أسـئلة الهجـوم على "أسـطول الحرية" تعرّي الخلافـات بين يهود أميركا

تاريخ الإضافة الأحد 6 حزيران 2010 - 6:14 ص    عدد الزيارات 3056    التعليقات 0    القسم دولية

        


أسـئلة الهجـوم على "أسـطول الحرية" تعرّي الخلافـات بين يهود أميركا

واشنطن - من هشام ملحم:
طرح الهجوم الاسرائيلي الدموي على سفن "اسطول الحرية" تساؤلات عدة، ليس أقلها أثره على "عملية السلام"، وعلى  مستقبل العلاقات الاميركية - الاسرائيلية، وما اذا كان سيقضي على مبادرة الرئيس باراك اوباما تجاه العالم الاسلامي.
أميركياً، أحد أهم الاسئلة التي اثارها الهجوم، هو تأثيره على السجال، الحاد احيانا في اوساط الجالية اليهودية، او ربما الاصح الان الحديث عن الجاليات اليهودية، لانه صار واضحا الان وحتى قبل الهجوم، انه لم يعد في الامكان الحديث عن موقف يهودي اميركي موحد تجاه اسرائيل، وخصوصا سياساتها حيال الفلسطينيين.
وعلى رغم الهجوم الدعائي السريع والمضاد الذي قامت به الحكومة الاسرائيلية وانصارها في الولايات المتحدة، وتكرار جوقة الاصوات المؤيدة لاسرائيل بشكل تلقائي او اعمى في المقالات او في المقابلات التلفزيونية، الا ان رد الفعل هذه المرة تميز ببروز اصوات يهودية وغير يهودية تؤيد اسرائيل عادة، وجهت انتقادات قوية الى حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو اذ نددت بحصار غزة وطالبت باجراء تحقيق دولي مستقل، وانتقدت ادارة الرئيس اوباما لموقفها المنحاز لحكومة نتنياهو. واللغة او العبارات التي استخدمت في هذه الانتقادات تستخدم عادة في اميركا ضد دول مثل ايران او كوريا الشمالية.
اعلاميا، بعض كبريات الصحف الاميركية وفي طليعتها "النيويورك تايمس" التي تملكها عائلة يهودية، وجهت انتقادا لاذعا في افتتاحيتها، وقالت انه لا يمكن تبرير الهجوم، ورأت ان اسرائيل اصابت نفسها بجرح عميق، وعليها وعلى واشنطن الاعتراف بان حصار غزة قد اخفق عدا عن انه غير عادل، وطالبت باجراء تحقيق دولي مستقل، وانتقدت الرئيس اوباما "لان رده الخجول لا يخدم اسرائيل".
وحتى افتتاحية "الواشنطن بوست" التي انتقدت الناشطين المؤيدين للفلسطينيين اضطرت الى الاعتراف بان الرد الاسرائيلي كان الرد الخاطىء نظراً الى تطبيقه السيىء. واعتبرت افتتاحية صحيفة "لوس انجلس تايمس" ان اسرائيل اصابت نفسها بالجروح واضرت بسمعتها، وطالبت بانهاء الحصار لانه يشكل "عقابا جماعيا" للفلسطينيين. ووصفت افتتاحية صحيفة "سان فرنسيسكو كرونيكال" الهجوم بانه "كارثة على كل مستوى" وبأنه سيؤدي الى زيادة عزلة اسرائيل الدولية. حتى افتتاحية صحيفة "فورورد" اليهودية رأت ان الوقت قد حان لاسرائيل كي تفكر بطريقة مختلفة. ولاحظت انه بينما كان يقال عن الفلسطينيين في السابق انهم دائما يفوتون الفرصة لكي تفوتهم الفرصة، يمكن القول الان ان هذا هو وضع اسرائيل.
وسارع بعض المعلقين اليهود النافذين مثل جو كلاين، الى انتقاد الهجوم الاسرائيلي بلغة قاسية. وكتب في مجلة "تايم": "هذا استخدام مجنون للقوة. هذا نتيجة للتطرف اليميني للحكومة الاسرائيلية... الذي سيزيد عزلة اسرائيل عن العالم".
ونشر المثقف والكاتب اليهودي ليون ويزلتير، المعروف بالتزامه باسرائيل مقالا في مجلة "ذي نيو ريبابليك" المؤيدة لاسرائيل، عنوانه: "عملية اسمها جعل العالم يكرهنا"، بدأه بالقول "اسرائيل لا تحتاج الى الاعداء، فلديها نفسها، او بشكل ادق لديها حكومتها".
وتساءل المعلق اليهودي جيفري غولدبيرغ في مجلة "اتلانتيك مانثلي"  عن اسباب غياب الاساليب الخلاقة وغير العنفية لدى اسرائيل ولجوئها بدلا من ذلك الى القوة.
معلقون آخرون متعاطفون تقليديا مع اسرائيل مثل ماكس بوت، قال ان اسرائيل يجب ان تدرك محدودية القوة ضد الفلسطينيين وتتعلم من دروس فرنسا في الجزائر واميركا في فيتنام.
هذه الامثلة لا تشمل الاصوات المعروفة تقليديا بتعاطفها مع الفلسطينيين او انتقادها لاسرائيل، او الاصوات الليبرالية مثل المعلق والاذاعي بيل بريس الذي وصف الهجوم الاسرائيلي بالقرصنة. ولعل ما قاله المحلل العسكري انطوني كوردسمان، وهو من ابرز المحللين الاستراتيجيين في البلاد ومعروف بموضوعيته وحياده، كان له وقع الصاعقة في الاوساط المؤيدة لاسرائيل، حين كتب في تحليل له ان "سياسات اسرائيل تجعلها عبئا استراتيجياً" على الولايات المتحدة. وهو تقويم مماثل لتقويم مدير جهاز الاستخبارات الاسرائيلي "الموساد" مئير داغان الذي قال "ان اسرائيل تتحول تدريجا من مكسب الى عبء على الولايات المتحدة".
الصحافي ستيفن كينزر وهو مراسل سابق لـ"النيويورك تايمس"، قال ببساطة إن على الولايات المتحدة ان تعامل اسرائيل كما تعامل ايران، وان تضغط عليهما معا لتقديم التنازلات.

