من حقيبة "النهار" الديبلوماسية

الحوار الفرنسي – السوري: نجح لبنانياً وفشل إقليمياً

تاريخ الإضافة الجمعة 23 تشرين الأول 2009 - 6:02 ص    عدد الزيارات 3613    التعليقات 0    القسم دولية

        


"يرى الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ان انفتاحه على سوريا انجاز ديبلوماسي مهم وانه شكل نموذجا اعتمدته ادارة الرئيس باراك اوباما في تعاملها مع نظام الرئيس بشار الاسد. والتقويم الموضوعي الدقيق للانفتاح الفرنسي على نظام الاسد الذي يثير الكثير من التساؤلات يُظهر ان هذا الانفتاح ساهم، مع جهود عربية ودولية اخرى، في تهدئة الاوضاع اللبنانية وفي احراز بعض التقدم على صعيد العلاقات بين لبنان وسوريا، لكنه لم يفتح صفحة جديدة كاملة بين هذين البلدين ولم يحدث اي اختراق سياسي في المنطقة ولم يحقق اي انجاز ملموس او تطور مهم، سواء على صعيد عملية السلام والاوضاع الفلسطينية عموما او على صعيد الموقف السوري من النزاع مع اسرائيل، او على صعيد تسوية المشكلة النووية الايرانية، او على صعيد مسار العلاقات الايرانية – الغربية والايرانية – العربية، او على صعيد معالجة الاوضاع في العراق، او على صعيد العلاقات العربية – الغربية والعربية – العربية. والاهم من ذلك ان هذا الانفتاح الفرنسي على سوريا لم يؤد الى احداث اي تغيير جذري وحقيقي في سياسات نظام الاسد وتوجهاته الاقليمية كما يتمنى الفرنسيون".
هذا ما اكدته لنا مصادر ديبلوماسية اوروبية في باريس وثيقة الاطلاع على تطور الحوار الفرنسي – السوري الذي انطلق صيف 2007 بقرار من ساركوزي وردا على سياسة القطيعة مع نظام الاسد التي اعتمدها الرئيس السابق جاك شيراك اثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه. ولقي الحوار الفرنسي – السوري لدى انطلاقه دعما قطريا قويا وواضحا وتحفظا مصريا – سعوديا لان الفرنسيين لم يحصلوا على ضمانات جدية من نظام الاسد لاعتماد سياسات ايجابية حيال لبنان وقضايا المنطقة في مقابل تحسين العلاقات مع فرنسا. وتركز الحوار الفرنسي – السوري منذ انطلاقه على قاعدتين اساسيتين:
الاولى: رفض السياسات الاقليمية المتشددة لنظام الاسد والعمل على تغييرها وعلى محاولة اضعاف تحالفه مع ايران تدريجا.
الثانية: رفض اي هيمنة سورية على لبنان والعمل في اطار هذا الحوار وعبر الاتصالات العربية والدولية على حماية استقلال هذا البلد وسيادته وامنه واستقراره.

