المطلوب من زيارة سليمان لواشنطن - بقلم كلوفيس مقصود
الأحد 13 كانون الأول 2009 - 6:05 ص 3511 0 محلية |
زيارة الرئيس ميشال سليمان للعاصمة الاميركية حصَّنها قيام حكومة وحدة وطنية نالت ثقة شبه جماعية في مجلس النواب. وهذه الايجابية الواعدة من شأنها تأمين تلبية عديد من المطالب اللبنانية وتعزيز وتيرة التفاهم القائم تاريخياً في الوعي الاميركي العام، بالاضافة الى دور الجامعة الاميركية في بيروت. ولاحقاً الجامعة الاميركية – اللبنانية. كما ان التجاوب التلقائي مع مجرد ذكر لبنان هو من ثمار المساهمات الفكرية والادبية والفلسفية التي تمثلت في مساهمات "الرابطة القلمية" في مستهل القرن الماضي وبخاصة ما غرسه جبران خليل جبران في شريحة رئيسية من الاجيال الطالعة، وقد كان كرسي جبران في جامعة ماريلند تأسيساً لاستدامة عطاءاته. كما ان أداءات خارقة للبنانيين في مجالات العديد من المهن ومن ابرزهم الطبيب ذو الشهرة العالمية مايكل دبغي الذي توفي اخيراً عن مئة عام بعد مساهمات كثيرة في تطوير معالجة امراض القلب. ولعل مستشفى "سان جود" في مفيس تنسي لمعالجة سرطان الاطفال الذي اسسه الفنان الراحل داني توماس من اهم معالم التزامات الجالية اللبنانية والتزاماتها السخية والمتميزة بدفء عراتها، وحيث المعالجة المجانية اجمالاً وحققت اكثر من تسعين في المئة من النجاح، وهذا قليل من كثير.
اما التطور في العقد الاخير فهو محاولة الجاليات اللبنانية ان تتجاوز ما افرزته الحروب العبثية من جهة والتشرذمات الطائفية واضرارها على سمعة لبنان الراسخة في الوجدان الاميركي العام، مما دفع معظم هذه الجاليات الى ان تعمل في شكل دؤوب لاخراج نفسها من ان تكون مرآة لما كان عليه لبنان في الماضي القريب، وان تشكل بوحدتها مع بقية الاميركيين العرب لما يجب ان يكون عليه لبنان والعرب اجمالاً من وحدة وتنسيق في المواقف والدفاع عن الحقوق المدنية والدستورية ضد ممارسات التمييز، واخراج انفسهم من حذر التقوقع والاقتحام في الهموم السائدة للمجتمع الاميركي ككل، مما يجعل حضورهم في الشأن العام دعماً لحقوق لبنان والعرب، خصوصاً ان ادارة اوباما هي الاكثر استعداد للاستماع وتتميز عن الادارات السابقة بانها تتجه الى الاقناع بدلاً من معرفة الاملاءات التي مارستها ادارات سابقة، ولاسيما الاخيرة التي هيمنت على صياغة سياساتها وسلوكها جماعة "المحافظين الجدد".
نشير الى هذه الخلفية المتميزة بعطاءات مهمة اعتقاداً منا بأن كل ما أنجزه لبنانيون أميركيون كان من موقع كونهم مواطنين تجاوزوا انتماءاتهم الاضيق بهدف تحقيق اختراقات في رحاب اوسع توفر فرصاً لتحقيق تطلعاتهم واطلاق طاقاتهم وابداعاتهم. والطائفية كما اختبرنا تقمع الابداع مثلها مثل القبلية، وتستولد التقوقع وتعزز الريبة من الانفتاح ومن الغير ويسود معها الخوف من الآخر مدعوماً بتخويف متبادل يهدد الاستقرار ويحول الوطن سجناً دائم التوتر.
نذكر هذه الاستنتاجات لادراكنا أن الرئيس ميشال سليمان يرغب في ان يستقوي لبنان بمزيد من المناعة التي في استطاعة وحدة الجالية اللبنانية – الاميركية دعمها، وذلك لأن مسؤولياته حيال مستقبل الاجيال الصاعدة ولبنان في حاجة الى رسوخها، وهذا لا يتوفر الا بقدر ما تتعزز المواطنة وتزال – وان بالتدرج – الطائفية والغرائزية التي تفرزها.
... ولكن ماذا عن الزيارة التي يقوم بها الرئيس ميشال سليمان الى البيت الابيض وهي بالضرورة مفصلية بامتياز؟ الا يمكن القول ان ثمة قضايا عالقة تسمى "ملفات" لا بد من معالجتها بخاصة بعدما رست حكومة الوحدة الوطنية؟ أهل هذا صحيح؟ ويبقى الموقف متعثرا اذا لم ترتبط هذه الزيارة واهدافها بسبر غور طاقات داعمة ومتوافرة من شأنها توفير الأمن للبنان والامن الانساني لمواطنيه.
