إسلاميو «لندنستان» تغيروا: أقل تعليماً وأدنى دخلاً... وأكثر محليّة وعنفاً...

تاريخ الإضافة الأحد 21 تشرين الأول 2018 - 6:45 ص    عدد الزيارات 1630    التعليقات 0

        

إسلاميو «لندنستان» تغيروا: أقل تعليماً وأدنى دخلاً... وأكثر محليّة وعنفاً...

الحياة....محمد خلف ... البريطانية سالي جونز، عازفة القيثار الشهيرة في إحدى الفرق الموسيقية الشهيرة في المملكة المتحدة، قررت الالتحاق بصفوف تنظيم الدولة الإسلامية ( داعش) في سورية عام 2013، بعد أن تعرفت الى الهاكرز البريطاني من أصول باكستانية جنيد حسين الذي جندها لتكون أول انتحارية بريطانية. سالي البالغة من العمر 47 عاماً، أم لطفلين، عُرفت بألقاب عديدة مثل»سيدة الإإرهاب» و»سكينة» و»الأرملة البيضاء»، كما وتستخدم لقب «أم حسين» على مواقع التواصل الاجتماعي، وقتلت في ضربة جوية عام 2017. كتبت أم حسين على «تويتر»: «أنا أعرف ما أفعله، والجنة لها ثمن وآمل بأن يكون هذا ثمنه الجنة». في كتابه «لندنستان: كيف خلقت بريطانيا دولة إرهاب في الداخل» الذي صدر العام 2006، تناول الصحافي ميلاني فليبس» ظهور الجماعات الإسلامية المتطرفة داخل المملكة المتحدة، وكيف سمحت الحكومات البريطانية المتعاقبة بنشاط جماعات الإسلام المتطرف الفارين من بلادهم العربية والإسلامية. كشف ميلاني في الكتاب عن مخاوف البريطانيين من تزايد اليمين الإسلامي المتطرف وتنامي نفوذ جماعاته في أوساط الجاليات الإسلامية في تناقض عميق مع أفكار المجتمع البريطاني وقيمه الأساسية، إذ إن هذه الأفكار تؤدي الى صدامات، بصرف النظر عن ديانة المواطن وأصله. وقال إن لندن أصبحت مركزاً لتجمّع التيارات الإسلامية الإرهابية القادم أفرادها وعناصرها من الشرق الأوسط. يقول البروفسور بيتر نيومان، مدير»مركز لندن الدولي لدراسة التطرف»: «كان هناك دائماً جدل بين شرطة اسكتلنديارد التي كانت تريد اعتقال الرؤوس الكبيرة، وبين أجهزة الاستخبارات التي أرادت ترك المجال أمام هذه الجماعات مثل»المهاجرون» لكي تراقب أعضاءها، وكان الأمر أشبه بلعبة التوازن التي ربما تنتهي بخطأ، فلقد سمحوا لتشوردي بالاستمرار بعملياته وتجنيد المزيد في التطرف، ولو أنهم كانوا منعوه لما كان لهؤلاء الناس أن يصبحوا متطرفين». يتضح من دراسة أجراها «معهد توني بلير للتغيير الدولي»، أن «الطريق الذي تسلكه غالبية الجهاديين البريطانيين يمر عبر جماعات إسلامية تدعي أنها غير متطرفة»، وتشير الدراسة الى «أن ستة أشخاص لعبوا دوراً محورياً في تشكل الحركة الجهادية في بريطانيا وسط تساهل الحكومة ومؤسساتها الأمنية». ووفقاً للتقرير الذي حمل عنوان «لأجل الخليفة والوطن: كيف ينظم الجهاديون البريطانيون الحركات الإرهابية العابرة للحدود»، فإنه «على عكس متشددين من دول أوروبية أخرى كفرنسا وبلجيكا، 31 في المئة من هؤلاء الجهاديين قضوا فترات مختلفة في السجون البريطانية بتهم جنائية أو الإتجار بالمخدرات أو تعاطيها وكلصوص»، ما يشير الى»أن الشخصية الجهادية البريطانية تأتي من خلفية أيديولوجية، وليس بسبب التهميش المجتمعي أو الظروف الاقتصادية». ركزت الدراسة على عينة من الإسلاميين المتطرفين في بريطانيا مكوّنة من 113 رجلاً و18 امرأة، وتشمل العينة شريحة من المتطرفين، بينهم مثقفون ومقاتلون وأثرياء وفقراء وطلاب متفوقون وتجار مخدرات، ووجدت أن ثلثَيهم لديهم صلات وروابط وثيقة مع ستة أشخاص هم: أبو حمزة المصري وعبدالله الفيصل وأبو قتادة الفلسطيني وعمر بكري محمد وانجم تشودري وهاني السباعي.
