الأقليات القومية

الأقليات القومية تحسم الانتخابات الإيرانية وموسوي يعتمد "تكتيك الخطوط الأربعة"

تاريخ الإضافة السبت 13 حزيران 2009 - 5:46 ص    عدد الزيارات 4623    التعليقات 0    القسم دولية

        


تتميز الانتخابات الرئاسية الإيرانية الحالية عن سابقاتها التسع التي أجريت منذ قيام جمهورية إيران الإسلامية بجانب أساسي هو دخول الانتماء العرقي للمرشحين عاملا من عوامل الحسم الانتخابي، إلى العوامل الكلاسيكية مثل التباين في الرؤى السياسية والتفاوت في البرامج الاقتصادية. وعلى رغم من تمايز طروحات المرشح الإصلاحي مير حسين موسوي عن المرشحين الثلاثة الآخرين من حيث ميوله التجديدية ودعواته إلى مزيد من الحريات المدنية للإيرانيين، إلا أن انتماء موسوي إلى القومية الأذرية يلعب دوراً كبيراً في السباق الانتخابي الحالي وكذلك في السيناريوات المتوقعة له.
وقد دأبت الأعراق الإيرانية المختلفة حتى الآن على التصويت لمصلحة الرئيس السابق محمد خاتمي وتياره الإصلاحي، لأنها رأت في طروحاته السياسية التعبير الأفضل عن تطلعاتها مقارنة بالمرشحين المحافظين، مع كونه لا ينتمي إلى إحدى الأقليات القومية في إيران، بل إلى القومية الإيرانية الكبرى الفارسية. على هذه الخلفية صوتت الأقليات القومية بكثافة في الانتخابات الرئاسية التي أوصلت خاتمي إلى سدة الرئاسة عامي 1997 و2001، كما في انتخابات البرلمان 2000 التي فاز بها التيار الإصلاحي أيضاً. ومع يأس جمهور خاتمي من قدرته على تحقيق التغيير الموعود، تراجعت نسبة مشاركة الجمهور الإصلاحي في الانتخابات الرئاسية السابقة 2005، وهو ما أدى - ضمن عوامل أخرى - إلى فوز المرشح المحافظ محمود أحمدي نجاد.  
يتكون سكان إيران من الفرس كبرى قوميات البلاد ويقدر عددهم بنصف الإيرانيين، والأذريين الذي يشكلون نسبة تراوح بين ربع وثلث عدد السكان في إيران، إلى الأكراد والعرب والبلوش والتركمان وغيرها من القوميات المكونة لموزاييك السكان في إيران. وحتى القومية الفارسية ليست كياناً مصمتاً كما يعتقد البعض، بل تتكون شجرة القومية الفارسية من فروع عدة مثل عشائر البختياريين (ينتمي إليهم المرشح المحافظ محسن رضائي) وقبائل اللور (ينتمي إليهم المرشح الشيخ مهدي كروبي) وعشائر القشقائي. إلى ذلك هناك تمايزات في اللهجة بين سكان إقليم فارس المركزي وأقاليم الجنوب الفارسية من ناحية، وسكان مقاطعات الشمال في كيلان ومازندران من ناحية أخرى. وقد تلعب أقليات إيران القومية دوراً جديداً في هذه الانتخابات، اذا اصطفت مع الأذريين خلف موسوي، بحيث تضمن له مكاناً في دورة الإعادة.
وجدير بالذكر هنا أن الأذريين مندمجون تقليدياً في المجتمع الإيراني وممثلون بشكل جيد في الطبقات العليا لمؤسسات الدولة الإيرانية، وحتى أعلى منصب في البلاد، أي مرشد الجمهورية، هو من نصيب شخصية أذرية (آية الله علي خامنئي). وتاليا لا ينبغي أن يقود تحليل العامل الانتخابي الجديد إلى استنتاجات خاطئة، فالحديث عن "تمييز" ضد القومية الأذرية في إيران يعد أمراً مفتقراً إلى الدقة والموضوعية. وبغض النظر عن الانتماء العرقي لموسوي، يعتبر أحمدي نجاد الأقرب فكرياً إلى مقام المرشد، وهو ما يغلب بوضوح الاعتبار الأيديولوجي عند المرشد على ما سواه من اعتبارات، ومنها اعتبار الانتماء القومي والعرقي عند تفضيله أحد المرشحين.
وكان المراقبون قد أجمعوا على أن تصريحات مرشد الجمهورية عن مرشحه المفضل في الانتخابات الرئاسية عكست في الأيام الأولى للحملة الانتخابية تأييداً واضحاً لأحمدي نجاد، وذهب بعضهم الى حد وصف فيه التصريحات بأنها "فصلت على قياس نجاد وقيافته". وفي المقابل، لن يعني فوز موسوي، في حال حصوله المتوقع، خروجاً على الدولة والمؤسسات الإيرانية، لأن كل المرشحين في الانتخابات مجازون من مؤسسات النظام، وينضوون تحت عباءة المرشد ممثلين لأحد أجنحة الحكم.