الاسد يرفض قمة السلام
 

ماذا حقق الحوار الفرنسي – السوري فعلا وعمليا؟
المعلومات التي نملكها من مصادر ديبلوماسية اوروبية في باريس معنية بهذا الملف تكشف ان الانجاز الاكبر الذي حققه هذا الحوار هو انجاز لبناني وتم نتيجة التعاون بين فرنسا واميركا والسعودية ومصر ودول اخرى. ذلك ان فرنسا حرصت منذ البداية على ان يكون انفتاحها على سوريا لمصلحة  لبنان لا ان يشكل تفويضا للنظام السوري لادارة شؤون هذا البلد مجددا". لذلك يؤكد المسؤولون الفرنسيون للسوريين باستمرار انهم ملتزمون حماية استقلال لبنان وسيادته وامنه واستقراره وملتزمون دعم المحكمة الخاصة بلبنان، ويشددون على ان ما تريده فرنسا فعلا هو دفع نظام الاسد الى تقبل لبنان المستقل بصفة نهائية وحقيقية واقامة علاقات طبيعية معه ضمن هذا الاطار وعلى اساس "خريطة طريق" حددها الفرنسيون تشمل معالجة مختلف المشاكل العالقة بين سوريا ولبنان على قاعدة الاحترام المتبادل لاستقلال البلدين والتوقف عن التدخل في الشؤون اللبنانية والحرص على تأمين المصالح الحيوية المشروعة لكليهما بعيدا من الضغوط والتهديدات. والمهمة الفرنسية الصعبة لم تكتمل لبنانيا حتى الآن، لان نظام الاسد قام بخطوات محدودة حيال لبنان ابرزها تبادل العلاقات الديبلوماسية معه، لكنه لا يزال يقاوم اي مطالب فرنسية او عربية او دولية للتعامل مع لبنان كدولة مستقلة ذات سيادة فعلا ولاحترام ارادة شعبه.
في المقابل، لم تتمكن فرنسا عبر الحوار مع سوريا من إحداث اي تغيير جذري في السياسات الاقليمية لنظام الاسد، ولم تنجح في دفعه الى اعتماد سياسات ايجابية بناءة، فعلا لا قولا، تساهم في تعزيز الامن والاستقرار والسلام في المنطقة. ولم تتمكن فرنسا من اقناع نظام الاسد بفك تحالفه الوثيق مع ايران وبتقليص تأثير هذا التحالف على قراراته، بل ان النظام السوري لا يزال ينشط ويتحرك معتمدا على تحالفه القوي مع الجمهورية الاسلامية ومع حلفائه المتشددين في المنطقة، ولم تتمكن فرنسا عبر هذا الحوار من تحويل نظام الاسد حليفا حقيقيا للغرب وللدول العربية المعتدلة، كما لم تتمكن من التوصل الى اي تفاهمات مع الاسد على اي من القضايا الاقليمية المهمة والاساسية في ما عدا التفاهم الجزئي غير المكتمل على لبنان. وفي رأي ديبلوماسي اوروبي مطلع "ان ذلك كله يثبت ان الحوار الفرنسي – السوري محدود التأثير على قرارات نظام الاسد وسياساته وان هذا النظام ليس راغبا فعلا في احداث التغييرات الجذرية التي تطلبها منه الدول البارزة والمؤثرة وعلى رأسها اميركا وفرنسا والسعودية ومصر".
وحقائق العلاقات بين فرنسا وسوريا يوضحها ويؤكدها مضمون المحادثات التي جرت حديثا بين البلدين في شأن قضايا المنطقة، سواء خلال زيارة وزير الخارجية السوري وليد المعلم لباريس في نهاية ايلول الماضي ولقاءاته مع وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير ومع الرئيس ساركوزي ومستشاريه، او خلال اجتماع موفدي الرئيس الفرنسي كلود غيان الامين العام للرئاسة وجان – دافيد ليفيت مستشار ساركوزي للشؤون الديبلوماسية مع الاسد في دمشق مطلع هذا الشهر. وفي معلومات خاصة لمصادر ديبلوماسية اوروبية في باريس معنية بالامر ان هذه المحادثات الفرنسية – السورية تناولت القضايا الاساسية الآتية:
اولا – عملية السلام. وقد رفضت  فرنسا تبني الموقف السوري من عملية السلام ومن الاوضاع في الساحة الفلسطينية وطلبت من سوريا دعم جهود ادارة اوباما لتحقيق السلام في المنطقة على اساس انه "ليس ثمة خيار آخر سوى مساندة الجهود الديبلوماسية الاميركية" ومن منطلق ان الرئيس الاميركي مصمم على حل النزاع العربي – الاسرائيلي واقامة الدولة الفلسطينية. وشدد الجانب الفرنسي خلال المحادثات مع السوريين على انه "ليس مطلوبا من سوريا اتخاذ اجراءات لاقامة علاقات طبيعية مع اسرائيل قبل التوصل الى سلام معها، بل ان المطلوب من نظام الاسد دعم الجهود المصرية لتحقيق المصالحة الفلسطينية وتشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية مقبولة لدى المجتمع الدولي، والمطلوب من نظام الاسد ايضا مساندة الرئيس محمود عباس والسلطة الفلسطينية ودفع "حماس" الى تبني سياسة واقعية ومرنة والى تقبل المطالب الدولية والمشاركة فعلا في عملية حل النزاع سلميا مع اسرائيل. كما ان المطلوب من سوريا ان تقوم في الاجتماعات العربية والدولية بدور ايجابي بناء لدعم جهود السلام لا ان تقوم بدور محرض على استخدام القوة المسلحة لحل النزاع مع اسرائيل". واكدت المصادر ذاتها ان السوريين يدعمون الجهود السلمية لاوباما لكنهم ليسوا راغبين في تنفيذ المطالب الفرنسية لانهم يتحفظون عن الجهود المصرية ويدعمون بالتفاهم مع ايران "حماس" وليسوا مستعدين لمساندة محمود عباس والسلطة الفلسطينية.
ثانيا – تريد فرنسا اشراك سوريا ولبنان وفلسطين واسرائيل في قمة تنعقد في باريس نهاية هذه السنة في اطار الاتحاد المتوسطي وتشارك فيها ايضا الرباعية الدولية ودول عربية بارزة وذلك من اجل تعزيز فرص حل النزاع الفلسطيني – الاسرائيلي والعربي – الاسرائيلي ودعم جهود اوباما. وقدم الفرنسيون هذا الاقتراح الى الاسد. وافادت مصادر ديبلوماسية عربية مطلعة ان الاسد يرفض المشاركة في قمة عربية – دولية – اسرائيلية كهذه يحضرها رئيس الورزاء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي يعارض صراحة تعهد الانسحاب الكامل من الجولان في مقابل تحقيق السلام مع سوريا. ولم يتم التوصل الى اي تفاهم فرنسي – سوري على هذه القمة التي يعلق عليها ساركوزي اهمية خاصة.

