ملف..الجيوش والميليشيات و(إعادة) الدمج في الدول المتصدّعة...

تاريخ الإضافة الأحد 16 كانون الأول 2018 - 9:03 ص    عدد الزيارات 2458    التعليقات 0

        

المصدر مركز كارنيغي..

المسار التناضحي: وحدات الحشد الشعبي والدولة العراقية..

ريكاردو ريدايلّي..

المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية (ISPI)..

ملخّص: يبدو العراق اليوم أشبه بتركيبة تعدّدية من مراكز قوة متنافسة، إنما متقلّبة ومرنة، ترتبط برعاة محليين و/أو خارجيين...

يتمثّل التطوّر الأكثر إثارة للاهتمام في حوكمة قطاع الأمن في العراق راهناً في خصوصية عملية تهجين قوات الأمن العراقية، والمجموعة الواسعة من الميليشيات غير الحكومية/شبه الحكومية في البلاد. ومع أن النظام العراقي يتّسم بطابعٍ هجين منذ ثمانينيات القرن المنصرم، تكثّفت هذه العملية في أجهزة الدولة وقطاع الأمن منذ مطلع العام 2014، إذ جسّدت وحدات الحشد الشعبي مرحلة جديدة من هذا المنحى. واليوم، يبدو العراق أشبه بتركيبة تعدّدية من مراكز قوة متنافسة، إنما متقلّبة ومرنة، ترتبط برعاة محليين و/أو خارجيين. وإضافةً إلى الميليشيات مثل وحدات الحشد الشعبي، نجحت "المرجعية"، وهي هيئة غير حكومية، في دخول كنف الدولة وتهجينها، وأضفت – للمفارقة - الشرعية على مؤسسات الدولة ومنافسيها على حدٍّ سواء، وشكّلت في الوقت نفسه حصناً منيعاً حدّ من تمدّد النموذج الإيراني وتغلغله في الحوكمة الأمنية.

الطريق نحو التهجين

قبل سقوطه بفترة طويلة عقب الغزو الأنكلو-أميركي للعراق في العام 2003، أنشأ نظام صدام حسين "دولة ظل" ذات سلطات متوازية وغالباً بين قوى مُتنافسة.1 وفي هذا السياق، اكتسبت الجهات غير الحكومية أهمية مُطّردة، سواء ارتبطت رسمياً ببغداد (على غرار الشبكات القَبَلية) أم عارضتها (على غرار كتائب بدر الشهيرة المدعومة من إيران). ومع سقوط النظام العراقي، تفشّت في طول البلاد وعرضها مجموعة واسعة من الميليشيات، جمعتها مع نخب السلطة الجديدة علاقات تراوحت من المعارضة التامّة إلى التعاون أو استغلال آليات السلطة، في إطار انهيار المنظومة الأمينة العراقية. تجدر الإشارة هنا إلى أن مأسسة الميليشيات، واستلحاقها واستتباعها ضمن قوات الأمن العراقية، والأنماط "الإقطاعية" التي تجسّدت من خلال استيلاء أحزاب وميليشيات (وقوات البيشمركة الكردية في شمال البلاد) بشكلٍ منفرد على وزارات بكاملها، تشكّل كلّها دلائل على تآكل هياكل الدولة ومصداقيتها.

ريكاردو ريدايلّي

ريكاردو ريدايلّي أستاذ الدراسات الجيوسياسية في الجامعة الكاثوليكية في ميلانو، ومدير قسم الماجستير في الدراسات الشرق-الأوسطية في كلية الاقتصاد والعلاقات الدولية (ASERI). لكن عملية التهجين و"تلوّث هيكل الدولة" بلغا ذروتهما في العام 2014 غداة انهيار قوات الأمن العراقية في الموصل. وبما أن الغاية من تأسيس الحشد الشعبي كانت تحديداً سدّ الفراغ الناجم عن هزيمة الجيش العراقي، تُجسّد هذه الوحدات تطوّراً مُلفتاً لأنماط العلاقة القائمة بين هياكل "الدولة" وبين الميليشيات. فهذان المكوّنان هما في الوقت نفسه حصيلة التطرّف الإثني-الديني، والتنافس داخل الدولة، والمواجهة الجيوسياسية الإقليمية، ومحفّزٌ لها أيضاً.

صعود نجم الحشد الشعبي

الخطر الرئيس عند التطرّق إلى مسألة الحشد الشعبي، هو إما الوقوع في فخّ التبسيط المُفرَط، أو السرديات المتعارضة وشديدة التحيّز، أو المبالغة في تقدير تأثير الهويات الطائفية. على العكس، تشكّل وحدات الحشد الشعبي هيئة ذات مكوّنات متنافرة تضم حوالى سبعين مجموعة، وبالتالي من المستحيل تعريفها بشكلٍ واضح. مع ذلك، يمكن تقسيمها إلى مجموعات فرعية ثلاث هي: الميليشيات المرتبطة بالحوزات الدينية العراقية الموالية لمرجع التقليد علي السيستاني (لذا تُسمّى بـ"الحشد المرجعي")، وتلك المرتبطة بإيران ("الحشد الولائي")، وتلك التابعة لمقتدى الصدر ("سرايا السلام") والتي تُحاكي من نواحٍ عدة الإطار الاجتماعي والسياسي لجيش المهدي الذي أسّسه الصدر سابقاً.2

على الرغم من أن هذا التصنيف مفيدٌ لشرح التنوّع الكامن لوحدات الحشد الشعبي، بيد أنه لايعكس الواقع على الأرض، والذي تجسّده على نحو أفضل شبكة من العلاقات المتقلّبة والمرنة بين جهات فاعلة محلية وإقليمية ومراكز قوة دينية وغير رسمية، ذات أهداف متناقضة ومصالح متنافرة وخصومات شخصية. ويُعزى الدعم الشعبي التي لاتزال تتمتع به هذه الجهات إلى نجاحها في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية، وأيضاً إلى هويتها المُلتبسة، مايعزّز من دون شكّ ظاهرة الولاءات المتعددة التي يتّصف بها "العراق الجديد" منذ نشأته.

التهجين داخل الدولة أو تهجين الدولة؟

أي محاولة لاستقراء الوضع الراهن في العراق انطلاقاً من المفهوم النظري للدولة الحديثة الذي رُسمت معالمه في أعقاب اتفاقية وستفاليا، وحدّده ماكس فيبر، ستكون مُضلِّلة، لأن الصعود الصاروخي لوحدات الحشد الشعبي وتغلغلها في قطاع الأمن العراقي، يعودان إلى فشل عملية إعادة بناء الدولة العراقية على أنقاض نظام صدام حسين. واليوم، يبدو العراق أقرب إلى كونه مجموعة متعدّدة من مراكز قوة متنافسة تفتقر إلى الترابط الداخلي، وغالباً ماترتبط إما برعاة محليين (مثل المرجعية أو هويات قبلية أو إثنية)، أو خارجيين (مثل واشنطن، وطهران وأنقرة والممالك العربية السنيّة في الخليج)، منه إلى نظام متّسق. وقوات الأمن العراقية ليست استثناء. إذ إن العجز عن تحويلها إلى منظومة وطنية حقيقية قادرة على تمثيل العراق بكامل أطيافه بعيداً عن الانتماءات الطائفية، مهّد الطريق أمام الهزائم الكارثية التي مُنيت بها هذه القوات في العام 2014، ما أدّى إلى تشكيل وحدات الحشد الشعبي. انطلاقاً من هذا المنظور، لاتصف السردية التقليدية القائلة إن "استقلالية وحدات الحشد الشعبي تتعزّز بسبب ضعف الدولة، لكن كلما توسّعت هذه الوحدات كلّما زادت من ضعف مؤسسات الدولة"،3 إلا جزءاً يسيراً من الديناميكيات والتوجهات الراهنة. وهي ليست مجرّد حلقة مُفرغة تُلقي بظلالها على قطاع الأمن الوطني، بل إن السمة البارزة في خضم المشهد السياسي والمؤسساتي العراقي غير الواضح المعالم هي أن ثمة شريحة كبيرة من السكان تعتبر أن وحدات الحشد الشعبي تمثّل الدولة، إنما تحت مسمّى آخر. يُضاف إلى ذلك تصوّر آخر مفاده أنه حتى قبل انهيار قوات الأمن العراقية في العام 2014 بكثير، كان ثمة مجموعة وثيقة الصلة من قادة سياسيين أو ضباط عسكريين، أو قادة ميليشيات، أو ممثّلي مؤسسات، أو وكلاء لجهات خارجية، أقدمت على اختطاف مسار العراق في مرحلة مابعد صدام حسين. لذا، عند النظر إلى العلاقات القائمة بين كلٍّ من الحكومة وقوات الأمن العراقية ووحدات الحشد الشعبي، يمكن ملاحظة ما هو أكثر من عملية تهجين. فمعظم هذه الجهات كانت تلقّت أموالاً وأسلحة من الحكومة المركزية، وهي دعمت أو حلّت محلّ الجيش النظامي، مايُعدّ آلية تهجين تقليدية لقطاع الأمن الرسمي. وفي العقد السابق، جرّب العراق بعض أشكال الحوكمة الأمنية المُختلطة. على سبيل المثال، في فترة 2009-2010، نظّمت القيادة الأميركية في الموصل وبعض المناطق الأخرى المتنازَع عليها نقاط تفتيش مشتركة مع قوات الأمن العراقية ووحدات البيشمركة، بغية الحدّ من خطر حدوث مواجهة، أو التخفيف من مشاعر عدم الأمان في صفوف مختلف المجتمعات المحلية الإثنية والدينية التي تقطن هذه المناطق.4

وخلال العمليات العسكرية التي شهدتها هذه المنطقة في الفترة ما بين 2016-2017 ضد تنظيم الدولة الإسلامية، تمكّنت قوات الأمن العراقية ووحدات الحشد الشعبي من تنسيق أنشطتها أيضاً بفضل الإشراف غير الرسمي لضباط فيلق القدس الإيراني، والضغط الذي مارسته واشنطن. ففيما أمّنت وحدات الحشد الشعبي الحدود الخارجية للجبهة، حيث أدّت دور الشرطة وضربت طوقاً حول المنطقة، شنّت قوات الأمن العراقية (وخصوصاً الفرقة 16 في الجيش العراقي وجهاز مكافحة الإرهاب) هجوماً على المدينة، بدعم قوي من الضربات الجوية للتحالف الدولي.5 في تلك المناسبة، بدت وحدات الحشد الشعبي مُمتثلة لهرمية الجيش النظامي، على الرغم من ورود تقارير متواترة في مرحلة مابعد الصراع عن تعرّض أفراد وأسر سنيّة إلى الإساءة والاستهداف. تشكّل محافظة ديالى، على العكس من ذلك، تجسيداً لمخاطر الطائفية المتفشّية على نطاق واسع، وضعف التنسيق على صعيد الحوكمة الأمنية. إذ إن منظمة بدر وقوات البيشمركة في المحافظة حالتا دون تنفيذ عمليات مشتركة بين كلٍّ من قوات التحالف الدولي وقوات الأمن العراقية، التي يبدو أن دورها في هذه المنطقة ضعيفٌ للغاية. وتجدر الإشارة على نحو خاص إلى أن بعض وحدات الحشد الشعبي تتبنّى إجراءات غير فعّالة لمكافحة الإرهاب، وتهمّش سائر الوحدات التي تأتمر بقيادة سنيّة. كذلك، قد يفاقم غياب الاستراتيجية التنسيقية مع القوى الوطنية الشكوك الطائفية المتبادلة، وهذا أمر خطير للغاية في محافظة لطالما اعتُبرت محطة تنكفئ إليها الفصائل السنيّة المتمرّدة للتعافي وإعادة الاصطفاف.6

بعبارة أخرى، كان واضحاً للعيان تنسيق وحدات الحشد الشعبي مع قيادة قوات الأمن العراقية النظامية وامتثالها لها خلال فصول الحرب ضد "الخلافة الجهادية". لكن مسألة الحوكمة الأمنية في المناطق المُختلطة أو المتنازَع عليها بعد وصول المعارك بين الجبهات إلى خواتيمها تطرح إشكالية أكبر بكثير، إذ تسلّط أعمال الشرطة الروتينية وإجراءات مرحلة مابعد الصراع الضوء على مدى وهن سيطرة أجهزة الدولة على وحدات الحشد الشعبي، التي غالباً ماتتبنّى مواقف طائفية ومناوئة للسنّة.7

