضحايا اللبنانيين عموماً معرفة حقائق الجرائم السياسية – الارهابية التي شهدها لبنان في السنوات الاخيرة ومحاسبة المتورطين فيها امام المحكمة الخاصة، بل يرون ان تمسكهم بهذا الحق يشكل عملاً معادياً لنظام الاسد ولـ"حزب الله". وهذا يعني ان اللبنانيين يجب ان يرضخوا لمطالب خصوم المحكمة وأن يقبلوا بـ"طمس الحقائق في قبور الشهداء" من اجل ان يرضى عنهم هؤلاء.
ثالثاً: ركز المسؤولون السوريون وحلفاؤهم كل جهودهم على محاولة تشويه دور المحكمة واسقاط صفة الهيئة القضائية الدولية المستقلة عنها فاتهموها بأنها مشروع سياسي – تآمري – دولي يستهدف نظام الاسد و"حزب الله" من غير ان يقدموا أدلة ملموسة محددة او حججاً مقنعة تدعم وجهة نظرهم هذه. لكن تمسكهم حتى الآن بهذا الموقف الحازم يعني استبعاد إمكان التوصل الى اي حل مقبول لديهم ولدى انصار المحكمة.
رابعاً: يخوض المسؤولون السوريون وحلفاؤهم المعركة مع الاستقلاليين وانصار المحكمة معتمدين منطق الاملاءات والضغوط والحملات القاسية والتهويل المستمر بتغيير الاوضاع في لبنان بالقوة والعنف واخراج خصومهم من المعادلة السياسية، وهم وصلوا الى حد الاستعداد للتضحية بمصالح اللبنانيين الحيوية والامتناع عن معالجة مشاكلهم المعيشية والاجتماعية والاقتصادية للضغط على الاستقلاليين وارغامهم على الرضوخ لهم والاستجابة لمطالبهم. واعتماد هذه الاساليب والوسائل يتناقض مع الرغبة في التوصل الى صيغة مشتركة لمعالجة قضية المحكمة وتداعيات قراراتها.
خامساً: يبدو واضحاً ان المسؤولين السوريين وحلفاءهم يريدون الانتصار في معركتهم مع المحكمة والحاق الهزيمة الكاملة بالاستقلاليين وليس التوصل الى صيغة حل معهم، من منطلق ان الاولوية يجب ان تعطى لتأمين مصالح نظام الاسد وحلفائه وان انصار المحكمة يجب ان يقدموا كل التضحيات والتنازلات اللازمة لأنهم "اخطأوا" اساساً حين طلبوا تشكيل محكمة ذات طابع دولي واعتمدوا عليها لمعرفة حقائق هذه الجرائم ومحاسبة المتورطين فيها. ويتصرف خصوم المحكمة على اساس انهم يملكون القدرات اللازمة للانتصار في هذه المعركة وتغيير موازين القوى في لبنان لمصلحتهم ولذلك يتعاملون مع اي مرونة يبديها الحريري وحلفاؤه على انها ناتجة من ضعف او من خوف فيردون عليها بتصعيد حملاتهم على الاستقلاليين والتمسك بمطالبهم المتشددة. وتبني هذا الموقف يمنع انجاز اي تسوية مقبولة لدى كل الافرقاء.

 

