«العالم في 2022... تحديات وتحولات».. الحلقة الرابعة...

تاريخ الإضافة الثلاثاء 18 كانون الثاني 2022 - 6:01 ص    عدد الزيارات 825    التعليقات 0

        

«العالم في 2022... تحديات وتحولات».. الحلقة الرابعة...

الشرق الاوسط....

العرب وجوارهم... حدود التشابك والتداخل

محمد العرابي - وزير خارجية مصر الأسبق...

لم تظهر حالة التباين الراهنة والواضحة بين العرب ودول جوارهم إلى العلن فجأة؛ إذ إنها عكست ببساطة مساراً خيَّم على أغلب تفاعلات العقد الماضي تقريباً، وعبَّرت عنه الشهية المتزايدة لكل من: إسرائيل وإيران وتركيا وإثيوبيا، في التدخل بصور مختلفة في نطاق الأمن القومي العربي كله، وأمن دول بعينها بشكل خاص. ويمكننا وصف التدخل الإيراني مثلاً بأنه كان تدخلاً خشناً؛ بينما جاء التغلغل التركي في بدايته ناعماً؛ لكنه تحول تدريجياً إلى الدرجة الصلبة، على ما رأينا في العراق وسوريا وليبيا. ومن الضروري هنا الإشارة إلى وجود قدر هائل من التشابك والعلاقات المتوازية والمتداخلة بين أربع دول فاعلة بالمنطقة، وهي: مصر والسعودية والإمارات وقطر، مع دول الجوار المباشر أو الإقليمي: إيران وتركيا وإسرائيل وإثيوبيا. وبسبب التداخل والتشابك، يمكننا أن نرصد تأثيراً مباشراً من كل دولة في الجوار على المشكلات المزمنة بالمنطقة العربية. وبعبارة أخرى، يمكن القول إن السنوات العشر الأخيرة كانت فترة لإعادة رسم مراكز القوى بالمنطقة. في اللحظة الراهنة، سنجد أن إيران وتركيا أصبح لديهما تأثير ووجود في سوريا والعراق، بينما تصاعد دور طهران في لبنان واليمن، وكذلك تمكَّنت أنقرة من التعبير عن نفوذها في ليبيا والصومال وبقدر أقل في لبنان؛ ناهيك عن محاولات حثيثة للتأثير في تونس. كما سعت تركيا في مطلع أزمة مقاطعة «الرباعي العربي» (مصر والسعودية والإمارات والبحرين) لقطر، إلى أن تظهر في موقع الشريك الداعم للدوحة، كما أنها شاركت إيران في مساعٍ للتأثير على حركة «حماس». أما إثيوبيا، فإنها انقضَّت مُهدِّدة أمن دولتين عربيتين، هما: مصر والسودان، وذلك من بوابة الأمن المائي، وواصلت بناء «سد النهضة» متجاهلة محاولات التوصل إلى اتفاق قانوني نهائي وملزم. وكذلك سعت أديس أبابا إلى استمالة واستدراج أنقرة وطهران لمساندتها ضد القاهرة والخرطوم، وما تبع ذلك من دخول إثيوبيا في علاقات أوثق مع الصومال وجيبوتي. وفي مقابل التنازع والصراع، كانت إسرائيل وحدها تقريباً هي التي تعيش راحة استراتيجية خلال العقد الماضي، وهو ما ظهر في تحقيقها بعض المكاسب عبر توسعة نطاق التطبيع مع دول عربية جديدة منها فاعلة، ولم يعكر صفو تلك الراحة الإسرائيلية إلا البرنامج النووي الإيراني الذي عبَّرت تل أبيب عن تخوفها الاستراتيجي البالغ حياله. وبالعودة إلى تحليل طبيعة التدخل الإيراني في الأمن القومي العربي، سنجد أنه في نطاق اليمن ولبنان، يُشكِّل خطراً على الأمن القومي السعودي وأمن الممرات البحرية الحيوية. وهو ما يمكن اعتباره على مستوى آخر تحدياً كبيراً للأمن القومي المصري، المهدَّد غرباً من الوجود التركي المباشر وغير المباشر في ليبيا، ناهيك عن دعم أنقرة لإثيوبيا. ومع ذلك، فإن نهاية عام 2021 شهدت بعض التطورات في مسارات التفاعل بين قوى بالمنطقة؛ إذ تابعنا إشارات غزل تركي بغرض استئناف العلاقات مع مصر، وإن كان لم يصل إلى نتائج محددة بعد. كما رصدنا تقارباً إماراتياً مع تركيا وإيران، وأخيراً ظهرت تطورات مسار التطبيع الجديد مع إسرائيل. وتمكَّنت قطر أيضاً من التعبير عن دور نشط في التفاعل مع أفغانستان وتركيا، مع الإبقاء على علاقات عادية مع إيران. السعودية بدورها، استعادت عبر تحركات رصينة تماسك منظومة مجلس التعاون الخليجي، وذلك في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية. أما الدبلوماسية المصرية، فقد تعاملت بهدوء مع تحديات الأمن القومي في الاتجاهات الأربعة.

