الجيش اللبناني: انتفاخ في «القمة».. و«الجسم» نحيل!
الثلاثاء 5 كانون الثاني 2010 - 5:18 ص 3805 0 محلية |
كتب المحرر السياسي:
عاد اللبنانيون، من أعيادهم ومناسباتهم هذه السنة، وقد ظللهم مناخ التوافق الداخلي، ولو أن أسبابه الخارجية، أقوى من حيثياته اللبنانية.
عاد اللبنانيون، من أعيادهم ومناسباتهم، هذه السنة، وقد ظللهم طقس عاصف وأمطار واعدة.. وزحمة سير خانقة، لم تخفف من وطأتها إجراءات آنية، ولو أن العدد الأكبر من عناصر قوى الأمن الداخلي، تكبدوا الكثير من التعب والإرهاق، في ظل واقع نقص العديد والعتاد والامكانات.
عاد اللبنانيون، من أعيادهم ومناسباتهم، هذه السنة، وهم أكثر اطمئناناً إلى أمنهم ـ ولو عكّرته حوادث متفرقة ـ وذلك بفضل جيشهم الذي يصل نهاراته بلياليه على طول الحدود وفي قلب كل الوطن.
عاد اللبنانيون، من أعيادهم، ومعهم أوجاعهم وهمومهم ورهانهم، بأن تعود أولوياتهم في صلب اهتمام أهل الدولة، ولكن يبدو أن حفلة جديدة من المحاصصة تنتظرهم، بعنوان «الإصلاح» و«التعيينات الإدارية»، فيما كل التجارب الماضية لا تشي بالإصلاح الذي يتحدث عنه الجميع.
ها هي الحكومة تجتمع أسبوعياً والمجلس النيابي في دورة استثنائية، وقطار المصالحات لا يتوقف، ومحطته الجديدة، لقاء متكرّر بين النائبين ميشال عون ووليد جنبلاط في الرابية يوم الخميس المقبل.
وها هي الاستحقاقات الأمنية تطلّ برأسها هذه المرة من خلال «ملف السلاح الفلسطيني» والمخيمات، فيما بدا رئيس الحكومة سعد الحريري حاسماً خلال المشاورات التي أجراها مع الكتل النيابية، عشية التأليفين الأول والثاني، بأنه سيعطي أولوية لموضوع محاربة الإرهاب ومعالجة قضية السلاح الفلسطيني خارج المخيمات.
وقد نص البيان الوزاري لحكومته على ذلك، مثلما نص على وجوب «إعادة هيكلة الوحدات بما يتناسب مع مهمات الجيش في المرحلة المقبلة ولا سيما في مجال مكافحة الإرهاب».
غير أن تعامل المعنيين، خلال الأسابيع الأولى من عمر الحكومة وانطلاق الورشة التشريعية، لم يرق بعد إلى مستوى ما تتوق إليه المؤسسة العسكرية، في المرحلة المقبلة، وهذا الأمر صارح قائد الجيش العماد جان قهوجي المعنيين به، مناشداً إياهم البت سريعاً بمشروع قانون الحوافز للضباط.
لقد بلغ عديد الجيش اللبناني سقف الستين ألف عسكري، تجدهم اليوم، منتشرين في أربع رياح بلدهم. في جنوب الليطاني وقرب الحدود الجنوبية مع العدو الإسرائيلي، حيث يؤكد أكثر من عشرة آلاف جندي وضابط، بحضورهم ودورهم وتعاونهم وتنسيقهم مع قوات «اليونيفيل»، وبتكاملهم وتناغمهم مع أهلهم المقاومين في أرضهم، إرادة مواجهة التهديد الإسرائيلي.
أكثر من عشرة آلاف، ينتشرون على الأرض، ترجمة لقرار السلطة السياسية المتخذ منذ منتصف التسعينيات بتكليف الجيش حفظ الأمن الداخلي في كل الأراضي اللبنانية، بالإضافة إلى نحو عشرة آلاف آخرين على الحدود الشمالية والشرقية... فيصل المجموع كله الى حوالى ثلاثين ألف عسكري.
