استعادة العداوات على وقع خطاب هابط وانقسام متصاعد ومشهد مسيحي قاتم يواكب عشرينية الطائف

تاريخ الإضافة الجمعة 6 تشرين الثاني 2009 - 6:05 ص    عدد الزيارات 3332    التعليقات 0    القسم محلية

        


لم يعد "المستوى الهابط" في السجالات السياسية يستوقف الراصدين بقلق لتفاقم الانقسامات المسيحية بفعل "الاضرار الجانبية" للازمة الحكومية، رغم ما يشكله هذا الهبوط من علامة اسف واسى على الوسط السياسي المسيحي اكثر من اي شيء آخر، ذلك ان الهبوط بات سمة غالبة على مجمل الوسط السياسي في لبنان يصعب معه تباهي اي فئة على اخرى في هذه الظاهرة السلبية.
غير ان ما يعنى به خصوصا راصدو الوضع المسيحي هو سر عامل سلبي لافت يتمثل في شقين شديدي الخطورة على لبنان والمسيحيين، هما: تحوّل انقساماتهم الوقود الدافع لفتح ازمة نظام جدية ليس هناك اي ضمان لهم معها في ان يستعيدوا شيئا مما فقدوه سابقا ولا حتى الحفاظ على ما بقي لهم راهنا، والعجز التام عن الانتقال الى المستقبل وما يقتضيه من تجديد في الفكر والانماط والاداء بفعل تقوقع معظم زعاماتهم في ماضي الصراعات في ما بينهم. وتحفّز هؤلاء الراصدين على طرح هذه الاشكالية المسيحية مجموعة عوامل ومفارقات برزت اخيرا، ويطرحون حولها مجموعة ملاحظات يمكن اجمالها بالآتي:
أولا، ثمة مفارقة لافتة برزت مع إحياء الذكرى العشرين لاتفاق الطائف بدا معها الافرقاء المسيحيون كأنهم تجمدوا عند الزمن الغابر، ذلك انه اذا كان من دلالة لاستحضار الخطاب "العدائي" نفسه بين كل من العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع، او النبرة العدائية والاتهامية التي توسلها العماد عون ضد البطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير ومن ثم بعض ردود الفعل المسيحية على عون، فان هذه الدلالة تعكس واقعا شديد الخطورة لدى المسيحيين هي انهم لا يزالون اسرى الماضي والعداوات والعجز التام عن تجاوز كل ما لحق بهم من خسائر وويلات وهجرة "للصعود" من الحفرة والهوة السحيقة.
ويعتقد اصحاب هذه النظرة البالغة السوداوية بطبيعة الحال ان المصلحة الحقيقية للمسيحيين في ذكرى اتفاق الطائف كان يمكن ان يجسدها حد ادنى من المسلمات المسيحية الوطنية في شأن النظام وتطويره وسد ثغره، بحيث يحافظ المسيحيون على صورة حماة النظام الديموقراطي والدستوري من جهة وطلائع تحديثه وتطويره من جهة اخرى.
ثانيا، ان مضي الافرقاء المسيحيين في لعبة "لحس المبرد" عبر استهواء وظيفة خوض المعارك السياسية بالنيابة عن سائر الآخرين، داخليين وخارجيين، تنذر بدور هامشي لهم لا يمكن ان يقال فيه تجميلا او تخفيفا او تلطيفا انه يوفر للزعماء المسيحيين مكاسب سياسية وشعبية وحكومية. فهذه المكاسب يطغى عليها الطابع الآني والظرفي بفعل اندماجهم في منطق الصراع بدل بلورتهم "للدور" الثالث المطلوب ليس من منظور تذويب مواقفهم ومواقعهم بل من منطلق حتمية حماية حزام الامان الرئيسي للمسيحيين، وهو النظام الضامن للحريات واللعبة الديموقراطية.
ثالثا، ان اسوأ ما افضت اليه الازمة الحكومية المفتوحة منذ 27 حزيران هو ان يظهر فريق مسيحي بمثابة واجهة لكل المعطلات المرئية والمخبوءة، الداخلية والاقليمية لدورة المؤسسات الدستورية، على ما يتهم به العماد عون، في مقابل تصوير خصومه ولا سيما منهم "القوات اللبنانية" رأس حربة في تعطيل مشاريع التفاهمات التي لم تولد بين عون والرئيس المكلف سعد الحريري بدافع من "تحريض اميركي".
هذه الصورة، وان تكن مشوبة ربما بكثير من الظلم لطرفيها، فانها تشكل تعبيرا رمزيا على الاقل لمنحى لم يسعَ المعنيون به الى تبديده بما فيه الكفاية، على خطورته الشديدة. فثمة عوامل كثيرة في عرقلة ولادة الحكومة لا ترتبط بالصراع المسيحي – المسيحي، ومع ذلك صار حصر هذه العرقلة به لان "الجسم المسيحي لبّيس" ولان قابلية اطرافه على التطوع لهذا الدور وفّرت على سائر المستفيدين الآخرين من الازمة رمي التبعة على المسيحيين وحدهم.
رابعا، لا ينفي الراصدون لـ"الحالة المسيحية" حق اي طرف في ان يكون له وجهة نظره الحرة والمستقلة من مواقف البطريرك الماروني، والتعبير عنها ضمن الاصول المتعارف عليها في التعامل مع مرجعية كبيرة بهذا المستوى والحجم.
غير ان هؤلاء يعتبرون ان جرأة البطريرك صفير ومضيه في كسر كل المحظورات على غرار ما فعل خلال حقبة الوصاية السورية، هي آخر معاقل التعبير عن تعلق المسيحيين بل اللبنانيين بمشروع الدولة والنظام.
ويتعين تاليا على سائر الافرقاء المسيحيين الا يخطئوا الحسابات في هذا الشأن، لا عبر عدوانية خاطئة تجاه بكركي ولا عبر توظيف خاطئ ايضا لمواقفها. ولكن اين المسيحيون فعلا من كل هذه المنزلقات؟

 

 

المصدر: جريدة النهار

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,269,264

عدد الزوار: 6,985,007

المتواجدون الآن: 78