- ماذا ننتظر؟

في مستهل العام الجديد 2022، ونظراً إلى طبيعة التشابكات بين الدول العربية وجوارها، فإننا نستطيع اعتباره عام الأساس للعقد المقبل، والذي يمكن من خلال متابعته استشراف مستقبل السنوات المقبلة للمنطقة. ووفق المعطيات الراهنة، وطبيعة ما ترتب على إعادة تموضع القوى الدولية ذات الصلة بالإقليم، وانخراطها في صراعات بعيدة جغرافياً عن النطاق العربي والشرق أوسطي، فإنني أتوقع تراجع غلواء شهية دول الجوار الأربع، بينما سترتفع قابلية الدول الفاعلة العربية للدخول في العقد الجديد، بسياسة أكثر برغماتية وأقوى تماسكاً. أما عن أسباب توقع تراجع غلواء شهية الدول الإقليمية عن التدخلات الخشنة، فإنها تتلخص في: نمو توقعات تنفيذ عمل عربي استراتيجي مشترك من الدول الفاعلة، وازدياد الضغوط الدولية على دول الجوار «لأن كل دولة منها لديها ملف يشكل إزعاجاً للمجتمع الدولي». ومن الأسباب أيضاً أن العلاقات الدولية في طور إعادة الصياغة، وهو ما يعني أن مشكلات الإقليم لن تكون محل أولوية، وسيتأخر الاهتمام بها دولياً في ظل مشكلات متنامية، مثل تغير المناخ، والتنافس الصيني- الغربي. كما ستبرز قضايا الطاقة والمياه كشاغل رئيس للمجتمع الدولي. لا شك في أن قضية استقرار المنطقة أصبحت أمراً ملحّاً تستطيع دول الإقليم الفاعلة أن تدفع باتجاهه، وتمد أذرع التعاون بهدف تحقيق التنمية والتعاون لكل الأطراف. وفي سياق دوافع التوصل إلى تعاون ما، فإن العام المقبل سيكون بداية لاضطراب ووهن في دول الجوار، وخصوصاً: إيران وتركيا وإثيوبيا. ولعل من محددات العام والعقد الجديدين، أن القضايا الصفرية لن يكون لها مكان في الإقليم، وسيدفع اختلاف التوجهات الاستراتيجية دول الإقليم، ودول الجوار، إلى البحث عن وسيلة لاستغلال التشابك واختلاف التوجهات، بهدف خلق نظام إقليمي جديد، يعتمد على معرفة كل دولة من الجانبين للخطوط الحُمر التي ينبغي عدم تجاوزها، في إطار مبدأ استبعاد المواجهات العسكرية؛ سواء على الأرض العربية أو أراضي الجوار أو البحر الأحمر أو شرق المتوسط. يمكننا القول ختاماً، إن العام الجديد سيحمل مقاربات أكثر دفئاً، ولكن من دون التوسع في سياسة التطبيع مع إسرائيل، مع توقع بعض الرشد في سياسة تركيا نحو المنطقة، وممارسة ضغوط خليجية على إثيوبيا في ملف «سد النهضة». إلا أن اضطراب الأوضاع في السودان وإثيوبيا نفسها، قد يدفع بتأخير البدء في محاولة التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن الملف. أما قضايا العرب المتمثلة في فلسطين، وسوريا، وليبيا، واليمن، فإنها مُرشحة للاستمرار لأمد أطول، وعدم دخولها في إطار الحل الشامل النهائي.

