الأمن في سورية مسؤول عن معالجة المدمنين ... وتعذيبهم...

تاريخ الإضافة الجمعة 22 حزيران 2018 - 8:23 ص    عدد الزيارات 384    التعليقات 0

        

الأمن في سورية مسؤول عن معالجة المدمنين ... وتعذيبهم...

الحياة...هيفاء بيطار ..

للوهلة الأولى قد لا يبدو ثمة رابط بين زمن مصطفى طلاس الذي احتل منصب وزير الدفاع لعقود ثم لبس ثوب المعارضة مستمتعاً بأجواء باريس الساحرة التي سكن فيها مع أولاده وأحفاده، وبين جيل الشباب السوري منذ بداية الثورة، ولكنني أجد رابطاً «قوياً» بين زمن مصطفى طلاس والزمن الحالي (منذ بداية الثورة السورية). وأحب أن أبدأ بسرد الحادثة التي أعتبرها تُلخص السياسة في سورية في تلك المرحلة، ففي التسعينات (لا أذكر السنة) زار وفد من إتحاد كتاب بلغاريا سورية، وكان معظم أعضاء الوفد البلغاري شعراء! وقال لي الصديق المُترجم ميخائيل عيد رحمه الله، وكان موظفاً في اتحاد الكتاب، إن معظم المبدعين في بلغاريا هم شعراء، وللأسف لم يكن الشعراء الضيوف يتقنون اللغة الإنكليزية ولا الفرنسية، باستثناء واحد منهم كان يتكلم الفرنسية، وتحدثت، وسألته من يعرف من الكتاب أو الشعراء العرب ؟ وهل تمت ترجمة بعض الروايات العربية والشعر العربي إلى اللغة البلغارية؟ فقال: للأسف الترجمة من العربية إلى البلغارية شبه معدومة، إلا أن ثمة شاعر وكاتب سوري مُهم جداً» تُرجمت كل أعماله إلى البلغارية. فأثار فضولي وسألته عن اسمه فلم يتذكر، فحاولت مساعدته وقلت له هل اسمه أدونيس ؟ قال : لا. قلت له: هل هو محمود درويش؟ قال: لا. فكرت لعله يقصد نجيب محفوظ مثلاً بما أنه حاصل على نوبل؟ ولم يكن نجيب محفوظ! وأخيراً «صفق الشاعر البلغاري وقال لي تذكرت اسم المبدع السوري الذي تُرجمت كل أعماله إلى اللغة البلغارية، فخفق قلبي فرحاً»، وأحسست بنشوة الفرح بأن هناك كاتباً سورياً معروفاً في بلغاريا وكل أعماله مترجمة، وقال لي إن المبدع والشخصية الاعتبارية هو مصطفى طلاس.

