حيرة في الشارع الفلسطيني

تاريخ الإضافة السبت 25 كانون الأول 2010 - 5:50 ص    عدد الزيارات 566    التعليقات 0

        

حيرة في الشارع الفلسطيني

ثمة حيرة في الشارع الفلسطيني بشأن الخيارات السبعة التي كان الرئيس محمود عباس أعلنها، لمواجهة تملص إسرائيل من عملية التسوية، وانسداد حل الدولتين.
منبع الحيرة يكمن في كيفية تعداد هذه الخيارات مع أن غالبيتها، إذا استثنينا اعتماد المقاومة المدنية وحل السلطة، تقع تحت إطار واحد وهو مخاطبة المجتمع الدولي (اللجنة الرباعية ومجلس الأمن والجمعية العمومية ومحكمة العدل الدولية)، إن بشأن اعتماد مرجعية المفاوضات، والضغط لوقف الأنشطة الاستيطانية في كامل الأراضي المحتلة (عام 1967)، أو بشأن فرض الوصاية الدولية عليها، أو دعم استصدار إعلان قيام الدولة الفلسطينية في هذه الأراضي.
وبمعنى أوضح فإن هذه التوجهات (على أهميتها) لا تشكل بحد ذاتها خيارا سياسيا جديدا أو مغايرا، لأنها تدخل أساسا في صميم الحركة السياسية للقيادة الفلسطينية؛ والتي ظلت لعقدين تؤكد بأن لابديل من خيار المفاوضات سوى استمرار المفاوضات، وأن "المفاوضات حياة".
ويجدر التذكير هنا أن ثمة قرارات كثيرة صدرت عن مجلس الأمن والجمعية العمومية تعرّف الضفة وقطاع غزة والقدس الشرقية بكونها أراضي محتلة، وترفض أي تغيير في أحوالها، كما ثمة القرار 1397، الصادر عن مجلس الأمن الدولي (2002) ويقر للفلسطينيين بحقهم بإقامة دولتهم المستقلة. والمشكلة مع هذه القرارات إنها تبقى مجرد حبر على ورق، لأنها تصدر وفق الباب السادس (غير الملزم)، أي أن لها قيمة معنوية وقانونية فقط، مايفسّر عدم مبالاة إسرائيل بها؛ وبديهي أن الوضع لن يتغير مع إضافة قرار آخر او اثنين، ضمن هذا الإطار.
أما بالنسبة لخيار المقاومة المدنية (الشعبية) فإن قيادة السلطة لم تهيئ بناها، ولا شعبها، لهذا الخيار منذ زمن طويل، لاسيما بعد الاستنزاف والإرهاق اللذين حاقا بالفلسطينيين على خلفية عسكرة الانتفاضة، وبحكم تفشي حال الفوضى والمزاجية والتنافسية في إدارة عمليات المقاومة المسلحة، والتي طغى عليها طابع العمليات التفجيرية في المدن الاسرائيلية حينها. وكانت القيادة الفلسطينية، وفي مقدمها الرئيس أبو مازن، استنتجت من هذه التجربة المريرة والمضرة وقف أي شكل من أشكال المقاومة المسلحة (وضمنه في الأراضي المحتلة عام 1967)، وغير المسلحة، والارتهان فقط للإستراتيجية التفاوضية؛ ما يفسّر معاودة التنسيق الأمني مع إسرائيل، وإيجاد حل توافقي معها بشأن مجموعات "المطلوبين"، مقابل وقف عمليات اغتيالهم.
وعلى أية حال، وبغض النظر عن هذه المسألة، فإن خيار المقاومة المدنية هو خيار شعبي أصلا، ولايمكن أن يتّخذ بمجرد كبسة زر، ولا بقرار من السلطة، ولاسيما أن الطبقة القيادية المسيطرة في السلطة، مشغولة بامتيازاتها، وهي حريصة كل الحرص على الحفاظ على استمرار مكانتها في هذا الواقع، وبأي ثمن (وكانت مجموعات من هذه الطبقة قامت بإضراب أخيرا احتجاجا على قيام رئيس الوزراء سلام فياض بسحب السيارات الخاصة منهم!).
وعلى الأرجح فإن خيار المقاومة المدنية، أو بأية درجة كانت، هي خارج جدول أعمال الفلسطينيين اليوم، بالنظر للاستنزاف الذي لحق بأوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية، وإرهاق طاقتهم الكفاحية، وبالنظر لحال الإحباط من الخيارات التي قيدوا إليها في الفترة الماضية، من المفاوضة إلى العمليات التفجيرية، وأيضا بالنظر لضعف صدقية القيادات السائدة (سيان في الضفة وغزة)، مع شيوع حال الفساد والانقسام وطغيان الروح السلطوية.
