إسرائيل ومحكمة العدل الدولية: مقارنة قضايا المحكمة الدولية خلال حرب غزة..
إسرائيل ومحكمة العدل الدولية: مقارنة قضايا المحكمة الدولية خلال حرب غزة..
معهد واشنطن...بواسطة ألكسندر لونجاروف..
عن المؤلفين: ألكسندر لونجاروف هو زميل زائر في برنامج القانون الدولي والأوروبي في جامعة "Vrije Universiteit Brussel"، ومسؤول في "اللجنة الاقتصادية والاجتماعية الأوروبية".
تحليل موجز: تُعتبر الدورة الحالية من الإجراءات القانونية التي تُعنى بإسرائيل غير مسبوقة من حيث النطاق والتسييس، لكن الحكومات ستكون أفضل حالًا إذا انخرطت في العملية وقدمت اعتراضاتها بدلًا من رفضها تمامًا.
في 19 تموز/يوليو، تصدر محكمة العدل الدولية رأيًا استشاريًا بشأن "العواقب القانونية الناشئة عن سياسات إسرائيل وممارساتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية". وقد طلبت الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الرأي قبل أكثر من عام ونصف، أي قبل اندلاع حرب غزة بفترة طويلة، في إطار الجهود المبذولة لزيادة الوعي بالقضية الفلسطينية في مختلف المحافل الدولية، فضلًا عن مخاوف محددة أكثر بشأن تصاعد "التوترات والعنف" مع إسرائيل. وقد يبدو توقيت رأي هذا الأسبوع غير مناسب نظرًا لحجم ما حدث منذ طلبه للمرة الأولى في كانون الثاني/يناير 2023. لكنه يتماشى مع اتجاه زمن الحرب، حيث يتم تقديم المزيد من القضايا الجديدة أمام المحاكم الدولية، وتتم إعادة إحياء القضايا المعلقة وتضخيمها. ومن المهم التمييز بين هذه الحالات.
اختصاص محكمة العدل الدولية
يركز هذا المرصد السياسي عمدًا على قضايا محكمة العدل الدولية، وليس تلك المرفوعة أمام المحكمة الجنائية الدولية. على الرغم من أن كلتي الهيئتين مقرّهما في لاهاي، إلا أن المحكمة الجنائية الدولية لديها ولاية قضائية على الأشخاص بينما تقوم محكمة العدل الدولية بتسوية النزاعات بين الدول.
على الورق، تُعتبر أحكام محكمة العدل الدولية ملزمة قانونًا. لكن إذا اختارت الدول المتنازعة عدم الالتزام بها، فلا يمكن إنفاذها إلا من خلال قرار صادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. كما يخول ميثاق الأمم المتحدة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والجمعية العامة للأمم المتحدة أن يطلبا من محكمة العدل الدولية آراء استشارية غير ملزمة بشأن مسائل القانون الدولي.
مقارنة الحالات والآراء السابقة
كانت المرة الأولى التي عُرض فيها النزاع الإسرائيلي الفلسطيني على محكمة العدل الدولية مباشرةً في سياق طلب الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2003 للحصول على رأي استشاري بشأن "العواقب القانونية الناشئة عن بناء الجدار الذي تبنيه إسرائيل... في الأراضي الفلسطينية المحتلة". وحتى صياغة الطلب أوضحت المجموعة المعقدة من المسائل القانونية والسياسية التي كان على المحكمة حلّها للتوصل إلى نتيجة، بما في ذلك وضع أراضي الضفة الغربية، وحقوق سكانها الفلسطينيين، وحاجة إسرائيل إلى حماية مواطنيها بعد الانتفاضة الثانية. وعندما أصدرت محكمة العدل الدولية ردها في عام 2004، اعتبرت أن الجدار يتم بناؤه بشكل غير قانوني. لكن الرأي كان غير ملزم، وبالتالي لم يكن له تأثير يُذكر على أرض الواقع، فاستمر البناء.
