أوج الان يروي عبر "النهار" معاناته في زنزانته: أعيش شبه غائب عن الوعي وشبه ميت

تاريخ الإضافة الأحد 6 كانون الأول 2009 - 6:32 ص    عدد الزيارات 3121    التعليقات 0    القسم دولية

        


خص "حزب العمال الكردستاني" "النهار" برسالة من زعيمه المعتقل عبد الله أوج الان، يتحدث فيها عن معاناته الشخصية والصحية والظروف السيئة التي يواجهها في زنزانته الجديدة التي نقل اليها في 17 تشرين الثاني الماضي في سجن جزيرة ايمرالي بتركيا.
ويتوقف أوج الان في الرسالة التي تلاها على محاميه في جلسات عدة أمام أبرز المحطات التي تواجهها حالياً القضية الكردية.
ونظراً الى طول الرسالة، تقتطف "النهار" منها الجزء المتعلق بالمعاناة الانسانية للزعيم الكردي الذي يقول: "أنا أعيش هنا شبه غائب عن الوعي وشبه ميت". وهنا أبرز ما جاء فيه:
"كل من لجنة مكافحة التعذيب التابعة لمجلس أوروبا ومحكمة حقوق الانسان الاوروبية اقترحتا السجن الجديد. فهو هو مشروعهما في الوقت عينه، وهما مسؤولان عن الظروف التي أقيم فيها بهذا الشكل، فهذا المكان مشروعهما. أنا أعددت تقريراً عن الظروف القائمة هنا للجنة مكافحة التعذيب ومحكمة حقوق الانسان الاوروبية، وأرسلته اليهما، وأوضحت ضرورة تصحيح هذه الظروف.
ويجب تذكيرهما بمسؤولياتهما في هذا الصدد، فقلت فيه: أنتم المسؤولون عن هذا الوضع، فقوموا بمسؤولياتكم واحموا الحقوق التي ضمنتموها. كما على الاوساط المهتمة بالدفاع عن حقوق الانسان أن تقول لكل هذا الخرق للحقوق "اكشفوا عن وضع أوج الان" و"ماذا يجري في ايمرالي"! وأن تطالب بتصريح علني للرأي العام في هذا الموضوع. وعلى هذه الاوساط مطالبة اللجنة بالتراجع عن الخطأ الذي ارتكبته وتصحيح الاوضاع، فهم مرغمون على المجيء الى هنا لرؤية هذا المكان والقيام بالتدقيق اللازم، فهذه مهمتهم. جاءت اللجنة بذاتها وقامت بالتدقيق من قبل، وهي التي طالبت بنقلي الى سجن من طراز F وإنشاء هذا السجن من طراز F هنا. نعم هي التي طلبت كل ذلك، وكل هذا موجود في تقاريرهم، وأوضحوا أن ظروفي ستكون أفضل مقارنة بالسابق، ولكن هذا لم يحدث. فأوضاعي أصبحت أسوأ، حيث عليهم المجيء لرؤية إنجازهم. إنهم لن يستطيعوا خداعنا، وعليهم ألا يحاولوا خداعنا، أوتي بي الى هنا في 17 تشرين الثاني، وهذا انقلاب. فأنا أقوّم جلبي الى هنا كانقلاب، وأعرّفه بانقلاب 17 تشرين الثاني.
مشاكلي الصحية مستمرة، ثمة أوضاع تتثاقل، أنا عاجز عن التنفس من جراء نظام التهوية هذا، فنظراً الى عدم تهوية الغرفة أشعر بانكتام حتى حلقي، كما أن السيلان في حلقي مستمر ايضاً، فقد كان لدي مرض الجيوب أصلاً. كما هناك حكة وحرقان في بلعومي، وهذه الآلام تشتد مع مرور كل يوم، وتزداد وطأة الألم كل يوم. لا أستطيع التنفس وبدأت أجد صعوبة بالغة في التنفس. بالطبع لكل هذا علاقة بالظروف القائمة هنا، فوضعي يزداد تأزماً، وكل هذه التطورات مرتبطة بهذا المكان وبالوضع القائم هنا. فماذا سيحدث بعد هذا، وكيف سيتطور؟ هذا ما لا أستطيع علمه، قلة التهوية تؤثر على جميع وظائف جسمي.
معروف أنه عندما يبقى الانسان بلا هواء تموت خلايا دماغه، ونظراً الى سوء التهوية أشعر كأن خلايا دماغي تموت، فتسبب لي صداعاً، مما يشتّت قوة التركيز لديّ. إنه وضع مزعج كثيراً ويؤثر على أداء الوظائف الدماغية. وضعي يشبه نصف ميّت، وشبه فاقد للوعي، فأنا أعيش هنا شبه غائب عن الوعي وشبه ميّت. أما الى أي مدى يمكنني تحمّل هذا، والى متى أعيش، فهذا ما لا أعرفه.