بعد عقود من زمن مصطفى طلاس وأمثاله ولست بصدد التحدث عنهم، يُروعني ما يحصل لشباب سورية منذ بداية الثورة، ولن أتطرق لمئات الألوف منهم الذين ماتوا وتحولوا إلى ورقة نعي، عليها لقب الشهيد البطل، ولا من هج منهم، ولا من غرق في البحر، ولا من بقي مختبئاً في بيته يجرؤ أن يعبر الشارع ليشتري أي غرض كي لا يُسحب إلى الجندية ويُعلق على كتفه غصباً بندقية. ولن أحكي عن الفساد المُروع وأعطي مثالاً عن شاب لديه أكثر من 8 درجات قصر بصر (حسر بصر شديد) وهو في القانون السوري يُعفى من خدمة العلم أو الجندية، لكن شلة الأطباء في المشفى العسكري طلبوا منه أربعة ملايين ليرة سورية كي يعطوه تقريراً «طبياً» يثبت حاله المرضية، وهو بالكاد يملك ثمن طعامه وطعام أسرته. سأتكلم تحديداً «عن شريحة كبيرة من شباب سورية المُحبطين والذين شهدوا العشرات من أقرانهم يموتون موتاً عبثياً»، والذين لم يستطيعوا الفرار من الجحيم السوري، ولم يستطع أهلهم دفع مبالغ كبيرة من المال للمُهربين كي يُهربونهم خارج وطن الموت، هؤلاء الشبان الذين عاينت الكثير منهم أدمنوا على أنواع عديدة من المخدرات لتسكين آلام روحهم، ليُخدروا الألم الفظيع الذي ينهش قلوبهم حين يتذكرون وجوه أصدقائهم الذين استشهدوا أو ماتوا غرقاً» أو تحت التعذيب في أقبية السجون السورية. هؤلاء الشباب الضحايا دُفعوا دفعاً» لتعاطي المُخدرات، وفي كل دول العالم المتقدم الذي يحترم إنسانية الإنسان فإن هؤلاء يدخلون إلى مراكز علاجية لتخليصهم من الإدمان، ويُعاملوا بحنان وتفهم وتُخصص لهم جلسات عديدة مع أطباء نفسانيين لتفهم أزماتهم النفسية، أما في سورية فهؤلاء الشبان الذين يتعاطون المخدرات يُلقى بهم في السجن ويختص قسم الأمن الجنائي بضربهم ضرباً «وحشياً ومبرحاً» بعصي وقضبان يقال عنها (عصي السيليكون) وهي بعد أن إستفهمت عنها تتسبب في قلع اللحم وتمزيقه، وبعدها يُجوع الشاب السجين المدمن على المخدرات ولا يُقدم له سوى رغيف خبز في اليوم، ولا يُسمح لأهله أن يرسلوا له طعاماً»، ويضطر الأهل إلى رشوة المحامين والقضاة بمبالغ باهظة كي يتم الإفراج عن أبنائهم.

هكذا تتم معالجة الشباب المدمنين على المخدرات في سورية، وغالباً ما نجد قضاة يبتزون الأهالي بترهيبهم من تحويل قضية ابنهم من مجرد تعاطي المخدرات إلى الإتجار بها، وعقوبة الاتجار 15 سنة سجن على الأقل. وأحب أن أذكر رواية لكاتبة هندية (للأسف نسيت أسمها) وصفت كيف كانت الحكومة الهندية تتعامل مع المرضى النفسانيين في أوائل القرن التاسع العشر، إذ كانت تربطهم بسلاسل حديدية في منطقة مهجورة خارج المدينة وتتركهم يصرخون حتى تتمزق حبالهم الصوتية ويخرسون، ومن حين لآخر يأتي رجال الشرطة يشبعون هؤلاء المرضى المساكين ضرباً مبرحاً. لا يختلف تعاطي الحكومة السورية مع الشباب السوريين المدمنين على المخدرات والذين هم ضحايا بامتياز لظروف فائقة الوحشية عن تعامل الحكومة الهندية مع المرضى النفسانيين في أوائل القرن التاسع عشر. أين هي منظمات حقوق الإنسان؟ وأين المهتمين بقضايا الشباب وأزماتهم النفسية؟ وماذا يفيد الضرب المبرح إن لم يدفع هؤلاء إلى العودة إلى الإدمان ليغرقوا في مستنقع الألم واليأس أكثر فأكثر. أجل شباب سوريا أضاحي وقرابين لشياطين العالم، ووحدهم عُزل في مواجهة قدر أوغل في أذيتهم. هذه هي سورية، هذه سياستها وهذا تطور خطها البياني من مصطفى طلاس المُبدع والمؤلف المزيف إلى شباب سورية المُروعين والذين أصبح الإدمان على المخدرات الحل الوحيد لدى الأكثرية منهم لتسكين آلام أرواحهم ويأسهم . وأخيراً كم أحس بالخزي بأن سيرة حياة فارس الخوري صدرت عن دار طلاس للنشر، أتخيله يتلوى في قبره متألماً عاتباً على حفيدته الكاتبة، متمنياً لو صدرت سيرة حياته عن دار نشر المبدع الشجاع والوطني المثقف الحقيقي الذي لا يساوم حسين العودات.

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 154,025,340

عدد الزوار: 6,930,860

المتواجدون الآن: 85