لبنان: ملف التعيينات على طاولة.. القبائل

بيروت ــ نبيه البرجي:
وراء الاضواء تتسلل الى آذان الكثيرين عبارة مرجع كبير: «سلاح حزب الله اصبح في عهدة سوريا»، اي ان الخط الازرق مهما حدث من هزات استراتيجية في المنطقة فلن يهتز. ما هو الثمن؟ لا ثمن، يقول المرجع، فدمشق احدثت تعديلاً جوهريا في نظرتها الجيوبوليتيكية. لم يعد لبنان هو المدى الذهبي الوحيد، لا بل ان هناك بين المسؤولين السوريين من يدعو ويصر على ان «تبقى اصابعنا بعيدة عن الجمر».
لا مجال لهذا. في عمّان تحدث رئيس الحكومة سعد الحريري عن «العلاقات المميزة مع سوريا». مؤشرات كثيرة الى ان العلاقات بين دمشق والرياض تسير على افضل ما يرام. لا يأخذ هذا الكوندومينيوم السعودي ــ السوري بطبيعة الحال شكل تفاهم بمعناه الواسع والدقيق. اللبنانيون يتدبرون امورهم بأيديهم في المسائل التفصيلية. وعلى هذا الاساس، فإن ملف التعيينات الذي هو الاساس في بناء ادارة حديثة ومتطورة وتفضي الى «دولة قادرة» استقر مرة اخرى واخرى على طاولة القبائل. مناورات ومحاولات التفاف. الحريري الآتي حديثا الى هذه المغارة يحلم بأن تكون هناك ادارة تشكل العمود الفقري للجمهورية، جمهورية الشعب اللبناني، لا جمهورية الشعوب، ولا جمهورية الازقة، تبعا لما نقله احد مستشاريه.

رسالة سليمان
مصادر مقربة من قصر بعبدا تقول ان الرئيس ميشال سليمان لن يهادن في مسألة المعايير والكفاءات، فضلا عن الفاعلية والشفافية. والبيان الذي صدر عن مكتبه الاعلامي حول شقيقه محافظ البقاع انطوان سليمان والذي نفى فيه ترشيحه بشكل قاطع لوظيفة مدير عام الجمارك، هو بمثابة رسالة الى من يهمهم الامر بأنه لن يرضى، وهو الذي يقول بورشة الاصلاح ويدعو اليها في معظم تصريحاته ومواقفه، بتكريس الآلية العثمانية في التعيينات.

سوبر كفاءات
رئيس الحكومة يؤكد على «السوبر كفاءات» لانتشال الادارة (الكسيحة) من كساحها، ورئيس مجلس النواب نبيه بري ارتأى تشكيل هيئة من القضاة لغربلة الاسماء وان كان هناك من يرى ان الاقتراح تكتيكي وهدفه الالتفاف على الرئاستين الاولى والثالثة، باعتبار انه يتناقض ومبدأ فصل السلطات، ثم انه ينطوي على تشكيك مباشر وفاضح في نزاهة اصحاب المعالي الوزراء.
لكن مصادر الرؤساء الثلاثة تشير الى الرغبة في ان يؤتى بأدمغة نظيفة وعالية المستوى الى الادارة. غير وارد التخلي عن المحاصصة، وأحد المراجع يقول ان منطق «الاولياء الصالحين» لا يمكن ان يمشي في لبنان. لكل حصته، ولكن شرط ان تكون الحصة نوعية ومن شأنها ان تعلي من شأن الادارة لا ان تدفع بها اكثر فأكثر الى الفساد وان كان تقرير لاحد اجهزة الرقابة قد اعتبر ان التدخل الواسع للسياسيين في عمل الادارة، فضلا عن اختيار الازلام والمحاسيب ادى الى شلل اعمال الدولة وتقهقرها، فيما بدا الاصلاح كما لو انه رابع المستحيلات.

لا تسييس
وما يحكى الآن في الاوساط السياسية يشير الى ان المحاصصة واردة حتما، ولا مجال لاي لمسة افلاطونية، وكل ما في الامر ان من سيتم اختيارهم يحملون شهادات عالية، حتى وان كان هذا يواجه برفض مسؤول كبير في جهاز للرقابة يعتبر ان الاقتراحات النهائية بالتعيينات ينبغي ان تصدر عن مجلس الخدمة المدنية الذي يرأسه رجل عرف بالنزاهة والشفافية الاخلاقية، ناهيك عن الثقافة الادارية المديدة، وهو منذر الخطيب، وعبر وزارة الدولة لشؤون التنمية الادارية التي يرأسها الوزير محمد فنيش الذي يؤكد لمن يراجعه انه سيتعامل بمنتهى الدقة مع الاقتراحات المقدمة، رافضا بدوره تسييس الادارة.
لكن مقارمة التسييس مسألة في غاية التعقيد، ومسألة المعايير تبدو كما لو انها ضحك على الذقون، اذ كيف يكون شاغل وظيفة من الفئة الاولى نزيها وفاعلا ولكل الناس عندما يكون تعيينه ناتجا عن مدى ولائه لهذا الزعيم او ذاك.

التيار يرفض..
التباينات حتى داخل الصف الواحد، اذ رفض عضو تكتل التغيير والاصلاح النائب نبيل نقولا الآلية التي طرحها بري، معتبرا انه اذا كان هذا الطرح على اساس ما حصل في المجلس الدستوري فإن التيار الوطني الحر يرفض ذلك. واشار الى «ان لدى كل فريق سياسي شخصيات تتمتع بالكفاءة والنزاهة والاستقلالية في العمل الاداري، دون ان يكون بالامكان ان يغيب مبدأ المحاصصة عن التعيينات، فلبنان بلد الطوائف، والتوافق فيه يجب ان يحترم هذه الخصوصيات لحين تحقيق الدولة المدنية».