وفقاً لمصادر مختلفة، يُقدَّر عدد المقاتلين في وحدات الحشد الشعبي بين 90 ألفاً و150 ألف عنصر، معظمهم من الشيعة (العرب وغير العرب)، لكن يتألّفون أيضاً من العرب السنّة والعرب المسيحيين والتركمان والأيزيديين.8 وتُقدّر الحكومة العراقية وجود نحو 110 آلاف إلى 120 ألف مقاتل تدفع الدولة مرتّباتهم بانتظام. وقد أضفى الإطار القانوني شرعية على وحدات الحشد الشعبي: فبموجب الأمر الديواني الرقم 61 الصادر في شباط/فبراير 2016، والقانون الرقم 40 الصادر في تشرين الثاني/نوفمبر 2016، أصبحت وحدات الحشد الشعبي رسمياً جزءاً من قوات الأمن العراقية، ومُنحت مقعداً في مجلس الأمن الوطني العراقي، مايشي بأن العراق قد يحذو حذو إيران، التي تملك نظاماً أمنياً مزدوجاً يتألف من جيش نظامي وجهاز شبه عسكري قوي (أي الحرس الثوري الإيراني وقوات الباسيج).9

لكن هذا المستوى من الاعتماد الإيديولوجي والمالي والعسكري وحتى الثقافي على مجموعات وأطراف سياسية فاعلة وميليشيات من خارج إطار الدولة العراقية، خير دليل على واقع أن عملية التهجين الحاصلة غير مرتبطة بقطاع الأمن تحديداً، بل إنها باتت إحدى سمات الدولة العراقية في مرحلة مابعد العام 2003. وبعض هذه الوحدات، ولاسيما تلك الأكثر ارتباطاً بفيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني (مثل عصائب أهل الحق، وكتائب حزب الله، وكتائب سيد الشهداء)، لم تخفِ أبداً ولاءها المزدوج وعلاقاتها بإيران، ماوفّر لها الدعم والحماية. لكن حتى الوحدات التي تتبنّى عقيدة ولاية الفقيه لايمكن اختزالها بنمط بسيط من التهجين، أو تنحيتها جانباً باعتبارها طابوراً خامساً يعمل ضد الدولة، ذلك أنها تمت تعبئتها (أو إعادة تعبئتها) لانتشال الكيان العراقي من براثن تنظيم الدولة الإسلامية، عبر نوع من التعاون التكافلي مع مؤسسات الدولة، ما أدّى ليس فقط إلى إعادة هيكلة هذه المؤسسات، بل أيضاً إلى جعلها أداة في لعبة المواجهة الدولية الكبرى مع طهران. يبدو من هذا المنظور أن فكرة التوجّه نحو المأسسة التدريجية، لا تلائم النظام السياسي والمجتمع العراقي أو مصالح مختلف الأطراف المعنية. ويبدو من اللافت في هذا الصدد المسار الذي سلكته كتائب بدر: فهي لم تنخرط في عملية تهجين مع قوات الأمن العراقية وحسب، خصوصاً على مستوى الشرطة، بل تولّت أيضاً زمام وزارة الداخلية التي تضم في كنفها وحدات عسكرية، ناهيك عن أنها اضطلعت بدور حاسم في محافظات رئيسة (تُعتبر ديالى أبرز مثال على ذلك). وهكذا، نجحت الميليشيات – كتائب بدر في الأمس ووحدات الحشد الشعبي راهناً – في تهجين جزء من الدولة العراقية.

نحو أي نموذج؟

بالنسبة إلى قطاع الدفاع العراقي، قد تنحو وحدات الحشد الشعبي إما منحى شبه عسكري يحاكي "نموذج حزب الله"، أو تتحوّل إلى هيكل مزدوج على غرار الحرس الثوري/الجيش النظامي في إيران. حذت بعض وحدات الحشد الشعبي حذو حزب الله عبر الرهان على التوافق السياسي (على الرغم من أن الأمر الديواني الرقم 91 لايسمح لها بالاضطلاع بأي دور سياسي نَشِط)، ماساهم في النجاح الذي حصدته كتلة "الفتح" الانتخابية التي حلّت في المرتبة الثانية في الانتخابات النيابية التي جرت في 12 أيار/مايو.10 وبالمثل، تسعى وحدات الحشد الشعبي إلى فرض وجودها كجهات فاعلة اقتصادية وموفّرة للخدمات الاجتماعية، ولاسيما في المناطق المُتنازَع عليها في البلاد، إذ تلبّي حاجات السكان المحليين وتحقّق قدراً من العدالة. من غير المستغرَب، إذاً، أنها كانت منحازة أحياناً، بحيث دعمت أطرافاً معينة في المجتمع العراقي المتشرذم ضد آخرين أو اتّخذت مواقف عقابية، خصوصاً بحق المجتمعات المحلية السنيّة في "المناطق المحرَّرة". لكن خصوصية العراق تكمن في وجود خلاف ديني شيعي-شيعي بين النموذج الإيراني للمنظومة السياسية والأمنية وبين فكرة المرجعية الراهنة. ومن المُلفت أن آية الله العظمى السيستاني أصدر فتوى في العام 2014 أدّت، بغير قصدٍ منه، إلى إضفاء شرعية كبيرة على عمل الميليشات. لكنه لايزال يملك صلاحية سحب هذه الشرعية إذا ما حاولت بعض وحدات الحشد الشعبي زعزعة أركان الحكومة المركزية بشكلٍ صريح، أو سعت الوحدات المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني (ولاسيما منظمة بدر وعصائب أهل الحق وكتائب حزب الله) إلى فرض رؤى ومصالح طهران بالقوة. وهذا أمر يعرفه قادة الحشد الشعبي، على الرغم من النفوذ الذي تتمتع به قوات الـ"سيباه" (وهي التسمية التي تُطلق في إيران على الحرس الثوري أحياناً). عموماً، يتم تجاهل هذه الخصوصية: فأفضل وسيلة دفاعية في وجه الهيمنة الشيعية على الجهات الفاعلة العسكرية وغير العسكرية وعلى سلطة الدولة هي سلطة دينية غير حكومية. وهذا الواقع يفسّر جوانب كثيرة من هذه الحالة العراقية الشاذة، حيث تُعتبر السلطة غير الحكومية درعاً حامياً ومصدر شرعية لمؤسسات الدولة ومنافسيها على حدٍّ سواء. ختاماً، وعلى الرغم من السرديات التبسيطية التي تصوّر وحدات الحشد الشعبي على أنها مجرّد أدوات في أيدي الطموحات الإيرانية، واقع الحال أنها كيانات متعدّدة الأشكال ذات جذور إثنية واجتماعية متنوّعة وإيديولوجيات وأهداف مختلفة. صحيحٌ أنها قد تكون مزدوجة أو متعدّدة الولاءات، لكن لايمكن فصلها عن العراق وعن مسألة الدفاع عمّا تعتبره مصالح عراقية. كذلك، لاترغب طهران في أن يتحول العراق إلى مسرح للصراعات. وربما هذا من الاهتمامات القليلة المشتركة بينها وبين الإدارة الأميركية الراهنة.11

تم نشر هذا المقال على موقع المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية(ISPI)

هوامش

1 A. Charles Tripp, History of Iraq, Cambridge, Cambridge University Press, 2007, pp.337 on.

2 Fanar Haddad, Understanding Iraq’s Hashd al-Sha’bi. State and Power in Post-2014 Iraq, The Century Foundation, March 5, 2018; وأيضاً: ريناد منصور وفالح عبد الجبّار، "الحشد الشعبي ومستقبل العراق"، مركز كارنيغي للشرق الأوسط، نيسان/أبريل 2017

3 نيكولاس هيراس، ""قوات الحشد الشعبي" العراقية"، في حنين غدار (تحرير)، ""الفلق الأجنبي" الإيراني: تأثير الميليشيات الشيعية على السياسة الخارجية للولايات المتحدة"، مذكرة سياسية رقم 46، معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، ص. 4

4 Emma Sky, Preventing Arab-Kurd Conflict in Iraq after the Withdrawal of U.S. Forces, USPI Brief n.86, March 22, 2011

5 كان قرار الاعتماد بشكلٍ حصري على قوات الأمن العراقية نابعاً من الدلالة السياسية والإيديولوجية لتحرير الموصل، ومن سوء سلوك وحدات الحشد الشعبي في مناطق أخرى يطغى عليها العرب السنّة. انظر: Erica Gaston, ISIL after Iraq: Mosul, Global Public Policy Institute, August 27, 2017

6 Michael Knights and Alex Mello, Losing Mosul, Regenerating in Diyala: How the Islamic State Could Exploit Iraq’s Sectarian Tinderbox, “CTC Sentinel”, 9, 10, October 2016, pp.1 on

7 يُشار إلى ورود تقارير عن حدوث انتهاكات وأعمال استهدفت لاجئين عائدين إلى بيوتهم عقب المعارك، ولاسيما في الأنبار والموصل. انظر على سبيل المثال: Norwegian Refugee Council, Displaced Iraqis forced to return to destruction left in wake of war on ISIS, February 27, 2018

8 Garrett Nada and Mattisan Rowan, Part 2: Pro-Iran Militias in Iraqi, Wilson Center, Research: The Islamists, April 27, 2018

9 الأمر الديواني العراقي الرقم 91: كانت هذه المعلومات مُتاحة سابقاً على هذا الرابط: http://www.loc.gov/law/foreign-news/article/iraqlegislating-the-status-o.... مع ذلك، لاتزال وحدات الحشد الشعبي تحت إمرة رئيس الوزراء العراقي بشكلٍ مباشر، ولايزال تسجيل عناصرها في جداول المرتّبات يحمل صفة مؤقتة. لعلّ ذلك محاولة للتخفيف من التأثيرات المترتّبة عن مأسسة هذه الوحدات.

10 مجموعة الأزمات الدولية، "المجموعات شبه العسكرية في العراق: تحدٍّ لإعادة بناء دولة فعالة"، تقرير رقم 188، 30 تموز/يوليو 2018، ص. 1.

11 Andrew England, Iraq’s Shia militias: capturing the state, “Financial Times”, July 31, 2018

 

الأمن "المُرقّع": الوجه الجديد للتهجين في اليمن...

إليونورا أرديماغني..

إليونورا أرديماغني باحثة مساعدة في المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية (ISPI) وأستاذة مساعدة في الجامعة الكاثوليكية في ميلانو...

المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية (ISPI)..

ملخّص: أدّت عملية إعادة تشكيل علاقات القوة في اليمن إلى جيش مهجَّن...

يُعتبر التهجين عملية ديناميكية دائمة في قطاع الدفاع اليمني. لكن، ونظراً إلى بروز جهات عسكرية جديدة في المشهد اليمني، شهد تمازج الولاءات السياسية والمحلية والقبلية إلى عملية إعادة صياغة أعمق منذ الانهيار الكامل للعملية الانتقالية في العام 2014، وبدء التدخل العسكري بقيادة السعودية والإمارات في العام 2015. وقد أدّت عملية إعادة تشكيل علاقات القوة في اليمن إلى جيش مهجَّن اتّصف بثلاث سمات ناشئة هي: أولاً، تنامي التهجين على نحو مطّرد بين الجهات العسكرية النظامية وغير النظامية. وثانياً، تحوّل قطاع الدفاع اليمني من نظام وطني يرتكز على جيش زبائني-تقليدي جديد، إلى نمط يتميّز بوجود مجموعات متعدّدة ومتنافسة "تحت مظلّة الدولة"، تكون معها الميليشيات في قلب الهياكل العسكرية الهجينة. وثالثاً، لايزال التهجين والمحسوبية ديناميكيتين ملحوظتين في قطاع الدفاع اليمني، وإن كانت تعمل وفق آليات مختلفة.