خليط إسلاموي وجنسيات متعددة
تسود في أوساط الباحثين في شؤون الإرهاب في بريطانيا، فكرة مفادها أن بعض الفئات والشرائح الاجتماعية أكثر عرضة للتطرف، وهي تلك الفئات أو العقليات التي تتجه نحو تفضيل الإجابات الصريحة والواضحة وترفض الغموض وتتجنبه، وهؤلاء يرون العالم باللونين الأبيض والأسود ولا يتركون للرمادي السيطرة على تفكيرهم. تضم الساحة الإسلامية في بريطانيا خليطاً من الجنسيات العربية والآسيوية والأفريقية ومن جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق ومن الصين وغيرها. وتبيّن بيانات وردت في تقرير للمعهد البريطاني (Chatham House)، وجود 1900 مسجد في بريطانيا يقع 9 في المئة منها تحت سيطرة السلفيين، وأكثر من 280 مركزاً ومئات الجمعيات الإسلامية التي تقدم خدمات عقود الزواج والأحوال الشخصية ودفن الموتى وتقديم المشورة الدينية والشرعية. ويتبين من تقرير رسمي صدر عام 2017، أن عدد المسلمين في بريطانيا، وهم خليط من أصول مختلفة، يصل الى نحو 2.7 مليون، ما يشكل 4,8 في المئة من عدد السكان الإجمالي في البلاد، يتمركزون في مجموعات كبيرة في لندن ومانشستر وبرمنغهام وبرادفورد، ولهم وجود في مدن كثيرة أخرى تغطي كل أنحاء المملكة، وهذا الخليط يتقاسم أفكاراً وطوائف وأيديولوجيات متعددة تتحدد في إطار الانتماء والمرجعيات. وتشير دراسة معهد «توني بلير للتغيير الدولي» الى أن المملكة تواجه مشكلة كبيرة تتعلق بانتشار أيديولوجيا العنف وتزايد الجماعات المتطرفة، ما يستلزم خلق بيئة تعليمية تتحدى أفكار التطرف في شكل واضح وصريح من خلال قيام المؤسسات الرسمية المعنية باستهداف تلك المراكز والجمعيات التي تنشر دعوات التطرف. وكانت وزارة الداخلية تحدثت في تقرير لها نشرت مقتطفات منه فقط وحجبت معلومات كثيرة لدواعي الأمن القومي، عن الآليات والوسائل التي استخدمتها جماعات الإسلام السياسي المتطرف لخداع المسلمين العاديين في بريطانيا ودفعهم الى تقديم التبرعات لبرامجهم ومشاريعهم الدينية وتشييد المساجد التي يؤمها أئمة متطرفون ينشرون أفكار التطرف والعنف والكراهية الدينية. ويضيف أن «تيار الإسلام السياسي يتميز بقدرته الفائقة على المراوغة والخداع والتضليل لتحقيق ما يصبو إليه من أهداف». يمكن تلمّس تأثير الإسلاموية على الجاليات المسلمة من خلال المتغيرات الحاصلة في التوجهات الفكرية والمسارات الدينية المتشددة، وهذا لم يكن ليحدث من دون تكثيف نشاطات المساجد والمراكز الإسلامية المختلفة التي تعمل على نشر المذهب الجهادي من طريق الدعاة المتشدّدين وتوزيع الكتب الدينية المتطرّفة. وهذه الكتب تتضمن مواعظ تدعو الى الجهاد، والتحريض على العنف ضدّ النساء، المثليّين والمرتدّين.