استراتيجية الانفتاح والمرونة

في المقابل، رأى مسؤول اوروبي معني بالملف اللبناني "ان سعد الحريري تصرّف كرجل دولة حقيقي وكزعيم وطني مسؤول حريص على السلم الاهلي وعلى مصالح اللبنانيين الحيوية المشروعة وعلى تعزيز مقومات الامن والاستقرار، وهو من هذه المنطلقات قام بثلاث خطوات ايجابية واساسية في تعامله مع النظام السوري ومع "حزب الله" هي الآتية:
الخطوة الاولى هي قرار الانفتاح على نظام الاسد والسعي الى اقامة علاقات قوية ومتينة معه مما دفعه الى اسقاط الاتهام السياسي الموجه الى هذا النظام بالتورط في جريمة اغتيال والده، تاركاً الامر في ايدي المحكمة. واقدم الحريري على هذه الخطوة نتيجة اقتناع شخصي وبتشجيع من السعودية، لكنه لم يفعل ذلك من اجل اعادة ربط لبنان بسوريا بل من اجل الانتقال من مرحلة المواجهة مع نظام الاسد الى مرحلة التعاون والتنسيق معه من اجل اقامة علاقات سليمة وطبيعية وقوية بين الدولتين المستقلتين اللبنانية والسورية على اساس الاحترام المتبادل والثقة المتبادلة ومن دون التخلي عن المحكمة.
الخطوة الثانية هي سعي الحريري منذ مطلع صيف 2010 الى التفاهم مباشرة مع السيد حسن نصرالله على صيغة تسوية تحقق العدالة والاستقرار معاً وتقوم على التعامل مع اي اتهام يوجهه المدعي العام دانيال الدولي بلمار الى عناصر من "حزب الله" بالتورط في جريمة اغتيال رفيق الحريري على اساس ان هذا الاتهام ليس موجهاً الى المقاومة او الى الحزب ككيان سياسي او الى الطائفة الشيعية، ثم يتعاون الطرفان لتطويق تداعيات القرار الظني واحتوائها ومنع اي فتنة في لبنان. لكن نصرالله رفض هذا العرض الذي قدمه اليه الحريري.
الخطوة الثالثة هي اصرار الحريري على رفض التخلي عن الدعوة الى الحوار والتفاهم والتهدئة بين الافرقاء اللبنانيين لمعالجة المشاكل العالقة واصراره على عدم الانزلاق الى فخ المواجهة، مما اثار استياء حلفاء دمشق الذين اتهموا رئيس الحكومة بالضعف والتهرب من تحمل مسؤولياته والامتناع عن اتخاذ القرارات المناسبة لتسوية "مشكلة" المحكمة بطريقة ملائمة لهم. ذلك ان المحكمة، بالنسبة الى الحريري والاستقلاليين، مطلب وطني مشروع يدعمه اللبنانيون في غالبيتهم العظمى ويلقى مساندة دولية وعربية لا سابق لها ويدخل ضمن سياق الدفاع المشروع عن الذات اذ ليس ممكناً تحقيق الامن والاستقرار فعلاً اذا لم تتم محاسبة المتورطين في هذه الجرائم ولم يوضع حد لنهج الاغتيالات وللافلات من العقاب.
وكما قال المسؤول الاوروبي "ان استراتيجية التهدئة والانفتاح والمرونة التي يتبناها الحريري لم تفتح افق التسوية الملائمة لقضية المحكمة لأن حلفاء دمشق يريدون فرض شروطهم ومطالبهم على رئيس الحكومة والحاق الهزيمة السياسية به وبحلفائه وليس التفاهم على صيغة تضمن العدالة والاستقرار معاً".

 

