تفاقم العنف الاجتماعي في الأردن: تنفيس احتقانات أم ضعف بين المجتمع والدولة؟

تاريخ الإضافة الأحد 27 أيلول 2009 - 6:48 ص    عدد الزيارات 4091    التعليقات 0    القسم عربية

        


عمان - من عمر عساف:
في أول أيام عيد الفطر تبادل الأردنيون التهاني على وقع خبر مقتل شخص في بلدة عنجرة بمحافظة عجلون شمال المملكة، في مشاجرة كبيرة حصلت بين عشيرتي الزغول وبني فواز ونجم عنها كذلك إصابات وخسائر مادية في المحال التجارية في البلدة.
 وقضى  شخص آخر "خطأ"، اذ دهسته عربة مدرعة لقوى الامن كانت تعمل على وقف العنف الذي ساد البلدة، وتعهد رئيس الوزراء نادر الذهبي، الذي زار البلدة وقدم واجب العزاء الى اهالي الضحيتين، تعويض الخسائر.
 وفي ثاني أيام العيد قتل أحد أفراد عشيرة الرشدان في مدينة الرمثا على الحدود مع سوريا في مشاجرة مع عشيرة الزعبية إحدى أكبر عشائر المملكة.
 وقبل ذلك بشهر، في أول أيام رمضان، نشب شجار كبير في بلدة صخرة القريبة من عنجرة بين عشيرتي الصمادية والمومنية (وهما من أكبر عشائر المنطقة) بعد مقتل أحد أبناء  الأخيرة على يد أنسبائه الصمادية، واستمرت الأحداث أياماً عدة أصيب خلالها عدد من أبناء العشيرتين.
 ولم تنفع تدخلات الأجهزة الأمنية في وضع حد للنزاع، الى ان تمكن رئيس الوزراء السابق عبد الرؤوف الروابدة بعد أيام من المفاوضات من تهدئة الوضع بين العشيرتين التي تربطهما وشائج النسب والمصاهرة مدى عشرات السنين.
 وقبل ذلك بأسبوعين، قتل شخص من عشيرة القرعان ابن شقيقته الذي ينتمي إلى عشيرة العلاونة في بلدة الطيبة بمحافظة إربد الشمالية أعقبتها ايضاً مصادمات بين العشيرتين.
وجنوباً إلى الكرك،  وفي غضون شهرين، وقعت ثماني مشاجرات بين عشائر المنطقة، بينها اثنتان بين أفخاذ من عشيرة الطراونة قتل فيهما رجلان، ومشاجرات اخرى بين أفخاذ من قبيلة بني حميدة إحدى أكبر قبائل الأردن، ونزحت أعداد كبيرة من أبناء هذه العشائر عن مساكنهم.
وما حدث في الكرك كان أقل وطأة، ذلك ان البنى العشائرية هناك اثبتت قدرتها على الإمساك بزمام الأمور والحد من تفاقم الأحداث وتوسعها.
ومدى الشهرين الماضيين كانت  هذه الحوادث الابرز عند الأردنيين، مترافقة مع مشاعر من الغضب والأسف لهذا النمط من السلوك الذي لم يتعودوه منذ عشرات السنين.
 

لماذا؟

سؤالان اساسيان شغلا الاردنيين هما: لماذا يحصل ذلك؟ وأين الدولة؟


 

حوادث قتل كثيرة تقع في الاردن لاسباب شتى، والعرف السائد هو أن يجلو ذوو القاتل عن أماكن سكناهم لمنع التصادم مع أهل الضحية نتيجة "فورة الدم"، ويتدخل وجوه العشائر لإصلاح ذات البين بين ذوي القاتل والمقتول وعقد الصلح بينهما، بينما تأخذ إجراءات التقاضي المدني طريقها في محاكمة القاتل وفقاً للقوانين المرعية.


 

لكن هذا العرف المتبع منذ مئات السنين لم يجد مكانا له خلال أحداث الشهرين الماضيين ليتحول ظاهرة لم تدرس بعد ولم يبذل أي جهد حقيقي للبحث فيها بغية فهمها ومعرفة أسباب هذا السلوك غير المعتاد وطرح الحلول.