المغرب... عريق لا يخشى التحديات ولا يتردد بالتحولات

عبد اللطيف وهبي - وزير العدل المغربي والأمين العام لـ«حزب الأصالة والمعاصرة»

دخل العالم في السنتين الماضيتين دوامة من الاضطرابات والتقلبات، فرضها الانتشار الواسع لفيروس كورونا المستجد، فباتت جميع الدول العظمى والصغرى، على حد سواء، أمام الكثير من التحديات والتحولات، وأحياناً العديد من الاهتزازات المتباينة. هذه التحديات الجديدة، إضافة إلى دخول العالم، قبل الجائحة، في سيرورة متنامية لتوحيد الاقتصادات الوطنية داخل ترابطات متبادلة من الإنتاج القائم على نمط تحديث الشغل وتقوية آليات الاستهلاك كرافعة للنمو؛ فرض على العديد من الدول خاصة منها النامية، إحداث دينامية وتحولات قوية على بناها الاجتماعية والسياسية، وضرورة الدخول في مسار الديمقراطية والتحديث، من أجل أن تبني لنفسها موقعاً في عالم بات أكثر تعقيداً، ومتسارع التبدلات. فعولمة الوباء وتعاظم العولمة الاقتصادية، وانتشار تقنيات التواصل الحديثة، وازدهار الحريات الفردية والجماعية، خلق لدى معظم شعوب العالم وعوداً بالسعادة والرخاء، وفرض على الحكومات ضرورة إيجاد سياسات عمومية قادرة على تحقيقها رغم أنها وعود لم تكن دائماً منسجمة في أفق موحد. والمملكة المغربية باعتبارها ذلك البلد الذي ظل على الدوام متمسكاً بقيمه وتاريخه، ومنفتحاً على عصره الحديث، منشغلاً بجدية على تحديث اقتصاده وإنجاز مهام التنمية الاقتصادية والسياسية الكفيلة بالإجابة عن حاجيات مواطناته ومواطنيه، أقدم العام الماضي «كما دائماً وتاريخياً» على تحقيق التحولات الضرورية لرفع التحديات التي يطرحها حاضره ومستقبله. فككل الدول العريقة في التاريخ، استطاع المغرب دائماً أن يحقق تحولات مهمة تضمن له اندماجاً في عالم لا يتوقف عن التبدل، مع الحفاظ على استمرارية خصوصيته كأمة لها تاريخ متميز وتقاليد عريقة، ونمط حكم خاص قائم على مشروعية خدمة المواطن والوطن. لذلك سيظل المغرب يواجه التحديات الخارجية والداخلية بأشكالها المتغيرة والمتسارعة، من خلال مواصلة العمل الشجاع الذي انخرط فيه المغاربة على الدوام من أجل إنجاز تحولات في الاقتصاد والمجتمع، وفي مسار ربط الديمقراطية بالتنمية الذي تم اختياره وبدأ يجد طريقه إلى التحقق. على المستوى الدولي، فإن الدبلوماسية المغربية بقيادة جلالة الملك محمد السادس، التي تمكنت من ربح تحدي انتزاع الاعتراف الدولي بمغربية الصحراء ومشروعية سيادته على كل ترابه الوطني من طنجة إلى الكويرة، ستواصل مواجهة هذا التحدي في مسرح دولي يعرف نزاعاً قاسياً على المصالح، محا حدوداً وعبث بوحدة دول. لذلك تجعل المملكة المغربية من وحدتها الترابية موضوعاً غير قابل للتفاوض، ومبدأً مؤسِّساً لكل صداقة مع دول الإقليم والعالم. وتبقى مواصلة ربح التحدي تقتضي تحصين المنجزات وتقوية وسائل ربح مكتسبات جديدة. فدبلوماسية المغرب ستواصل الإبداع في تطوير صداقات مع دول العالم التي أمنت بجدية وعدالة قضيته الوطنية، هذه الصداقات حولها المغرب بقيادة جلالة الملك محمد السادس، إلى فرصة للتعاون الأخوي مع الدول الخليجية التي ما فتئت تعبر عن مواقفها الواضحة بشأن مساندة وحدة بلادنا الترابية، وسيواصل من خلال دبلوماسيته المنفتحة على بناء تعاون اقتصادي قائم على معادلة رابح - رابح، والاستمرار في فضح كل مناورات خصوم وحدة المملكة المغربية الترابية وتحويلها إلى مهازل وحماقات تثير الشفقة تجاه من يقف وراءها. أما على المستوى الداخلي الوطني، فإن