ويبقى فقط خيار حل السلطة  (و"الترويح" على البيت)، الذي لوح به الرئيس أبو مازن، باعتباره الخيار الوحيد الذي تمتلكه هذه القيادة. لكن يخشى أن هذا الخيار يطرح فقط من باب التهديد والابتزاز، وكنوع من الضغط التفاوضي، وكما يستدل من تصريحات المقربين من الرئيس أبو مازن فثمة نوع من المراجعة له. والواقع، ومع أن هذا الخيار ملك لقيادة السلطة، إلا إنه عمليا يكبلها، ليس فقط بحكم اعتمادها عليه من ناحية الموارد المالية، وإنما أيضا من ناحية ارتهانها له من ناحية الموارد السياسية أيضا. ومعلوم أن الطبقة السياسية السائدة تستمد وجودها ومكانتها وشرعيتها من كونها في السلطة (بكل تراتبيتها ومؤسساتها وامتيازاتها)؛ والأرجح أن هذا القرار لن يمر بطريقة عادية حتى لو أراد ذلك فعلا الرئيس محمود عباس.
فوق ذلك فإن إشهار الرئيس لهذا الخيار (حل السلطة) لم يكن موجّها لشعبه، بقدر ماكان موجها لإسرائيل والإدارة الأميركية، وهنا مكمن ضعفه ومكمن ضعف صدقية السلطة في اتخاذ خيارات أو استراتيجيات جديدة ومغايرة. وكان المطلوب من الرئيس أبو مازن، وهو على رأس منظمة التحرير والسلطة وحركة "فتح" (كبرى المنظمات الفلسطينية)، ومنذ زمن، أن يحسب حسابه لهذا اليوم، بحيث يهيئ ويعدّ البنى والإطارات والمؤسسات الفلسطينية لخيارات سياسية ونضالية مناسبة وبديلة، ولكن هذا لم يحصل، ولا يحصل اليوم أيضا.
عدا عن ذلك فإن إشهار "حل السلطة" بدا وكأنه بمثابة ردة فعل مزاجية، أو "فشة خلق"، لأن المطلوب توليد إستراتيجية بديلة للعمل الفلسطيني، وينبغي التعامل مع السلطة القائمة على هذا الأساس. بمعنى انه ليس من المفترض الذهاب نحو حل السلطة تماما، فهذه السلطة يمكن أن توقف وظيفتها التفاوضية وأن تضع حدا للتنسيق الأمني مع إسرائيل، وتبقى باعتبارها الإطار الكياني الذي يدير أوضاع الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، كونها تستمد شرعيتها منهم، لاسيما أن الدول الكبرى لن تسمح بانهيار السلطة تماما، كما لن تسمح لإسرائيل بإنهائها، وهذا مايجب البناء عليه، والتعامل على أساسه.
ويستنتج من ذلك انه محظور على الفلسطينيين التحول من خيار متطرف وأحادي (يرتهن للمفاوضات) إلى خيار آخر متطرف وأحادي كحل السلطة، فما هكذا يتم التعاطي مع التحديات الإسرائيلية؛ بل ينبغي اشهار السلطة كتحدٍ يرمز للكيانية السياسية للفلسطينيين، ويرسخ نزعتهم للتحرر من الاستعمار والعنصرية.
مع كل ماتقدم ثمة خيارات بديلة للفلسطينيين، برغم أوضاعهم الصعبة، فلديهم مايفعلونه غير المفاوضات. ثمة ضرورة لإعادة تنظيم الحالة الفلسطينية، واستنهاض الطاقات، وإعادة بناء المؤسسات والإطارات على أسس الكفاءة والمسؤولية والروح النضالية. أيضا، ثمة عمل كثير ومضنٍ ينبغي القيام به لاستعادة الحركة الوطنية الفلسطينية طابعها كحركة تحرر وطني ضد الاستعمارية والعنصرية والأصولية (الدينية) الصهيونية، ووضع حد لمرض السلطة والانقسام بشأن التنازع عليها. وثمة ضرورة لتوليد إستراتيجية سياسية ونضالية يمكنها أن تستقطب الفلسطينيين في كل أماكن تواجدهم، ولاسيما اللاجئين الذين باتوا وكأنهم خارج المعادلات السياسية والنضالية القائمة.

ماجد كيالي      

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 154,622,712

عدد الزوار: 6,957,851

المتواجدون الآن: 71