الجهات العسكرية وتبدّل الاصطفافات

هناك راهناً ثمة ثلاث حكومات في اليمن: حكومة تحظى باعتراف دولي بقيادة الرئيس المؤقت عبد ربه منصور هادي، الذي استقرّ في عدن بعد انقلاب الحوثيين في صنعاء في العام 2015، حيث شكّل المتمرّدون الشيعة في الشمال حكومة موازية بفعل تحالفهم التكتيكي مع الرئيس السابق علي عبد الله صالح. وبعد مقتل هذا الأخير في كانون الأول/ديسمبر 2017 على أيدي مسلحين حوثيين، قرّر أنصاره إعادة الاصطفاف إلى جانب الحكومة المُعترَف بها دولياً، مع الحفاظ على قدر من الاستقلالية. وفي العام 2017 أيضاً، أعلن الانفصاليون الجنوبيون تشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي في عدن. ونظراً إلى تحالف هذا المجلس مع الرئيس هادي ضد الحوثيين (المدعومين من إيران)، بإمكانه الاعتماد على قطاعه الدفاعي الخاص، الذي يتألف بمعظمه من ميليشيات مدعومة من الإمارات العربية المتحدة. وقد عمد هادي إلى مأسسة هذه الميليشيات في العام 2016، فتحوّلت إلى قوى حكومية شرعية.1

التهجين: عندما تصبح الميليشيات ركائز دفاعية

أدّت إعادة صياغة علاقات القوة إلى تنامي عملية التهجين بين الجهات العسكرية الرسمية وغير الرسمية، نتيجة انهيار القوات المسلحة الرسمية في العام 2011 وظهور ثلاث "حكومات" تدّعي الشرعية في اليمن. حين يُنظَر إلى قطاع الدفاع على مستويَي القدرة القتالية للجبهات والحوكمة الأمنية، تبرز للعيان عمليتان متزامنتان: فمن جهة، تُضفي فلول القوات المسلحة النظامية السابقة شرعيةً على الميليشيات غير الجكومية، فتحوّلها إلى جهات أمنية نظامية ("عملية إسباغ الحالة النظامية")؛ ومن جهة أخرى، تعمل فروع من القوات المسلحة الرسمية السابقة كقوى مساعدة للميليشيات ("عملية المساندة”).2

كان أنصار الرئيس الراحل صالح يمثّلون قطاع الأمن النظامي في عهد النظام السابق. لكنهم انحازوا بمعظمهم إلى المتمردين الحوثيين في فترة ما بين 2014-2017. والحال أن تحالف المصالح الذي جمع الحوثيين بصالح، أتاح لهم تحسين خبراتهم وقدراتهم، حتى تمكنوا من التسلّل إلى نظام المحسوبية التابع لصالح ضمن القوات المسلحة النظامية. تجدر الإشارة هنا إلى أن الحركة الحوثية، بجذورها وقيادتها النخبوية (سيّد وسادة)، نجحت في كسب دعم العديد من رجال القبائل في الشمال، مامكّنها بالتالي من تجنيد وتعبئة مقاتلين من الفئة القَبَلية التي كانت تدعم النظام السابق. كذلك، أتاح الدعم الذي تلقّاه الحوثيون تدريجياً من إيران وحزب الله لهم الوصول إلى شبكة منظّمة ومتطورة من المليشيات الشيعية المدعومة من طهران.كما تتبنى المؤسسات الرسمية أيضاً "وجوهاً غير نظامية" في إطار استراتيجيتها للبقاء: فالرئيس هادي في صدد بناء قطاع دفاع جديد يضم جهات غير حكومية، مثل القوات المدعومة من الإمارات العربية المتحدة والتي تحظى بشرعنة الدولة. وفي العام 2012، أصدر هادي قراراً قضى بتشكيل قوات الحماية الرئاسية. وبما أنها لاتملك هيكلية قيادية واضحة تحت سلطة وزير الدفاع، يتولّى نجله ناصر قيادتها بشكل غير رسمي، وهي مُكلّفة حصراً بمهمة حماية الرئيس. وفي مدينة تعز المتنازَع عليها، سمح هادي بإنشاء اللواء الخامس- حماية رئاسية لمحاربة الحوثيين. اعتمدت الأنظمة اليمنية المتعاقبة عبر التاريخ مراراً وتكراراً استراتيجية وقائية من الانقلابات، استندت إلى تقوية الجهات العسكرية غير الرسمية لتشكّل ثقلاً موازناً للقوات المسلحة النظامية. لكن على خلاف اليوم، كانت الميليشيات مجموعات مساعدة مُلحَقة بالقوات المسلحة الرسمية التي بقيت العمود الفقري للجيش. بين عامَي 1904 و1948، فكّك الإمام يحيى الجيش لمجابهة الجيش الشمالي الذي كان لايزال مُرتبطاً ومُتأثراً بالإرث العثماني، فأنشأ جيشين موازيين ووحدة حراسة شخصية. وخلال حروب صعدة (بين عامَي 2004-2010)، دعم صالح "الجبهة الشعبية/الجيش الشعبي"، وهي ميليشيا تكوّنت من متطوعين إسلاميين قَبَليين، دعمت الجيش النظامي عبر مواجهة الحوثيين في المناطق الجبلية الشمالية. وفي أيار/مايو 2012، نشر الرئيس المؤقت هادي الجيش إلى جانب اللجان الشعبية المحلية لتفكيك الإمارات الأوليّة التي أنشأها "تنظيم القاعدة في جزيرة العرب" في منطقة أبين.

الحوكمة الأمنية: خطة أمنية "مُرقّعة"

باتت الحوكمة الأمنية، بفعل وجود ثلاث "حكومات" في اليمن، تُدار بفضل ترتيبات من القاعدة إلى القمة، حيث تملأ القوات غير الرسمية الفراغ الذي خلّفه الجيش، أو تتقاسم الحكم مع ما تبقى منها. في اليمن اليوم، ما من نظام أمني من القمة إلى القاعدة، بسبب الطابع المحلي الكبير الذي يتّسم به قطاع الأمن، ناهيك عن أن العديد من الأجهزة الأمنية باتت تستند إلى عملية تهجين بين المجموعات العسكرية الرسمية وغير الرسمية، ما أدّى إلى نشوء نوع من "الأمن المُرقّع". ويشير مفهوم "الأمن المُرقّع" إلى أن الدول المُتشرذمة، كاليمن، تؤثِر الاتفاقات الأمنية المحلية على الأطر الوطنية الشاملة، فتكثر الجهات الأمنية المتنافسة، مثل حالات التعايش/التعاون بين الجيوش والجهات المسلحة غير الحكومية، مايفسح المجال أمام تجارب أمنية هجينة على مستوى المعارك، ولاحقاً على مستوى الحوكمة.3 ويتميّز هذا النوع من الحوكمة الأمنية بعلاقات قوة أفقية لاعمودية، إذ يتم تشكيل التسلسل الهرمي على المستوى المحلي، لأن الدولة المركزية ليست فقط عاجزة عن توفير الأمن في الأراضي كافة، بل متنازَع عليها أيضاً، وتعتمد على "وجوه غير نظامية" للبقاء والاستمرار. في عدن، تملك كل منطقة أو مديرية جهاتها الأمنية الخاصة، وتخضع أحياناً إلى سيطرة مُختلطة، تتراوح بين كلٍّ من قوات الحزام الأمني، وقوات الحماية الرئاسية، والميليشيات الانفصالية، والفصائل الجهادية. وفي حضرموت، قامت قوات النخبة الحضرمية ووحدات الجيش في المنطقة العسكرية الأولى بإنشاء منطقتَي نفوذ: تقع الأولى في المكلا والساحل، والثانية في شمال وادي حضرموت. وفي صنعاء وضواحيها، يحكم الأنصار السابقون للرئيس صالح مع اللجان الشعبية الحوثية، مايعزّز عملية التمازج بين القوى الأكثر تنظيماً وتدريباً في اليمن، من جهة، وبين أكبر ميليشيا من جهة أخرى. يمكن اقتفاء آثار التهجين أيضاً في الكثير من ساحات القتال: ففي الحديدة، يتولّى طارق صالح، نجل شقيق الرئيس السابق، قيادة قوات الإنقاذ الوطني، وهي عبارة عن تحالف قتالي يضم موالين لقوات الحرس الجمهوري المنحلّة، ومقاتلين محليين تابعين لمقاومة تهامة، وسلفيين جنوبيين من "لواء العمالقة". وفي تعز، يُحارب لواء أبو العباس ضد الحوثيين إلى جانب قوات تحظى بشرعية الدولة (مثل اللواء الخامس- حماية رئاسية)، وهو تعاون مع وحدات طارق صالح لتسهيل الهجوم الذي قادته الإمارات العربية المتحدة على الحديدة، والذي بدأ في حزيران/يونيو 2018.4 وفي محافظة صنعاء، تُواجه فلول الفرقة الأولى- مدرّع في الجيش اليمني، التي يقودها الفريق الركن علي محسن الأحمر (وهو راهناً نائب الرئيس ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة)، الحوثيين إلى جانب الميليشيات القبلية.

المحسوبية في زمن الميليشيات

تحوّلت المحسوبية من نظام سلطة زبائني-تقليدي جديد مرتبط بدولة مركزية متعثّرة إنما موجودة، إلى شبكة من أمراء الحرب، بسبب انهيار الإطار الوطني وصعود قوى إقطاعية مُتنافسة. في هذا السياق، أصبح القادة العسكريون وسطاء محليين بين المجتمعات المحلية من جهة والرعاة والأجانب من جهة أخرى. لاتزال المحسوبية سمة ثابتة في قطاع الدفاع اليمني، بيد أن العلاقات بين الرعاة والعملاء تكيّفت مع السيناريو الجديد الذي تميّز بعملية تهجين متنامية بين الجهات الأمنية الرسمية وغير الرسمية. فالقطاع العسكري اليمني لم يعد "متمحوراً حول الجيش"، بل تحوّل إلى مجموعة من "القوى والمجموعات" ذات الهياكل العسكرية الهجينة. وفي هذا السياق، بدأت فروع من القوات المسلحة النظامية السابقة تُطل برأسها مجدّداً: إذ يشكّل كلٌّ من الموالين لصالح، الذين ينضوون الآن تحت لواء قيادة طارق صالح وعلي محسن، شبكتين من القرابة والمحسوبية لاتزالان تؤثّران في موازين القوى اليمنية. يُشار هنا إلى أن علي محسن يلمّ شمل الجيش اليمني (يقع المركز التنسيقي للجيش الوطني الآن في مأرب) الذي تربطه علاقات قوية مع السعوديين وحزب الإصلاح (الذي يضم الإخوان المسلمين والسلفيين في اليمن).

التغلغل الخارجي أخطر من التهجين

إن تدخّل الفرقاء الخارجيين في الجيش اليمني، هو بالتأكيد أكثر خطورة من تهجين القوات المسلحة، ذلك أن الدول الأجنبية تدخل في لعبة سياسات القوة بهويات سياسية متضاربة وطموحات محلية، فتفاقم شرذمة قطاع الدفاع اليمني. صحيحٌ أنه ليس غريباً أن يشهد اليمن حالات من التعايش، وحتى التهجين، بين الجيش وبين الميليشيات، إضافةً إلى وجود قادة قبليين-عسكريين-تجّار يطمحون إلى الاستقلالية. لكن الجديد هو الضعف الشديد والاستقطاب الداخلي في قطاع الدفاع، ناهيك عن تدخّل الفرقاء الخارجيين (المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وإيران) في المشهد الأمني اليمني. علاوةً على ذلك، تعكس فروع من قطاع الدفاع النظامي والقوات الحكومية الرسمية سمات متضاربة، باعتبارها منقسمة من حيث الجغرافيا والإيديولوجيا والولاءات والدعم الخارجي، وتُجسّد فعلياً فكرة الجيشين "الشمالي" و"الجنوبي". فواقع الحال أن المجموعات التابعة لعلي محسن وصالح تدافع عن المصالح الشمالية، وهي مكروهة بشكلٍ كبير من الجنوبيين الذين يؤيدون أساساً القوى المدعومة من الإمارات العربية المتحدة. كما أن شبكات المحسوبية التابعة لهم تدعو إلى قيام دولة يمنية فدرالية إنما موحّدة، أي عكس طموحات الميليشيات التي تريد تحقيق استقلال جنوب البلاد. إذن، لايعكس "الأمن المُرقّع" الإبهام والتقلّب الكامنين في الأنظمة الأمنية الصغيرة في اليمن وحسب، بل يعبّر أيضاً عن تعايشها الذي لايمكن التحكّم به داخل دولة موحّدة.

تم نشر هذا المقال على موقع المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية(ISPI)

هوامش

1 تولّت الإمارات العربية المتحدة تنظيم وتمويل وتسليح وتدريب قوات الحزام الأمني (المنتشرة في عدن وأبين ولحج) وقوات النخبة الحضرمية وقوات النخبة الشبوانية، لوقف اندفاعة المتمرُدين ومحاربة الفصائل الجهادية. تم تشكيل هذه الميليشيات في أوائل العام 2016، وهي تضطلع بمهام عسكرية وشُرطية وقضائية، وتقع تحت إشراف وزارة الداخلية أو الجيش، مع أنها تنصاع لأوامر الإماراتيين وليس لأوامر الرئيس هادي.

