مصادر عربية وغربية تكشف عن مشروع سري لإقناع القذافي بالتخلي عن السلطة
الخميس 10 آذار 2011 - 6:25 ص 3036 0 عربية |
مصادر عربية وغربية تكشف عن مشروع سري لإقناع القذافي بالتخلي عن السلطة
مسؤول ليبي لـ «الشرق الأوسط»: القائد باق ولا يبحث عن ملاذ آمن خارج ليبيا
في حين كشفت مصادر دبلوماسية عربية وغربية متطابقة لـ«الشرق الأوسط» النقاب عن اتصالات سرية تستهدف إقناع الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي بالتخلي عن السلطة، نفى مسؤول مقرب من القذافي لـ«الشرق الأوسط» أن يكون القذافي قد عرض على المجلس الوطني الليبي المناوئ له برئاسة وزير العدل السابق المستشار مصطفى عبد الجليل أي صفقة سياسية لتأمين خروج القذافي إلى خارج ليبيا مقابل تخليه عن السلطة التي يقودها منذ عام 1969.
وقال المسؤول الذي أجرى أمس، بناء على طلبه، اتصالا هاتفيا مع «الشرق الأوسط» من طرابلس، إن المطروح هو فقط صيغة للمصالحة الوطنية لوقف نزف الدماء، أما موضوع بقاء القذافي في الحكم من عدمه فهو ليس مطروحا للنقاش مع أي جهة سواء داخل أو خارج ليبيا. وأضاف: «قلنا ونكرر: العقيد (القذافي) ليس برئيس أو حاكم تقليدي حتى يتنحى عن السلطة وهو (أي القذافي) قال لو أنه كان رئيسا لرمى استقالته في وجه من يطالبونه بها».
وأكد المسؤول الليبي أن القذافي لا يبحث عن ملاذ آمن للخروج من ليبيا، مشددا على أنه (القذافي) باق في موقعه كقائد للثورة، كما نفى المسؤول الليبي صحة ما تردد عن توجيه الساعدي نجل العقيد القذافي اتهامات عنيفة إلى شقيقه الثاني سيف الإسلام خلال لقاء مع إحدى القنوات الفضائية العربية، معتبرا أن تصريحات الساعدي تم فهمها على نحو خاطئ. وقال: «هناك محاولات للوقيعة بين أبناء القذافي وكبار مساعديه، لكنى أؤكد لكم أن هذا غير صحيح»، بيد أنه رفض في المقابل التعليق على معلومات بشأن حدوث إطلاق نار مكثف داخل مقر إقامة القذافي بثكنة باب العزيزية المحصنة في قلب طرابلس قبل بضعة أيام.
وكان مسؤولون رسميون في الحكومة الليبية قد تباروا أمس في نفي وجود عرض من القذافي على المجلس الوطني الانتقالي الذي دشنه مؤخرا منشقون عنه ومعارضون له لإدارة المناطق المحررة من قبضة القذافي بعد ثلاثة أسابيع من الاحتجاجات الشعبية.
وبدا أن هناك خلافا بين أعضاء المجلس الوطني ورئيسه حول كيفية التعامل مع القذافي، حيث منحه عبد الجليل مهلة لمدة 72 ساعة فقط للخروج من الحكم مقابل عدم ملاحقته حقنا للدماء، في حين قال أعضاء آخرون في المجلس إنه يجب اعتقال القذافي ومحاكمته على «الجرائم البشعة» التي ارتكبها نظامه على مدى السنوات الـ42 الماضية ضد الشعب الليبي. واكتفت طرابلس بإنكار وجود أي عرض، وسخرت من فكرة تنازل القذافي عن سلطة لا يمتلكها، لكن عبد المنعم الهوني ممثل المجلس الوطني لدى الجامعة العربية بعد انشقاقه على نظام القذافي، قال في المقابل لـ«الشرق الأوسط»: «إذا كان القذافي كما يدعي لا يشغل منصب الرئيس الشرعي للبلاد؛ فالسؤال هو: على أي أساس يمارس صلاحيات رئيس دولة ويأمر بقتل مواطنيه».