 

الخلاف على ايران
 

ثالثا – سعى المسؤولون الفرنسيون الى تشجيع الاسد على التفاوض مع اسرائيل ولذلك اكدوا له وللمعلم ان فرنسا مستعدة للمشاركة في اي عملية تفاوض جديدة بين سوريا واسرائيل لحل النزاع سلميا بينهما، كما اكدوا له انهم مستعدون للمشاركة في اي ترتيبات امنية تعزز فرص السلام بين هذين البلدين. لكن الجانب السوري يرفض اجراء اي مفاوضات مباشرة مع اسرائيل قبل الحصول على التزام رسمي اسرائيلي للانسحاب الكامل من الجولان. وفي هذا المجال اكد ديبلوماسي اوروبي مطلع "ان المواقف متباعدة جدا بين سوريا واسرائيل وليس ممكنا توقع انطلاق المفاوضات بينهما في مستقبل منظور. وفرنسا ليست قادرة على تحريك عملية التفاوض بين السوريين والاسرائيليين".
رابعا – برز خلال هذه المحادثات خلاف جدي وعميق بين الجانبين الفرنسي والسوري على ايران. فقد ابلغ الفرنسيون السوريين ان فرنسا على اقتناع تام بان البرنامج النووي الايراني هو لأغراض عسكرية وان الايرانيين يريدون انتاج السلاح النووي، الامر الذي قد يؤدي الى حرب جديدة في المنطقة ويشكل تهديدا للامن والاستقرار الاقليميين والدوليين. لكن الجانب السوري دافع عن الخطط النووية لايران، مشددا على ان القيادة الايرانية "اكدت للاسد ان برنامجها النووي لاغراض سلمية وانه ليست لديها النية لانتاج السلاح النووي، والقيادة السورية تتبنى هذا الموقف الايراني". وفي الوقت الذي انتقد الجانب الفرنسي الدور السلبي لايران في المنطقة وممارسات النظام الايراني في حق الاصلاحيين، دافع الجانب السوري عن الدور الايراني في المنطقة وشدد على ان النظام الايراني "قوي وصلب" في الداخل.
خامسا – يبرز خلال المحادثات تباين في وجهات النظر في تقويم الوضع في لبنان، اذ شدد الجانب الفرنسي على ضرورة ان تتشكل حكومة وحدة وطنية تضم الغالبية والمعارضة برئاسة سعد الحريري بسرعة على اساس احترام الدستور واتفاق الطائف واحترام نتائج الانتخابات النيابية ووجود فريق منتصر فيها، كما شدد الجانب الفرنسي على ان الغالبية ابدت الكثير من المرونة والانفتاح في تعاملها مع الاقلية وان على السوريين التدخل لدى حلفائهم لتليين مواقفهم. ولم يرحب السوريون بهذا التقويم الفرنسي، ذلك انهم يبرزون اهمية دور المعارضة بقطع النظر عن نتائج الانتخابات، لكنهم وعدوا بالمساعدة على تشكيل الحكومة.
سادسا – ترفض فرنسا ان تتبنى وتدعم الموقف السوري من النزاع الحاد مع بغداد، اذ ان سوريا تنكر وجود اي نشاطات معادية للعراق انطلاقا من اراضيها. وشدد الجانب الفرنسي على ضرورة حل هذا النزاع سلميا وعبر الحوار بين بغداد ودمشق وعبر التعاون بين الجانبين، مما يعني، وفقا لديبلوماسي اوروبي مطلع، ان فرنسا تريد ان "يتفهم" نظام الاسد شكاوى السلطات العراقية من الاعمال الارهابية، ومن ان سوريا تحولت في السنوات الاخيرة قاعدة خلفية رئيسية للاعمال والنشاطات المعادية للنظام في بغداد وهي شكاوى يدعمها الاميركيون والبريطانيون واطراف آخرون.
وقال لنا ديبلوماسي اوروبي مطلع "ان الحوار الفرنسي – السوري نجح لبنانيا الى حد كبير، لكنه فشل اقليميا اذ لم يتم التوصل عبره الى استراتيجية مشتركة بين فرنسا وسوريا لمعالجة اي من المشكلات الاقليمية، بل ان مواقف فرنسا من قضايا الشرق الاوسط اقرب بكثير الى مواقف مصر والسعودية والاردن والسلطة الفلسطينية والدول العربية المعتدلة منها الى مواقف سوريا. ولكن على رغم ذلك، فان فرنسا تريد مواصلة الحوار مع نظام الاسد بهدف حماية لبنان المستقل ومحاولة اقناع هذا النظام بأن من مصلحة سوريا ان تنضم الى الدول العربية المعتدلة وان تتبع سياسات بناءة وايجابية وتساهم في تعزيز الامن والاستقرار في المنطقة بدل مواصلة تنفيذ سياسات متشددة بالتحالف مع ايران".
واضاف هذا الديبلوماسي: "ان ادارة اوباما تتعاطى بحزم وتشدد مع نظام الاسد، خلافا للتعامل الفرنسي مع هذا النظام. وترفض الادارة الاميركية تحسين العلاقات فعلا مع سوريا قبل ان ينفذ نظام الاسد مجموعة مطالب اميركية مدعومة دوليا وعربيا تتعلق خصوصا بلبنان وفلسطين والعراق والعلاقة مع ايران والنزاع مع اسرائيل".