المغرب على وعي تام بالتحولات المطلوبة لربح تحدي التنمية المستدامة وتعميق الديمقراطية والتحديث، والنهوض بأوضاع فئات عريضة من المواطنات والمواطنين، حتى تحقيق الكرامة الإنسانية والعيش الرغيد للشعب المغربي، كأحد الانشغالات العميقة لجلالة الملك محمد السادس. ولعل أهم تحدٍّ حققه المغرب، هو تشبثه القوي والواضح بالديمقراطية كنهج سياسي وحيد للوصول إلى تنمية شاملة ومتراكمة، لذلك أصر على أن تُجرى الانتخابات باعتبارها أحسن آلية ديمقراطية لتجديد المؤسسات المنتخبة، في وقتها الدستوري وبشروطها الديمقراطية، رغم الظروف الناجمة عن محاربة «كوفيد – 19»، لذلك استطاع المغرب تحقيق تحدي التنمية عبر المشاركة الديمقراطية لكل مواطناته ومواطنيه، دون خوف من التحولات التي يتطلبها هذا التحدي الحضاري والديمقراطي. وبفضل الديمقراطية التشاركية وسياسة التناوب على سدة القرار الحكومي، وفق آلية الانتخابات، استطاع المغرب الإقدام على سيرورة من التحولات التي يراها ضرورية لربح تحديات المستقبل. وهكذا استوعبت الحكومة المنتخبة في سبتمبر (أيلول) الماضي، التوجيهات والانشغالات الملكية، وكذا حاجيات المجتمع المغربي الملحة، فسطرت برنامجاً اقتصادياً ينطوي على أهداف تدفع بتحقيق تحولات في كل المجالات العمومية، من الاقتصاد حتى الإدارة، ومن الدولة المركزية إلى الجهات والأقاليم في القرى كما في المدن. ويمكن أن نجد عنواناً رئيسياً لكل التحولات التي تعتزم الحكومة الحالية تحقيقها لربح رهان التنمية والتقدم في شعار وعبارة «الدولة الاجتماعية»، التي أقرت الحكومة لتحقيقها سياسة لدعم الاقتصاد الوطني لتقوية تنافسيته وجعله قادراً على خلق فرص العمل والتقليص من العطالة، ثم التوجه ببرامج اقتصادية متوسطة وصغيرة مباشرة لخلق المزيد من فرص العمل عبر برنامج «فرصة»، كما فتحت ورشات كبرى لتحديث المنظومة الصحية، وعصرنة المدرسة العمومية، وتوسيع القدرة الإدماجية للأنشطة الاجتماعية والإنتاجية عبر سن حماية اجتماعية عامة تقوي المواطنة وتترجمها في مكتسبات تخلق ظروفاً مواتية لصيانة كرامة المواطنات والمواطنين، وازدهار الفرد والجماعة في أفق وطني موحد. ووعياً من المملكة المغربية بضرورة إقرار تحولات اجتماعية أساسية وشمولية، خططت الحكومة لإجراء تحولات تهم كذلك العالم القروي، إذ برمجت إجراءات عملية قادرة على خلق طبقة وسطى داخل المجال الفلاحي القروي. فالبرنامج الحكومي يعتزم إدخال ما بين 350 ألفاً و400 ألف أسرة فلاحية إلى الطبقة الوسطى، وتثبيت مداخيل لـ699 ألف أسرة، والعمل على إبراز جيل جديد من المقاولين الفلاحيين الشباب. كما شكَّل تعميم التأمين الفلاحي لمساحة 2.5 مليون هكتار مدخلاً أساسياً لاستفادة الفلاحين وأسرهم من الحماية الاجتماعية في إطار التنزيل السليم للورش الملكي بتعميم الحماية الاجتماعية على جميع المواطنات والمواطنين. هكذا يواجه المغرب تحديات مستقبله بقيادة متبصرة لعاهل البلاد، وبانخراط واعٍ ومسؤول لجميع المؤسسات الدستورية والقوى الحية والمجتمع المدني، وكذلك من خلال سياسة حكومية عقلانية تنجز التحولات الكفيلة بدفع المجتمع المغربي إلى تثمين كل مقدراته الطبيعية والبشرية، من أجل تحسين موقع بلدهم داخل مصاف الدول المتقدمة. فبعزيمة راسخة، وبعيداً على الارتجالية كذلك، فإن المملكة المغربية عازمة على ربح تحديات وتحولات السنة الجديدة، من خلال تدشين برنامج اقتصادي وسياسي واجتماعي لا يخشى التحديات، ولا يتردد في إنجاز التحولات المطلوبة لمغرب الغد.