الأم بولار وبناتها الداعشيات
صفاء بولار (18 سنة) مراهقة لندنية أدينت مع أختها وأمهما بالإرهاب بعد أن كشفت الشرطة عن مخططهن لشن هجوم على المتحف البريطاني في إطار عضويتهن في أول خلية جهادية نسائية في المملكة. كانت بولار وهي البنت الأصغر في العائلة، أقامت اتصالاً عبر الإنترنت بالمقاتل الداعشي في سورية البريطاني ناوند حسين، واتفقت معه على السفر الى سورية للزواج منه والقتال بسورية في صفوف المنظمة الإرهابية. بولار خططت مع أمها مينا ديشي (44 سنة) وأختها ريزلين (22 سنة) لتنفيذ عمل إجرامي كبير، ودوّنت تفاصيله بلغة مشفرة حملت اسم «ثمرة الأناناس». الشرطة كانت تتعقب اتصالات صفاء مع صديقها الداعشي الذي حوّل مبلغاً مقداره 3 آلاف جنيه استرليني لتغطية تكاليف السفر لأختها، ما جعلها هي الأخرى تحت الرقابة الدائمة للشرطة، وكنها أطلقت سراحهن بكفالة وصادرت جوازي سفرهما ومنعتهما من السفر. واصلت الشرطة مراقبتها للعائلة ونجحت في التقاط حديث بين الأم والبنتين عن الهجوم المزمع حول حفلة الشاي في قصة «أليس في بلد العجائب» التي اعتبرها الادعاء ( شيفرة الهجوم). قالت ممثلة الادعاء سو هيمينج إن صفاء كانت تنوي قتل وجرح أكبر عدد من الناس، وقال رئيس مكافحة الإرهاب في شرطة لندن دين هارت واصفاً المخطط بأنه «أول مخطط إرهابي لمجموعة من النساء ومن عائلة واحدة في المملكة المتحدة».
عملية حصان طروادة
تعتبر لندن من عقود طويلة، معقلاً لجماعات الإسلام المتطرّف بتيّاراته المختلفة، ولهذا تُدعى «لندنستان»، فقوانين الهجرة قبل تعديلها وتضمينها بنوداً وقواعد متشددة للهجرة، ومنح اللجوء السياسي بسهولة وسياسة الرعاية الاجتماعية السخيّة، جميعها مكّنت الكثير من الإسلاميين، بمن في ذلك الإرهابيون الذين حوكموا بعقوبات مختلفة في دولهم الأصلية والجمعيات التي تموّل الإرهاب، من إيجاد أرض خصبة لنشاطهم في لندن. نجحت جماعات الإسلام السياسي المتطرف في محاولاتها للسيطرة على مئات، إنْ لم يكن آلاف المدارس العامّة والخاصّة في المملكة. وذلك عبر شنّها ما سمته عملية «حصان طروادة» التي ليست إلا استراتيجية لأسلمة المدارس من خلال التهديدات، والتخويف و»إجبار» المعلّمين المعارضين لهم على ترك المدارس، وكذلك من خلال السيطرة على مجالس المديرين والإدارات. ولقد اشتملت العملية على منع المضامين «غير الإسلامية» مثل التربية الجنسية، السباحة المختلطة والاحتفال بعيد الميلاد، وأيضاً محاولات للإلزام بلباس موحّد إسلامي للنساء والفتيات والفصل بين الجنسين في الفصول الدراسية. ولقد توصل تحقيق أجرته الحكومة البريطانية الى أدلة عن محاولات منسقة لأسلمة عدد من المدارس الحكومية في مدينة «برمنغهام» من جانب الأجهزة الإدارية لتلك المدارس، وذلك في إطار مخطط لترسيخ «الإسلام المتشدد» في مناهج المدارس، ولقد نجح المسلمون في مدينة (Tower Hamlets) في لندن في تغيير بعض أسماء الشوارع بأسماء إسلامية. ونقلت الصحف البريطانية مقتطفات من تقرير لدائرة الأمن البريطانية حول تعليم أيديولوجيا تنظيم «القاعدة» في المدارس والتعبير عن دعم زعمائه وأعمالهم الإرهابية، ونشرت شهادات