بقلم عبد الكريم أبو النصر "يرى الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ان انفتاحه على سوريا انجاز ديبلوماسي مهم وانه شكل نموذجا اعتمدته ادارة الرئيس باراك اوباما في تعاملها مع نظام الرئيس بشار الاسد. والتقويم الموضوعي الدقيق للانفتاح الفرنسي على نظام الاسد الذي يثير الكثير من التساؤلات يُظهر ان هذا الانفتاح ساهم، مع جهود عربية ودولية اخرى، في تهدئة الاوضاع اللبنانية وفي احراز بعض التقدم على صعيد العلاقات بين لبنان وسوريا، لكنه لم يفتح صفحة جديدة كاملة بين هذين البلدين ولم يحدث اي اختراق سياسي في المنطقة ولم يحقق اي انجاز ملموس او تطور مهم، سواء على صعيد عملية السلام والاوضاع الفلسطينية عموما او على صعيد الموقف السوري من النزاع مع اسرائيل، او على صعيد تسوية المشكلة النووية الايرانية، او على صعيد مسار العلاقات الايرانية – الغربية والايرانية – العربية، او على صعيد معالجة الاوضاع في العراق، او على صعيد العلاقات العربية – الغربية والعربية – العربية. والاهم من ذلك ان هذا الانفتاح الفرنسي على سوريا لم يؤد الى احداث اي تغيير جذري وحقيقي في سياسات نظام الاسد وتوجهاته الاقليمية كما يتمنى الفرنسيون".
هذا ما اكدته لنا مصادر ديبلوماسية اوروبية في باريس وثيقة الاطلاع على تطور الحوار الفرنسي – السوري الذي انطلق صيف 2007 بقرار من ساركوزي وردا على سياسة القطيعة مع نظام الاسد التي اعتمدها الرئيس السابق جاك شيراك اثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه. ولقي الحوار الفرنسي – السوري لدى انطلاقه دعما قطريا قويا وواضحا وتحفظا مصريا – سعوديا لان الفرنسيين لم يحصلوا على ضمانات جدية من نظام الاسد لاعتماد سياسات ايجابية حيال لبنان وقضايا المنطقة في مقابل تحسين العلاقات مع فرنسا. وتركز الحوار الفرنسي – السوري منذ انطلاقه على قاعدتين اساسيتين:
الاولى: رفض السياسات الاقليمية المتشددة لنظام الاسد والعمل على تغييرها وعلى محاولة اضعاف تحالفه مع ايران تدريجا.
الثانية: رفض اي هيمنة سورية على لبنان والعمل في اطار هذا الحوار وعبر الاتصالات العربية والدولية على حماية استقلال هذا البلد وسيادته وامنه واستقراره.