ان تركيزنا على الاطار الاوسع للزيارة لا يجيز بالطبع التغاضي عن المهمات الفورية والتي تستوجب معالجات عاجلة. ورئيس لبنان محصن بما يساهم في انجازه من مصالحات والدور الذي قام به في تأمين حكومة تستقيم من خلالها ركائز الوحدة الوطنية. الا ان تسليط الضوء على المظهر الاشد اشراقا الذي تمثله مساهمة الجالية اللبنانية وتصميمها على وحدتها في الولايات المتحدة يشكل حضورا مميزا لها في التنوع القائم مما يوفر فرصا اكبر يتجاوب الرئيس اوباما في حواره مع الرئيس سليمان كما يسهل تفهما لبعض التعقيدات العالقة إذ اسرائيل اعلنت تحميلها الحكومة اللبنانية مسؤولية مباشرة عن اي عمل انفرادي على الحدود، وهذا التهديد المسبق الذي تعلنه حكومة اسرائيل يهدف الى زعزعة الاستقرار، وهو محاولة ابتزازية نافعة لتعطيل الوحدة الوطنية التي تحققت، وبالتالي تصميم إفقاد لبنان المناعة حتى تتمكن اسرائيل بدورها من خرق ما انجزه القرار 1701، والحيلولة دون تمكن لبنان من تثمير ما انجزه من وحدة الحكومة، وبالتالي ما يجب انجازه في طاولة الحوار التي يترأسها الرئيس ميشال سليمان. اجل، ان المصيدة التي تحاول اسرائيل ايقاع لبنان فيها تلقى بعض التجاوب في مراكز لا تزال تجيز مواقف اميركية سابقة ومن بقايا عهد المحافظين الجدد، وهذه تسعى الى تعطيل مفاعيل ما قد أنجز، وبالتالي أصبح الحرص على الوحدة الوطنية بمنأى عن المصيدة التي خرج لبنان منها بعد انتخاب الرئيس سليمان وادارته الحكيمة التي وفرت الفرص لإنجاز ما تحقق، وجعلها محصنة ضد محاولات جعل المصالحة سريعة العطب مرة اخرى.
يستتبع ان الثقافة السياسية التي يتبعها الرئيس أوباما تتميز برغبة في استنفاد كل الخيارات التي تنزع فتيل النزاعات من جهة مع احتفاظه بحق ليَّ الذراع عند الاضطرار. هذا النهج يمكن ان يوفر له دعما في المواقف التي سيتخذها لبنان في مجلس الامن، وبالتالي هذه المواقف ستكون مساهمة في دعم السلم والامن العالميين كلما تعززت مناعة الوحدة الوطنية في لبنان. من هذا المنظور اذا تمكن الرئيس سليمان من ايصال هذا الالتزام فأعتقد ان هذا من شأنه جعل حكومة الوحدة الوطنية في لبنان احد الروافد الرئيسية لايجاد حلول عادلة لنزاعات اقليمية ودولية متزايدة. وهنا تبرز اهمية لبنان في ايصال فكرة ضرورة تنفيذ القرارات الاممية ذات الصلة بحقوق الشعب الفلسطيني، وان يعمل المفاوض والمحاور اللبناني على ربط الاستقرار في المنطقة العربية – وما هو ابعد واشمل منها – باستمالة استئناف "المفاوضات" بين السلطة الفلسطينية واسرائيل وان الضروري استقامة المفاوضات نفسها من خلال صوابية المعادلة القانونية بأن اسرائيل هي سلطة محتلة، وليست سلطة مالكة، وان حق العودة هو المطلب الشرعي في مقابل عنصرية الابتزاز المسمى "الاعتراف بيهودية اسرائيل وكونها دولة للشعب اليهودي". ان التركيز لبنانيا على ذلك في حوار الرئيسان قد يكون مفتاح الانفراج وخطوة نحو انجاز ما يصبو الرئيسين الى تحقيقه. وهذه الزيارة في هذا الوقت تنطوي على احتمالات واعدة بالنظر الى تعزيز دور لبنان حيال شعبه، ومسؤولياته القومية، وللاستفادة من جو مناخات الانفتاح والحوار التي صارت من صلب السياسة الدولية لادارة اوباما، وشرطها ان تتزاوج الصراحة مع وضوح الرؤيا المستقبلية وتراجع اجترارات خطاب الانقسام والتقسيم، وان نصمم على اختراق المعوقات الموروثة ونرفع شان الموروث المضيء في عطاءات ثقافتنا، وكوننا نتقن الحوار اذا رغبنا، وكون لبنان في وحدته الوطنية هو خميرة لما يجب ان تكون عليه امته العربية. صحيح ان هذه تمنيات اكثر مما هي امكانات، ولكن كم من التمنيات اصبحت سياسات ملهمة.
المصدر: جريدة النهار