نقاط خلاف عالقة بين فرنسا وسوريا

نقاط خلاف عالقة بين فرنسا وسوريا...وباريس تشعر بأن دمشق تفعل عكس ما تقول

تاريخ الإضافة الأحد 7 آذار 2010 - 5:27 ص    عدد الزيارات 2790    القسم دولية

        


هل بدأت باريس تشعر من جديد بأن "سوريا تفعل عكس ما تقول ولا تفي بوعودها" كما كان يقول وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير؟
 على رغم الكلام الفرنسي الرسمي عن دينامية سياسية، وتعميق العلاقات بين البلدين من اجل شركة شاملة بعد معاودة العلاقات على أعلى المستويات، فان التعاون الفرنسي - السوري لايزال عالقا عند الحوار الصريح والمباشر على مواضيع خلافية، وفقا لما قاله رئيس الوزراء الفرنسي فرنسوا فيون خلال زيارته الأخيرة لدمشق، فهل يمكن ان تبنى علاقات الثقة التي تكلم عنها الرئيس بشار الأسد في ظل هذه الاختلافات التي لم يتمكن الطرفان من تذليلها، اذا استثني منها بعض مواضيع الملف اللبناني والتي حصلت دمشق بموجبها على ما تريد وعادت من الباب الكبير واستمرت بعد ذلك في تدخلها على الساحة اللبنانية السياسية والأمنية؟
 ذلك أن تبادل السفراء بين لبنان وسوريا والاعتراف بسيادة لبنان اعتبرته باريس انجازا كبيرا، لكنه لم يدم طويلا "واجتماع دمشق الذي شارك فيه الى الرئيس السوري بشار الأسد، نظيره الايراني محمود احمدي نجاد والامين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله خير دليل على ذلك".
 ولا تزال سوريا تدافع عن مواقعها وترفض التوصل الى تقارب في المواقف مع باريس في شأن مواضيع خلافية لم يتم التفاهم في شأنها حتى الآن. كما لا تزال فرنسا ترفض الاعتراف بفشل انفتاحها على سوريا والإقرار بأنها خذلتها، ومع ذلك تلتزم الديبلوماسية الفرنسية الصمت وترفض اعلان هذه التباينات لانها ترى ان سوريا عامل استقرار في المنطقة وان لا جدوى من اخراج هذه الخلافات الى العلن.
 لكن السؤال الذي يطرح الآن: هل لا يزال الانفتاح الفرنسي على دمشق خطأ مهماً بالنسبة الى لبنان والمنطقة؟ وهل يمكن اعتبار هذه العلاقة منتجة؟ وهل سيتمكن الطرفان من تذليل العقبات؟
 تقول المصادر السياسية في باريس ان مواضيع الخلاف بين البلدين كثيرة بدءاً من لبنان. فعلى رغم ان الملف اللبناني لم يعد موضع اهتمام دولي بارز، غير ان باريس تؤمن بوجود هدنة تتصل بجملة اعتبارات، والهدنة لا تعني وضعاً مستقراً، فيما سوريا لاتزال تسعى الى تحسين اوراقها على الساحة اللبنانية على حساب التوافق الداخلي والعمل الحكومي والاستقرار. وفي هذا السياق تضطلع الديبلوماسية الفرنسية بدور لتثبيت سيادة لبنان واستقراره وسلامة أراضيه. ويحتاج ذلك الى تنفيذ ما تبقى من ورقة الطريق التي وضعتها باريس ودمشق والتي لم ينفذ شيء منها حتى الآن: إعادة ترسيم حدوده المشتركة مع سوريا، ضبط السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، إعادة النظر في اتفاقات وضعت ايام الوصاية السورية على لبنان، الى دعوة فرنسية لأن تضطلع سوريا بدور بناء في تسهيل التوافق الداخلي اللبناني الذي سيؤدي الى إطلاق عمل الحكومة اللبنانية التي تراوح مكانها منذ تأليفها من جراء الخلافات الداخلية.
والحفاوة التي استقبل بها رئيس الحكومة سعد الحريري خلال زيارته الأخيرة لباريس بعد انقطاع طويل هي اولا تقدير لزيارته لدمشق، وثانيا تأكيد فرنسا لمشاركتها في دعم الدولة اللبنانية ومد الجيش بالسلاح.
 وناقش فيون خلال زيارته الأخيرة لدمشق الملف اللبناني مع الرئيس الأسد، وابلغه رسائل واضحة عن رغبة باريس في استمرار اهتمامها بالملف اللبناني حتى تنفيذ "ورقة الطريق" من اجل حماية لبنان ودعم سيادته وأمنه واستقراره من جهة، والتعبير عن عدم ارتياحها الى بعض القضايا وخصوصا بعدما "تخطى حزب الله هدفه الأساسي كمقاومة لتحرير ما تبقى من الأراضي اللبنانية ودخوله بوضوح تام في حرب المحاور، فتحولت استراتجيته الدفاعية الى استراتيجية محورية يمكن ان يدفع لبنان ثمنها غاليا". وكانت عواصم القرار الكبرى، ولا تزال، تحذر السلطات اللبنانية من مغبة قيام أطراف لبنانيين او فلسطينيين باي عمل استفزازي قد يؤدي الى عدوان إسرائيلي يدمر البنى التحتية في لبنان ويعرض القرار 1701 والقوى الدولية المشاركة في قوة الامم المتحدة الموقتة في لبنان "اليونيفيل" المعززة للخطر.