الاسد يرفض قمة السلام
 

ماذا حقق الحوار الفرنسي – السوري فعلا وعمليا؟
المعلومات التي نملكها من مصادر ديبلوماسية اوروبية في باريس معنية بهذا الملف تكشف ان الانجاز الاكبر الذي حققه هذا الحوار هو انجاز لبناني وتم نتيجة التعاون بين فرنسا واميركا والسعودية ومصر ودول اخرى. ذلك ان فرنسا حرصت منذ البداية على ان يكون انفتاحها على سوريا لمصلحة  لبنان لا ان يشكل تفويضا للنظام السوري لادارة شؤون هذا البلد مجددا". لذلك يؤكد المسؤولون الفرنسيون للسوريين باستمرار انهم ملتزمون حماية استقلال لبنان وسيادته وامنه واستقراره وملتزمون دعم المحكمة الخاصة بلبنان، ويشددون على ان ما تريده فرنسا فعلا هو دفع نظام الاسد الى تقبل لبنان المستقل بصفة نهائية وحقيقية واقامة علاقات طبيعية معه ضمن هذا الاطار وعلى اساس "خريطة طريق" حددها الفرنسيون تشمل معالجة مختلف المشاكل العالقة بين سوريا ولبنان على قاعدة الاحترام المتبادل لاستقلال البلدين والتوقف عن التدخل في الشؤون اللبنانية والحرص على تأمين المصالح الحيوية المشروعة لكليهما بعيدا من الضغوط والتهديدات. والمهمة الفرنسية الصعبة لم تكتمل لبنانيا حتى الآن، لان نظام الاسد قام بخطوات محدودة حيال لبنان ابرزها تبادل العلاقات الديبلوماسية معه، لكنه لا يزال يقاوم اي مطالب فرنسية او عربية او دولية للتعامل مع لبنان كدولة مستقلة ذات سيادة فعلا ولاحترام ارادة شعبه.
في المقابل، لم تتمكن فرنسا عبر الحوار مع سوريا من إحداث اي تغيير جذري في السياسات الاقليمية لنظام الاسد، ولم تنجح في دفعه الى اعتماد سياسات ايجابية بناءة، فعلا لا قولا، تساهم في تعزيز الامن والاستقرار والسلام في المنطقة. ولم تتمكن فرنسا من اقناع نظام الاسد بفك تحالفه الوثيق مع ايران وبتقليص تأثير هذا التحالف على قراراته، بل ان النظام السوري لا يزال ينشط ويتحرك معتمدا على تحالفه القوي مع الجمهورية الاسلامية ومع حلفائه المتشددين في المنطقة، ولم تتمكن فرنسا عبر هذا الحوار من تحويل نظام الاسد حليفا حقيقيا للغرب وللدول العربية المعتدلة، كما لم تتمكن من التوصل الى اي تفاهمات مع الاسد على اي من القضايا الاقليمية المهمة والاساسية في ما عدا التفاهم الجزئي غير المكتمل على لبنان. وفي رأي ديبلوماسي اوروبي مطلع "ان ذلك كله يثبت ان الحوار الفرنسي – السوري محدود التأثير على قرارات نظام الاسد وسياساته وان هذا النظام ليس راغبا فعلا في احداث التغييرات الجذرية التي تطلبها منه الدول البارزة والمؤثرة وعلى رأسها اميركا وفرنسا والسعودية ومصر".