ومع ذلك، علمت «الشرق الأوسط» أن رئيس إحدى الحكومات الغربية الوثيق الصلة بالقذافي يسعى لتشكيل وفد أوروبي يضم بعض رؤساء شركات النفط العاملة في ليبيا للتوجه إلى طرابلس الغرب حاملا معه عرضا للقذافي بتأمين خروجه مقابل عدم ملاحقته.
وقالت مصادر غربية وعربية متطابقة لـ«لشرق الأوسط»: «مع مرور الوقت سنكتشف أن لا حل عسكريا لإنهاء هذا الوضع. ثمة مشروع سري يجري تداوله بتحفظ شديد بين بعض الحلفاء السابقين للقذافي لإقناعه بترك السلطة وعدم التمادي في قيادة بلاده إلى الهاوية». وأوضحت أن الجامعة العربية جزء من هذه المداولات للحصول على دعم عربي لها، مشيرة إلى أن هناك موافقة مبدئية من المجلس الوطني الانتقالي لاعتماد هذا المشروع إذا قبله القذافي.وعلمت «الشرق الأوسط» أن الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى أجرى أمس اتصالا هاتفيا مطولا هو الأول من نوعه مع المستشار مصطفى عبد الجليل، رئيس المجلس الوطني الليبي المناوئ للقذافي على خلفية استعدادات الجامعة العربية لعقد الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب بالقاهرة يوم السبت المقبل.
وراجت أمس معلومات عن وجود اتجاه عربي لتوجيه دعوة رسمية إلى المستشار عبد الجليل لحضور الاجتماع والمشاركة في فعالياته للمرة الأولى وإتاحة الفرصة له لكي يخاطب المجتمع الدولي من منبر الجامعة العربية وتوجيه ضربة سياسية وإعلامية ضخمة لنظام حكم القذافي. لكن مسؤولا مقربا من رئيس المجلس الوطني قال في المقابل لـ«الشرق الأوسط» إنه لا يعتقد أن لدى المستشار عبد الجليل الوقت الكافي للمشاركة في هذا الاجتماع، مضيفا في اتصال هاتفي من مدينة بنغازي التي يتخذها المجلس مقرا له: «ثمة احتمالات ضعيفة ما زالت قائمة لكنى أستبعدها».
من جهته، قال الهوني لـ«الشرق الأوسط» إنه يتوقع أن يتخذ وزراء الخارجية العرب قرارا مهما بشأن تأييد المساعي الدولية لفرض حظر طيران على النظام الليبي لمنعه من الاستمرار في الغارات الوحشية لإخماد الثورة الشعبية ضده ولتفادى حدوث خسائر بشرية في الأرواح، بالإضافة إلى التعهد بتقديم المساعدات الإنسانية العاجلة إلى الشعب الليبي من دون قيود أو شروط. ونفى الهوني أن تكون السعودية أو أي دولة عربية أخرى تقدم حاليا مساعدات عسكرية للمناهضين للقذافي، وقال: «ليس صحيحا أننا نحصل على أي دعم عسكري، لكن أي جهة تريد أن تقدم مساعدات؛ فنحن من جانبنا نرحب بذلك».
إلى ذلك، أجرى أمس محمد إسماعيل، أحد أبرز مساعدي سيف الإسلام النجل الثاني للعقيد القذافي، اتصالا هاتفيا أمس مع «الشرق الأوسط» ليؤكد أنه ما زال على قيد الحياة ولم يقتل كما تردد في أول أيام الاحتجاجات الشعبية ضد القذافي. وقال إسماعيل: «أنا هنا في طرابلس أشرب الشاي. الوضع هنا جيد ولم أمت بعد».
وكان سيف الإسلام القذافي قد نفى لـ«الشرق الأوسط» مؤخرا في حديث خاص مقتل إسماعيل، ووعد بأن يجري اتصالا مع «الشرق الأوسط» لنفي شائعة وفاته.