تحديات بالجملة تواجه تونس ودول المنطقة

إلياس الفخفاخ - رئيس الحكومة التونسي السابق

بدأ عام 2022 ودول جنوب البحر الأبيض المتوسط، وبينها تونس، تواجه تحديات اقتصادية واجتماعية وسياسية أمنية بالجملة، بعضها هيكلي وبعضها الآخر ظرفي. وزاد الوضع تعقيداً بسبب وباء «كورونا» وانعكاساته السلبية على مؤشرات التنمية ونسب النمو عالمياً وإقليمياً ووطنياً، فضلاً عن تضرر تونس من تعاقب سنوات الحرب وحالة عدم الاستقرار السياسي والأمني في جارتها الشرقية ليبيا وفي عدد من دول المنطقة. وإذا سلمنا أن فشل منوال التنمية القديم تسبب منذ العام 2000 في سلسلة من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ثم في اندلاع الثورة التونسية والثورات العربية في 2011، فإن صنّاع القرار الجدد لم ينجحوا في تغيير هذا المنوال. فكانت الحصيلة اضطرابات وانهيار المنظومات الحاكمة الجديدة، على غرار ما حصل في تونس بعد احتجاجات 25 يوليو (تموز) الماضي وما تبعها من قرارات رئاسية. واليوم يشهد العالم تطورات جيواستراتيجية وتكنولوجية واقتصادية وسياسية وأمنية نوعية ستنعكس على فرص التنمية البشرية والاقتصادية والسياسية في تونس وفي كل دول المنطقة. وفي ظل التنافس العالمي الجديد، ستكسب الرهان الدول والمؤسسات التي ستحسن توظيف ورقة التحكم في اقتصاد المعرفة والتقدم العلمي والتكنولوجي وتكنولوجيات الاتصالات ومسار الرقمنة. ورغم المضاعفات السلبية لوباء «كورونا» على الصعيدين المحلي والدولي، سوف تتحسن أوضاع الشعوب والدول التي ينجح صناع القرار فيها في مواكبة التقدم السريع في عالم الإنترنت، وفي تكريس الأساليب الجديدة لمحاربة البيروقراطية والفساد، عبر تعميم الرقمنة والتحديث والتكنولوجي والمعرفي. في المقابل، سوف تتسع «الهوة الرقمية» بين بعض دول الجنوب ودول الشمال، وسنشهد مزيداً من التراجع لدور الدول والحكومات والمؤسسات التي لا تواكب المستجدات في عالم اقتصاد المعرفة والتحولات الرقمية الجديدة.

مخاطر جديدة في تونس

وفي تونس التي حققت إنجازات خلال العقد الماضي في مجال الإصلاحات السياسية والدستورية وسياسات التنمية البشرية، تسببت عوامل كثيرة من بينها غلطات حكومات منظومات ما بعد انتخابات 2011 و2014 و2019 في بروز مخاطر جديدة. هذه المخاطر تهدد العقد السياسي الاجتماعي الذي حصل عليه توافق كبير مطلع 2014 أي الدستور، كما تهدد التوازنات المجتمعية والاقتصادية والوحدة الوطنية. صحيح أن الدستور وقعت صياغته بعد عامين كاملين من المشاورات والعمل المضني للمجلس الوطني التأسيسي المنتخب، وحصل وقتها ما يشبه الإجماع حول دعمه للحريات وللتعددية والديمقراطية وللسلطتين القضائية والجهوية، لكن بعض فصول هذا الدستور، التي تهم طبيعة النظام السياسي وتوزيع السلطات وصلاحيات رئيس الجمهورية والحكومة والسلطة التشريعية، في حاجة إلى مراجعة وتعديلات. ولا يخفى أن تراكم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الهيكلية منذ عقود، يوشك أن يتسبب في تراجع الإحساس بالانتماء للوطن الموحد مقابل بروز الولاءات الفئوية والقطاعية والجهوية. وتؤكد كل المؤشرات عالمياً أن مناخ الأزمة يساهم في انتشار نزعات الغلو والتطرف والانحياز لليمين المتطرف وللمواقف الشعبوية والعنصرية بمختلف ألوانها ومرجعياتها. وأعتقد أن الدول العربية عموماً، وتونس تحديداً، ليست بمنأى عن هذه المخاطر رغم انفتاح مجتمعها ونخبها ورصيد البلاد في عالم التنمية البشرية والسياسية وتجاربها التعددية المتعاقبة.