وحقائق العلاقات بين فرنسا وسوريا يوضحها ويؤكدها مضمون المحادثات التي جرت حديثا بين البلدين في شأن قضايا المنطقة، سواء خلال زيارة وزير الخارجية السوري وليد المعلم لباريس في نهاية ايلول الماضي ولقاءاته مع وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير ومع الرئيس ساركوزي ومستشاريه، او خلال اجتماع موفدي الرئيس الفرنسي كلود غيان الامين العام للرئاسة وجان – دافيد ليفيت مستشار ساركوزي للشؤون الديبلوماسية مع الاسد في دمشق مطلع هذا الشهر. وفي معلومات خاصة لمصادر ديبلوماسية اوروبية في باريس معنية بالامر ان هذه المحادثات الفرنسية – السورية تناولت القضايا الاساسية الآتية:
اولا – عملية السلام. وقد رفضت  فرنسا تبني الموقف السوري من عملية السلام ومن الاوضاع في الساحة الفلسطينية وطلبت من سوريا دعم جهود ادارة اوباما لتحقيق السلام في المنطقة على اساس انه "ليس ثمة خيار آخر سوى مساندة الجهود الديبلوماسية الاميركية" ومن منطلق ان الرئيس الاميركي مصمم على حل النزاع العربي – الاسرائيلي واقامة الدولة الفلسطينية. وشدد الجانب الفرنسي خلال المحادثات مع السوريين على انه "ليس مطلوبا من سوريا اتخاذ اجراءات لاقامة علاقات طبيعية مع اسرائيل قبل التوصل الى سلام معها، بل ان المطلوب من نظام الاسد دعم الجهود المصرية لتحقيق المصالحة الفلسطينية وتشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية مقبولة لدى المجتمع الدولي، والمطلوب من نظام الاسد ايضا مساندة الرئيس محمود عباس والسلطة الفلسطينية ودفع "حماس" الى تبني سياسة واقعية ومرنة والى تقبل المطالب الدولية والمشاركة فعلا في عملية حل النزاع سلميا مع اسرائيل. كما ان المطلوب من سوريا ان تقوم في الاجتماعات العربية والدولية بدور ايجابي بناء لدعم جهود السلام لا ان تقوم بدور محرض على استخدام القوة المسلحة لحل النزاع مع اسرائيل". واكدت المصادر ذاتها ان السوريين يدعمون الجهود السلمية لاوباما لكنهم ليسوا راغبين في تنفيذ المطالب الفرنسية لانهم يتحفظون عن الجهود المصرية ويدعمون بالتفاهم مع ايران "حماس" وليسوا مستعدين لمساندة محمود عباس والسلطة الفلسطينية.
ثانيا – تريد فرنسا اشراك سوريا ولبنان وفلسطين واسرائيل في قمة تنعقد في باريس نهاية هذه السنة في اطار الاتحاد المتوسطي وتشارك فيها ايضا الرباعية الدولية ودول عربية بارزة وذلك من اجل تعزيز فرص حل النزاع الفلسطيني – الاسرائيلي والعربي – الاسرائيلي ودعم جهود اوباما. وقدم الفرنسيون هذا الاقتراح الى الاسد. وافادت مصادر ديبلوماسية عربية مطلعة ان الاسد يرفض المشاركة في قمة عربية – دولية – اسرائيلية كهذه يحضرها رئيس الورزاء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي يعارض صراحة تعهد الانسحاب الكامل من الجولان في مقابل تحقيق السلام مع سوريا. ولم يتم التوصل الى اي تفاهم فرنسي – سوري على هذه القمة التي يعلق عليها ساركوزي اهمية خاصة.