ضغوط دبلوماسية ومالية أميركية على ليبيا وسط بحث واشنطن الخيار العسكري
أعضاء بارزون في مجلس الشيوخ الأميركي يدعمون الحظر الجوي
تواصل واشنطن الضغوط الدبلوماسية والمالية على ليبيا، في وقت يبحث فيه الرئيس الأميركي باراك أوباما الخيارات المتاحة أمامه للتدخل عسكريا فيها. وبينما يجتمع وزراء دفاع الدول الأعضاء في حلف الشمال الأطلسي (الناتو) غدا في بروكسل، يواصل أعضاء مجلس الأمن مشاوراتهم غير الرسمية حول إمكانية إصدار قرار جديد يخول استخدام القوة لمنع حكومة الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي من استخدام القوة العسكرية لقمع معارضيه.
وفي الوقت الذي أكدت فيه مصادر أميركية أن واشنطن تعتبر أن رحيل القذافي بات أمرا لازما، تبدو أنها لا تريد أن تظهر أنها تفرض هذه الفرضية.
وبدأت العقوبات الأميركية تؤثر على الاقتصاد الليبي، حيث تعرقل بيع النفط الليبي. وأفادت وكالة «رويترز» أن «تجارة النفط الليبي قد شلت» بعد رفض البنوك الدولية السماح باستخدام الدولار لشراء النفط بسبب العقوبات الأميركية.
ويأتي ذلك في وقت تواصل فيه واشنطن ضغوطها السياسية على النظام الليبي ومطالبة المسؤولين المحيطين بالقذافي بالتخلي عنه أو مواجهة «المحاسبة» لاحقا بشأن ما يحدث في البلاد من قتل وعنف.
وقال مسؤول أميركي رفيع المستوى في الإدارة الأميركية: «نحن نواصل الضغوط على النظام الليبي، وهذا أمر مهم، خاصة أن رسالتنا هي أن الأمر ليس متعلقا بالقذافي فقط، بل بكل المحيطين به». وأضاف المسؤول لـ«الشرق الأوسط»: «عليهم التفكير في تبعات ما يحدث».
وواصل أوباما مشاوراته مع حلفائه حول طريقة التصرف مع ليبيا، وأجرى نائب الرئيس الأميركي جو بايدن مشاورات مع مسؤولين روس حول أهمية الموقف الدولي من ليبيا.
وأوضح المسؤول الأميركي: «من المهم أن يعلم الجميع أن المسألة ليست متعلقة فقط بالولايات المتحدة، بل بالمجتمع الدولي». وأضاف: «العالم كله غاضب مما يحدث». مشيرا إلى أن «قرار مجلس الأمن الأول حول العقوبات حدث بسرعة مهولة.. وذلك لا يعني أنه القرار الوحيد الذي سيتخذ».
وبينما يدرس أوباما الاحتمالات المختلفة في التعامل مع الأزمة الليبية، يزيد أعضاء بارزون في مجلس الشيوخ الأميركي من الضغوط على إدارة أوباما لإصدار أوامر بفرض حظر جوي. وعبر السيناتور الجمهوري جون ماكين عن رأي وجهة النظر المطالبة بفرض الحظر الجوي، قائلا في مقابلة مع قناة «سي بي إس» الأميركية: «فرض منطقة حظر جوي لن يوقف فقط الهجمات الجوية بل سيرسل رسالة للقوات المعارضة للقذافي بأننا نساعدهم». وهذه هي الرسالة السياسية التي يشدد على أهميتها ماكين والسيناتور المستقل جو ليبرمان، بينما تحذر أقطاب في الإدارة الأميركية من الظهور بأنها تتدخل في النزاع الليبي والظهور بأنها تقود «حملة عسكرية» ضد القذافي.
وناقشت لجنة القوات المسلحة لدى مجلس الشيوخ الأميركي أمس تداعيات التدخل العسكري في ليبيا، حيث أبدى رئيس اللجنة الديمقراطي كارل ليفن تأييده لموقف أوباما الحذر، قائلا إن على واشنطن الحذر من الانخراط في عملية عسكرية. وقال ليفن إن أوباما «يبحث عن دعم من المجتمع الدولي بشكل مناسب، خاصة في ما يخص دعم دول عربية وإسلامية أخرى في المنطقة».