وفي عام 2018، شهدت محكمة العدل الدولية أولى قضاياها المثيرة للجدل بشأن مثل هذه المسائل عندما اعترضت السلطة الفلسطينية، بصفتها "دولة فلسطين"، وهي دولة مراقبة غير عضو في الأمم المتحدة، على قرار إدارة ترامب بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس. ومرة أخرى، طُلب من المحكمة بشكل أساسي أن تحكم في مسألة قانونية أساسية تكمن وراء النزاع الإسرائيلي الفلسطيني (السيادة على القدس) في سياق القرار السياسي الأمريكي بنقل السفارة في تلك المرحلة بالذات. لكن بعد تحديد المواعيد النهائية للمرافعات الخطية في عام 2019، لم تنشر محكمة العدل الدولية أي معلومات عامة، ما يشير عادةً إلى أن المدعي والمدعى عليه اتفقا على تعليق الإجراءات.
وكما ذكرنا أعلاه، ينبع الرأي الاستشاري الصادر هذا الأسبوع من طلب الجمعية العامة للأمم المتحدة لعام 2023 بشأن الأنشطة الإسرائيلية في "الأراضي الفلسطينية المحتلة"، وهي عبارة يبدو أنها تستبعد غزة نظرًا لانسحاب إسرائيل من القطاع عام 2005. لكن تم ذكر غزة بشكل مكثف في مختلف أجزاء قرار الأمم المتحدة المعني (247/77)، ما يشير إلى أن الدول التي تدعم طلب محكمة العدل الدولية كان لديها مطلب أوسع: على وجه التحديد، تأكيد الطابع غير القانوني المزعوم لجميع الأنشطة الإسرائيلية خارج الخط الأخضر (أي خط الهدنة الذي تم ترسيمه قبل حرب عام 1967)، والذي من شأنه أن يمنحهم ركيزة للضغط على الجهات الدولية الفاعلة لاتخاذ إجراءات ضد البلاد.
وفي أعقاب الطلب، قدمت إسرائيل والسلطة الفلسطينية والأعضاء الخمسة الدائمون في مجلس الأمن الدولي عددًا كبيرًا على نحو غير معتاد من البيانات المكتوبة (57) إلى المحكمة حتى قبل هجوم حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر، ما يعكس أجواء ما قبل الحرب التي تخللتها جولات متعددة من العنف وحكومة إسرائيلية جديدة ضمت وزراء من اليمين المتطرف في مناصب بارزة. واعتمدت معظم هذه التصريحات أحد الأساليب الثلاثة: (1) التأكيد على عدم الشرعية المزعومة للإجراءات الإسرائيلية، أو (2) الاعتراف بعدم الشرعية هذه ولكن مع الدعوة إلى عملية سياسية لإنهاء هذه الأعمال، أو (3) اعتبار أن الإجراءات القانونية خارج إطار اتفاق متفق عليه بين الطرفين ستكون غير ملائمة والمطالبة بمفاوضات مباشرة بين الطرفين.
بغض النظر عما تخلص إليه المحكمة هذا الأسبوع، من المرجح أن تكون قدرتها على كبح النشاط الإسرائيلي محدودة نظرًا للطبيعة غير الملزمة لآرائها الاستشارية والإطار القانوني البحت لأسئلة الجمعية العامة للأمم المتحدة. في الواقع، قد يدفع هذا الرأي الحكومة الإسرائيلية حتى إلى الإصرار على سياساتها الأخيرة المثيرة للجدل في الضفة الغربية من خلال توسيع نشاطها المدني والعسكري إلى ما هو أبعد من الخط الأخضر أو حتى إقامة عمليات ضم قانونية في تلك الأراضي.
سيكون لرأي هذا الأسبوع آثار ملحوظة على كيفية تعامل محكمة العدل الدولية مع القضايا ذات الصلة في المستقبل، على الرغم من تأثيره الذي يُفترض أن يكون محدودًا على أرض الواقع. ويتضمن ذلك المهمة الصعبة المتمثلة في تحقيق التوازن بين رأيها الصادر في عام 2004 (الذي أثبت عدم شرعية بعض الأنشطة الإسرائيلية بنظر المحكمة) ووقائع السياق السياسي اليوم (الذي أصبحت فيه شرعية المصالح الأمنية الإسرائيلية صارخة بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر وتبقى فيه المفاوضات المباشرة السبيل الأفضل نحو الحل).