معلّمين ومدرسين تفيد بأنّ السلطات كانت على علم بما حصل خلال عقدين، لكنها غضّت البصر كي لا تتّهم بـ «الإسلاموفوبيا» والعنصرية، وذلك من أجل الالتزام بقيم التعددية الثقافية والدينية في المجتمع. لم يقتصر عمل جماعات الإسلام السياسي على نشر العنف الديني وأفكار الكراهية في أوساط الجاليات الإسلامية في المملكة، بل تخطته الى ما كشفته السلطات البريطانية عام 2014 من معلومات صادمة عن عملية تحمل اسم (Grooming) - الاستمالة - تديرها عصابات منظّمة يقودها مسلمون لغسيل دماغ مراهقات من غير المسلمات، معظمهنّ من البيض، وإعدادهنّ للاستغلال، والتجارة والاستعباد الجنسي. يقول الدكتور محمد الحسيني الذي يعمل باحثاً مشاركاً في الدراسات الإسلامية في معهد “وستمنستر”، ومؤسس جمعية ‏Scriptural Reasoning‏ في بريطانيا، والتي يتعلّم فيها الحاخامات، الأئمة، والقساوسة نصوصاً مقدّسة، «إنّ هناك تيارين رئيسيّين في الإسلاموية البريطانيّة يقفان وراء موجة التطرّف: «الإخوان المسلمون» وحركة (الجماعة الإسلامية البنغلادشية – الباكستانية). وذلك كله بمساعدة قسم كبير من التنظيمات الإسلامية.
سمات التطرف البريطاني
منذ هجمات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001، تشهد بريطانيا عدداً متنامياً من الشبكات الجهادية، حتى أن التقرير السنوي لليوروبول (الشرطة الأوروبية)، لعامي 2008 و2009، عدّها أكثر الدول الأوروبية التي تضم شبكات جهادية. يرى الباحث في شؤون الحركات الإسلامية مراد بطل الشيشاني، «أن السمات العامة لجهاديي بريطانيا، لا تشير إلى أنهم خريجو جامعات، بل على العكس فهم من خلفيات بسيطة، والأهم أنهم بريطانيون، أي أن اللغة الإنكليزية هي لغتهم الأم». ووفقاً لما ذكرته صحيفة «التايمز» البريطانية عن مصادر استخبارية، فإن «نحو 23 ألف إسلامي متطرف يعيشون في بريطانيا»، إلا أن الباحث في شؤون الجماعات الإرهابية جيسون بيرك، ذكر في مقال نشرته «الغارديان» البريطانية عن الجيل الأول من الجهاديين، أن «الحركة الجهادية البريطانية الناشئة لم يشترك فيها إلا عدد قليل من المجرمين السابقين، كما هي الحال في فرنسا، التي تحولت فيها السجون إلى حاضنات للتطرف الإسلامي، وعدد أقل من المعتنقين للإسلام في الولايات المتحدة، حيث تصل النسبة إلى 40 في المائة». يمكن الاستنتاج من خلال دراسة ظهور ونمو الحركات الجهادية في بريطانيا وأوروبا في شكل عام، أن دينامية التشدد الإسلامي في الدول الغربية تأثرت بأصول المهاجرين، وهذا يظهر من خلال أنواع مختلفة من العنف، من نشاطات للجماعات المتشددة الموجودة، إلى المعايير الثقافية والاجتماعية. يستنتج بيرك «أن المتطرفين سيقومون بمزج هذه العناصر كلها»، ويقول: «استمع للجهاديين البريطانيين على الفيديو و(تويتر) و(فايسبوك)، أو في المقابلات العادية، سترى أنهم يستخدمون لهجة الشوارع التي تظهر في الأحياء الفقيرة، التي يعيش فيها أبناء المهاجرين، والتي تمتزج بكلمات عربية لا ينطقونها جيداً وتعبيرات دينية تشي بسوء فهم للدين الإسلامي ومفاهيمه، وهذه ليست لغة الجهاد العالمي، لكنها لغة الجهاديين البريطانيين».