2 أُعرب عن امتناني ليزيد صايغ على هذه النقطة خصوصاً.

3 Eleonora Ardemagni and Umberto Profazio, New Armies for a New Era. Decrypting Post-2011 Arab Military Reform Trends, Nato Defense College, Research Paper no.145, March 2018.

4 وفقاً للأمم المتحدة، "يسيطر لواء أبو العباس على مناطق داخل المدينة، ويمارس الحقوق والمسؤوليات الخاصة بالحكومة الشرعية على نحو حصري"، مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فريق الخبراء المعني باليمن، 26 كانون الثاني/يناير 2 مستند رقم S/2018/68، 018، ص. 100.

 

القوات المسلحة اللبنانية وحزب الله: ثنائية عسكرية في لبنان مابعد الحرب..

آرام نركيزيان..

تم نشر هذا المقال على موقع المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية(ISPI)...

المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية (ISPI)...

ملخّص: يشي عزم القوات المسلحة اللبنانية وحزب الله على لعب دورٍ أكبر في رسم معالم السياسات الأمنية في لبنان بأن المشهد اللبناني بعد الحرب لم يعد يتّسع ربما لمؤسستين عسكريتين بارزتين.

صاغت الأحزاب الطائفية اللبنانية المتنافسة نظاماً سياسياً قائماً على توازن دقيق، أصبحت هي بموجبه أقوى من مؤسسات الدولة. وعلى الرغم من هيمنة هذا النظام، أصبحت القوات المسلحة اللبنانية مؤسسة عسكرية وطنية أكثر قدرةً ومهنية عقب انسحاب القوات السورية من لبنان في العام 2005. لكنها، على الرغم من فشلها في الحدّ من استقلالية الأطراف السياسية اللبنانية، تمكنت من إبقاء القطاع العسكري في منأى عن التسيّس. أسفرت هذه المفارقة، ومعها القوى الجيوسياسية التي رسمت معالم النظام السياسي اللبناني في مرحلة مابعد الحرب، عن تهجين الحوكمة الأمنية، حيث حافظت الجهات العسكرية غير الحكومية والموازية على كلٍّ من استقلاليتها التنفيذية وشرعيتها على مستوى الأمن الوطني.1 وتتجلّى هذه الظاهرة بأوضح صورها في قدرات حزب الله العسكرية المتفاوتة، وهو حركة سياسية شيعية مسلحة مُمثَّلة في البرلمان على نحو متواصل منذ العام 1992، وفي الحكومة أيضاً منذ العام 2005.2

آرام نركيزيان

آرام نركيزيان هو مدير مشارك لبرنامج العلاقات المدنية-العسكرية في الدول العربية في مركز كارنيغي للشرق الأوسط. يركّز عمله على قطاع الأمن اللبناني، والتحوّل في القوة العسكرية في دول المشرق على المدى البعيد، والجهود الرامية إلى تطوير مؤسسات أمن وطني في المجتمعات المُنقَسِمة في مرحلة مابعد النزاع. لاتزال هذه الثنائية العسكرية قائمة منذ حوالى ثلاثين عاماً، تمتعت خلالها القوات المسلحة اللبنانية وحزب الله بقدرٍ من الشرعية، وتعايشا على الرغم من التباين في علّة وجودهما ومسارهما. لكن هذه الثنائية باتت هشّة باطّراد مع تطوّرهما واتّساع الدور الأمني الوطني الذي يلعبانه والصلاحيات التي يتمتعان بها في لبنان بعد الانسحاب السوري، وتحوّلت خطوط الصدع الجديدة بين القوات المسلحة اللبنانية وحزب الله إلى سمات راسخة في المشهد الأمني الوطني في لبنان.

صعود الثنائية العسكرية في لبنان مابعد الحرب الأهلية

تُعتبر الحوكمة الأمنية الهجينة سمة شاذّة في لبنان مابعد الحرب. فبعد نيل البلاد استقلالها في العام 1943، اضطلعت القوات المسلحة اللبنانية بدور الحَكَم بين التحالفات السياسية الطائفية المتنافسة في العام 1958، عندما تدخّلت بشكلٍ مباشر لإنهاء الاضطراب السياسي الناجم عن حرب أهلية قصيرة الأجل.3 تلا ذلك هجوم مضادّ شنّته النخب الطائفية لاستعادة شبكات المحسوبيات التابعة لها، بلغ أوجه مع هزيمة النظام السياسي المدعوم من الجيش في الانتخابات الرئاسية التي أُجريت في العام 1970، وتفكيك المكتب الثاني، وهو جهاز الاستخبارات العسكرية التابع للجيش اللبناني.4 ثم أدّت الحرب الأهلية بين عامَي 1975 و1990 إلى شرذمة القوات المسلحة اللبنانية وفق الانقسامات الطائفية، مشرّعةً بذلك الأبواب أمام نظام الميليشيات الذي ساد طيلة سنوات الحرب الأهلية.5

في إطار التسوية السياسية التي نصّ عليها اتفاق الطائف بعد الحرب اللبنانية، خضعت الميليشيات بنجاح إلى عملية نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج جزئياً.6 وقد قلبت الحقبة السورية القوات المسلحة اللبنانية رأساً على عقب. إذ سعت أجهزة الأمن والاستخبارات السورية العاملة في لبنان إلى إعادة تشكيلها لتصبح مؤسسة حصينة موالية لسورية، وغير خاضعة إلى إشراف الحكومة اللبنانية ورقابتها. وقد حقّقت أجهزة الأمن والاستخبارات السورية ذلك من خلال إقحام نفسها بين الجيش اللبناني وبين النظام السياسي الحاكم في البلاد، لتنخرط سريعاً في الشؤون المدنية-العسكرية اللبنانية وتنظّمها.7

بموازاة ذلك، يشكّل حزب الله استثناءً بارزاً لعملية حلّ الميليشيات في لبنان مابعد الحرب، إذ إنه حظي بدعم سوري، وبرعاية سياسية من داعمه الأول على المستوى الدولي: إيران.8 كذلك، وعلى الرغم من نهاية الحرب الأهلية، جاء اتفاق الطائف ليعزّز شرعية حزب الله، مُعتبراً إياه جزءاً من "المقاومة" اللبنانية ضد الاحتلال الإسرائيلي، إذ كانت إسرائيل تسيطر آنذاك على 10 في المئة من أراضي لبنان.9 وهكذا، كرّس الطائف نظام الحوكمة الأمنية الهجينة التي لاتزال تشكّل إحدى السمات الخلافية في المشهد الأمني اللبناني.

قوّض خروج الأجهزة العسكرية والاستخباراتية السورية من لبنان في العام 2005 احتكار سورية لعملية صنع القرار اللبناني حول السياسة الخارجية والعسكرية. كذلك، أنبأ خروجها بعودة السياسات الطائفية الاستقطابية، في ظل تآكل الهيكلية التنفيذية في لبنان مابعد الحرب، والجهود المتنافسة لاختراق القوات المسلحة اللبنانية وتوجيه دفّتها في أعقاب الانسحاب السوري.10

السياسات الأمنية في لبنان بعد الانسحاب السوري

اتّسمت الفترة بين عامَي 2005 و2017 بتوجّهين متنافسَين في مسار الحوكمة الأمنية الهجينة في لبنان بعد الحرب. من جهة، حاولت القوات المسلحة اللبنانية الحفاظ على مصداقيتها واستقلاليتها العسكرية وتعزيزهما. ومن جهة أخرى، سارعت الفصائل السياسية المتنافسة لفرض نفسها مجدّداً على الساحة اللبنانية بعد انسحاب الأجهزة الأمنية والاستخباراتية السورية، وكانت تطمح لاختراق القوات المسلحة اللبنانية وتنظيمها.

أولاً، بين عامَي 2005 و2008، سعى تحالف 14 آذار الموالي للغرب إلى تهميش الضباط الذين إما تلقّوا تدريبهم في سورية أو كانوا مرتبطين بقوى سياسية موالية لها.11 أما تحالف 8 آذار الموالي لسورية وإيران فسعى بدوره إلى استبعاد الضباط الذين تلقّوا تعليمهم العسكري في الولايات المتحدة، أو الذين اشتُبه بأنهم يدعمون السياسات الأميركية في المنطقة. إذن، سعى كلا المعسكرين إلى جذب ضباط متناغمين إيديولوجياً معهما، وتعزيز آفاق ترقيتهم المهنية.12

فيما عانت القوات المسلحة اللبنانية صعوبة في تحديد هويتها والحفاظ على ذاتها وسط حالة الاستقطاب التي شهدها لبنان بعد الانسحاب السوري، سعى حزب الله إلى التكيّف مع رياح التقلّبات الإقليمية. وفي معظم فترة مابعد الحرب، بقي نفوذ حزب الله واستقلاليته محدودَين وفقاً لمشيئة نظام الأسد في دمشق. لكن حزب الله سُرعان ما نال هامشاً أكبر للتصرّف على المستوى المحلّي، في وجه الضغوط الغربية المتنامية لعزله في لبنان، ولعزل سورية إقليمياً.13 في غضون ذلك، ونظراً إلى منافستها الاستراتيجية مع حليفَي أميركا الإقليميين السعودية وإسرائيل، سعت إيران إلى تطوير قدرات الردع غير المتكافئة لحزب الله.14

غالباً ما تعارضت أولويات كلٍّ من القوات المسلحة اللبنانية وحزب الله في الفترة بين 2005 و2010. لقد أظهرت حرب 2006 بين إسرائيل وحزب الله أن بإمكان سورية وإيران تزويد حزب الله بأسلحة أكثر تطوراً باطّراد لتعزيز مصداقيته المحلية والإقليمية.15 في المقابل، وقفت القوات المسلحة اللبنانية في الغالب في صف المتفرّج خلال حرب 2006 التي امتدّت 33 يوماً، إذ لم تتخذ سوى إجراءات رمزية ضد القوات الإسرائيلية.16 لكن معركتها ضد مسلّحي فتح الإسلام في مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين أثبتت أنها قادرة على فرض نفسها ولعب دور بارز في الحفاظ على الأمن الداخلي، على الرغم من امتناع الحكومة اللبنانية وتحالفَي 8 و14 آذار المتنافسَين عن حذو حذوها.17

فيما كان العام 2007 محدوداً من ناحية الحوكمة الأمنية، شهد العام 2008 تبدّلاً مؤلماً في الأحوال حين تجنّبت القوات المسلحة اللبنانية الدخول في مواجهة مباشرة مع حزب الله خلال الاشتباكات التي عمّت شوارع بيروت بين هذه المجموعة الشيعية المسلحة من جهة وميليشيا سنيّة تنتمي إلى تيار المستقبل السنّي بمعظمه والموالي لتحالف 14 آذار من جهة أخرى. وفي حين أن البعض في القوات المسلحة اللبنانية رأوا أن أحداث أيار/مايو 2008 مثالٌ عن الحياد العسكري، اعتبر آخرون أنها "فرصة ضائعة" كان بإمكان الجيش قطفها لإبداء رفضه لأي إجراءات عسكرية تتّخذها القوى السياسية/الطائفية المتنافسة في البلاد.18

زادت الحرب الجيوسياسية التي اندلعت في أواخر العام 2010 في سورية من تعقيد هذه التيارات المتنافسة. ونتيجةً للمساعدات الأميركية الخارجية، والتهديد المتمثّل في تمدّد رقعة انتشار الجماعات الجهادية المنبثقة من الحرب الأهلية السورية (مثل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام)، انخرطت القوات المسلحة اللبنانية في المعارك في العامين 2012 و2013، وشنّت، للمرة الأولى في مرحلة مابعد الحرب، عمليات عسكرية دفاعية وهجومية واسعة النطاق ضد تهديد عسكري خارجي في العامين 2014 و2017 تباعاً.19 في غضون ذلك، تمكّن حزب الله من تعزيز سرديته حول الأمن الوطني في لبنان والمنطقة، بفضل الدور العسكري النشط الذي اضطلع به في سورية إلى جانب القوات التابعة لنظام الأسد، وأيضاً نتيجة النزعة الطائفية التي هيمنت باطّراد على الحرب الأهلية السورية.20