المكان الذي أقيم فيه من طبقة واحدة ومساحته نحو ستة أمتار مربعة، أو ستة أمتار ونصف متر، ووضعوا بيت خلاء وحماماً مغلقاً بشكل ملحق، أي داخل بعضهما البعض. أي ان الحمام والتواليت مقسومان من الداخل، وسريري موجود عند قاعدة الجدار تماماً، ملتصق بالجدار، وتبقى مسافة قصيرة جداً بين سريري والجدار الآخر، وهذه المسافة تكاد تكفي لمرور شخص واحد. وثمة مسافة بطول خطوات عدة، وأنا أمشي جيئة وذهاباً في هذا المكان الضيق. إنه مكان جرى تضييقه جداً، نظام تهوئة الغرفة التي أقيم فيها رديء جداً، فأنا أصل الى وضع العجز عن التنفس، بينما نافذة التهوئة عالية جداً ومشبوكة بأسلاك، فأرى من خلالها السماء فقط. بالطبع يأتي تيار الهواء من تلك النافذة الى الداخل ولكن من الأعلى. وهذا يسبب ضغطاً داخل الغرفة نحو الأسفل، فالأسفل يبقى من دون هواء، ونظراً الى انني أقف وأنام في الأسفل، أتأثر سلباً بهذا الضغط الذي يجعل التنفس لديّ صعباً جداً. ولهذا السبب أستيقظ مراراً، وعندما أكون في الفراش أمد رأسي الى خارجه وأميل الى الأسفل لأتمكن من التنفس قليلاً. وهذا الوضع يؤثر على كل الوظائف الحياتية لديّ. وكما المحكوم بالإعدام يتشنج لدى إعدامه بكل قوته، ويتخبط قبل لفظ أنفاسه الاخيرة، فإن وضعي ايضاً يشبه ذلك. تعلمون بالتأكيد عندما يُعدم الانسان يكون رد فعله الأولي هو التشنج، أي تشنج الجسم، ذلك هو رُبع مرحلة الموت، وبعدها تكتمل المراحل الاخرى منه، ولكن رد فعل الانسان الاول هو هذا الربع من مرحلة التشنج هذه. ووضعي هنا الآن هو مرحلة الربع هذه لشخص محكوم بالإعدام، يداي تتشنجان، مثلما هناك تشنج في كل أنحاء جسمي، وهذه التشنجات تتسبب بآلام، فهذه التشنجات هي رد فعل فيزيائي للجسم ولاإرادية، هذه التشنجات تحدث مراراً وتتكرر، بل تتزايد مع مرور الايام، وتحدث في جسمي أحياناً أثناء النوم، وأحياناً أخرى عندما أكون واقفاً. وهكذا فإن هذه التشنجات تعبر عن ربع مرحلة حياة انسان يتوجه نحو الإعدام.
معلوم ان (الرئيس العراقي الراحل صدام) حسين مات خلال ثلاث دقائق عند إعدامه، بينما وضعي هنا هو معروف ووضع الإعدام بهذا الشكل عشرات المرات في كل يوم، وأنا لا أهاب الإعدام، فوضع التشنج الذي عاشه صدام ثلاث دقائق، أعيشه اربعاً وعشرين ساعة في اليوم.
مكان التهوئة متصل بغرفتي، إنه مكان صغير، فقط يمكنني الذهاب والمجيء ثلاث أو اربع خطوات، ولا أرى سوى وجه السماء، فأعلاه منسوج بشبكة كثيفة من الأسلاك ايضاً.
أمر آخر هنا هو صوت المولد وضجيجه المتكرر، صوت مزعج كثيراً، يعمل طوال أربع وعشرين ساعة، كما تعلمون (عدنان) مندريس (رئيس وزراء تركيا في الخمسينات أُعدم في ايمرالي)، ايضاً كان قد تكلم عن انزعاجه من هذا الضجيج. عوني أوزغوريل (كاتب وباحث) كان قد تطرق الى هذا الموضوع وتلك المرحلة في أحد مقالاته. ايمرالي جزيرة تاريخية، ولهذا المكان ظروفه الخاصة به، فهي جزيرة شاهدة على التاريخ، ومعلوم مدى معاناة الذين بقوا هنا، فلها ظروفها المناخية الخاصة بها، ومعلوم ايضاً أن مندريس لم يستطع التحمّل على رغم بقائه هنا أربعاً وعشرين ساعة فقط، بينما أنا أتحمل هنا منذ أحد عشر عاماً وأحاول التحمل. ولو لم تكن عقيدتي