أدريان الذي تحوّل الى مسعود
خالد مسعود الذي استهدف البرلمان البريطاني في 22 آذار (مارس) عام 2017، هو مواطن بريطاني في الخمسينات من العمر. كان مسيحياً اسمه أدريان أجاو نسبة الى والدته جانيت أجاو، ثم غيّر اسمه عندما اعتنق الإسلام وفق صحيفة «تلغراف» البريطانية. عاش أدريان في كنف زوج أمه ولم يعرف أبداً من هو والده، بل عرف أنه مختلف عن أترابه في المدرسة حيث كان الطالب الأسود الوحيد، وهو في رأي الصحيفة اتخذه مبرراً عندما أقدم على غرز سكين في وجه شخص تعارك معه وتركه غارقاً بين الحياة والموت. ما يتفق عليه الباحثون، في غالبيتهم، أن ظاهرة الشبكات الجهادية في بريطانيا محلية النشأة، وليست ظاهرة مستوردة كما كانت الحال في التسعينات، حين كانت توصف لندن بـ «لندنستان»، لأنها كانت ملاذاً لعدد كبير من الجهاديين، بخاصة من الجزائر، والعائدين من أفغانستان، من جنسيات أخرى، لعل أشهرهم كان أبو حمزة المصري، وأبو مصعب السوري، وأبو قتادة الفلسطيني، وغيرهم. يرفض الشيشاني الاستنتاجات التي تربط ظاهرة الجهادية البريطانية الجديدة باللغة الإنكليزية، ويشير الى أن النيجيري عمر الفاروق عبدالمطلب الذي حاول تفجير طائرة أميركية عام 2009 بين أمستردام وديترويت، درس في جامعة بريطانية، وقال إن تقريراً استقصائياً مستقلاً أظهر»أن لا علاقة للجامعة بتحوّله إلى الراديكالية». تؤكد الأبحاث والدراسات حول الشبكات الجهادية في بريطانيا أنها ليست محلية خالصة، بل إن البعد الخارجي يرتبط بما يعرف بـ «الرابط الباكستاني»، فغالبية المتهمين في الشبكات الجهادية في بريطانيا ارتبطوا بالمنطقة الحدودية في أفغانستان وباكستان، إما تجنيداً أو تدريباً، أو حتى تواصلاً أيديولوجياً، كما أن العولقي، ومن خلال مراجعة المكتبات الإلكترونية الإسلامية، والمنتديات، باللغة الإنكليزية، يعتبر ذا تأثير كبير على جهاديي بريطانيا، بحكم محاضراته باللغة الإنكليزية، وإلى الآن لا يوجد خطاب إسلامي مضاد جاذب لهؤلاء الشبان باللغة الإنكليزية، وبالتالي فإن الشيشياني يرى «أن التمييز ما بين فهم الظاهرة في شكل حقيقي، وبين التسييس، يعد الخطوة الأولى في معالجة المشكلة».
الأيديولوجية والاستراتيجية
تكشف دراسة نشرها مركز الاتساق الاجتماعي (The Centre For Social Cohesion) بالتعاون مع»كويليام فاونديشن» بعنوان: «حزب التحرير في بريطانيا: الأيديولوجيا والاستراتيجية»، وهي من إعداد حورية أحمد وهانا ستورات، أن هذا الحزب الناشط في بريطانيا يسعى»لإقامة دولة عظمى توسعية في الدول ذات الغالبية المـسلمة، وتوحيد المسلمين في كل أنحاء العالم ككـتلة سـياسية، أو توحيد الأمة». كما ويرى «أن كل الدول «دار حرب»، لا «دار إسلام»، لأن شكل الحكومة وفقاً لرؤية الحزب غير مطبق، وبناء على هذا التصنيف يطبق الحزب مفهوم الجهاد، ويؤمن بأن دولته يمكنها شن الحرب من أجل ضم كل الدول ذات الغالبية المسلمة واحتلال كل البلدان ذات الغالبية غير المسلمة. ويؤمن الحزب أيضاً، وفق الدراسة، بأن جميع المسلمين يجب أن يشاركوا في هذه الحرب لتحويل «دار الحرب» إلى «دار الإسلام»، ويجوز للحزب قتل المدنيين في هذا السبيل. ووفقاً للدراسة، فإن «حزب التحرير الإسلامي» ليس منظمة إرهابية، لكنه وإن اختلف مع