يتطلب الفوز في الانتخابات حصول المرشح الفائز على أكثر من 50 في المئة من الأصوات في الدورة الأولى، وفي حال عدم تحقيق أي من المرشحين هذه النسبة تجرى دورة أخرى للإعادة بين مرشحين اثنين فقط حازا أعلى الأصوات. وعلى ذلك تبدو أهمية الدوائر الانتخابية ذات الغالبية الأذرية متلخصة في دفع فرص موسوي إلى الأمام، وخصوصاً في الدورة الأولى لضمان دخوله دورة الإعادة أمام أحمدي نجاد. واذا تحقق دخول المرشحين احمدي نجاد وموسوي دورة الإعادة، فإنه سيتوجب على موسوي عند ذلك توسيع قاعدته الشعبية لحسم الانتخابات في جولتها النهائية. ولأن موسوي سيحصل في الغالب على أصوات المؤيدين لكروبي المرشح الاصلاحي الآخر في حال وصوله إلى الدورة الثانية، سيركز "التكتيك الانتخابي" لموسوي على أربعة خطوط متوازية: أولاً الحصول على أصوات الأقليات القومية، ثانياً استقطاب أصوات المؤيدين للتيار الإصلاحي، ثالثاً الحفاظ على أصوات الكتلة الإصلاحية المكونة من النساء والشباب وسكان المدن الكبرى مثل طهران وأصفهان وتبريز التي تصوت تقليدياً للمرشحين الإصلاحيين، ثم رابعاً وأخيراً تحييد القاعدة الانتخابية الكبرى لأحمدي نجاد، أي فقراء الريف الإيراني والمحافظات النائية وهو ما شرع فيه موسوي منذ أيام.
ويواجه المرشح الإصلاحي معضلة أساسية، في إطار "تكتيك الخطوط الأربع"، مفادها أن الكتلة التصويتية المرتكزة على الأساس العرقي هي سلاح ذو حدين لأنها، وإن ضمنت أصوات هذه الأقليات من ناحية، إلا أنها قد تؤدي إلى استنفار الغالبية الناخبة من الإيرانيين الفرس من ناحية أخرى. والمثال الأوضح على ذلك الأعمال الإرهابية التي جرت في زاهدان الواقعة في محافظة بلوشستان حديثاً وأوقعت عشرات الضحايا، والتي كانت ستدفع -إذا تكررت لا قدر الله - غالبية الإيرانيين إلى التمسك بحكومة مركزية قوية لمنع النزعات الانفصالية في مهدها. وفي هذه الحال سيكون أحمدي نجاد قد ربح في المحصلة النهائية من استنفار الأذريين وتأييدهم الواضح لموسوي.  
وانتشر في وسط الحملة الانتخابية فيديو كليب صوّر على هاتف نقال يظهر فيه خاتمي وهو يلقي النكات التي يسخر فيها من الأذريين، مما دفع الأخيرين إلى التظاهر في الشوارع. وفي حين أكد خاتمي أن الشريط "ملفق" و"منتحل"، وزّع من اجل التأثير سلباً على الفرص الانتخابية لموسوي، فإن الأخير حمل بشدة على سياسات احمدي نجاد في مسألة القوميات ووعد بإعطاء مزيد من الحقوق التعليمية والثقافية للقوميات الإيرانية المختلفة في حال فوزه. وإذ لم يفلح الفيديو الكليب إياه في التأثير سلباً على شعبية موسوي الكبيرة بين الأذريين، فإن ذلك التأييد الملحوظ لا يكفي وحده للفوز في الانتخابات الرئاسية في كل إيران، نظراً إلى أن كتلة الأصوات الأذرية لا تزيد في أي حال عن ثلث عدد السكان. وفي هذا السياق يلاحظ أن نسبة المقترعين تعد نقطة الضعف الأبرز في السلوك التصويتي للإصلاحيين عموماً وللأقليات القومية خصوصاً، والدليل على ذلك السلوك التصويتي في المقاطعات الانتخابية الثلاث ذات الغالبية الأذرية، اذ بلغت نحو 43,5 في المئة فقط في الانتخابات الرئاسية السابقة التي أجريت عام 2005، الأمر الذي منع المرشح الإصلاحي في حينه والذي ينتمي أيضاً إلى القومية الأذرية، محسن مهر عليزاده، من تحقيق نتائج جيدة، بل حرمته نسبة المقترعين المتدنية حتى بلوغ دورة الإعادة. صحيح أن تجربة موسوي في رئاسة الوزراء خلال فترة الحرب العراقية - الإيرانية جعلته يحظى بتقدير واسع لإمكاناته الاقتصادية وكفايته الإدارية العالية، وصحيح أن شعبية موسوي بين الأذريين عام 2009 أكبر بكثير من الشعبية التي حظي بها محسن مهر عليزاده عام 2005، إلا إن الأذريين مع كل ذلك لا يضمنون وحدهم الفوز الانتخابي كما يتضح من التعداد المشار اليه.
ستدخل الانتخابات العاشرة تاريخ الانتخابات الرئاسية في جمهورية إيران الإسلامية من باب الخلفيات العرقية إذا فاز المرشح الإصلاحي مير حسين موسوي، لأن فوزه سيعني أن "تكتيك الخطوط الأربعة" الذي اعتمده وضمنه تصويت القومية الأذرية، قد أثبت جدارة انتخابية في مواجهة أحمدي نجاد وداعميه في الطبقات العليا للدولة الإيرانية وفي مؤسسة رجال الدين والحرس الثوري. أما إذا أفلح الرئيس الحالي في دخول خطوط موسوي الأربعة ونجح في حشد أصوات الإيرانيين المتوجسين من تنامي الوعي العرقي والأقلوي على تماسك الدولة والمجتمع في إيران، فمن الممكن أن يستطيع حسم النتيجة لمصلحته، ولكنه لم ينجح في ذلك حتى يوم الانتخابات. تأسيساً على كل ذلك، ستلعب مجموعة من العوامل معاً دورها في حسم السباق الرئاسي الحالي، لكن سلوك القوميات الإيرانية سيكون حاسماً في تقرير مصير موسوي. المعادلة الطردية الآتية حكمت الوضع أمس: كلما ارتفعت نسبة مشاركة الأقليات القومية في إيران عموماً، والأذريين تحديداً، زادت حظوظ موسوي في الفوز، والعكس صحيح!


المصدر: جريدة النهار

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,152,211

عدد الزوار: 6,757,414

المتواجدون الآن: 132