لبنان: انتهاكات مسلّحة واعتداءات على صحافيين ورقابة على نشاطات ثقافية

تاريخ الإضافة الخميس 19 شباط 2009 - 11:13 ص    عدد الزيارات 5493    التعليقات 0    القسم دولية

        


"سكايز" يرصد تراجعاً في الحريات الإعلامية والثقافية في سوريا والأردن وفلسطين
لبنان: انتهاكات مسلّحة واعتداءات على صحافيين ورقابة على نشاطات ثقافية

"لم يحاسب قضائيا اي شخص على الاعتداءات التي اتصلت بالحريات الاعلامية والثقافية في لبنان وسوريا وفلسطين والاردن": خلاصة سوداوية انتهى اليها التقرير السنوي الذي اعدّه "مركز الدفاع عن الحريات الاعلامية والثقافية" (سكايز).
هكذا كانت المعادلة خلال عام 2008: اعتداءات بوتيرة مرتفعة عبر استهداف صحافيين او قتلهم، او من خلال الاعتداء على مباني وسائل اعلام ومنازل الاعلاميين، وما من محاسبة لاي من قتلة الصحافيين.
ملاحظة ضمّنها المركز في مقدمة تقريره، ليشير الى ان "ثمة تراجعا في الحريات الاعلامية والثقافية". وفي التقرير الذي يتألف من 11 صفحة، جردة لأربعة بلدان، و"لا تفاؤل، اذا ما قارنّا الحوادث بتلك التي جرت في العام الماضي". يعلّق منسق الابحاث في المركز عمرو سعد الدين خلال مؤتمر عقد في مبنى المركز في السيوفي لإعلان التقرير.
ووسط التأزّم السياسي المحلي والتصنيفات التي تطلق على الصحافيين، سعى التقرير الى تحقيق توازن واضح، بحيث رصد كل الاعتداءات التي تعرّض لها صحافيون لبنانيون من كل المحطات الموالية والمعارضة، اذ ورد في التقرير العبارة الآتية: "(...) اعتدى متظاهرون ومتجمهرون، موالون للحكومة او معارضون لها، بالضرب على صحافيين ينتمون الى مؤسسات اعلامية مختلفة في بيروت اثناء تغطيتهم الاضطرابات (...)".
بالطبع، لم يغفل التقرير "الفترة الممتدة من 7 ايار الى 12 منه، فقد اغلقت مؤسسات اعلامية بقوة السلاح من عناصر مسلحة من فريق 8 آذار، وجرت اعتداءات على صحافيين من اطراف متعددة (...)، واحرق احد مباني تلفزيون المستقبل في الروشة على يد عناصر مسلحة من الحزب السوري القومي الاجتماعي (...)".
في هذا السياق، لفتت نائبة مدير المركز كارمن ابو جودة الى "الضغوط التي يتعرّض لها عدد من الصحافيين داخل مؤسساتهم الاعلامية، بسبب التزامهم خطا سياسيا معينا، مما يعرقل عملهم ويحدّ من مهنيتهم". انه واقع لبناني – اعلامي دفع ببعض الصحافيين الى عدم حضور المؤتمر، ربما لأسباب سياسية، تقول ابو جودة: "على رغم ان التقرير متوازن، ويهدف بدرجة اولى الى رصد كل الانتهاكات، بغض النظر عن هوية الصحافيين، الا ان البعض فضل عدم المجيء، وان كانت القضية قضيتهم. غايتنا الاولى، حماية الصحافيين، وانما عليهم ان يساعدونا اولا".
كذلك، لا يزال الامن العام "طرفا ثقافيا" يمارس رقابته على الكتب والانشطة الثقافية، فيضع انتاج المثقفين تحت رهن اشارته، وهذه اكبر مفارقة في "بلد التنوع الثقافي". ففي آذار الماضي، منع الامن العام اللبناني عرض الفيلم الفرنسي – الايراني "بيرسيبوليس" للمخرجة مرجان ساترابي، قبل ان يجري التراجع عن القرار بعد تدخل وزير الثقافة.