إما الهزيمة وإما الهزيمة

وتفيد معلومات هذا المسؤول الاوروبي المطلع "ان الحريري مستعد لاتخاذ موقف علني واضح ومحدد وجريء يتعلق بالمحكمة وبالقرار الظني لكنه يرفض ان يقلب الحقائق وان يتحمل مع حلفائه مسؤولية الازمة الكبرى الراهنة الناتجة اساساً من اغتيال والده وشخصيات وطنية عدة، اذ ان رئيس الحكومة والاستقلاليين ليسوا مذنبين لأن طلب العدالة ليس جريمة. والتلاقي بين الحريري و"حزب الله" ضروري واساسي للخروج من هذه الازمة المعقدة والخطرة لكن ذلك يتطلب ان يتصرف الحزب بواقعية وان يتخلى عن استراتيجيته الخاطئة وان يتفاهم مع رئيس الحكومة على صفقة سلمية يمكن ان تتضمن العناصر الاساسية الآتية:
اولا: يجب ان يتفهم "حزب الله" انه ليس ممكناً تجاوز المحكمة الخاصة او توقع ان يرفض الحريري سلفاً قراراً ظنياً لم يصدر ولا احد يعرف مضمونه او ان يطلب وقف عمل المحكمة قبل صدور القرار او بعد صدوره. واي تفاهم مقبول لدى كل الافرقاء اللبنانيين يجب ان يكون منصفاً وعادلاً وينطلق تالياً من قبول الحزب بوجود المحكمة كواقع دولي مشروع، وهو ما ينسجم مع نص البيان الوزاري للحكومة الحالية ومع قرارات هيئة الحوار الوطني.
ثانياً: اي موقف علني يمكن ان يتخذه الحريري ضمن هذا السياق يجب ان يكون جزءاً من تفاهم واضح يتوصل اليه مع "حزب الله" وحلفائه وليس قراراً منفرداً صادراً من جانبه فحسب وكأنه هو المذنب وهو المسؤول عن المأزق الحالي. والتفاهم اللبناني – اللبناني، الذي يمكن ان يعلن في اطار هيئة الحوار الوطني وفي رعاية الرئيس ميشال سليمان، يجب ان يشمل نبذ العنف والامتناع عن استخدام القوة المسلحة والرد على اي قرار ظني بالوسائل القانونية السلمية المشروعة وبالتشاور والتعاون بين كل الافرقاء، وبحيث يرفض اي قرار يوجه الاتهامات استناداً الى شهادات مزورة او معلومات خاطئة ومضللة ومن دون الاستناد الى ادلة وقرائن ومعطيات قوية وصلبة وقاطعة، كما يرفض استخدام هذا القرار لاغراض سياسية ومن اجل استهداف المقاومة او اي طائفة او تفجير فتنة في البلد.
ثالثاً: يجب ان يؤكد التفاهم اللبناني – اللبناني التمسك بصيغة العيش المشترك وباتفاقي الطائف والدوحة وبضرورة إحياء وتنشيط عمل حكومة الوحدة الوطنية لمعالجة القضايا العالقة ومشاكل المواطنين واحترام سلطة القانون والعمل على حماية لبنان من تداعيات القرار الظني وانعكاساته وعدم جعل مصير اللبنانيين مرتبطاً بعمل المحكمة.
رابعاً: يجب ان يعكس التفاهم اللبناني – اللبناني الحرص على تعزيز موقع لبنان ودوره في الساحتين العربية والدولية والسعي الى تطوير العلاقات بين لبنان وسوريا استناداً الى ما نص عليه البيان الوزاري وعلى اساس الاحترام المتبادل لاستقلال كل من البلدين وسيادته.
وفي اعتقاد المسؤول الاوروبي "ان الخطأ الاكبر الذي ارتكبه "حزب الله" انه وضع الفريق اللبناني المتمسك بالمحكمة امام خيارين: اما الهزيمة واما الهزيمة، اي ان المطلوب من هذا الفريق إما التخلي عن المحكمة مما يشكل نكسة كبرى وهزيمة سياسية ووطنية له وللبنانيين عموماً، واما التمسك بالمحكمة والتعرض تالياً لضربات قاسية يمكن ان يوجهها اليه الحزب وحلفاؤه الذين يهددون بقلب الاوضاع في لبنان اذا صدر القرار الظني واتهم عناصر من الحزب بالتورط في جريمة اغتيال الحريري. وتمسك "حزب الله" بمطالبه القصوى هذه اوصله الى طريق مسدود في تعامله مع قضية المحكمة ولذلك يجب ان يتخلى عن هذه المطالب لانجاز التفاهم اللبناني – اللبناني الذي ينقذ البلد من مأزقه الخطر".
 

عبد الكريم أبو النصر     

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,562,271

عدد الزوار: 6,955,237

المتواجدون الآن: 76