في البداية، بدا أن الموقف الذي تتبنّاه القوات المسلحة اللبنانية في المشهد الأمني الوطني بعد العام 2010 قد يقوّض الأساس المنطقي الكامن وراء الترتيبات الأمنية الهجينة في لبنان مابعد الحرب. مع ذلك، شهدت جهود القوات المسلحة اللبنانية نحو تأكيد تفوّقها على مجموعات مثل حزب الله على مستوى الأمن الوطني تراجعاً تدريجياً. ويُشار إلى أن الأزمة غير المسبوقة التي شهدتها القيادة العسكرية بين آب/أغسطس 2016 وآذار/مارس 2017 أفرزت تداعيات كبيرة في هذا الصدد: فنظراً إلى الجمود الذي طال أمده في النظام السياسي الطائفي في لبنان، تقاعد عدد من كبار الضباط، وحدثت تعيينات فاشلة في مناصب قيادية رئيسة، وتمت ترقية ضباط كانوا إما غير راغبين أو غير قادرين على مواكبة زخم التحوّل العسكري الذي شهدته القوات المسلحة اللبنانية في فترة 2010-2016.21

حدود الاستقلالية العسكرية في لبنان مابعد الحرب

تشكّل حملة "فجر الجرود" التي أطلقتها القوات المسلحة اللبنانية في العام 2017 ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، خير دليل على أن الثنائية العسكرية لاتزال قائمة في لبنان مابعد الحرب. وقد فاجأت هذه العملية التي نُفِّذت بدقة عالية حزب الله ومعظم القوى السياسية الطائفية في لبنان. لكن، بدلاً من أن يؤدي ذلك إلى تحدّي الطابع الهجين لسياسات الأمن الوطني بشكل حاسم، تعرّضت مصداقية القوات المسلحة اللبنانية على مستوى الأمن الوطني إلى التشكيك مجدّداً عندما أبرم حزب الله اتفاقاً أُحادياً قضى بانسحاب مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية من لبنان، ونسب لنفسه النجاح الذي حققته القوات المسلحة اللبنانية، وروّج سردية التعاون السرّي بين كوادره والقوات المسلحة اللبنانية وقوات الأسد.22

في المقابل، يفيد حزب الله من الدور البارز الذي اضطلع به في النظام السياسي اللبناني في مرحلة مابعد الحرب. فمؤسسات الدولة – ومن ضمنها القوات المسلحة اللبنانية – لن تتحدّى على نحو صريح المصداقية التي يتمتّع بها حزب الله محلياً في صفوف قاعدته الشيعية. كذلك، عزّزت عمليات المقاومة التي شنّها حزب الله وحملات التدخّل السريع في سورية الشرعية المحلية لحزب الله. لكن، على خلاف القوات المسلحة اللبنانية لايتمتّع حزب الله بالشرعية والمصداقية اللتين يتمتع بها أحد الجيوش القليلة المقاتلة في الشرق الأوسط، كما أن تفضيله للترتيبات الأمنية الهجينة لم يعد يحظى بالدعم الذي حظيت به هذه المجموعة نتيجة حرب العام 2006 بينه وبين إسرائيل.

ظاهرياً، يشي عزم القوات المسلحة اللبنانية وحزب الله على لعب دورٍ أكبر في رسم معالم سياسات الأمن الوطني بأن المشهد اللبناني بعد الحرب لم يعد يتّسع ربما لمؤسستين عسكريتين بارزتين – إنما مختلفتين بالكامل. لكن دور حزب الله كلاعب أساسي في ظل النظام السياسي الطائفي في لبنان، والجهود التي تبذلها القوات المسلحة اللبنانية لتحقيق استقلالها الذاتي في مرحلة مابعد الحرب، حالا حتى الآن دون حدوث مواجهة مفتوحة بينهما. والآن، فإن استمرار هذا الاختلال في التوازن مرهونٌ بمسار السياسات الطائفية المتقلّبة في لبنان، وحجم التنافس الإقليمي والاستراتيجي في المشرق العربي، والورقة الجامحة القائمة على الدوام والمتمثّلة في احتمال اندلاع حرب أخرى بين حزب الله وإسرائيل.

هوامش

1 للاطّلاع على تعريف الحوكمة الأمنية الهجينة، انظر: Niagale Bagayoko et al, “Hybrid security governance in Africa: rethinking the foundations of security, justice and legitimate public authority,” Conflict Security & Development, Volume 16, Issue 1, 2016.

2 انظر: Augustus Richard Norton, “The Role of Hezbollah in Lebanese Domestic Politics,” The International Spectator, 42:4, 2007, p. 481; “Hezbollah joins Lebanon Cabinet for first time,” Agence France Press, July 20, 2005.

3 انظر: Adel Beshara, Lebanon: The Politics of Frustration – the Failed Coup of 1961 (New York NY: Routledge Curzon, 2005) p. 70-97, and Sami Rihana, Histoire de l’Armee Libanaise Contemporaine, 2 Volumes (Beirut: Imprimerie Rahbani, 1984, 1988) ;

وأيضاً:

Aram Nerguizian, “Between Sectarianism and Military Development: The Paradox of the Lebanese Armed Forces,” in eds., Bassel F. Salloukh et al, The Politics of Sectarianism in Postwar Lebanon (London: Pluto Press, 2015), pp. 125-126.

4 انظر: Adel A. Freiha, L’Armee et l’Etat au Liban, 1945-1980 (Paris: Librairie Generale de Droit et Jurisprudence, 1980), p. 163.

5 انظر: Salim Nasr, “Anatomie d’un Systeme de Guerre Interne: le Cas du Liban,” Cultures & Conflits 1, 1990, pp. 85-99.

6 انظر: Salloukh, “Remaking Lebanon after Syria” in Contentious Politics in the Middle East: Political Opposition under Authoritarianism, ed., Holger Albrecht, (Florida: University Press of Florida, 2010), pp. 206-207.

7 انظر: Salloukh, “Remaking Lebanon after Syria” in Contentious Politics in the Middle East: Political Opposition under Authoritarianism, ed., Holger Albrecht, (Florida: University Press of Florida, 2010), pp. 206-207.

8 انظر: Jubin M. Goodarzi, Syria and Iran: Diplomatic Alliance and Power Politics in the Middle East, (New York: I.B.Tauris, 2006) pp. 255-258; وأيضاً: Aram Nerguizian, The Struggle for the Levant: Geopolitical Battles and the Quest for Stability, Burke Chair in Strategy Report, Center for Strategic and International Studies, September 14, 2014, pp 234-235.

9 انظر: “The Role of Hezbollah in Post-Conflict Lebanon,” (PDF) Directorate-General for External Policies, European Parliament, 2013, pp. 7-8

10 انظر: Aram Nerguizian, “Between Sectarianism and Military Development: The Paradox of the Lebanese Armed Forces,” in eds., Bassel F. Salloukh et al (London: Pluto Press, 2015), pp. 127-128.

11 انظر آرام نركيزيان، "هل ستجتاز العلاقات المدنية-العسكرية في لبنان العاصفة الإقليمية؟"، صدى، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، 21 تشرين الثاني/نوفمبر 2011.

12 المصدر السابق.

13 انظر: Bassel F. Salloukh et al The Politics of Sectarianism in Postwar Lebanon (London: Pluto Press, 2015), pp. 165-166.

14 انظر: Aram Nerguizian, The Military Balance in a Shattered Levant: Conventional Forces, Asymmetric Warfare & the Struggle for Syria, Burke Chair in Strategy Report, Center for Strategic and International Studies, June 15, 2015, pp 75-76

15 المصدر السابق، ص.ص. 75-76.

16 انظر: Aram Nerguizian, The Lebanese Armed Forces: Challenges and Opportunities in Post-Syria Lebanon, Burke Chair in Strategy Report, Center for Strategic and International Studies, February 10, 2009 p. 12

17 المصدر السابق، ص. 24.

18 مقابلة أجراها المؤلّف مع ضابط بارز في القوات المسلحة اللبنانية، بيروت، تشرين الأول/أكتوبر 2009؛ مقابلة أجراها المؤلّف مع ضابط بارز في القوات المسلحة اللبنانية، بيروت، 6 كانون الثاني/يناير 2015.

19 مقابلات أجراها المؤلّف مع ضباط بارزين في القوات المسلحة اللبنانية، بيروت، 1-2 تموز/يوليو 2013، 10 تشرين الأول/أكتوبر 2013 و2-3 كانون الثاني/يناير 2014؛ انظر: Aram Nerguizian, The Lebanese Armed Forces, Hezbollah, and Military Legitimacy, Burke Chair in Strategy Report, Center for Strategic and International Studies, October 4, 2017

20 انظر: Aram Nerguizian, “Assessing the Consequences of Hezbollah’s Necessary War of Choice in Syria,” Commentary, Center for Strategic and International Studies, June 17, 2013

21 انظر: “Addressing the Civil-Military Relations Crisis in Lebanon,” Lebanese Center for Policy Studies, March 2017

22 انظر:Aram Nerguizian, The Lebanese Armed Forces, Hezbollah, and Military Legitimacy, Burke Chair in Strategy Report, Center for Strategic and International Studies, October 4, 2017

 

موروثات البقاء: التهجين الأمني المزعج في سورية..

عبدالله عرفان..

عبدالله م. عرفان هو باحث في إطار الدكتورة في مركز جنيف للسياسات الأمنية (GCSP)...

المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية (ISPI)..

ملخّص: إن دمج القوات الأجنبية وغير الحكومية في سورية يجعل نجاح مهمة إعادة تشكيل الحوكمة الموحّدة للقطاع الأمني، التي كانت قائمة قبل العام 2011، أمراً مُستبعداً....

أثار اعتماد النظام السوري على القوات الأجنبية (أي روسيا وإيران ووكلاء الميليشيا الشيعية)، لقلب الأمور لصالحه منذ العام 2015، الشكوك حيال قدرته على استعادة السيادة طويلة الأمد. لاتتضمن عملية تهجين الحوكمة الأمنية هذه القوات الأجنبية وحسب، بل تشمل أيضاً استيعاب الميليشيات السورية الموالية للحكومة وحتى المجموعات المتمرّدة السابقة التي عاودت مساندة النظام. وبينما يتحقق النصر بحسب تعريف النظام بمجرد استعادته السيطرة على ثلث أراضي البلاد التي تخضع الآن إلى السيطرة التركية أو الأميركية، سيكمن التحدي الحقيقي في استعادة سيادة الدولة وإحكام قبضتها على قطاع الأمن، على الرغم من النفوذ الروسي والإيراني. بيد أن دمج القوات الأجنبية وغير الحكومية، وتأثيرها في عملية صنع القرار في قطاع الأمن، يجعل نجاح مهمة إعادة تشكيل الحوكمة الموحّدة للقطاع الأمني، التي كانت قائمة قبل العام 2011، أمراً مُستبعداً. فافتقار النظام إلى السيولة المالية، وقاعدته الطائفية الضيّقة، سيعزّزان اعتماده على القوات الأجنبية. كما ستتأثّر عملية إعادة توحيد قطاع الأمن باختلاف وجهات النظر الروسية والإيرانية والسورية حول قضايا مثل النظام السياسي، والسياسة الخارجية، ودور الجيش، الأمر الذي سيلقي بكلكله على الحوكمة العسكرية لجهة المركزية، والقيادة والسيطرة، والكفاءة المهنية.