قضيتا جنوب أفريقيا ونيكاراغوا
إن القضية الأكثر شهرة المرفوعة أمام محكمة العدل الدولية خلال حرب غزة هي الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا في كانون الأول/ديسمبر 2023 ضد إسرائيل على خلفية انتهاكها لاتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948، وهي القضية التي ربطها بعض المراقبين بالروابط الدبلوماسية والمالية الوثيقة للبلاد مع إيران. وإلى جانب السعي إلى إصدار حكم نهائي على الإجراءات الإسرائيلية في غزة، طلبت الدعوى أيضًا فرض تدابير مؤقتة في غضون ذلك نظرًا لمخاوف إنسانية طارئة. وفي كانون الثاني/يناير، فرضت المحكمة بعض هذه الإجراءات على إسرائيل في ما يتعلق بتمكين تقديم المساعدات الإنسانية، ومنع ومعاقبة التحريض المحلي على الإبادة الجماعية، وقضايا مماثلة. كما وافقت إسرائيل على تقديم تقارير مباشرة إلى المحكمة بشأن التزامها بهذه الأوامر، مع العلم أنّه لم يتم نشر هذه التقارير.
وفي وقت لاحق، قدّمت جنوب أفريقيا ثلاثة طلبات أخرى لفرض تدابير مؤقتة إضافية وتعديل التدابير القائمة، مستشهدة بالحملة العسكرية الإسرائيلية في رفح وغيرها من التطورات الجديدة. لكن المحكمة رفضت هذه الطلبات، مشيرةً إلى أن إسرائيل امتثلت لطلب الإبلاغ الأصلي. أما بالنسبة للسؤال الأوسع حول ما إذا كانت إجراءات إسرائيل في غزة تشكل إبادة جماعية من وجهة النظر القانونية للمحكمة، من غير المرجح أن يصدر الحكم النهائي في أي وقت قريب.
وبعد وقت قصير من بروز قضية جنوب أفريقيا، باشرت نيكاراغوا إجراءات مماثلة ضد ألمانيا، متهمةً إياها بعدم الامتثال للالتزام المنصوص عليه في اتفاقية عام 1948 "ببذل كل ما في وسعها لمنع ارتكاب الإبادة الجماعية" خلال حرب غزة. وشددت الدعوى على "الدعم السياسي والمالي والعسكري" الذي تقدمه ألمانيا "لإسرائيل" وقرارها تعليق تمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا). كما طلبت نيكاراغوا اتخاذ تدابير مؤقتة، لكنّ المحكمة قضت، في نيسان/إبريل، بعدم ضرورة اتخاذ هذه التدابير نظرًا للإجراءات التي اتُخذت أصلًا في قضية جنوب أفريقيا. لكن لا يزال من الممكن توقع صدور حكم نهائي بشأن الأسس الموضوعية للدعوى في مرحلة ما، على الرغم من طلب ألمانيا رفض القضية.
القانون أم الحرب؟
تمثل قضايا محكمة العدل الدولية هذه ومجموعة الإجراءات الأخرى أمام المحكمة الجنائية الدولية والمحاكم الوطنية المختلفة، مجتمعةً، زيادة كبيرة في المشاركة القانونية الدولية في الساحة الإسرائيلية الفلسطينية. وتبدو هذه الحالات أيضًا أكثر تسييسًا مما كانت عليه في الماضي، وهو أمر غير مفاجئ نظرًا لغياب المفاوضات السياسية الإسرائيلية الفلسطينية المجدية على مدى عقد من الزمن، وتدهور الظروف على الأرض بالنسبة للفلسطينيين، وسياسة إسرائيل الاستيطانية الآخذة في التوسع (التي سهّلتها في السنوات السابقة مقترحات إدارة ترامب بشأن التصرف المستقبلي بالضفة الغربية). وتميل الأطراف التي ترفع هذه القضايا إلى تأطيرها بمفاهيم قانونية مجردة، متوقعةً أن تساعد المعارضة العالمية لممارسات مثل الإبادة الجماعية في حشد الدعم الدولي. من الواضح أن هذا النهج لا يأخذ في الاعتبار التعقيدات العديدة على أرض الواقع، لكن يبدو أن أصحاب المطالبات يدركون جيدًا هذا الواقع، ويبدو أنهم في أغلب الأحيان يرون إجراءات محكمة العدل الدولية كوسيلة للتأثير على الرأي السياسي العالمي لا على إجراءات إسرائيل بأي صورة فورية.