وبينما كان رئيس العلاقات الخارجية، السيناتور جون كيري قد نادى باتخاذ خطوات مثل قصف مدرج الطائرات العسكرية، شدد ليبرمان على إمكانية فرض الحظر الجوي من دون تكلفة عالية، حيث إن القواعد العسكرية الليبية «على قطعة أرض واحدة» في شمال البلاد.
وبينما تتخذ وزارة الدفاع الأميركية موقفا حذرا، قال رئيس العمليات البحرية الأميركية الأدميرال غاري روهيد للجنة التابعة لمجلس الشيوخ إنه يجب توضيح «تداعيات دخولنا عملية قتالية». موضحا أنها ستكون «عمليات جوية قتالية». يذكر أن حاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس إنتربرايز» دخلت البحر الأحمر ولكن لم تحصل بعد على تعليمات بالدخول إلى مياه البحر المتوسط.
وشدد ماكين أمس على أن الشعب الأميركي لا يريد من حكومته عدم التحرك، بينما يتم «ذبح المدنيين»، قائلا إن القذافي «يقوم بجرائم حرب ويقوم بعمليات تنتهك كل مبدأ من التصرف الدولي».
الخلاف حول تدخل عسكري محتمل في ليبيا يخيم على واشنطن
أصوات في الكونغرس وداخل الإدارة الأميركية ترى أن أوباما يتحرك ببطء شديد
بعد نحو ثلاثة أسابيع من اندلاع الأحداث التي قد تتحول إلى حرب أهلية طويلة، أصبحت سياسة التدخل العسكري للتعجيل بخلع العقيد معمر القذافي أكثر تعقيدا اليوم، سواء بالنسبة إلى البيت الأبيض أو الجمهوريين. وحاول الرئيس باراك أوباما، الذي ظهر صباح يوم الاثنين مع رئيس الوزراء الأسترالي، زيادة الضغط على العقيد القذافي من خلال التحدث عن «مجموعة من الاحتمالات تشمل خيارات عسكرية» ضد القائد الليبي المحاصر.
وعلى الرغم من تصريح أوباما، تشير المقابلات التي أجريت مع مسؤولين عسكريين ومسؤولين آخرين في الإدارة الأميركية إلى مخاطر تدخل عسكري أميركي في ليبيا بعضها مرحلي وبعضها سياسي. ومن أكثر مباعث قلق الرئيس نفسه، بحسب أحد مساعديه رفيعي المستوى، اعتقاد أن الولايات المتحدة سوف تتدخل مرة أخرى في الشرق الأوسط، الذي أطاحت بعدد من زعماء دول به كان من ضمنهم صدام حسين. وزعم بعض المنتقدين لنهج الولايات المتحدة في المنطقة وبعض القادة أن هناك مؤامرة غربية لإذكاء نيران الثورات التي تجتاح الشرق الأوسط. وقال مسؤول رفيع المستوى في إشارة إلى الرئيس: «إنه يذكرنا بأن أفضل الثورات هي المتناسقة». وفي الوقت ذاته، هناك أصوات مثابرة لحوحة في الكونغرس وحتى داخل الإدارة، ترى أن أوباما يتحرك ببطء شديد. ويزعم هؤلاء أن هناك قلقا بالغا إزاء المفاهيم، ويشيرون إلى الموقف المتحفظ للبيت الأبيض بسبب العراق. كذلك يقولون إن الجيش، الذي تورط في حربين عسيرتين، بالغ في تقدير مخاطر فرض حظر جوي على ليبيا، وقد تمت مناقشة هذا الإجراء كثيرا. كذلك يتشكك الجيش الأميركي من المواقف الإنسانية التي تعرض حياة القوات إلى الخطر بسبب قضية الساعة، بينما لا تمثل تلك القضية أهمية قومية كبيرة. ويبدو أن لبعض المنتقدين مصالح سياسية، في حين يحذر البعض الآخر مثل جون كيري، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، الذي يعد أقرب حلفاء أوباما، من تكرار الأخطاء التي ارتكبت في كردستان العراق ورواندا والبوسنة والهرسك من خلال عدم التدخل ووضع حد للمذبحة.