عناصر ونطاق التهجين في حوكمة قطاع الأمن

في الوقت الذي تدخّل فيه الروس في العام 2015، كان قد بلغ تهجين قطاع الأمن وانتشاره مرحلة مُتقدمة أساساً. كانت المشكلة الرئيسة للنظام تكمن في ندرة العديد العسكري، حيث يُعتقد أن الجيش السوري خسر حوالى ثلث قواته النظامية البالغ عددها 200 ألف عنصر في المعارك، أو نتيجة الانشقاق. أدّى هذا الأمر إلى احتضان مروحة من القوات الموالية غير النظامية، استُكملت بوصول الميليشيات المدعومة إيرانياً، والآتية من لبنان والعراق وأفغانستان. بعد العام 2017، ومع انحسار المدّ واستعادة السيطرة على العديد من معاقل المعارضة، استعاد الجيش السوري نحو نصف العديد الذي كان خسره عبر دمج منشقين سابقين وأفراد من ميليشيات المعارضة، إضافةً إلى عمليات التجنيد في المناطق التي تمّت استعادتها. لكن لم يكن لذلك سوى أثر ضئيل على تهجين قطاع الأمن واعتماده على القوات الأجنبية، لأسباب ليس أقلّها المعايير المتعارضة للتدريب والانضباط، وانعدام الثقة الكبيرة بولاء العناصر المدمجة حديثاً. لكن من الممكن اعتبار هذا الدمج السطحي تحسُّناً في مقابل التشرذم، بيد أن ترسيخ الولاء للنظام وموثوقيته هو اختبار كبير. صحيح أن القوات الموالية لإيران هبّت لمساعدة النظام قبل الروس، إلّا أن هؤلاء ساهموا بشكل أكبر في الديناميكيات العسكرية ومسار الحوكمة. فمنذ العام 2016، سعت روسيا إلى جمع العديد من المجموعات المسلّحة تحت المظلات الموحّدة التي تُسيطر عليها؛ وتمّ تشكيل الفيلق الرابع لتوفير الحماية المهنية للمنشآت الروسية في اللاذقية، بينما تمّ توجيه الفيلق الخامس لتقديم المساعدة في محاربة الدولة الإسلامية شرقاً. كما شكّل نشر نحو 1500 عنصر من الشرطة العسكرية الروسية، وهي من قوات النخبة بحسب المعايير الروسية، في نقاط مختلفة في سورية، عنصراً إضافياً من عناصر التهجين والسلطة التي يصعب الاعتراض عليها بالكاد داخل نطاق دمشق. علاوةً على ذلك، سيُعَزَّز العنصر الروسي في التهجين الحالي بشكل أكبر من خلال شبكة الدفاع الجوي أس-300 التي تمّ تركيبها حديثاً، والتي ستكون مزوّدة بنظام إدارة دفاع جوي موحّد يتحكّم بالمجال الجوي السوري برمته، على أن يديره بشكل مشترك الروس والسوريون. وسيضمن ذلك مشاركة روسية كبيرة في عملية صنع القرار في ما يتعلق بأي مواجهات مستقبلية مع إسرائيل أو غيرها. ويشكّل هذا الإدماج الدائم على مستوى عالٍ من القيادة والسيطرة في الجيش السوري، بالإضافة إلى الوجود الاستشاري الروسي في العديد من المنعطفات الإستراتيجية، تحدياً للجهود التي تبذلها النخبة السورية الحاكمة لاستعادة نوع من القيادة غير المقيّدة على الجيش، كالتي كانت تتمتّع بها قبل الحرب. من جهة إيران، يُعتبر انخراطها في التهجين السائد أقل صراحةً وعلانية، إذ يرتكز بشكل أساسي على رعايتها لحزب الله اللبناني والمليشيات الشيعية العراقية وغيرها بأعداد كبيرة تراوحت بين 65 و80 ألف عنصر لعبوا دوراً كبيراً على الأرض، وعدد محدود أكثر من أفراد الحرس الثوري الإيراني والمستشارين العسكريين الآخرين.1 كل ما سبق يسمح من دون شكّ لإيران بالتمتّع بتأثير قوي في عملية صنع القرار العسكري. لاريب أن دور إيران أكثر إثارة للجدل من دور روسيا، أقلّه عندما يتعلق الأمر بالولايات المتحدة وإسرائيل. ومع شعور الإيرانيين بسخونة الضغوط المنبثقة من هذه الأطراف، يُقال إنهم يحاولون منذ العام 2017 توحيد بعض قواتهم المنتشرة داخل الهيكل الرسمي للجيش السوري، لتوفير غطاء رسمي.2.... في حالتيْ روسيا وإيران على السواء، قد يؤدي انضواء القوات الوطنية والأجنبية في صفوف الجيش إلى الحد من التشرذم المفرط، لكنه لايؤثّر في عوامل التهجين. يطال التهجين مجالات الاستخبارات والشرطة بالإضافة إلى الجيش. فازدياد النفوذ الروسي والإيراني في فروع الاستخبارات السورية، يهزّ احتكار النظام للمعلومات، ويحدّ من قدرته على القيادة والسيطرة على الجيش ووحداته.3....

يُعتقد أن روسيا تُحكم قبضتها القوية على شعبة المخابرات العامة، وإيران تتمتع من جهتها بنفوذ أكبر في جهاز الاستخبارات العسكرية، على الرغم من أن الاعتقاد بأن الروس عزّزوا موقعهم مؤخراً مع وجود فروع للاستخبارات العسكرية في اللاذقية وحلب وحمص. وقد طفت التوترات إلى السطح في العام 2017 عندما بدأ تبادل الاتهامات حول مقتل قائد الفيلق الخامس الجنرال الروسي فاليري أسابوف، في هجوم نفّذه تنظيم الدولة الإسلامية في دير الزور، وسط شكوك روسية حول وجود خيانة من جانب النظام أو الإيرانيين.4

خلافات روسيا وإيران حول حوكمة الجيش

قد يتهيأ للمتشددين داخل النظام السوري أن الانتصارات التي حققوها بعد العام 2015، ستسمح لهم بإعادة الوضع كما كان قبل 2011 أي: أرض موحّدة، وجيش موحّد ودولة ذات سيادة. وفي حين أن هذه السردية قد تخدم كاستراتيجية للمحافظة على تماسك النخبة، وتجنّب التنازلات، ومحاولة رسم الخطوط العريضة لعقد اجتماعي لمابعد الحرب، إلّا أنها تصطدم مع الحقائق التي ستُلزم النظام على الانخراط في أساليب أكثر تعقيداً لإدارة التحالف بين الجيش والدولة. وسيتقرر تحديد المحصلة في مجال حوكمة قطاع الأمن، من خلال التفاعل المعقّد للمصالح والمنافسة بين قوى التحالف الثلاث. بيد أن موقف كل من القوتين الخارجيتين مختلف تماماً عن الآخر، الأمر الذي من شأنه أن يؤثر في حوكمة قطاع الأمن. يتضمن تصوّر روسيا لإنهاء النزاع، تعزيز مهنية الجيش السوري وتقويته لجعله أقل اعتماداً عليها وعلى إيران؛ وتوحيد هيكل القيادة لتجنّب تعرُّض الدول المجاورة لسورية إلى هجمات غير منسّقة. هذه الشروط تتماشى مع استراتيجية موسكو منخفضة الكلفة في سورية، وعلاقتها الجيدة مع كل من تركيا وإسرائيل، والمشاركة المستقبلية المحتملة مع الغرب في عملية إعادة إعمار سورية. وبصرف النظر عن الجيش، يعتبر الروس أن إصلاح الاستخبارات، أو السيطرة عليها، عامل أساسي لأمن قواتهم ولمنافستهم طويلة الأمد مع إيران في سورية. في المقابل، قد لا يتلاءم الهيكل المركزي للجيش السوري مع رؤية إيران لمهام قواتها في سورية بشكل عام، وخاصةً داخل صفوف الجيش، وبالتالي قد تقف في وجه الجهود الروسية المرتبطة بهذا المسار. هذا ومن المرجح أن تكون إيران مهتمة بتوحيد قوّاتها داخل أو خارج الجيش، ورفع مستويات الجهوزية القتالية، بدلاً من الانخراط في عملية تعزيز مهنيتها بما يتماشى مع المعايير الحديثة. سيتوقف الكثير، كما هو واضح، على مدى شدّة الضغوط التي تُمارسها إسرائيل والولايات المتحدة وحلفاؤهما الإقليميون (وعلى رأسهم السعودية) ضد الوجود الإيراني، وردود فعلهم حياله. فإذا حُملت إيران على سحب قواتها الفعلية أو بالوكالة، وربما ترك جزء منها في الهيكل العسكري السوري، سيكون لذلك تداعيات واضحة على قدرة طهران على التأثير في عملية صنع القرار في قطاع الأمن، إذ إن وجودها أكثر هشاشة ويتخذ طابعاً مؤسسياً أقل من الوجود الروسي. في هذا الإطار، سيؤدي دمج قوات الدفاع المحلية في الحرس الجمهوري والفيلق الرابع إلى جعل حوالى 25 ألف مقاتل مؤيد لإيران جزءاً من الكيان العسكري بشكل قانوني، في حين سيختار ما بين 40 و55 ألف مقاتل المتبقين المغادرة أو البقاء لفترة أطول، لكن ذلك يتوقف على حجم الضغوط.5..... من شأن مثل هذا التطور أن يغيّر ميزان القوى بوضوح بين القوات المتنافسة للتأثير على صنع القرار في قطاع الأمن. لكن، مهما كان شكل التوازن، في المستقبل المنظور، سيواصل وجود الأجانب أو المؤيدين لهم في المناصب العليا المؤثّرة في صنع القرار، وفي وكالات الاستخبارات، تقييد أيدي السوريين عندما يتعلق الأمر بقطاعهم الأمني.

إدارة النظام السوري للتهجين

في غياب أي حلول جذرية، من المرجّح أن يواصل النظام في إدارة التهجين فحسب، الأمر الكفيل باستمرار وجود القوات غير الرسمية والأجنبية داخل الهيكلية الأمنية. لم يكن توحيد وتحسين التدريب والأداء يوماً أولوية بالنسبة إلى الجيش السوري؛ لكن على الرغم من ضعف أدائه في الحرب، تمكّن النظام من الصمود. بيد أن إرساء التوازن في نسبة المحليين إلى الأجانب أمر مهم لأمنه. لكنه هنا يواجه المشاكل نفسها المتعلقة بالعديد البشري التي أُجبر بسببها أصلاً على طلب التدخل الخارجي من أجل تفادي الهزيمة. بالنسبة إلى الأطراف الخارجية، يتوقّع أن تسيطر سياسات معقّدو داخل التحالف الثلاثي (السوري-الروسي-الإيراني) على ديناميكيات ما بعد الحرب، مع ما يترتب على ذلك من تداعيات على حوكمة قطاع الأمن. وسيحرص النظام على العمل مع روسيا من أجل إضفاء الطابع المركزي على هيكل الجيش ومنع إيران من اختطاف السياسة الخارجية السورية حيال لبنان والعراق وإسرائيل. مع ذلك، فإن تمتّع روسيا بمزيد من النفوذ في المواقع الرئيسة في سورية لمنع أي انتكاسات، سيقابله تواجد قوات إيرانية في صفوف الحرس الجمهوري والفيلق الرابع (الذي يضمّ قوات من النخبة) في دمشق لحماية عرين النظام. السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل ثمة احتمالات واقعية على المديين المتوسط والطويل بأن تعمل سورية على إيجاد طريقة للتخلّص من تهجين قطاع الأمن والاعتماد على القوات نفسها التي يعود إليها الفضل في بقائها؟.... سيعتمد الأمر، في نهاية المطاف، على كيفية انتهاء الصراع، وإذا ما كان سيتبعه آخر يهدف إلى طرد إيران من سورية. في زمن الثورات والانتفاضات، قد تتبدّل التفاصيل، إلّا أن متلازمة الاعتماد على الميليشيات والقوات الأجنبية المستتبعة والتهجين الناجم عنها ستبقى هي نفسها. لكن، إذا سارت الأمور عكس التيار، وأدّى توافق بين القوى الخارجية المهتمة والمؤثّرة إلى اختبار فترة طويلة من الاستقرار وإعادة بناء الدولة الفعلية، قد تتغيّر الصورة. فمن الممكن أن تصبح الميليشيات إما جيشاً أو شرطة محترفة مدمجة بشكل مناسب، أو تعود من جديد إلى الانخراط في الحياة المدنية ومايستتبعه ذلك من إيجاد عمل مربح في مشاريع إعادة الإعمار. وفي حال ساد مثل هذا التفاهم، قد يتمّ أيضاً إدراج المجموعات المتمرّدة المدعومة من تركيا والقوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة في الشمال في إطار سيناريو تفويض للمهام من نوع ما. فإذا كانت مصالح روسيا وإيران الأساسية مضمونة - كما كانت قبل بداية الحرب - قد يكون كلا الطرفان مرتاحين لتقليص الجهود العسكرية التي كلّفتهما غالياً. لكن في الوقت الراهن، يجب أن تبقى مثل هذه الرؤية مجرد حلم ليلة صيف. فالبقاء والصمود بفضل أطراف خارجية يكون له ثمن دائماً، بدءاً من خروقات في السيادة، مروراً بتقليص سيطرة الدولة المركزية، ووصولاً إلى قبول التهجين الأمني كجزء من استمرارية النظام.

تم نشر هذا المقال على موقع المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية(ISPI)

هوامش

1 الرقم الأعلى وارد في: Judah Ari Gross, “Israel at UN: Iran has more than 80,000 fighters in Syria”, The Times of Israel, April 26; Seth J. Frantzman, “Who are Iran’s Shi’ite Fighters in Syria?”, JerusalemPost, April 28, 2018; والرقم الأدنى يستند إلى مقابلة أجراها المؤلّف مع خبير، مقره اسطنبول، في 26 أيلول/سبتمبر 2018.