الشراكة مع دول الخليج المتقدمة

في هذا السياق العام، كيف يمكن لتونس والدول المغاربة أن توظف إيجاباً علاقاتها مع الدول المتقدمة في المشرق العربي، وتحديداً مع دول الخليج التي حققت في الأعوام الماضية تقدماً اقتصادياً كبيراً وانفتاحاً ثقافياً؟ ....

أعتقد أن ذلك ضروري وممكن، خاصة مع الدول الخليجية الشقيقة النفطية التي نجحت في تنويع اقتصاداتها واستثماراتها محلياً وعربياً ودولياً ودخلت «مرحلة ما بعد النفط». كما سيكون مفيداً لتونس ودول المغرب العربي تطوير علاقاتها مع دول الخليج العربية، التي برهنت على تقدمها السريع والناجع في مجال الرقمنة والتحكم في التكنولوجيات الحديثة والرهان على تقدم الإنسان والموارد البشرية والانفتاح الثقافي. ولا شك أن بين أولويات المرحلة المقبلة، بالنسبة لتونس ودول جنوب المتوسط العربية، تشبيك علاقاتها الثنائية والإقليمية مع دول الخليج النفطية التي يمكن أن ترفع مستوى استثماراتها وشراكتها معها خدمة لمصالح كل الأطراف، وتكريسا لقاعدة تقاطع المصالح.

مع دول جنوب أوروبا

وماذا عن تطور العلاقات مع دول الاتحاد الأوروبي عموماً ودول جنوب غربي أوروبا خصوصاً، باعتبارها الشريك الاقتصادي الخارجي الأول لتونس والدول المغاربية منذ عشرات السنين؟....

أعتقد أن ترفيع مستوى الشراكة والمبادلات مع دول الخليج العربية لا يتنافى مع تحسين العلاقات مع دول الاتحاد الأوروبي، خصوصاً مع بلدان أوروبا الجنوبية، التي كانت ولا تزال أهم شريك تجاري وفي قطاعات السياحة ومن حيث عدد المهاجرين. لقد انطلق مشروع برشلونة الأوروبي - المتوسطي طموحاً في 1995 ثم في القمة الأورو - متوسطية الأولى في 2005، وكان الهدف تحرير تنقل المسافرين ورؤوس الأموال والسلع في الاتجاهين. وقُطعت أشواط إيجابية بالجملة رغم الانتكاسات. وساهم الاتحاد الأوروبي بصفة جماعية وبعض دوله بصفة ثنائية، في تأهيل اقتصاد تونس وبنيتها الأساسية، وفي قطع خطوات جديدة في سياق «سياسة الجوار الأوروبية» ثم وضعية «الشريك المميز». لكن عوامل كثيرة، بينها وباء «كورونا» الذي تسبب في صعوبات مالية في عدة دول أوروبية، أدت إلى انشغال كل دول العالم، وبينها دور أوروبا الغربية، بمشاكلها المالية والاجتماعية والصحية الداخلية على حساب تعهداتها لشركائها في دول جنوب المتوسط، وبينها تونس، بما في ذلك فيما يتعلق بدعم الانتقال الديمقراطي، وتنظيم الهجرة القانونية، والقضاء على الأسباب العميقة للهجرة غير القانونية. لكن لا بد أن تدرك دول أوروبا اليوم أن مستقبل استقرارها وأمنها وتوازنها الديموغرافي والاجتماعي رهين شراكة مع دول جنوب المتوسط، واعتماد شراكة تنموية وشاملة وتنظيم تنقل المسافرين والمهاجرين في الاتجاهين من دون اختزال التدخلات والمساعدات في «الحلول الأمنية والعسكرية». إن معدل الدخل الفردي في دول شمال البحر الأبيض المتوسط يقدر بعشرة أضعاف دخل المواطن في دول جنوب المتوسط. إذن، فالهوة تزداد عمقاً في وقت تعثر فيه الانتقال الديمقراطي وتزايدت فيه نسب الفقر والبطالة ومؤشرات الاضطراب الأمني.