وتقول أكثر الجبهات تعبيرا عن الرأي وهي الجبهة التي يقودها السيناتور جون ماكين، المرشح الجمهوري للرئاسة في انتخابات عام 2008، وجوزيف ليبرمان، العضو المستقل عن ولاية كونيتيكت، وصقر آخر من الصقور، إن التبرير الأساسي لفرض منطقة حظر جوي على ليبيا هو سعي الثوار الليبيين أنفسهم إلى إنهاء عقود من الديكتاتورية عن طريق المقاومة المسلحة.
وأوضح ليبرمان في مقابلة يوم الاثنين أنه من الصعب فرض الإرادة الأميركية في العالم الإسلامي. وقال: «علينا محاولة مساعدة الذين يقدمون مستقبلا بديلا لليبيا. لا يمكننا السماح للحكومة الليبية بخنقهم أو منعهم بالأساليب الوحشية». وبدا هذا الرأي مشابها لما جاء في تصريح أوباما في البيت الأبيض يوم الاثنين. لكن حتى المنتقدين أقروا بأن أفضل نتيجة هي عدم اتخاذ الولايات المتحدة أي تحرك منفرد، لكن بالاشتراك مع دول أخرى أو منظمات دولية خاصة، حلف شمال الأطلسي أو جامعة الدول العربية أو الاتحاد الأفريقي. ويرى ليبرمان وآخرون أن مخاطر الانتظار ربما تكون أكثر من مخاطر التدخل العسكري المبكر الحاسم. وأقر بأن الولايات المتحدة قد تتسبب في صناعة مستقبل غير محدد الملامح من الصراعات القبلية والفوضى في بلد بلا مؤسسات تستطيع ملأ الفراغ الذي سينتج عن الإطاحة بالقذافي مثلما حدث في العراق. لكنه قال: «إنه من الصعب تخيل أي حكومة جديدة تخرج من رحم حركة معارضة أسوأ من القذافي». وعبر ماكين على شاشة التلفزيون عن آراء مشابهة، واتهم أوباما بالضعف والتردد. لكن في إشارة مثيرة للفضول إلى عدم اليقين بشأن كيفية استغلال سياسة التدخل الأميركي، عبر بعض المرشحين المحتملين للانتخابات الرئاسية العام المقبل عن آراء قوية. لكن تعد وجهة نظر كيري أكثر إزعاجا للإدارة، نظرا لكونه حليفا قويا في ما يتعلق بشؤون السياسة الخارجية. لقد كان كيري من منتقدي الحرب على العراق بشدة، لكنه يرى أن وضع ليبيا مختلف. كذلك حث كيري البيت الأبيض على اتخاذ المزيد من الخطوات مثل «تحديد ارتفاع» المجال الجوي الليبي بحيث لا تستطيع الطائرات الإقلاع. وقال كيري، الذي كان يؤيد موقف مسؤولين يريدون من الرئيس اتخاذ موقف أكثر حزما، إنه كان يحث الإدارة على «الاستعداد لكل الاحتمالات» وحذر من «أن إظهار المقاومة علنا ليس الخيار الأفضل». وأوضح في إشارة إلى العقيد القذافي: «ينبغي أن تكون مستعدا إذا قصف وقتل شعبه». وأضاف أن الشعب الليبي سيكون «بلا حيلة وعاجزن، وعليك أن تكون على أهبة الاستعداد». كذلك أوضح قائلا: «يسيطر علي شبح حرب العراق عام 1991» عندما شجع الرئيس حينها جورج بوش الأب «الشيعة على القيام بانتفاضة، وعندما قاموا بذلك هاجمتهم الدبابات والطائرات ونحن اختفينا عن المشهد تماما. لقد تم ذبح عشرات الآلاف». وقال إن بيل كلينتون «أضاع الفرصة في رواندا، ثم قال بعد ذلك إن