2 يرجى الاطلاع على: Jeremy Bob, “Intel Center: Hezbollah, Iran’s Shi’ite Militias Hidden in Syrian Army”, Jerusalem Post, July 13, 2018; Terrorism Info, “Hezbollah and Iran-handled Shi’ite militias are integrated into the Syrian army in its campaign to take control of south Syria”, July 11, 2018; وقد تمّ تأكيد هذه المعلومات في مقابلات أجراها المؤلّف مع خبراء روس وإيرانيين في أيلول/سبتمبر 2018.

3 مقابلات أجراها المؤلّف مع خبراء روس وإيرانيين في أيلول/سبتمبر 2018.

4 مقابلات أجراها المؤلّف مع خبراء روس وإيرانيين في أيلول/سبتمبر 2018.

5 تختلف الأرقام وفقاً لمنهجية التقديرات والوقت، فالتقديرات الأقل التي تتراوح بين 5 و8 آلاف والمفاد عنها في نيسان/أبريل 2018، انظر: Seth J. Frantzman, “Who are Iran’s Shi’ite Fighters in Syria?”, Jerusalem Post, April 28, 2018; وتمّ الحصول على الرقم الأعلى البالغ 25 ألفاً من مقابلة أجراها المؤلّف مع خبير، مقره اسطنبول، في أيلول/سبتمبر 2018. أما النطاق بين 40 و55 ألفاً فهو نتيجة خصم 25 ألفاً من التقديرات الأعلى للقوات الموالية لإيران البالغ عددها 80 ألفاً والأدنى البالغ 65 ألفاً.

 

الجيوش والميليشيات و(إعادة) الدمج في الدول المتصدّعة...

فريدريك ويري..

تركّز أبحاث ويري على الإصلاح السياسي والقضايا الأمنية في دول الخليج وليبيا، والسياسة الأميركية في الشرق الأوسط عموماً...

المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية (ISPI)..

ملخّص: لن تقتضي الجهود المبذولة لإعادة بناء المؤسسات الأمنية في الدول التي تعيش مرحلة ما بعد الصراع، القيام بإصلاحات تقنية وتنظيمية وحسب، بل ستتوقف أيضاً على مجموعة من الخطوات والإصلاحات الشاملة ضمن نطاق يتعلق باختلاف الأجيال...

أدّى انهيار سلطة الدولة في جميع أنحاء العالم العربي وانتقالها إلى جهات أمنية فاعلة محلية إلى قلب معايير السيادة والعلاقات المدنية-العسكرية السائدة منذ فترة طويلة. وفي حين أن الجهات الفاعلة الخارجة عن إطار الدولة تُعتبر منذ زمن طويل سمة من سمات النظام العربي، إلا أن مايميّز الصراع المعاصر والدول التي تعيش مرحلة مابعد الصراع، مثل ليبيا وسورية والعراق واليمن هو كثرة الجهات الأمنية شبه الحكومية التي تحظى بدرجات متفاوتة من الدعم من السلطات المركزية الضعيفة أو المتكسِّرة، وكذلك من الجهات الداعمة الأجنبية. في مواجهة هذه التعقيدات، تجد حكومات هذه الدول نفسها وجهاً لوجه أمام مروحة من الخيارات في المرحلة المقبلة: النماذج التقليدية لبرامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج، مقرونة بعمليات إصلاح قطاع الأمن؛ ومحاولات تسخير واستيعاب المجموعات المسلحة للحفاظ على الأمن المحلي، الأمر الذي أطلق عليه بعض المراقبين تسمية "الأمن الهجين"؛ وما يتصل بذلك من إضفاء للطابع الرسمي على الجهات الفاعلة الأمنية المحلية وتصنيفها كجيوش تشكّلت مناطقياً وعلى طراز الحرس الوطني، على أن يكون مرتبطاً بسلطات قيادية مركزية أو إقليمية، ما يؤدي في الواقع إلى إنشاء هيكل عسكري ثنائي. وليس أي من هذه الأمور مثالياً، ناهيك عن أن كلاً منها ينطوي على درجات متفاوتة من المخاطر والعوائق، من حيث تعزيز أو إعادة تشكيل الصراع المسلّح، أو المساهمة في التشرذم، أو تعزيز السلطوية.

نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج

فشلت مختلف خطط نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج في الدول العربية المتشرذمة، ومن المهم البحث في الأسباب. أبرزها استمرار الصراع السياسي الداخلي: إذ في الوقت الذي بدأت فيه الأدبيات المتعلقة بإنهاء الصراع والصفقات بين النخب تظهر الآن، بات التوافق السياسي والأمني مطلباً أساسياً لتطبيق عملية نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج، بدلاً من أن يكون الأمر على العكس من ذلك.1 والجدير ذكره هنا أن عمليات نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج، غالباً ماتكون سياسية إلى حدّ كبير، وتتطلّب إحراز تقدّم متزامن على جبهة التنمية الاقتصادية وسيادة القانون والعدالة الانتقالية. من الناحية المثالية، تتولى الدولة إدارة دفة هذه العمليات، على الرغم من أن المجتمع المدني يستطيع، بل يجب عليه، أن يلعب دوراً. وبالتالي، يُحدث غياب هذه الشروط المسبقة "معضلة أمنية" لاتكون فيها أية مجموعة مسلّحة على استعداد لنزع سلاحها، خوفاً من أن تتخلى بذلك عن هذه الميزة لصالح الأطراف المنافسة. تنطوي عملية نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج في السياق العربي بشكل خاص على تعقيدات بسبب تقاطع عقبات محلية وخارجية، من بينها واقع أن الانخراط في الميليشيات، في العديد من الدول العربية التي تمزّقها الحروب اليوم، بدأ يتطبّع بالحياة اليومية، وتحوّل إلى ثقافة راسخة، واكتسب بالتالي معنى وجودياً، ناهيك عن كونه سبيلاً لكسب الرزق. وحول هذه النقطة الأخيرة، لايجب التقليل من أهمية دور الميليشيات كوسيلة لتوزيع الإيرادات النفطية على شريحة سكانية محرومة من فرص العمل الأخرى. وكما هو واضح بشكل خاص في حالة ليبيا، ترتبط عمليات نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج ارتباطاً وثيقاً بالتحدي المتمثل في تعزيز اقتصاد القطاع الخاص واستحداث فرص عمل للشباب الميليشياوي، من خلال توفير التدريب المهني والتعليم العالي وقروض الأعمال الصغيرة وغيرها من الاستراتيجيات الأخرى. يواجه برنامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج على نحو متزايد عوائق، بفعل الدعم الذي تحصل عليه العديد من المجموعات المسلحة من رعاتها الأجانب، بما في ذلك التقديمات السخية من أموال وأسلحة، ما يُثبط أي محاولة لحلّ المليشيات. على سبيل المثال في اليمن، تفوق رواتب الميليشيات المدعومة من دولة الإمارات في الجنوب شبه المستقل بأشواط رواتب الجيش النظامي.2 كما تتحمّل الدول الغربية أيضاً اللائمة في هذا السياق: فمن خلال جهودها المبذولة للتصدّي إلى مجموعة من التحديات العابرة للحدود الوطنية، ولاسيما الإرهاب والهجرة غير النظامية (في حالة الدعم الإيطالي المقدّم إلى ميليشيات مكافحة التهريب في ليبيا)، عملت الجيوش الأوروبية والأميركية مع ميليشيات شبه حكومية ودرّبتها وزوّدتها بما يلزم لتنفيذ مجموعة واسعة من الأنشطة.3 وحتى لو لم يكن هناك تحويل للأموال وتزويد بالأسلحة، فالاهتمام الذي أُغدق بسخاء على هذه المجموعات يزيد من استقلالها الذاتي ويكرّس مجرد وجودها. عدا هذه المؤثرات الخارجية، تعتمد مسألة ما إذا كانت المجموعات المسلحة ستسلّم سلاحها وتعاود الاندماج، وكيفية حدوث ذلك، على هياكلها الداخلية. وفي الواقع، ستؤثّر كيفية نشر المعلومات في أوساط المقاتلين على استخدام المحفزات، وأيضاً ما إذا كان يمكن ممارسة الضغوط على القيادة. هنا تطرح مروحة من الأسئلة نفسها: ما مدى قدرة المجموعة على مقاومة التأثيرات الخارجية، وإلى أي حدّ يمكن اعتبارها مترسخة داخل المجتمعات المحلية؟ هل قيادة المجموعة المسلّحة غير مركزية وغير رسمية أم رسمية ومركزية؟ هل يرتكز تمويلها على الاستحواذ على الموارد، أو على الحصول على الدعم من المجتمعات المحلية، أو الرعاية الأجنبية؟4

كل هذه الأسئلة تبدو أيضاً وجيهة وذات صلة حين نأخذ في الحسبان تطوير مايسمى بنماذج الأمن الهجين للحوكمة الأمنية.

حوكمة الأمن الهجين

يُدرك الباحثون والحكومات والمنظمات الدولية أكثر فأكثر أن الخط الفاصل بين مزودي الأمن الرسميين وغير الرسميين، يتلاشى بصورة متزايدة في الدول التي تشهد صراعات والتي تمرّ في مرحلة مابعد الصراع على السواء، والتي اتّسمت بانتشار جهات فاعلة سياسية وعسكرية يحمل كل منها في جعبته ادعاءات متنافسة لاحتكار القوة. في مثل هذه "الترتيبات الهجينة"،5 يرى البنك الدولي، أنه يتعيّن "على الدولة العمل من خلال، ومع الجهات الفاعلة غير الحكومية، والمجالس، والمحاكم العرفية، وأمراء الحرب المحليين".6 وقد أشارت وزارة التنمية الدولية في المملكة المتحدة، مرددةً ما سبق، إلى أن "التركيز في المقام الأول على موفري الأمن التابعين للدولة يُغفل أيضاً وجود أشكال بديلة لتحقيق الأمن".7 ويتحدث أنصار التهجين عن نموذج "الحوكمة الجيدة بالقدر الكافي": فبدلاً من الاستمرار في المطالبة وانتظار تشكيل حكومة متماسكة وقادرة، يُنظر إلى الحوكمة التي تشمل جهات فاعلة مسلحة غير حكومية باعتبارها الخيار الأفضل التالي.8 مع ذلك، يتوقف الكثير مما سبق على تصرّف الميليشيات بشكل "جيّد"، الأمر الذي يعتمد بدوره على روابطها الاجتماعية مع المجتمعات المحلية: مثل هذه الروابط، كما يجادل بعض الباحثين، ستعدّل سلوكهم وتمكّنهم من العمل بشكل مُنتج مع الوسطاء الاجتماعيين مثل القبائل والمجالس المحلية والمجتمع المدني وما إلى ذلك.9

تتضح صورة النموذج الهجين بصورة متزايدة في الدول العربية المتصدّعة التي تترأسها حكومات مركزية ضعيفة أو غائبة، وحيث تتضاءل احتمالات اندلاع حروب بين الدول. مع ذلك، يُعتبر مدى استدامة هذا النموذج واستقراره على المدى الطويل موضع جدل. وفي سياقات طائفية ومتشرذمة للغاية مثل سورية والعراق، ستلتف المجموعات المسلحة حول انتماءات مجتمعية ضيّقة قد تعزّز بالتأكيد العلاقات الإيجابية بين مزودي الأمن والمواطنين المحليين، لكن سيكون لها تأثير سلبي على السياسات الوطنية الشاملة.10 وفي حالات أخرى، لم تُثبت نظرية الروابط الاجتماعية التي من شأنها التخفيف من حدّة السلوك السيئ للمليشيات تماسكها على الإطلاق: فالقبضايات المحليون الذين تمّ حشدهم لحماية المجتمعات المحلية ضد المتطرفين أصبحوا شرسين وقساة. وهنا الأمثلة كثيرة: منها قوات الشبّيحة شبه العسكرية التي دافعت عن الأقلية العلوية والمسيحيين، واللجان الشعبية في محافظة أبين اليمنية التي حاربت تنظيم القاعدة، ومايسمى بالميليشيات السلفية المدخلية في ليبيا التي هزمت الدولة الإسلامية في سرت، لكنها منخرطة الآن في "الضبط الأخلاقي"، مثل إنفاذ الأعراف الإسلامية التي لا أساس لها في القانون المدوّن.11

إضافة إلى ذلك، فإن مفاهيم الشرعية على مستوى المجتمع المحلي، كما يشير منتقدو النموذج الهجين، غالباً ما تكون موضع خلاف إلى حدّ كبير، وغالباً ما تكون الأصول "العضوية" للجهات الفاعلة الأمنية المحلية خيالية ومُركّبة.12 فعلى سبيل المثال، لا يمثّل "المجتمع" المسيحي صغير الحجم في العراق طرف مسلّح واحد، بل أطراف متنازعة عدّة: بعضها مرتبط بحكومة بغداد والبعض الآخر بحكومة إقليم كردستان.13 أخيراً، وكما ذُكر أعلاه، يميل تأثير الرعاة الأجانب المتنافسين على الميليشيات المحلية والقوات شبه العسكرية إلى إثارة مزيد من التشرذم والتطييف، الأمر الذي يحدّ من قدرتها على أن تكون أطرافاً محتملة توفّر الأمن بصورة إيجابية.