يعني ذلك أن الجيش يستنزف بالمهمات اليومية الداخلية الملقاة على عاتقه والتي زادت أضعافاً، بعد الانسحاب العسكري السوري في العام 2005 وصدور القرار 1701 في أعقاب «حرب تموز» 2006، غير أن هذه المؤسسة العسكرية، التي لم تبخل يوماً بالغالي والرخيص في سبيل تثبيت السلم الأهلي ومواجهة الإرهاب والتلاحم مع المقاومة في مواجهة الخطر الإسرائيلي، لم تجد منذ سنوات، من يعطيها ما تستحقه من اهتمام بدليل الحصار أو التقطير الذي تعرضت له في مرحلة ما قبل ولادة الحكومة الحالية..
هنا، يبدو رهان قيادة الجيش واضحاً على رئيس الجمهورية الآتي من قلب معاناة المؤسسة العسكرية، كما على الحكومة ورئيسها وما تم قطعه من التزامات في البيان الوزاري، لجهة إعطاء الجيش الأولوية في الموازنة العامة (النسبة العامة لا تلحظ المسؤوليات الجســـام بـعـــد 2005) وفــي السياسات العامة للدولة، وأن تدفع المستحقات وهي كثيرة فضلا عن الاهتمام بأوضاع الثكنات والمراكز وإعادة النظر بموضوع الطبابة العسكرية والنقل وزيادة الموازنة المخصصة للعتاد والآليات والأسلحة والذخائر والتجهيزات... حتى يصبح الجيش مع الوقت وبالتزامن مع مناقشة الإستراتيجية الدفاعية جاهزاً للدفاع عن الحدود وليس مجرد قوة لحفظ الأمن الداخلي.
لقد أعيد توحيد الجيش بعد العام 1990 وقام باستخدام ما توافر من اسلحة الميليشيات في عز الحروب الداخلية، وساهم الأميركيون بتزويده بعتاد من بقايا الجيش الأميركي في ألمانيا، بعنوان محدد هو حفظ الأمن في الداخل ومواجهة الارهاب الداخلي ومنع العودة الى الحرب الأهلية...
كان الكلام الأميركي واضحاً منذ البداية «نحن لا نعطيكم سلاحاً قد يستخدم أو يوجه ضد اسرائيل».
بعد «حرب تموز»، وقبيل انتخاب ميشال سليمان رئيسا للجمهورية، دعا الأميركيون الى شراكة استراتيجية بين الجيشين الأميركي واللبناني، تعهدت واشنطن بموجبه ببناء الجيش وتسليحه وتدريبه وتجهيزه. تم تشكيل لجان مشتركة لهذه الغاية.. وكانت عين الأميركيين وما تزال على تغيير عقيدة الجيش وتحديداً اعادة النظر بمفهوم اسرائيل كعدو.. لكن الجيش لم يبدل حرفاً في عقيدته.
جاءت «حرب البارد» لتجعل الأميركيين، يفتحون مخازنهم لأسلحة كانت محظورة... والسبب حاجة الجيش الى ما يمكّنه من هزيمة قوى ارهابية داخلية مثل «فتح الإسلام» وغيرها.. ولكن وفق المعادلة نفسها، أي عدم استخدامها ضد اسرائيل.
الدبابات تخدم هدف مواجهة الإرهابيين وسيارات «الهامفي» لا بأس بها، ولكن كل ذلك لا يسمح للجيش بمواجهة اعتداءات اسرائيلية محتملة ضد لبنان؟
من هنا، كان التركيز على وجوب اعادة النظر بهيكلية المؤسسة، ذلك أن البناء الحالي موروث من الستينيات والسبعينيات والثمانينيات، «فالمطلوب استكمال الألوية والأفواج (بعضها عديده 1500 بينما يجب أن يكون 2500)، وتعزيز القوة الاحتياطية (الأفواج)، وهذا يعني زيادة عديد الجيش أقله عشرة آلاف عسكري، وربما يصار هنا، الى اعتماد مشروع قانون خدمة العلم الاختيارية الذي طرحه رئيس الجمهورية ميشال سليمان، عندما كان قائداً للجيش (يصار الى تثبيت العدد المؤهل للخدمة العسكرية المستمرة).
يطرح ذلك أيضا إشكالية التضخم في الرتب الكبرى (عميد وعقيد) والنقص الفادح في الرتب الصغرى (ما تحت رائد)، فإذا تمت زيادة عديد الجيش، يزيد عدد الرتب الصغرى (آمرو الفصائل والسرايا مثل ملازم وملازم أول ونقيب).