ملفات الهجرة والمهاجرين

لذلك، فمهما كانت التعطيلات لحرية التنقل والعقوبات، التي ستفرض على المهاجرين غير القانونيين، سيفرض ملف الهجرة نفسه مجددا بسبب الاختلال الديموغرافي والاقتصادي بظروف العيش، والأوضاع السياسية في ضفتي البحر الأبيض المتوسط. حالياً يقدر عدد السكان في البلدان المتوسطية العشرة بمائتي مليون ساكن شمالاً ومثلهم جنوباً، لكن من المتوقع أن يتراجع النمو الديموغرافي في بلدان جنوب أوروبا ويتسبب في نقص بـ30 مليون ساكن، مقابل تزايد بعشرات ملايين السكان في دول جنوب المتوسط قبل عام 2050. إذن، فمن مصلحة الجميع البدء منذ الآن في شراكة ناجعة في قطاعات التدريب والتربية والتعليم والإنتاج والخدمات، واعتماد سياسات مشتركة تجنب دول الجنوب هجرة مزيد من الأدمغة، وتضمن للدول الأوروبية حاجياتها القادمة من الخبرات والعمال في مختلف القطاعات.مؤشرات عام 2022 توحي بكون التحديات خطيرة والغموض كبير، لكن تطوير الشراكات البينية والإقليمية يمكن أن يساهم في محاصرة الأزمات... كل الأزمات.

توقعات التهديد ومجالات النفوذ في أوراسيا

عمر أنهون - سفير تركي سابق وعضو مجلس «مركز أنقرة للسياسة»

بدأ العام الجديد في أوروبا بالتوتر والدبلوماسية النشطة. وبينما أدت التعزيزات العسكرية الروسية الضخمة بالقرب من الحدود الأوكرانية إلى التكهنات باحتمال الغزو، زعمت روسيا أنها مهددة، وسعت إلى الحصول على ضمانات أمنية، وقدمت مطالبها كتابياً إلى الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو). وقد استبعد كبار المسؤولين في الولايات المتحدة و«الناتو» التوصل إلى اتفاق بشأن المطالب الروسية، غير أنهم جددوا عرضهم بالاجتماع، وقبلت روسيا هذه المرة. جرى الترتيب لعقد ثلاثة اجتماعات في النصف الأول من يناير (كانون الثاني). كان الأول عبارة عن مشاورات الحوار الاستراتيجي الثنائي بين الولايات المتحدة وروسيا. ثم اجتمع مجلس حلف شمال الأطلسي، وروسيا في بروكسل في 12 يناير، للمرة الأولى منذ 3 سنوات تقريباً. وفي اليوم التالي، عُقد اجتماع مع منظمة الأمن والتعاون في أوروبا.

آراء متعارضة

يتمثل الموقف الروسي في أن حلف «الناتو» يشكل تهديداً، ويجب ألا يتوسع شرقاً، ويجب ألا يُرسخ تواجده بالقرب من الحدود الروسية، ويجب أن ينسحب من بلدان الكتلة الشرقية السابقة. ويتمثل موقف حلف «الناتو» في أن روسيا تشكل تهديداً، وسياسة الباب المفتوح موجودة وباقية، ومن حق كل دولة أن تختار الترتيبات الأمنية الخاصة بها، وسوف يستمر التواجد العسكري في الجزء الشرقي من التحالف وفق الحاجة. لم تسفر الاجتماعات عن نتائج ملموسة. على أي حال، لم يكن هذا ما كان متوقعاً من اجتماعات يناير. مكّنت هذه الاجتماعات كلا الجانبين من إعلان مواقفهما وتسجيلها مرة أخرى. وقد أوضح حلف «الناتو» على وجه التحديد ما لن يفعله، وذكر بشكل عام ما يمكن أخذه بعين الاعتبار. وفي هذه المرحلة، كانت الاجتماعات تساهم بشكل رئيسي في «تنفيس» التوترات. ولا يزال من غير الواضح ما إذا كان ذلك مجرد محاولة غير مجدية أو هي الجولة الأولى من عملية ما، وما إذا كانت عملية للتحضير لمجموعة جديدة من اتفاقات الأسلحة.

الجزء الشرقي من أوراسيا

ما حدث في كازاخستان يشكل جزءاً من الصورة نفسها. إننا في حاجة إلى التذكير بالنسخة المستكملة من استراتيجية الأمن القومي للاتحاد الروسي التي وقّعها الرئيس بوتين في 2 يوليو (تموز) 2021، والتي تحدد أهداف السياسة الخارجية الروسية وسبل تحقيقها. وتؤكد هذه الاستراتيجية على ما يلي:

- تعميق التعاون مع الدول الأعضاء في كومنولث الدول المستقلة على المستوى الثنائي، وأيضاً في إطار جمعيات التكامل والاتحاد الاقتصادي الأوراسي ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي،

- المساعدة في القضاء على بؤر التوتر والنزاع الساخنة ومنعها في أراضي الدول المجاورة مع روسيا،

- زيادة الدور الروسي في أنشطة حفظ السلام،

- دعم حلفاء روسيا وشركائها في التعامل مع القضايا ذات الصلة بالدفاع والأمن، وتحييد محاولات التدخل في شؤونهم الداخلية.

