تجييش الجيوش الأمريكية وأثره في انهيار اقتصاد أمريكا
"إن الاعتقاد في أن الزيادة كانت ناجحة يعد أمرًا خطيرًا بصفة خاصة، وذلك نظرًا لأن حرب أفغانستان تسير على نحو سيء" جوزيف ستيجليتز
جوزيف ستيجليتز/ الجارديان
ترجمة/ شيماء نعمان
من جديد يتصاعد الجدل بشأن مدى النجاح أو الإخفاق الذي حققته خطة "الزيادة" التي نفذتها الولايات المتحدة في العراق العام الماضي، وذلك مع مطالبة عدد من المسئولين وكبار القادة العسكريين الأمريكيين بضرورة ضخ المزيد من القوات الإضافية إلى الأرض في أفغانستان مع تصاعد عمليات المقاومة ضد الاحتلال، والتي تتزعمها حركة طالبان الإسلامية.
ويرى الاقتصادي الأمريكي البارز، "جوزيف ستيجليتز"، أستاذ الاقتصاد بجامعة كولومبيا والحائز على جائزة نوبل في العلوم الاقتصادية عام 2001، أن دفع المزيد من الجنود إلى أفغانستان لن يسفر إلا عن مزيد من الانهيار السياسي والاقتصادي للولايات المتحدة، معتبرًا أن الاعتقاد بنجاح خطة "زيادة القوات" في العراق أمر لا يمكن الجزم بصحته وخاصة مع استمرار العنف- وإن كانت وتيرته قد انخفضت- وكذلك مع إخفاقها في تحقيق تسوية سياسية بالبلاد.
ومن خلال المقال التالي الذي نشرته مؤخرًا صحيفة "الجارديان" البريطانية يعرض ستيجليتز لوجهة نظره حول الشأن، حيث يقول:
لقد صعدت قضية تداعي الاقتصاد الأمريكي لتحل محل حرب العراق كأهم قضية تتصدر الحملة الانتخابية لمرشحي الرئاسة الأمريكية. ويرجع ذلك جزئيًا إلى وصول الأمريكيين إلى اعتقاد بأن الأوضاع قد تبدلت في العراق: حيث يُفترض أن استراتيجية "زيادة القوات" قد تمكنت من إخافة عناصر المقاومة، الأمر الذي ترتب عليه انحسارًا في وتيرة العنف بالبلاد. إن المضمون واضح: استعراض القوة هو من يربح السباق.
إنه تحديدًا نفس ذلك المنطق المتسلط هو من دفع الولايات المتحدة إلى حرب العراق في المقام الأول. ولقد كانت الحرب تهدف إلى إظهار النفوذ الاستراتيجي للقوة العسكرية، إلا أن بدلاً من ذلك قد كشفت عن مواطن عجزها. علاوة على ذلك، فإن الحرب قد قوضت المصدر الفعلي لقوة أمريكا- ألا وهو سلطتها الأخلاقية والمعنوية.
ولقد عززت الأحداث الأخيرة من مخاطر نهج إدارة بوش. ولقد كان من الواضح دائمًا أن توقيت رحيل الولايات المتحدة عن العراق ربما لن يكون بناءً على خيار منها، ما لم تكن ترغب في انتهاك القانون الدولي مجددًا. إلا أن العراق، في الوقت الراهن، يطالب بمغادرة القوات الأمريكية المقاتلة في غضون 12 شهرًا، على أن يتم رحيل جميع القوات عن العراق بحلول عام 2011.
ومما لا شك فيه، فإن انحسار العنف أمر مرحب به كما أن ضخ مزيد من القوات الإضافية ربما لعب بعض الدور. ومع ذلك فإن مستوى العنف الذي يشهده العراق، لو أنه يحدث في بقعة أخرى على مستوى العالم، لكان قد احتل أهم عناوين الصحف. ولكن فقط في العراق أصبحنا نألف أحداث القتل وسفك الدماء حتى أنه يكون يومًا طيبًا إذا ما قُتل 25 مدنيًا فقط خلاله.
إن دور زيادة القوات في انخفاض وتيرة العنف في العراق ليس واضحًا. كما أن هناك عوامل ربما تكون أكثر أهمية، بما في ذلك إغراء بعض عناصر المقاومة السنية بالأموال لكسب تعاونهم مع الولايات المتحدة في قتال القاعدة. إلا أن تلك استراتيجية تظل خطرة. فالولايات المتحدة ينبغي عليها أن تعمل من أجل خلق حكومة قوية موحدة، بدلاً من تعزيز الميليشيات الطائفية. أما الآن فقد انتبهت الحكومة العراقية إلى المخاطر، وبدأت في اعتقال بعض الزعماء الذين تدعمهم الحكومة الأمريكية. إن التطلعات لمستقبل مستقر تبدو تزداد قتامة.