 

 السجال بين اليهود

فور انتهاء الهجوم الاسرائيلي، سارعت الآلة الاسرائيلية الدعائية الى تعبئة المنظمات اليهودية الاميركية الرئيسية من خلال تنظيم ايجازات ومكالمات هاتفية مع عشرات القادة اليهود قام بها مسؤولون اسرائيليون مثل نائب وزير الخارجية دانيال أيالون وغيره، عرضوا خلالها الرواية الاسرائيلية لما حدث وقدموا الارشادات والمقترحات والنقاط التي يجب الاعتماد عليها لتبرير الاجراءات والمواقف الاسرائيلية في الحملة الدعائية المتوقعة داخل الولايات المتحدة. وبدورها سارعت هذه المنظمات وفي طليعتها "اللجنة الاميركية - الاسرائيلية للشؤون العامة" (ايباك) التي تمثل الذراع الاساسية لقوى الضغط المؤيدة لاسرائيل، الى بعث الرسائل الالكترونية ليس فقط الى ناشطيها، بل الاهم الى اعضاء الكونغرس والى الصحافيين والمدونين، وهي رسائل اقل ما يقال فيها انها مضللة وغير صحيحة.  المثال التالي لمثل هذه الرسائل التي بعثت بها "اللجنة اليهودية الاميركية" فجر اليوم الثاني للهجوم يلخص الرواية الاسرائيلية، التي صاحبتها اشرطة الفيديو الانتقائية التي دبلجتها اسرائيل، والتي عرضتها شبكات التلفزيون الاميركية احيانا كثيرة وكأنها الكلمة الفصل: "عندما ركب الكومندوس الاسرائيلي السفن، تعرضوا للعنف من عناصر يفترض انها غير عنيفة، بما في ذلك نيران من اسلحة اوتوماتيكية، وهجمات بالسكاكين والفراعات". واضافت الرسالة: "جرح بعض الاسرائيليين. ونتيجة للاشتباك الذي تسبب به الفريق المؤيد لحماس، قتل وجرح بعضهم في المواجهة".
من جهتها صاغت منظمة "ايباك" المواجهة في شرق المتوسط كالآتي:"مؤيدو حماس المتطرفون يضربون ويطعنون الجنود الاسرائيليين". في هذه الرواية السوريالية غابت حقيقة بسيطة هي مقتل 9 مدنيين على ايدي الاسرائيليين. وحتى محاولات ادارة الرئيس اوباما انقاذ اسرائيل من ادانة في مجلس الامن لم تكن كافية لـ"ايباك" التي رأت أنه " كان من الافضل للامم المتحدة ولادارة الرئيس اوباما رفض أي اجراء يتضمن نقدا لاسرائيل لانها دافعت عن نفسها" .
وفي المقابل، كانت المواجهة فرصة لعدد من التنظيمات اليهودية الجديدة والصغيرة ولعدد من الحاخامات اليهود للتصدي لهذا الموقف اليهودي المؤيد تلقائيا لاسرائيل بغض النظر عما تقوم به، ولمطالبة ادارة اوباما باتباع سياسة متوازنة اكثر تجاه اسرائيل والفلسطينيين. منظمة "جي ستريت" اليهودية الليبرالية التي تقول انها تمثل "الاكثرية اليهودية الصامتة" والتي تؤيد اقامة دولة فلسطينية مستقلة، قالت ان الكارثة هي "نتيجة لسياسة حصار غزة السيئة"، وحضت الرئيس اوباما على ضرورة "القيام بتحرك فوري واستخدام القدرات الكاملة للولايات المتحدة لتحقيق الحل المبني على الدولتين الذي يحمي اسرائيل ويحرر الشعب الفلسطيني".
من جهتها، اصدرت حركة "السلام الان" الاميركية بيانا نددت فيه بالطريقة التي تتعامل بها اسرائيل مع من يتحدى سياساتها،  واعتبرت ان "المجتمع الاسرائيلي ككل مسؤول عن النتائج القاتمة والناتجة من استيلاء القوات الاسرائيلية على السفن، وتطرف المجتمع الاسرائيلي انتج هذه الثمار".