وأرى أن ما شهدناه في كازاخستان هو تنفيذ لكل ما سبق وأكثر.

بناءً على دعوة من الرئيس توكاييف، انتقل 2500 من أفراد حفظ السلام التابعين «لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي» بقيادة روسيا إلى كازاخستان. وقد أخمدت أعمال الشغب. ووفقاً للتقارير، فقد غادرت قوة حفظ السلام بكامل عتادها البلاد بعد مرور 10 أيام فقط. بهذه الطريقة، أظهر الروس أن المنظمة تعمل بنجاح، ويمكنها نشر قوات بمستوى عالٍ من الاستعداد في غضون فترة وجيزة للغاية. بعبارة أخرى، أثبتت روسيا قدرتها، بل ورغبتها في الانتقال إلى «مجال نفوذها» تحت مظلة المنظمة كلما ارتأت ذلك ضرورياً.

أوراسيا مسرح السياسة الدولية

تعد آسيا الوسطى، قلب طريق الحرير القديمة، ذات أهمية بالغة لجميع البلدان مرة أخرى. ويجعلها موقعها الجغرافي طريقاً انتقالية لا غنى عنها. والموارد الطبيعية الهائلة تشكل مصادر للثروة، حتى رغم أن توزيع هذه الثروة لا يخلو من المشاكل. من جهة أخرى، يجعلها الموقع الجغرافي ذاته عُرضة للتطرف الديني المحتمل وتجدد الألعاب السياسية الكبرى الأشبه بالمسابقات. وفي هذا الصدد، فإن ما يحدث ويدور في آسيا الوسطى يشكل أهمية بالغة بالنسبة لروسيا والصين من حيث تداعياته على السكان المسلمين في كلا البلدين. وروسيا والصين حاضرتان بالكامل في المنطقة. وهي أقرب إلى النفوذ الروسي فيما يتعلق بالأمن، كما أنها أقرب إلى النفوذ الصيني فيما يتصل بالاقتصاد. كما أظهرت هاتان الدولتان قدرتهما على التعاون في المجال العسكري من خلال إجراء مناورات مشتركة ضخمة. لقد تذكرت الولايات المتحدة الآن، وبصفة رئيسية، أداءها المخيّب للآمال في أفغانستان وعواقب انسحابها المتسرع. وهناك جهة فاعلة جديدة في المنطقة هي «منظمة الدول التركية». وهي لا تستشرف بُعداً عسكرياً حتى الآن، ولكن من يدري ما قد يجلبه المستقبل. ختاماً، أنشأت روسيا مجالاً للنفوذ أو منطقة الحماية الذاتية، ويبدو أنها عاقدة العزم على التمسك بها بكل الوسائل الممكنة. قد تكون هناك مخاوف لدى روسيا، ولكن للغرب مخاوفه أيضاً ولأسباب وجيهة. ومع وجود الكثير من الأسلحة المتطورة والتكنولوجيا المتقدمة، في حالة اندلاع الحرب، سيكون مصير الجميع الخسارة بصورة أو بأخرى. وعليه، فإن الدبلوماسية، بصرف النظر عن مدى تعقد المشاكل، توفر الوسيلة الأفضل لتحقيق الكثير، إذا ما أتيحت لها الفرصة. وفي المؤتمر الصحافي عقب اجتماع يناير أشار سكرتير عام حلف «الناتو»، من بين أشياء أخرى، إلى الحد من التسلح، ونزع السلاح، وعدم الانتشار. لماذا لا يكون هناك جيل جديد من آليات بناء الثقة والأمن وآليات الحد من التسلح لعقد التسعينات؟

في الوقت الراهن، تبدو أوكرانيا منطقة الخطر. لكن دعونا لا نغفل عن بؤر الاضطراب الأخرى المحتملة. وفي هذا الصدد، أتمنى ألا تكون البوسنة هي الذريعة المناسبة لجعل أوكرانيا الأزمة الأكثر سهولة من حيث الحل.

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,562,750

عدد الزوار: 6,901,202

المتواجدون الآن: 104