هذا أكثر شيء ندم عليه خلال فترة رئاسته. ثم تباطأ للغاية في البوسنة»، حيث قررت الولايات المتحدة في النهاية الاستعانة بالقوات الجوية دفاعا عن السكان المسلمين. ويشير مسؤولو الإدارة الأميركية إلى هذه الحالة للتدليل على أن فرض منطقة حظر جوي أمر مبالغ فيه. وقال إيفو دالدر، المندوب الأميركي لدى قوات حلف شمال الأطلسي، يوم الاثنين: «لا توجد منطقة حظر جوي قادرة على التصدي للمقاتلات، لكن فاعليتها في التصدي للمروحيات أو العمليات العسكرية البرية التي رأيناها في ليبيا محدودة». وأضاف: «لم تكن العمليات الجوية هي العامل الحاسم» في المعارك بين الثوار والموالين للقذافي والمرتزقة المحيطين به. من الممكن أن تجدي المحادثات الخاصة بفرض منطقة حظر جوي نفعا، حيث أكد مسؤولون في البنتاغون وفي الجيش أن الغارات الجوية التي تشنها القوات الموالية للقذافي تراجعت بمقدار النصف خلال الثلاثة أيام الماضية. ولا يوجد أي تفسير لهذا التحول، فقد يرجع ذلك إلى القيام بأعمال صيانة أو قرار بتحليق المروحيات فقط، لأنها أقل استفزازا وعملية تعقبها أصعب. من أكثر الأصوات الحريصة الحذرة هو روبرت غيتس، وزير الدفاع، والجمهوري البارز في إدارة أوباما. لقد وجه غيتس انتقادا شديدا للتدخل الأسبوع الماضي، على الرغم من قول البعض في البيت الأبيض سرا إنهم بالغوا في اعتقادهم أن الخطوات العسكرية التي تبدو سهلة يمكن أن تصبح معقدة.
وحذر غيتس الكونغرس خلال شهادته عن الميزانية من أن أول خطوة باتجاه فرض منطقة حظر جوي هي الهجوم على الدفاع الجوي للقذافي، وهذه الخطوة لا يمكن اتخاذها إلا إذا كانت الولايات المتحدة مستعدة للقيام بعملية عسكرية ممتدة ربما تشمل أنحاء ليبيا. وكذلك حذر من احتمال استنزاف مثل هذه العملية للموارد التي استهلكت بالفعل في أفغانستان والعراق، نظرا لاتساع مساحة ليبيا. ووصف بعض المسؤولين العسكريين في مقابلات خلال الأسبوع الحالي الصورة التي رسمها غيتس بالمبالغة، فلن يتطلب فرض منطقة حظر جوي على ليبيا تغطية كافة أنحاء البلد، وأكثر المعارك في ليبيا ستتم بطول الساحل، في حين أن أكثر المدن الساحلية الآن في قبضة الثوار.
وستتضمن أول مهمة لفرض منطقة حظر جوي على ليبيا هجمات صاروخية على مواقع الدفاع الجوي لدولة ذات سيادة وهو ما يعده البعض حربا. وبعيدا عن الأمور العسكرية المرحلية، بحسب ما أفاد به بعض مسؤولي البنتاغون، يساور غيتس قلق إزاء الإخفاق السياسي للولايات المتحدة في الهجوم على دولة إسلامية أخرى حتى وإن كان ذلك نيابة عن المسلمين. لكن غيتس يدرك أهم درس من الحرب على العراق وهو أن الولايات المتحدة بمجرد اضطلاعها بدور كبير في إسقاط قائد دولة في منطقة الشرق الأوسط، تتحمل مسؤولية أي دولة تقام محل تلك الدولة.
* خدمة «نيويورك تايمز»
المصدر: جريدة الشرق الأوسط اللندنية