استراتيجية أوباما للأمن القومي: حوار وتعامل مع مراكز نفوذ جديدة

تاريخ الإضافة الجمعة 28 أيار 2010 - 6:37 ص    عدد الزيارات 2889    التعليقات 0    القسم دولية

        


رأى الرئيس الاميركي باراك اوباما، في تحوّل نوعي  عن سياسات سلفه جورج بوش الاحادية الجانب، ان صون القيادة الاميركية في العالم، ومعالجة التحديات الاستراتيجية والامنية التي تواجهها الولايات المتحدة، تتطلب حلولا وسياسات تتخطى الاجراءات العسكرية، وتقتضي تعاونا متطورا مع القوى الاخرى في العالم، واحياء لدور المؤسسات الدولية.
وأعتمد أوباما في "استراتيجية الامن القومي"، وهو التقرير الاول يصدره ويتضمن أولوياته الاستراتيجية، على مفهوم أوسع للامن القومي يشمل تعزيز الاقتصاد  والعلوم والتعليم "لان المعرفة رأس مال" وتطوير مصادر الطاقة البديلة، مشددا على  ان "أمننا القومي يبدأ في الوطن... والابداع الاميركي يجب ان يكون اساسا للقوة الاميركية".
وعلى نقيض المفاهيم الاستراتيجية لجورج بوش، لا تلوح استراتيجية اوباما او تهدد بامكان شن حروب وقائية، مع الاحتفاظ بالحق في استخدام القوة العسكرية من جانب واحد اذا دعت الحاجة ولكن بطريقة لا تتعارض والقيم الاميركية وبدعم من المؤسسات الدولية.
ومع ان مكافحة تنظيم القاعدة والقوى المتحالفة معه، بما في ذلك تكثيف الغارات التي تشنها الطائرات من دون طيار على جانبي الحدود الباكستانية – الافغانية، لا يزال محوريا في هذه الاستراتيجية، الا انها لا تنطلق من هاجس "مكافحة الارهاب" كما كان الحال خلال حقبة بوش، لان الجهود الرامية "الى مكافحة التطرف العنيف" (اوباما وكبار المسؤولين في حكومته يرفضون استخدام عبارة "التطرف الاسلامي") هي عنصر واحد من مناخنا الاستراتيجي ويجب الا تحدد كيف تتعامل اميركا مع العالم".
وعكس ادارة بوش التي شنت حربا "على الارهاب"، ترفض ادارة اوباما هذا المفهوم، لان الارهاب، كما قال المستشار الرئاسي لمكافحة الارهاب جون برينن اول من امس في شرح أول للاستراتيجية الجديدة هو  مجرد تكتيك، كما رفض وصف الحرب بانها على الجهاديين او الاسلاميين، مشيرا الى ان الجهاد الحقيقي يرفض قتل الابرياء، وشدد على ان الحرب التي تخوضها اميركا اليوم هي على "القاعدة وشركائها الارهابيين".
وعبّرت الاستراتيجية الجديدة، المؤلفة من 52 صفحة، عن هذا المفهوم  حين قالت ان الحرب التي تقودها اميركا "ليست حربا ضد  تكتيك  هو الارهاب، او على الدين الاسلامي. نحن في حال حرب مع شبكة محددة هي القاعدة وشركاؤها الارهابيون الذين يؤيدون الجهود الرامية الى مهاجمة الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها". ويقضي قانون اقر في 1986 بان يقدم الرئيس الى الكونغرس تقريرا سنويا عن مفهومه او اولوياته المتعلقة بالامن القومي، لكن معظم الرؤساء يتفادون تقديم تقارير سنوية. وخلال ولايتيه قدم بوش تقريرين فقط، وهذا التقرير الاول يقدمه اوباما بعد  سنة ونصف سنة من وصوله الى البيت الابيض.
وتعكس الاستراتيجية الجديدة مفهوم اوباما المعقد لعالم متغير برزت فيه قوى اخرى من خارج الغرب مثل الصين والهند والبرازيل، بينما تواجه الولايات المتحدة تحديات اقتصادية كبيرة، وهي عناصر تبرز بشكل نافر أكثر، محدودية القوة الاميركية في بداية القرن الحادي والعشرين.
واعتبر اوباما في المقدمة التي كتبها للاستراتيجية الجديدة ان اميركا " التي صلبتها الحرب... والتي ضبطتها ازمة اقتصادية مدمرة.." لا تستطيع ان تواصل حروبها في افغانستان والعراق، وفي الوقت ذاته تحقيق التزاماتها الداخلية والخارجية الاخرى.
ومع انه يؤكد "في الوقت الذي نقاتل في الحروب امامنا، علينا ان نرى الافق وراءها، اي عالم تكون فيه اميركا اقوى وأكثر أمنا وقادرة على تخطي التحديات..." الا انه يضيف محذرا من ان "اعباء القرن اليافع يجب الا تقع على اكتاف الاميركيين وحدهم، وفي الواقع ان خصومنا يريدون ان يروا اميركا وهي تهدر قوتها وان تنشرها في العالم".
 وفي هذا السياق يقول اوباما ان نجاح الاجراءات والسياسات الاميركية يكون مضمونا اذا جاءت في سياق تعاون دولي، مشيرا الى ان هذا بالضبط ما قامت به الولايات المتحدة عقب الحرب العالمية الثانية حين اوجدت مؤسسات دولية ساعدتها في الحرب الباردة ( مثل حلف شمال الاطلسي وغيره). واضاف: "اميركا لم تنجح عندما خرجت من اطار التعاون الدولي". ووضع اوباما الاميركيين امام تحدياتهم حين اعترف بان "عظمة اميركا غير مضمونة، لان مكان كل جيل في التاريخ هو سؤال لا جواب عنه"، وان التحدي هو ان لا يجيب الاخرون عن هذا السؤال بل ان يجيب عليه الاميركيون انفسهم.
وبينما رفضت استراتيجية بوش للامن القومي قبول اميركا ببروز أي قوة دولية منافسة لها، فان استراتيجية اوباما لا ترى ان هناك خطر كهذا في المستقبل القريب، وتقول ان على  اميركا ان "ترى العالم كما هو"، الامر الذي يعني توسيع التحاور والتعامل مع "مراكز نفوذ جديدة، بما فيها الصين والهند وروسيا، الى دول تزداد نفوذا مثل البرازيل وجنوب افريقيا واندونيسيا". كما تشير الى ان اوباما يريد الانتقال من مجموعة الدول الصناعية الثماني الى مجموعة  العشرين واعتبارها "المنبر الرئيسي للتعاون الاقتصادي العالمي".
وفي القسم المتعلق باستخدام القوة العسكرية لا تشير الاستراتيجية الجديدة الى استخدام القوة العسكرية استباقياً او وقائياً ضد الدول او التنظيمات كما كان الحال خلال حقبة بوش، لكن الاستراتيجية لا ترفض مبدأ توجيه الضربة الاولى. وجاء فيها: "مع ان استخدام القوة يكون ضروريا احيانا، فاننا سنجرب كل الخيارات قبل الحرب كلما استطعنا ذلك، وسوف نوازن بدقة بين ثمن ومجازفات كل اجراء ضد كلفة او مجازفات عدم اتخاذ أي إجراء... وسوف نسعى الى الحصول على دعم دولي واسع من خلال العمل مع مؤسسات مثل حلف شمال الاطلسي ومجلس الامن للامم المتحدة".
وفي تعاملها مع دول مثل العراق وافغانستان وباكستان وايران وكوريا الشمالية، ظلت الاستراتيجية الجديدة قريبة جدا من مواقف ادارة بوش السابقة. فهي تدعو الى اعطاء "خيار واضح" لكل من ايران وكوريا الشمالية لوقف تسلحهما النووي، وتشدد على ان اميركا ستواصل العمل لمنع انتشار الاسلحة النووية في شبه الجزيرة الكورية، "وسوف تعمل على منع ايران من تطوير سلاح نووي". وتضيف انه اذا رفضت الدولتان خيار الاندماج الاقتصادي والسياسي في العالم واصرتا على الخيار النووي". عندها سوف نسعى بوسائل متنوعة لزيادة عزلتهما وضمان امتثالهما للاعراف الدولية المتعلقة بحظر انتشار الاسلحة النووية".
وتذكر الاستراتيجية ان ثمة مصلحة اميركية واسرائيلية وفلسطينية وعربية في تحقيق السلام الشامل في المنطقة بين دولة يهودية في اسرائيل ودولة فلسطينية مستقلة بطريقة تنهي الاحتلال الذي بدأ في 1967، الى السعي لتحقيق السلام بين اسرائيل ولبنان واسرائيل وسوريا.
وبينما تفادت الاستراتيجية الجديدة اعتبار مسألة نشر الديموقراطية في العالم من ابرز اولوياتها، كما فعلت ادارة بوش، رحبت بالحركات الديموقراطية في العالم، ودعمت االمؤسسات الديموقراطية في الدول الديموقراطية الفتية.