"الثنائية العسكرية": الحرس الوطني والميليشيات المساعدة الأخرى

مفهوم آخر يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالنموذج الهجين هو مفهوم تسخير الميليشيات شبه الحكومية إلى هيئة متوازية محلية المنشأ، تخضع ظاهرياً إلى السلطة السياسية نفسها كما القوات النظامية. هذا المفهوم الخاص بالجيوش الثنائية له ​​تاريخ مديد في الشرق الأوسط (في إيران والعراق والسعودية)، على الرغم من أن غالبية هذه الهياكل لم تكن تهدف إلى إضفاء الطابع الرسمي على الميليشيات شبه الحكومية، بل إلى استمالة قبائل قوية أو تأسيس قوات موالية إيديولوجياً كقوة مضادة للجيوش النظامية النزّاعة إلى القيام بالانقلابات العسكرية.14

في أعقاب حروب مابعد العام 2011، وخاصة بعد الحملة المضادة لتنظيم الدولة الإسلامية، اكتسبت الفكرة جاذبية جديدة، من داخل المنطقة وخارجها. ففي العام 2014، دعا الرئيس أوباما علناً إلى دعم تشكيل حرس وطني عراقي باعتباره وسيلة تسمح للسنّة العراقيين بتحقيق "تحرّرهم الخاص" من الدولة الإسلامية، وهي فكرة أعادت بشكل أساسي صوغ الدعم الأميركي لمجالس "الصحوة" السنّية ضد القاعدة في 2006-2007.15 وفي ليبيا، واستناداً إلى المبادرات المحلية الرامية إلى تفويض الميليشيات الجهوية تحت إشراف وزارتيْ الدفاع والداخلية، اقترحت الأمم المتحدة في العام 2012 تشكيل هيكل شبيه بالحرس الوطني سُمّي "جيش ليبيا المدني"، الذي تقرّر أن يتألف من ثلاث "كتائب ثورية" من أجل إرساء الاستقرار والقيام بمهام الشرطة، فيما يخضع الجيش النظامي إلى تدريبات. وقد وجد أنصار الخطة الليبيين على وجه التحديد أوجه شبه مع تجربة الولايات المتحدة المتمثلة في دمج المليشيات بعد الحرب الأهلية الأميركية، ومع الجيش المدني البريطاني، ومع الحرس الوطني الدنماركي.16

في كل من العراق وليبيا، تقوضت هذه الخطط بعد أن ارتطمت بجدار المعطيات المحلية. ففي العراق مثلاً، عارضت الكتل الشيعية مشروع قانون الحرس الوطني في البرلمان، لأنه كان يُعتبر وسيلة للاستقلال الذاتي السني. والأهم من ذلك، طغى على هذه الخطط تشكيل قوات الحشد الشعبي التي تهيمن عليها الميليشيات الشيعية، والتي شكّلت تحديات جديدة متعلقة بالدمج والدعم الخارجي بالوكالة من إيران، والانقسام الفئوي الداخلي، والتسييس.17 وبالمثل كان يُنظر إلى الحرس الوطني والتشكيلات المماثلة في ليبيا على أنها تصون مصالح الفصائل والمجموعات المسلحة الضيقة - من بلدة مصراتة القوية ومن الإسلاميين - وكانت تحظى بمعارضة من البلدات المتنافسة، والقبائل الموالية سابقاً، وسلك الضباط النظامي.

أخيراً، يمكن القول إن الدروس المستقاة من هذه الإخفاقات، تسلّط الضوء على مخاطر الجيوش الثنائية، ويجب أن تنير طريق أي محاولات مستقبلية لدمج هذه الميليشيات المُساعدة. كما يجب أن يتمّ إعداد هيكل الحرس الوطني ككيان انتقالي، من خلال خارطة طريق أوسع تتمتّع بقبول سياسي ومؤسسي، خاصة من السلك النظامي، وتحديد الأدوار والتسلسل القيادي بشكل واضح. وينبغي أيضاً أن تكون مصحوبة بمبادرات سياسية أوسع نطاقاً تتمثّل في إلغاء المركزية، لتشمل التمكين على مستوى البلديات والتوزيع المنصف للموارد، كما هو وارد في الدستور. والأهم من ذلك، كما ذكر ريناد منصور وفالح عبد الجبار في حالة قوات الحشد الشعبي، ينبغي دمج رجال الميليشيات كأفراد وليس كوحدات، لتجنّب استمرار الولاءات المنفصلة وتماسك المجموعات المرتبطة بالمليشيات.18

خاتمة

يعتمد كل خيار من الخيارات التي جرت مناقشتها أعلاه على السياقات المحلية، لكن أياً منها لايمكن أن تضمن وحدها توفير أمن مجتمعي دائم. وكما توضح المقالات في هذا الملف، فإن النظام الأمني الجديد في الدول المتشرذمة مثل سورية والعراق وليبيا واليمن، معقّد وديناميكي، ولايزال من العسير تحديده. يمكن أن تكون مصطلحات مثل "التعددية الأمنية" أو "المناطق المتسلسلة ذات الانتماء المحدود للدولة" مفيدة جزئياً في عملية التنظير، لكنها لاتصل إلى حدّ توصيف فداحة المشكلة، أو حجم تكاليفها البشرية.19

وبالتالي، لن تقتضي الجهود المبذولة لإعادة بناء مؤسسات أمن الدولة القيام بإصلاحات تقنية وتنظيمية وحسب، بل ستتوقف أيضاً على مروحة من الخطوات والإصلاحات الشاملة ضمن نطاق يتعلق باختلاف الأجيال. نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: تأمين ديمومة المصالحة ووضع حدّ للنزاع الداخلي، وتطبيق إصلاحات الحوكمة الهيكلية مثل اللامركزية والإصلاحات، وتنويع الاقتصاديات القائمة على الإيرادات النفطية، ووضع حدّ أو تخفيض الدعم العسكري الأجنبي للوكلاء والأتباع المحليين.

تم نشر هذا المقال على موقع المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية(ISPI)

هوامش

1 Christine Cheng, Jonathan Goodhand, Patrick Meehan, “Elite Bargains and Political Deals Project Synthesis Paper: Securing and Sustaining Elite Bargains that Reduce Violent Conflict,” United Kingdom Stabilisation Unit, April 2018, p. 62.

2 من بين الأمثلة الشائعة على نطاق واسع، قوات النخبة الحضرمية المدعومة من الإمارات العربية المتحدة، والتي تلعب دوراً مهيمناً في مراقبة مدينة المكلا الساحلية الجنوبية، التي تم تحريرها حديثاً من يد تنظيم القاعدة، لكن أعضاءها متورطون في أعمال تعذيب وانتهاكات أخرى. Karim Fahim, “U.S. approach to Yemen is challenged as country splinters and government vanishes,” The Washington Post, September 21, 2018.

3 وفي هذا الصدد، يتحمّل اللوم بشكل خاص المذهب الأميركي الجديد لقوات العمليات الخاصة الذي يعمل "من خلال، ومع، وعبر" وكلاء محليين شبه دُولتيين، بدلاً من محاولة ثقل المؤسسات العسكرية النظامية. يمكن إرجاع الكثير من هذا إلى القتال ضد داعش في العراق، عندما سمح الكونغرس الأميركي، في أيار/مايو 2015، لوزارة الدفاع بتقديم الدعم المباشر للمقاتلين السنة والأكراد، متجاوزين بذلك حكومة بغداد. انظر: Frederic Wehrey and Ariel Ahram, “Harnessing Militia Power—Lessons of the Iraqi National Guard,” Lawfare, May 24, 2015. Also, Paul Staniland, “The U.S. military is trying to manage foreign conflicts — not resolve them. Here’s why,” The Washington Post Monkey Cage Blog, July 16, 2018.

4 انظر: Brian McQuinn, “DDR and the Internal Organization of Non-State Armed Groups”, Stability: International Journal of Security and Development 5, 1, 2016. متوافرة أيضاً على الرابط: http://www.stabilityjournal.org/articles/10.5334/sta.412/galley/384/download/ وأيضاً: Staniland

5 "النموذج الهجين" كما وصفه مارك سيدرا يعرض "ترتيبات الحوكمة المشتركة بين سلطة الدولة والأطراف شبه الحكومية"، مع الإقرار بأن "الدولة وفق نظرية ويبر في غير محلها في معظم الترتيبات". انظر: Mark Sedra, Security Sector Reform in Conflict-Affected Countries: The Evolution of a Model, New York, Routledge, 2016, pp. 10-11.

6 World Bank Development Report 2011, “Service Delivery in Fragile and Conflict Affected States,” March 15, 2010.

7 Lisa Denney and Craig Valters, Evidence Synthesis: Security Sector Reform and Organisational Capacity Building, London, Department for International Development, 2015.

8 Stephen Krasner, “Seeking ‘Good Enough Governance’--Not Democracy,” Reuters, September 23, 2013.

9 وفقاً للباحثة أرييل آرام: " كلما كانت مجموعة ميليشياوية متجذّرة أكثر في المجتمع المحلي، كلما كانت قيادتها تعكس المعايير والقيم الأصلية، كلما ازدادت احتمالات التصرّف بمسؤولية". انظر: Ariel Ahram, “Are militias a menace?” The Washington Post Monkey Cage Blog, January 5, 2015.

10 Erica Gaate Gaston and Andras Derzsi-Horvath, “Iraq After ISIL: Sub-State Actors, Local Forces and the Micro-Politics of Control,” Global Public Policy Institute, March 2018.

11 فريدريك ويري وأرييل آرام، "ترويض الميليشيات: بناء الحرس الوطني في الدول العربية المتصدِّعة"، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، 7 أيار/مايو 2015. وحول الميليشيات المدخلية في ليبيا، انظر فريدريك ويري، "وداعاً للهدوء؟"، مدونة ديوان، مركز كارنيغي للشرق الأوسط، 13 تشرين الأول/أكتوبر 2016.

12 انظر: Franzisca Zanker, “Moving Beyond Hybridity: the Multi-Scalar Adaptation of Community Policing in Liberia”, Journal of Intervention and Statebuilding Vol. 11, Issue 2, 2017.

13 Gaston and Horvath, p. 61.

14 للاطلاع على نظرة عامة، انظر: Nora Bensahel and Dan Byman (eds.), The Future Security Environment in the Middle East: Conflict, Stability and Political Change, Santa Monica, CA, RAND Corporation, 2004, pp. 136-138.

15 Frederic Wehrey and Ariel Ahram, “Harnessing Militia Power: The Lessons of the Iraqi National Guard,” Lawfare, May 24, 2015.

16 فريدريك ويري وأرييل آرام، "ترويض الميليشيات: بناء الحرس الوطني في الدول العربية المتصدِّعة"، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، 7 أيار/مايو 2015.

17 ريناد منصور وفالح عبد الجبّار، "الحشد الشعبي ومستقبل العراق"، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، 28 نيسان/أبريل 2017.

18 المصدر السابق.

19 للاطلاع على هذه المفاهيم، انظر: Megan Price and Michael Warren, “Reimagining SSR in Contexts of Security Pluralism”, Stability: International Journal of Security and Development, 6, 1, 2017; Abel Polese and Ruth Hanau Santini, “Limited Statehood and its Security Implications on the Fragmentation Political Order in the Middle East and North Africa”, Small Wars & Insurgencies, 29, 3, 2018, pp. 379-390.

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,698,582

عدد الزوار: 6,909,129

المتواجدون الآن: 97