 

ويلقي بعض المسؤولين  اللوم على الإعلام ويتهمونه بتضخيم الأمور، وخصوصا الإعلام الإلكتروني، ويزيدون بتحميله مسؤولية تفاقم الأحداث من خلال طريقة النشر المستندة إلى التهويل وعدم تحري الدقة أو المصلحة الوطنية، وكذلك التعليقات على هذا النوع من الأخبار، والتي يقولون إنها تعزز الكراهية بين الناس.


 

غير أن معظم التعليقات كان يتركز على رفض هذه الأحداث ويبدي اشمئزازه منها، فيما يردّ إعلاميون بأن وسائل الإعلام تكشف سلوكا اجتماعيا يحدث بصورة شبه يومية ويأخذ منحى مختلفا عن السابق ويضعون الناس في صورة ما يحدث في مجتمعهم، وهي وظيفة الإعلام الرئيسية.


 

ولا يؤمن المتخصصون الاجتماعيون بالتغير الاجتماعي المفاجئ، ويرون أن أي تغيير، سلبا كان أم إيجابا، هو نتاج سلسلة من التطورات والتغيرات السابقة وليس وليد اللحظة.


 

ويرى مراقبون أن ما حدث في الشهرين الماضيين لم يشكل تزايدا في معدلات الجريمة في المملكة، بل، بخلاف ذلك، تؤكد الأرقام الإحصائية السنوية تدني نسب الجرائم قياسا إلى النسب السكانية.


 

ويقول بعض هؤلاء، ان ما يجري يدل على عجز البنى الاجتماعية التقليدية في المجتمع (الزعامات القبلية) عن التعامل مع هذه الحوادث التي تحصل دائما، والتي تم ضبطها في وقت قياسي وبقدرة فائقة على السيطرة، بسبب رصيد هذه الزعامات الاجتماعي التاريخي وتمتعها باحترام سائر أفراد المجتمع. ويعتقدون أن هذه الزعامات تنحسر، كما تنحسر مكانتها بسبب "تهتك البنية العشائرية في المجتمع وعدم بروز بدائل أخرى كافية لملء الفراغ الذي أحدثه انحسارها".



 

 الوضع الاقتصادي

ويختلف المراقبون في شأن مدى تأثير تزايد تردي الوضع الاقتصادي وآثاره الاجتماعية على تفاقم العنف الاجتماعي وخروجه عن السيطرة. فبينما يعتقد بعضهم أن العنف هو تنفيس عن الاحتقانات المتولدة عن العامل الاقتصادي، يقلل آخرون أهميته، ويرون أنه لا يعدو كونه عاملا ضاغطا وليس رئيساً.



 

أين الدولة؟

وبينما يشدد المسؤولون الحكوميون على ضرورة احترام المواطنين لهيبة الدولة ولسلطة أجهزة الأمن، لا تجد هذه الدعوة آذاناً صاغية. ويعتقد المراقبون أن على الحكومة، بدل الخوض في هذا الحديث، البحث عن أسباب عدم ثقة الناس بها وبأجهزتها في فرض وجودها. وهم بذلك لا يقصدون القوة المادية "المتضخمة" للحكومة من خلال أذرعها الأمنية (الدرك والأمن العام)، والحكام الإداريين، وإنما في تجديد ثقة المواطنين بقوتها المعنوية بصفتها المسؤولة عن الأمن والأمان، وقدرتها على ملء الفراغ الذي أحدثه انحسار دور الزعامات القبلية وعدم قدرة بقية مؤسسات المجتمع المدني على ملئه. ويشيرون إلى أن من أسباب عدم ثقة المواطنين بقدرة الدولة هو الفساد، وضعف الحكام الإداريين في التعامل مع الأزمات والأحداث أو اكتساب احترام أفراد المجتمع لهم.


 

فهل تعكف الحكومة ومراكز البحث والدراسات على درس هذه المتغيرات في السلوك الاجتماعي الأردني، أم تتغاضى عنها كما تفعل في مجالات كثيرة؟


المصدر: جريدة النهار

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,140,393

عدد الزوار: 6,756,543

المتواجدون الآن: 125