قوية لدخلت في محاولات انتحارية، فأنتم تعلمون رفاقنا أمثال كمال بير وخيري دورموش الذين أقدموا على عمليات انتحارية كالإضراب عن الطعام، ولدي مسؤوليتي واحترامي نحو هذه المقاومة الثمينة لهؤلاء الرفاق، كما لدي مسؤوليتي تجاه هذا الشعب. في الاصل لو لم يكن إيماني الكبير القوي جداً بهذه القيم لما استطعت التحمل الى هذه الدرجة، ولربما دخلت أنا ايضاً في محاولات انتحارية. بالطبع يمكن أن أموت هنا في أية لحظة، وموتي سيكون له تأثير كبير، وستحدث الفوضى، كما ستعاش سياقات دموية جداً بعد موتي، وفوضى كبيرة، فأنا عشت هنا كل يوم من أجل مسؤولياتي، وعشت مكافحاً من أجل الشعب. نضالي الشريف وحياتي ستكون دائمة بهذا المعنى من أجل الشعب ولكن هذه حقيقة ايضاً، مكاني الراهن كأنه حفرة الموت، هكذا أسميه أنا، فحتى تنفس الانسان هنا أمر صعب جداً، قلة الهواء تقتل خلايا دماغي، فأنا أشعر بموت خلايا الدماغ، أنا لا أتمكن من التركيز الفكري.
وأقول مرة ثانية إن لجنة مكافحة التعذيب ومحكمة حقوق الانسان الاوروبية، أي أوروبا هما المسؤولتان عن إنشاء هذا السجن، وكل ما تعرّضت له هنا جرى بمعرفتهما، وكل ما أتعرّض له هنا يجري ضمن علمهما. يجب معرفة هذا الوضع هكذا. ستأتي اللجنة الى هنا، بل يجب أن تأتي وتدقق في هذا المكان، ولا يمكن بغير ذلك، فأنا أطالب بالكشف عن وضعي. أكرر قولي: هذا قتل. عندما أوتي بي استقبلتني هنا سيدة معمّرة من اللجنة وقالت إنني سأقيم هنا وإنهم سيتابعون حياتي هنا، وسيتابعون نظام هذا المكان وأنني تحت ضمانتهم. وأوضحت أنهم حصلوا على ضمانات لكل ذلك، وقبلت بهذه المسؤولية.
بالطبع ليست تركيا المسؤول الأساسي عن الإتيان بي الى هنا والاحتفاظ بي تحت هذه الظروف، وعلى الجميع إدراك هذا الوضع، فكل من انكلترا واميركا واسرائيل والاتحاد الاوروبي خلف هذا الامر، اضافة الى استغلال الدولة اليونانية لصداقتنا بمنتهى الدناءة وبيعها لنا، وهذا الوضع كان مؤثراً، وفي الحقيقة الولايات المتحدة هي التي أتت بي الى هنا. أحد المسؤولين الاميركيين أوصلني الى هنا وسلّمني الى تركيا، وتحدّدت المهمة التي كُلّفت إياها تركيا هي أن تكون سجّاناً وحارساً لي.
وضعي هنا يمكن أن يكون على علاقة ببنيتي الجينية، فوالدي توفي من ضيق التنفس، وأنا هنا أترك من دون نَفَس، وهذا الوضع يخلق صعوبات جمة. ولهذا أقول لا تعيشوا بالاستناد اليّ أو بانتظار شيء مني، فلا يزالون ينتظرون شيئاً مني، ولا يزالون يحاولون تحميلي كل شيء، ومن قبل أوضحت أنه يجب أن يتخذ الجميع قراراتهم بأنفسهم، وأن يطوروا سبل حلهم بأنفسهم، وأن يقوموا بمتطلبات مسؤولياتهم، والتحقيق المتعلق بما أوضحته هكذا قد اكتمل، وهكذا نلت عقوبة العزلة لعشرين يوماً أخرى. قلت انه "اذا لم يطوّر البرلمان الحل الديموقراطي، ولم يتخذ القرار بهذا الشأن، فقد تحدث الحرب. وأوضحت إمكان حدوث ذلك، وكنت قد قلت ذلك من قبل، وليس في هذا الامر شيء، وهو صحيح كدياليكتيك، فعندما لا يأتي الحل تأتي الحرب، وهذا تشخيص، وأنا هكذا شخّصت، وقد نلت العقوبة لأنني قلت بإمكان حدوث ذلك. فقد أغلقت كل أشكال ميادين حياتي، وكأنهم يشيرون الى الموت لأرضى بالحمى (...)".


المصدر: جريدة النهار

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,760,254

عدد الزوار: 6,913,496

المتواجدون الآن: 106