 

الخلاف على ايران
 

ثالثا – سعى المسؤولون الفرنسيون الى تشجيع الاسد على التفاوض مع اسرائيل ولذلك اكدوا له وللمعلم ان فرنسا مستعدة للمشاركة في اي عملية تفاوض جديدة بين سوريا واسرائيل لحل النزاع سلميا بينهما، كما اكدوا له انهم مستعدون للمشاركة في اي ترتيبات امنية تعزز فرص السلام بين هذين البلدين. لكن الجانب السوري يرفض اجراء اي مفاوضات مباشرة مع اسرائيل قبل الحصول على التزام رسمي اسرائيلي للانسحاب الكامل من الجولان. وفي هذا المجال اكد ديبلوماسي اوروبي مطلع "ان المواقف متباعدة جدا بين سوريا واسرائيل وليس ممكنا توقع انطلاق المفاوضات بينهما في مستقبل منظور. وفرنسا ليست قادرة على تحريك عملية التفاوض بين السوريين والاسرائيليين".
رابعا – برز خلال هذه المحادثات خلاف جدي وعميق بين الجانبين الفرنسي والسوري على ايران. فقد ابلغ الفرنسيون السوريين ان فرنسا على اقتناع تام بان البرنامج النووي الايراني هو لأغراض عسكرية وان الايرانيين يريدون انتاج السلاح النووي، الامر الذي قد يؤدي الى حرب جديدة في المنطقة ويشكل تهديدا للامن والاستقرار الاقليميين والدوليين. لكن الجانب السوري دافع عن الخطط النووية لايران، مشددا على ان القيادة الايرانية "اكدت للاسد ان برنامجها النووي لاغراض سلمية وانه ليست لديها النية لانتاج السلاح النووي، والقيادة السورية تتبنى هذا الموقف الايراني". وفي الوقت الذي انتقد الجانب الفرنسي الدور السلبي لايران في المنطقة وممارسات النظام الايراني في حق الاصلاحيين، دافع الجانب السوري عن الدور الايراني في المنطقة وشدد على ان النظام الايراني "قوي وصلب" في الداخل.
خامسا – يبرز خلال المحادثات تباين في وجهات النظر في تقويم الوضع في لبنان، اذ شدد الجانب الفرنسي على ضرورة ان تتشكل حكومة وحدة وطنية تضم الغالبية والمعارضة برئاسة سعد الحريري بسرعة على اساس احترام الدستور واتفاق الطائف واحترام نتائج الانتخابات النيابية ووجود فريق منتصر فيها، كما شدد الجانب الفرنسي على ان الغالبية ابدت الكثير من المرونة والانفتاح في تعاملها مع الاقلية وان على السوريين التدخل لدى حلفائهم لتليين مواقفهم. ولم يرحب السوريون بهذا التقويم الفرنسي، ذلك انهم يبرزون اهمية دور المعارضة بقطع النظر عن نتائج الانتخابات، لكنهم وعدوا بالمساعدة على تشكيل الحكومة.
سادسا – ترفض فرنسا ان تتبنى وتدعم الموقف السوري من النزاع الحاد مع بغداد، اذ ان سوريا تنكر وجود اي نشاطات معادية للعراق انطلاقا من اراضيها. وشدد الجانب الفرنسي على ضرورة حل هذا النزاع سلميا وعبر الحوار بين بغداد ودمشق وعبر التعاون بين الجانبين، مما يعني، وفقا لديبلوماسي اوروبي مطلع، ان فرنسا تريد ان "يتفهم" نظام الاسد شكاوى السلطات العراقية من الاعمال الارهابية، ومن ان سوريا تحولت في السنوات الاخيرة قاعدة خلفية رئيسية للاعمال والنشاطات المعادية للنظام في بغداد وهي شكاوى يدعمها الاميركيون والبريطانيون واطراف آخرون.
وقال لنا ديبلوماسي اوروبي مطلع "ان الحوار الفرنسي – السوري نجح لبنانيا الى حد كبير، لكنه فشل اقليميا اذ لم يتم التوصل عبره الى استراتيجية مشتركة بين فرنسا وسوريا لمعالجة اي من المشكلات الاقليمية، بل ان مواقف فرنسا من قضايا الشرق الاوسط اقرب بكثير الى مواقف مصر والسعودية والاردن والسلطة الفلسطينية والدول العربية المعتدلة منها الى مواقف سوريا. ولكن على رغم ذلك، فان فرنسا تريد مواصلة الحوار مع نظام الاسد بهدف حماية لبنان المستقل ومحاولة اقناع هذا النظام بأن من مصلحة سوريا ان تنضم الى الدول العربية المعتدلة وان تتبع سياسات بناءة وايجابية وتساهم في تعزيز الامن والاستقرار في المنطقة بدل مواصلة تنفيذ سياسات متشددة بالتحالف مع ايران".
واضاف هذا الديبلوماسي: "ان ادارة اوباما تتعاطى بحزم وتشدد مع نظام الاسد، خلافا للتعامل الفرنسي مع هذا النظام. وترفض الادارة الاميركية تحسين العلاقات فعلا مع سوريا قبل ان ينفذ نظام الاسد مجموعة مطالب اميركية مدعومة دوليا وعربيا تتعلق خصوصا بلبنان وفلسطين والعراق والعلاقة مع ايران والنزاع مع اسرائيل".

بقلم عبد الكريم أبو النصر 


المصدر: جريدة النهار

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,123,434

عدد الزوار: 6,754,742

المتواجدون الآن: 102