على الرغم من ذلك، لن يكون من الحكمة استبعاد هذه التطورات القانونية في لاهاي باعتبارها غير مهمة أو مسيّسة بشكل خطير. وبدلًا من ذلك، ينبغي بالمسؤولين اتباع النموذج الذي أنشأته الولايات المتحدة والجهات الفاعلة الأخرى، الذي يقضي بالاستمرار في التعامل مع الإجراءات القانونية الدولية مع كشف حدودها في الوقت عينه. إذا اعترفت الحكومات بالأسباب الكامنة وراء شكوى أو حكم معين من محكمة العدل الدولية ثم شرحت أسباب معارضتها لها، سيكون بوسعها تعزيز التصورات حول سياساتها سواء في الخارج أو في الداخل. بالمقابل، يُعتبر تجاهل مفهوم العدالة العالمية ببساطة أمرًا محفوفًا بالمخاطر، ليس فقط لأنه قد يؤدي إلى عالم جامح (أكثر حتى)، ولكن أيضًا لأن معظم الدول ستجد ذاتها على الأرجح في مواقف مستقبلية حيث ستحتاج إلى إحالة قضايا خاصة بها إلى القضاة الدوليين.
في هذا الصدد، تُعتبر القضية التي رفعتها نيكاراغوا ضد ألمانيا لافتة للنظر. فقد قبلت برلين في السابق بالولاية القضائية الإجبارية لمحكمة العدل الدولية في إطار التزامها بالقانون الدولي بعد الحرب العالمية الثانية، لكنها تجد ذاتها الآن مستهدفة ومقاضاة بسبب خيارات السياسة الخارجية التقديرية التي اتخذتها الأطراف الأخرى في اتفاقية الإبادة الجماعية تجاه إسرائيل. وقد يكون أولئك الذين باشروا القضية أكثر اهتمامًا بتقويض شرعية محكمة العدل الدولية منه بالفوز بحكم ضد برلين. وإذا كان الأمر كذلك، سيقوم رد الفعل الصحيح على تجنب الوقوع في الفخ من خلال المشاركة في القضية وتوضيح سبب عدم صحة الاتهام.
بطبيعة الحال، لا تزال الجهود الرامية إلى معالجة المشاكل التي يواجهها الإسرائيليون والفلسطينيون على الأرض ذات أهمية قصوى. من غير المرجح أن يكون لإجراءات محكمة العدل الدولية، على الرغم من تصدرها عناوين الأخبار وإقناع إسرائيل بالامتثال لبعض التدابير المؤقتة خلال حرب غزة، تأثير كبير على هذه المهمة الأساسية. فالآراء الاستشارية مثل تلك التي صدرت هذا الأسبوع غير ملزمة، ومن المفترض أن تستخدم الولايات المتحدة حق النقض ضد أي محاولة لفرض أحكام ضد إسرائيل من خلال مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. لكن المناقشة المتعلقة بكيفية تعامل المحاكم الدولية مع القضية الإسرائيلية الفلسطينية يمكن أن تؤدي بسهولة إلى زيادة الاستقطاب في جميع أنحاء العالم إذا لم تُجِد الحكومات التعامل معها أو تجاهلتها.
الدكتور ألكسندر لونغاروف هو زميل زائر في قسم القانون الدولي بجامعة لوفان الكاثوليكية (بلجيكا) ومسؤول سابق في اللجنة الاقتصادية والاجتماعية الأوروبية.
يُعبّر هذا المرصد السياسي عن وجهات نظره فقط ولا يعكس بأي شكل من الأشكال رأي اللجنة المذكورة أعلاه أو رأي الاتحاد الأوروبي، الذي لا يمكن تحميله المسؤولية عن أي استخدام له.