 

كلينتون

وشرحت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون استراتيجية الامن القومي" في كلمة امام معهد بروكلينغز بواشنطن وتطرقت الى الصراع العربي – الاسرائيلي، فكررت ما قالته اخيراً امام اللجنة الاميركية – الاسرائيلية للشؤون العامة "ايباك" من ان العوامل الديموغرافية والايديولوجية والتقنية في المنطقة لا تصب في مصلحة اسرائيل. وقالت: "كما تعلم اذا ارادت اسرائيل ان تبقى دولة ديموقراطية يهودية، فعليها ان تتعامل مع مواطنيها العرب ايضا، واذا ارادت ان تبقى دولة ديموقراطية يهودية آمنة، فعليها ان تعترف بأن التقنية المتقدمة ستجعل كل بقعة في اسرائيل اقل أمناً الا اذا تم التوصل الى حل. واذا كانت للاسرائيليين نظرة بعيدة المدى في شأن كيف يجب ان يعيشوا مع جيرانهم فعليهم ان يتعاملوا مع ايديولوجية رفضية تنمو وتتفاقم نتيجة الاخفاق في ايجاد الحل المبني على اساس حل الدولتين".
وأكدت ان واشنطن ليست اقل قوة في العالم "ولكن علينا استخدام قوتنا بطرق مختلفة".
 

واشنطن – من هشام ملحم     


المصدر: جريدة النهار

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,459,898

عدد الزوار: 6,992,363

المتواجدون الآن: 73