الإسلام السياسي كـ «الإخوان المسلمين»، أو مع «القاعدة»، فإنه لا يختلف معهما في المنهجية بأن الهدف النهائي لكل المنظمات الثلاث هو إقامة «دولة إسلامية». إن حالة الافتراق الفكري والأيديولوجي بين التيار السلفي - الجهادي، و»حزب التحرير» كبيرة إلى درجة يعد فيها الحــديث عن أصول فكرية واضحة، وإلغاء الحدود الفاصلة بينهما، نوعاً من المساهمة في عدم فهم ظاهرة الشبكات الجهادية في بريطانيا، والتي قال عنها رئيس جهاز الاستخبارات المحلية جوناثان إيفانز عام 2007 إنها تضم نحو 2000 شخص، ووزيرة الداخلية السابقة جاكي سميث صرحت في العام 2008، بأن هناك 200 شبكة، وبريطانيا كانت شهدت عام 2008 زيادة بنسبة 30 في المئة من المعتقلين على خلفية الانتماء الى شبكات جهادية، وفقاً لتقرير»اليوروبول»عن الإرهاب في الاتحاد الأوروبي. وبالتالي، فإن عدم التفريق الواضح بين الشبكات الجهادية، ونزعات الراديكالية، قد يعطل الفهم الحقيقي للظاهرة، ومحاولات علاجها، بل يبقيها في إطار المساومات السياسية، وعرضة لأهواء التسييس. اشتهر «حزب التحرير» بين جماعات الإسلام السياسي، بالإلحاح على عودة الخلافة الإسلامية نظاماً وحدوداً، وبعدم الالتفات إلى الحقائق الدولية، وبتكفير غير المسلمين في كل منشور وخطاب وكتاب، وباعتبار الديموقراطية لوناً من الكفر والشرك، إلى جانب مجموعة عجيبة من الفتاوى الاجتماعية والاقتصادية.

خمسة زعماء لجماعات التطرف الإسلامي في بريطانيا

أبو حمزة المصري: إسلامي مصري أثار ضجة واسعة في بريطانيا، وبعد سنوات من الجدل سلمته لندن إلى واشنطن حيث يواجه عقوبة السجن المؤبد. شارك مطلع عام 1990 في حرب البوسنة والهرسك، وانتقل لاحقاً إلى أفغانستان متطوعاً للمساعدة في إعادة إعمار أفغانستان بعد الحرب، وأثناء حملة لإزالة الألغام فقد عينه اليسرى وبُترت يده اليمنى. يُنظر إليه في بريطانيا على أنه مثال «للتطرف الإسلامي بسبب خطبه المحرضة على العنف وكراهية الآخر». وقد كشفت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) فحوى حديث خاص دار بين الملكة إليزابيث الثانية وبعض الوزراء، أعربت فيه عن مخاوفها من نشاط أبو حمزة المصري. واجه أبو حمزة في الولايات المتحدة 11 تهمة من بينها الضلوع في احتجاز 16 رهينة في اليمن عام 1998، والتآمر لإنشاء «معسكر تدريب جهادي» في ولاية أوريغون بين عامي 2000 و2001. أصدرت محكمة نيويورك في 9 كانون الثاني (يناير) 2015، حكماً بالسجن المؤبد مدى الحياة، بحق داعية الإرهاب البريطاني من أصل مصري أبو حمزة، إثر إدانته باحتجاز رهائن والإرهاب. أسس جماعة «أنصار الشريعة» التي اتخذت من مسجد فيسنبري بارك مقراً لها ومنبراً لزعيمها المصري.
خالد الفواز: بريطاني من أصول سعودية، أنشأ منظمة يطلق عليها «هيئة النصح والإصلاح»، وهي جماعة سياسية كان يترأسها بن لادن، ويقول المحققون إن بن لادن نشر من خلالها تهديدات عديدة ضد الولايات المتحدة في التسعينات. اتهم مجلس اللوردات الهيئة التي كان يترأسها قبل اعتقاله عام 1998، بأنها الذراع الطولى لبن لادن في بريطانيا. وكان شهود سريون في الولايات المتحدة زعموا في إفاداتهم، أن الفواز أشرف على معسكرات لـ«القاعدة» قبل أن يصل بريطانيا طالباً اللجوء السياسي عام 1994.