وتلك هي النقطة الرئيسية: فخطة الزيادة كان من المفترض أن تقدم مساحة للتسوية السياسية التي من شأنها أن تضع الأسس من أجل استقرار طويل المدى. لكن تلك التسوية السياسية لم تحدث. لذا، وكما كان الحال مع البراهين التي استخدمت لتبرير الحرب، ومعايير نجاحها، فإن الأساس المنطقي للزيادة، أيضًا، لا يزال يتبدل.
في الوقت نفسه، فإن التكاليف التقديرية لهذه المغامرة على الصعيد العسكري والاقتصادي صارت جلية أكثر وأكثر. وحتى إذا ما كانت الولايات المتحدة قد نجحت في تحقيق الاستقرار في العراق، فإن ذلك لم يكن سيضمن تحقيق النصر في "الحرب على الإرهاب"، ناهيك عن النجاح في تحقيق أهداف استراتيجية أوسع نطاقًا. فالأمور لا تسير على ما يرام في أفغانستان، وأقل ما يقال، أن باكستان لم تبدو في أي وقت مضى في حالة عدم استقرار أكثر مما هي عليه اليوم.
علاوة على ذلك، يتفق معظم المحللين على أن جزءً على الأقل من الدافع وراء غزو روسيا لجورجيا- الذي ألهب المخاوف من تجدد الحرب الباردة- كان ثقتها في أنه مع انشغال القوات المسلحة الأمريكية بحربين فاشلتين (وكونها مستنزفة بدرجة سيئة بسبب سياسة تعتمد على عدم تعويض الموارد العسكرية بمجرد نفاذها)، فإن أمريكا ليس في إمكانها فعل الكثير ردًا على ذلك. ولقد ثبتت صحة الحسابات الروسية.
حتى أكبر وأغنى دولة في العالم لديها مصادر محدودة. ولقد تم تمويل حرب العراق كلية اعتمادًا على نظام الائتمان (الدين)؛ ويُعزى جزئيًا إلى ذلك زيادة الدين القومي للولايات المتحدة بمعدل الثلثين في غضون ثماني سنوات فقط.
ولكن الأوضاع لا تزال تزداد سوءًا : فالعجز لعام 2009 فقط من المتوقع أن يكون أكثر من نصف تريليون دولار، غير شاملة لتكاليف الإنقاذ المالي، والحزمة التحفيزية الثانية التي يقول عنها جميع الاقتصاديين تقريبًا الآن إن هناك حاجة ماسة إليها. إن الحرب، والطريقة التي نُفذت بها، قد قلصت من مساحة المغامرة بالنسبة للولايات المتحدة، كما يكاد يكون من المؤكد أنها ستعمق وتطيل أمد حالة الركود الاقتصادي.
إن الاعتقاد في أن الزيادة كانت ناجحة يعد أمرًا خطيرًا بصفة خاصة، وذلك نظرًا لأن حرب أفغانستان تسير على نحو سيء.فحلفاء أمريكا من الأوروبيين قد أنهكوا من المعارك التي لا نهاية لها وتصاعد الخسائر في الأرواح. بالإضافة إلى أن معظم الزعماء الأوروبيين ليسوا في مهارة إدارة الرئيس بوش في تزييف الحقائق؛ويواجهون صعوبة كبيرة في إخفاء أعداد الضحايا عن مواطنيهم. والبريطانيون، على سبيل المثال، على دراية كبيرة بالمشكلات التي سبق وقابلوها مرارًا وتكرارًا خلال حقبة احتلالهم لأفغانستان.
وبالطبع، فإن الولايات المتحدة سوف تواصل الضغط على حلفائها، إلا أن الديموقراطية لديها سبيل للحد من فعالية مثل تلك الضغوط. فالمعارضة الشعبية لحرب العراق جعلت من المستحيل على كلٍ من المكسيك وشيلي أن يخضعا للضغوط الأمريكية لإعلان تأييدهما للغزو أمام الأمم المتحدة؛ ولقد ثبت أن مواطني البلدين كانوا على حق في معارضتهم.
وبالعودة إلى أمريكا، فإن الاعتقاد في أن الزيادة قد "عملت بفاعلية" هو ما يدفع الكثيرين في الوقت الراهن إلى القول بأن هناك حاجة إلى مزيد من القوات في أفغانستان.
وصحيح أن الحرب في العراق قد صرفت انتباه أمريكا عن أفغانستان، إلا أن الإخفاقات في العراق هي مسألة خاصة بالاستراتيجية وليست قضية تعزيز قوات. لقد حان الوقت لأمريكا، وأوروبا، لتعلم دروس العراق، أو بالأحرى، إعادة تعلم الدروس من تقريبًا كل بلد تحاول أن تحتل غيرها وتحدد له مستقبله.