 أما الموضوع الخلافي الثاني فهو رفض الرئيس السوري خلال زيارته الأخيرة لفرنسا اضطلاع باريس بدور في المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وسوريا كما يرغب الرئيس الفرنسي. ويبدو ان الرئيس ساركوزي أبدى انزعاجه من مواقف الأسد في باحة قصر الاليزيه وإعلانه رفض العروض التي قدمت إليه لإعادة إطلاق المفاوضات بين سوريا واسرائيل، معرباً عن إصراره على دور الوسيط التركي، وداعيا إلى "دعم الوساطة التركية وإقناع إسرائيل بالتزامها". وفقدت باريس دورا كان الأسد وعد به خلال لقائه الأول مع ساركوزي على هامش قمة الاتحاد من اجل المتوسط في تموز 2008.
والدور السوري في المصالحة الفلسطينية - الفلسطينية يشكل الموضوع الخلافي الثالث بين باريس ودمشق. ففرنسا كانت تعول كثيرا على دور سوري للتوصل الى اتفاق بين الأطراف الفلسطينيين لتأمين محاور فلسطيني واحد. وتدعم باريس دور القاهرة في هذا الصدد وتطمح الى مشاركة سورية فاعلة للتوصل الى هذا الهدف. والمرونة الظاهرة التي أبدتها دمشق لم تترجم على ارض الواقع. وتعتبر باريس ان هناك من يدعم حركة المقاومة الإسلامية "حماس" لاتخاذ موقف متصلب من الاتفاق الذي وقعه الرئيس الفلسطيني محمود عباس. والرئيس السوري لا يزال مستمرا في إصراره على الانفتاح على "حماس" التي تمثل شرعيا الشعب الفلسطيني في نظره من دون اي شروط، ومن دون إبداء أية مرونة أمام استعداد غربي للتعاون مع حكومة اتحاد وطني فلسطيني تشكل قفزة الى الامام بعدما كان الغرب يعارض التعاون مع وزراء من "حماس".
رابعاً، خذلت دمشق الرئيس ساركوزي برفضها المشاركة في مؤتمر دولي من اجل السلام في الشرق الأوسط كان الرئيس الفرنسي خطط للدعوة إليه في أواخر كانون الثاني الماضي بهدف إعادة إطلاق المفاوضات، كما انها لم تقدم اليه العون من اجل انعقاد اجتماع للاتحاد من اجل المتوسط قبل نهاية العام الماضي والتي كانت فرنسا تسعى الى عقده قبل تسلم اسبانيا الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي وللاتحاد من اجل المتوسط. ولم يتمكن ساركوزي من تحقيق أي انجاز داخل الاتحاد المتوسطي وهو من مؤسسيه، فيما ستقطف اسبانيا التي تترأسه دوريا الانجازات التي اضطلعت بها باريس منذ تأسيسه في تموز 2000.
خامساً، قامت الديبلوماسية الفرنسية بمساع مع حلفائها داخل الاتحاد الأوروبي للتوصل الى اتفاق الشركة بين سوريا والاتحاد الأوروبي. وبعدما تمكنت من إقناع شركائها بعدم اضافة بعض الشروط السياسية المتعلقة بحقوق الإنسان الى الاتفاق، ليدخل حيز التنفيذ، بل برفقها كملحق، رفضت دمشق توقيع هذا الاتفاق لكونه اتفاقا مشروطا بشروط سياسية يفرضها الاتحاد الأوروبي على كل البلدان التي تقيم تعاوناً اقتصادياً معه. وقد أدى هذا الاختلاف الى خلاف علني بين وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير الذي قال لنظيره السوري وليد المعلم خلال مؤتمر صحافي: "ستقبلون اذا أردتم الاتفاق"، فأجابه المعلم: "عندما يصل الأوروبيون الى نتيجة فعليهم ابلاغنا". وتعتبر باريس ان الرفض السوري خذل الديبلوماسية الفرنسية التي بذلت جهوداً كبيرة للتوصل الى هذا الاتفاق الذي كانت دمشق تنتظر توقيعه منذ 2004، وهو ما يؤخر حصول سوريا على تمويل من الاتحاد الأوروبي لمشاريعها الاقتصادية والإنمائية.
 سادساً، أعلنت باريس انها ستحاول اعادة سوريا الى الحظيرة العربية والدولية وفك الارتباط مع النظام الإيراني، وجرها نحو المعسكر الغربي من ناحية، ومن ناحية أخرى استخدام العلاقات السورية - الإيرانية من اجل قيام دمشق بمساع حميدة مع إيران. ويبدو ان الموقف الفرنسي يزداد تصلبا من إيران في حين ان دمشق لا تقوم او ليس في إمكانها القيام باية مساعٍ حميدة. وجاء الاجتماع الثلاثي الذي دعا اليه الرئيس الأسد في دمشق في حضورنجاد ونصرالله، ليطيح كل الآمال الغربية، اذ بدا واضحا ان الاطراف الثلاثة يحشدون كل الطاقات لاحتمال مواجهة عسكرية.
ومع ذلك، فان الديبلوماسية الفرنسية ترفض قطع شعرة معاوية مع دمشق ولا تزال تتحدث عن مواضيع مقيدة وسوء تفاهم. غير ان الزخم القوي لبناء علاقات وطيدة بين البلدين يصطدم بعقبات اساسية تشوب التفاهم بين الديبلوماسيتين، في انتظار التطورات الأخيرة وما سيسفر عنه الانفتاح الفرنسي على دمشق بعدما أبدت الولايات المتحدة انفتاحا عليها بتعيين سفير لها في عاصمة الأمويين.

باريس - من سمير تويني  


المصدر: جريدة النهار

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 154,659,934

عدد الزوار: 6,959,765

المتواجدون الآن: 63