وقد كان هذان الأمران في صلب الأسباب الموجبة، لتقديم «مشروع الحوافز» الذي رفعته قيادة الجيش اللبناني إلى وزير الدفاع الحالي ـ السابق الياس المر الذي أحاله بدوره إلى رئاسة الحكومة، والذي يهدف إلى إعادة ترشيق وهيكلة الجيش اللبناني وضخ دم جديد في شرايينه القيادية، من خلال افساح المجال أمام الضباط من الرتب كافة لتقديم استقالاتهم لقاء حوافز مادية ومعنوية للضباط المستقيلين.
ولكن حسابات رئيس الحكومة السابق جاءت غير مطابقة لالتزامات حكومته في بيانها الوزاري، فرفض، في مرحلة أولى، توقيع المشروع ورماه في أدراج اللجان والمستشارين في رئاسة الحكومة بحجة كلفته المالية الباهظة، وعاد في مرحلة ثانية، وأحاله بصيغة مشروع قانون معجّل إلى مجلس النواب، بعد إدخال تعديلات عليه، لا تتفق وما قدّمته القيادة العسكرية من اقتراحات، ربطاً بما يمكن أن يحدثه «مشروع الحوافز» من أثر ايجابي كبير داخل المؤسسة العسكرية.
وقد شهدت لجنة الدفاع النيابية في اجتماعها الأخير قبل عطلتي الميلاد ورأس السنة (طار اجتماع الأمس من دون توضيح الأسباب) مناخات متناقضة، سرعان ما حاول قائد الجيش العماد جان قهوجي، تبديدها، بزيارات للمراجع الرئاسية ولقاءات شارك في جزء منها وزير الدفاع، من أجل الأخذ في الاعتبار ملاحظات القيادة العسكرية.
وقد طلبت قيادة الجيش كسر حالة المراوحة القائمة منذ العام 1983 والتي أدت إلى خلل كبير على صعيد الهرمية في المؤسسة العسكرية وبالأخص في رتبتي عقيد وعميد حيث تراكم عدد الضباط في الرتبتين، مما جعل الترقية إليهما متعذرة أو شبه مستحيلة، ولذلك تحول الجيش إلى ما يشبه الرأس المنفوخ الكبير المستند إلى جسم نحيل.
وعليه، طلب الجيش الأخذ بمشروع القانون الذي يساعد على وضع تنظيم جديد لتراتبية الضباط كما هو متعارف عليه في كل جيوش العالم، أي التدرج صعوداً من القاعدة الواسعة حتى القمة الضيقة جداً، عكس الوضع الحالي، خاصة أنه يفسح في المجال أمام الضباط من الرتب كافة لتقديم استقالاتهم لقاء حوافز مادية ومعنوية ستكبد الخزينة في مرحلة ما أعباء مالية، ولكنها ستؤدي لاحقاً إلى تخفيف الأعباء التي تتراكم سنة بعد سنة، وهي أكبر بكثير... والأهم إجراء تشكيلات وضخ دم جديد، علماً أن فريقا من الضباط الذين تقاعدوا مؤخراً يشعرون بغبن لكونهم لم تقدم اليهم أية حوافز للاستقالة قبل تقاعدهم.
ويتضمن مشروع القانون المعجل الأساسي أحكاما استثنائية تتعلق بالضباط، وتقول المادة الأولى، إنه يحق لكل ضابط أياً كانت رتبته ومهما بلغت خدمته أن يتقدم باستقالته، وذلك خلال مدة شهر من تاريخ العمل بالقانون، أما المادة الثانية، فتنص على أن المعاش التقاعدي أو تعويض الصرف للضباط المستقيلين يستحق إذا بلغت خدماتهم الفعلية خمس عشرة سنة وما فوق وإلا حق لهم المطالبة بتعويض الصرف فقط وتصفى حقوقهم على أساس آلية محددة.
أما الأسباب الموجبة للمشروع، فقد أشارت إلى أنه في جميع جيوش العالم، يتدرج التنظيم الهرمي لتراتبية الضباط صعوداً من القاعدة الواسعة حتى القمة الضيقة حيث أن الارتفاع في سلم الرتب يؤدي إلى تناقص الأعداد وصولاً حتى رأس الهرم... ولذلك تعمد الجيوش إلى تدابير عدة لتحفيز الضباط على الاستقالة المبكرة منها تأمين وظائف في الدولة أو القطاع الخاص ومنها التحفيز الإجباري كإجبار بعضهم على الاستقالة بعد الحصول على رتبة أعلى.
المصدر: جريدة السفير