أبو قتادة: تصف أجهزة مخابرات غربية أبا قتادة بأنه كان الذراع اليمنى لأسامة بن لادن في أوروبا. هو عمر محمود عثمان (مواليد 1960 في بيت لحم التابعة للضفة الغربية) أو كما يكني نفسه «أبو عمر»، أو «أبو قتادة الفلسطيني». هو إسلامي أردني من أصل فلسطيني، متهم بالإرهاب من بلدان عدة حول العالم، كما ضم اسمه ضمن القرار الدولي رقم 1267 الصادر عن مجلس الأمن الذي صدر في عام 1999، والذي يختص بالأفراد والمؤسسات التي ترتبط بحركة «القاعدة» أو حركة «طالبان». أشرف أبو قتادة على إصدار مجلات منها: «الفجر» و»المنهاج». كما أصدر كتاباً ينظر فيه ويؤسس للحركة السلفية الجهادية، وهو يصنف ضمن «أقوى ما كتب في التعريف بالحركة السلفية الجهادية وفي تفسير أفكارها ورؤاها وتسويغها. في العام 1998، اتهم أبو قتادة بتمويل «جماعة الإصلاح والتحدي»، وهي واحدة من حركات قليلة تمكنت من تنفيذ بعض مخططاتها الدموية. في 7 تموز(يوليو) 2013، أعيد إلى الأردن إثر اتفاق مع بريطانيا صدّق عليه البرلمان الأردني يكفل محاكمة مستقلة لأبي قتادة، وأعلنت براءته من محكمة أمن الدولة بسبب عدم وجود الأدلة الكافية بعد اتهامه بقضية الألفية.
عمر بكري: بريطاني من أصول سورية، وصل الى المملكة المتحدة عام 1986 بعد طرده من السعودية، وبعد أن أسس الجناح البريطاني لـ»حزب التحرير» الذي أنشأه الشيخ النبهاني في القدس عام 1953، عاد بكري وانشق عن الحزب عام 1996 ليؤسس «حركة المهاجرين» التي حلت نفسها عام 2004، وطُرد من بريطانيا.
أنجم تشودري: ناشط سياسي إسلاموي من أصول باكستانية. عمل سابقاً محامياً وترأس جمعية المحامين المسلمين كما عمل متحدثاً باسم الجماعة الإسلامية «الإسلام لبريطانيا»، إلى أن حُظرت في الرابع عشر من كانون الثاني (يناير) 2010. أنشأ مع عمر بكري فستق المنظمة الإسلامية «المهاجرون» التي عرفت أيضاً باسم «أهل السنة والجماعة» التي هدفها إقامة الخلافة. بعد ذلك، أصبح تشوردي الناطق الرسمي باسم منظمة «الإسلام لبريطاني». حُكم عليه بالسجن لمدة خمس سنوات وستة أشهر بتهمة دعمه تنظيم «داعش». لا يُخفي تشودري إيمانه بـ”الخلافة الإسلامية”، وبأن الشريعة يمكن أن تُطبّق في دول كثيرة منها بريطانيا وأميركا، ومع أستاذه عمر بكري أسسا محاكم شرعية في أجزاء من شرق لندن، على طريق أن تصبح بريطانيا، وفق اعتقاده، دولة مسلمة تخضع للشريعة الإسلامية بالكامل في عام 2050. تجلس بريطانيا وفق تقارير استخباراتها الداخلية على حاوية قنبلة متفجرة بعد أن تحولت الى مركز للجماعات السلفية القادمة من الدول العربية والإسلامية، التي تضم في صفوفها آلاف العناصر الجهادية والمتشددة التي تتنقل بحرية داخل المملكة، والقاسم المشترك بينها كما يتضح من استنتاجات التقارير الأمنية ودراسات مراكز البحوث البريطانية، أنها لم تكتسب التطرف في بلدانها، لكن في الدول التي ولدت فيها وتربت وتعلمت فيها. وكان التطرف وسط الجاليات الإسلامية في المملكة وصل الى ذروته مع ظاهرة الأفغان الذين عادوا من القتال في أفغانستان وباكستان والهند، وشهدت فورتها الثانية مع اندلاع الحرب الأهلية في سورية.

 

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,105,344

عدد الزوار: 6,752,997

المتواجدون الآن: 108