واستخدمت رئيسة المنظمة ديبرا ديلي لغة قوية حين قالت ان اسرائيل مسؤولة عن المأزق الذي تجد نفسها فيه الان بسبب اصرارها على حصار غزة غير المقبول والذي لا يمكن الدفاع عنه . واضافت: "اصبح أمرا مألوفا الان للمسؤولين والمعلقين الاسرائيليين ان يشيروا الى أي تحد لسياساتها على انه ارهاب".
واصدر عدد من رجال الدين اليهود الليبراليين بيانا انتقدوا فيه الحصار و "سياق القمع" الذي تسببه السياسات الاسرائيلية، وطالبوا اليهود الاميركيين بان "لا يحيدوا الانظار او ان يوجهوا اللوم لأولئك الذين قاموا وبحسن نية وخاطروا بارواحهم من اجل اغاثة شعب غزة المحاصر".
وقال ناشط يهودي ليبرالي لـ"النهار" ان اسرائيل سارعت فور الهجوم الى محاولة خلق الانطباع بعدم وجود أي مسافة بينها وبين اليهود الاميركيين في شأن الهجوم، وتحدث عن وجود مشاعر احراج عميقة في اوساط اليهود الاميركيين من جراء سياسات اسرائيل في الاراضي المحتلة وخصوصا حصار غزة. واشار الى ان اليهود الليبراليين يضطلعون بدور  متزايد في محاولة اقناع ادارة اوباما باتخاذ موقف متوازن اكثر تجاه اسرائيل والفلسطينيين، وحاولوا خلال الازمة الاخيرة اعطاءه "غطاء يهوديا" وتشجيعه على القول ان الحصار لم يعد مجديا ولا مقبولا وان على اسرائيل ان تجد وسيلة اخرى في التعامل مع غزة. وتحدث الناشط الذي طلب عدم ذكر اسمه عن معسكرين يهوديين في اميركا مؤلفين من التنظيمات اليهودية التقليدية بقياداتها القديمة غير القادرة فكريا وسياسيا على انتقاد اسرائيل، مقابل معسكر يضم تنظيمات مثل "جي ستريت" و حركة "السلام الان اليهودية"، الى العديد من المثقفين والمعلقين والمدونين اليهود الذي يريدون دفع ادارة اوباما وتغطيته يهوديا للدفع بقوة اكثر لتحقيق السلام المبني على الدولتين.
التحولات والتغييرات التي يشهدها اليهود الاميركيون عميقة وهي سياسية وفكرية وتعكس المواقف المختلفة للجيل اليهودي الجديد، والتي يمكن وصفها بانها "ما بعد الصهيونية" بمفهومها التقليدي. وفي مقال طليعي نشره اخيرا  الكاتب اليهودي المتدين بيتر بينارت قبل الهجوم الاسرائيلي، اثار ولا يزيل جدلا واسعا وحادا في الاوساط اليهودية وغير اليهودية، برزت صورة جديدة لليهود الاميركيين الشباب لا يمكن الا ان تثير قلق المؤسسة اليهودية التقليدية في اميركا اضافة الى اسرائيل. عنوان المقال يلخص معضلة هذه القيادات "اخفاق المؤسسة اليهودية الاميركية". وحمّل بينارت القيادات اليهودية التقليدية مسؤولية ابتعاد اليهود الشباب عنهم وعن اسرائيل، وانتقد استخدامهم للمحرقة النازية في النقاش السياسي، "ورسالتهم المستمرة والقائلة بان اليهود هم دائما الضحية الامر الذي جعلهم متقوقعين ولا يفكرون الا بانفسهم". واستند في مقاله الى استطلاعات للرأي في اوساط اليهود الشباب اظهرت بعدهم عن اسرائيل، وقال ان الصهيونية التي يدعمها هؤلاء هي الصهيونية "التي تعترف بالفلسطينيين كشعب يستحق الكرامة وقادر على تحقيق السلام، وهم مستعدون لادانة الحكومة الاسرائيلية التي لا تشاطرهم هذه المواقف".
 


المصدر: جريدة النهار

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,108,750

عدد الزوار: 6,753,196

المتواجدون الآن: 105