اما عربيا، فالصورة ليست بأفضل. وانسجاما مع هدف "سكايز" لرصد الاعتداءات في بلدان المشرق العربي: سوريا، فلسطين، الاردن، وصولا الى العالم العربي بأكمله، افرد التقرير مساحات واسعة لهذه البلدان، وان كانت الصورة الاكثر دموية وبشاعة طبعت المشهد العام في فلسطين، بسبب حرب غزة الاخيرة. ومواكبة للتطورات، اسس المركز لجنة تحضيرية لرصد الاوضاع في غزة والضفة الغربية، فسجل بذلك انتهاكات من الجانب الاسرائيلي ومن الجانب الفلسطيني الداخلي ايضا، وافرد ملحقا خاصا بعنوان: "الحرب على غزة: توثيق اعتداءات الاحتلال على الاعلام الفلسطيني".
ومن الانتهاكات: "قتل اربعة صحافيين وقصف وسائل اعلامية في شكل مقصود، والاعتقال الاداري في حق صحافيين وفق قوانين الطوارئ، اضافة الى تجاوز القوانين في فلسطين واعتداءات مارسها جهازا المخابرات والامن الوقائي التابعين للسلطة الفلسطينية وممارسة التعذيب بلا محاسبة".
وفي سوريا: اعتداءات مسلّحة واحكام جائرة ومسيّسة بالسجن، وقتل مراسل "المرصد السوري لحقوق الانسان" سامي معتوق، فضلا عن استمرار تطبيق قانون الطوارئ، كما لم يسلم الصحافيون في الاردن من ضرب السكاكين وحالات التهديد والتي تجري بوتيرة تصاعدية، واللافت ان سلسلة من الاعتداءات لم تعلن، الامر الذي يشجع على اعتداءات اضافية".
ثقافيا واعلاميا، سعى "سكايز" في هذا التقرير الى توسيع مروحة المراقبة والرصد وصولا الى تأمين الحماية، وهو ينشط في هذا الصدد عبر تنظيم ورش عمل. الاّ ان المركز لا يضع نفسه بديلا من الصحافيين انفسهم، داعيا اياهم الى تبليغ المركز، على الرقم 372717 -03 ( وهو رقم الصحافي الشهيد سمير قصير) عن اي اعتداء لمتابعته الى النهاية.
وفي الآتي نص التقرير:
يلحظ تقرير "سكايز" السنوي لعام 2008 تراجعاً في الحريات الإعلامية والثقافية في كلّ من لبنان وسوريا وفلسطين والأردن. ويشير الى المحطات الأساسية في هذا السياق.
اختتم العام الماضي بحرب اسرائيلية على قطاع غزة، أدت إلى مقتل أربعة صحافيين، وقصف وسائل اعلامية في شكل مقصود، واستهداف منازل صحافيين، ومنع مراسلين إعلاميين من دخول القطاع. وشهد العام الماضي اعتداءات مسلحة على صحافيين ومؤسسات إعلامية، وخصوصاً في سوريا حيث قتل صحافي، وفي لبنان حيث أغلقت وسائل إعلام بقوة السلاح على ايدي عناصر مسلّحة موالية لقوى "8 آذار" المعارضة للحكومة اللبنانيّة آنذاك.
واستمرت الإعتداءات بوتيرة مرتفعة في فلسطين، وكذلك في الأردن وتحديداً في الفصل الأخير من السنة. ومع انتهاء عام 2008، لم يُحاسب أيّ من قتلة الصحافيين في السنوات الأخيرة في كلّ من لبنان وسوريا وفلسطين والأردن.
وفي مجال الاعتداءات ذات الصفة القضائيّة، صدرت في سوريا، في تشرين الأول الماضي، أحكام مسيّسة وجائرة بالحبس على إثني عشر كاتباً وصحافياً وناشطاً من موقعي وثيقة "إعلان دمشق". وفي البلدان الاربعة التي يتناولها تقرير "سكايز"، لم يحصل أيّ تطوير في قوانين المطبوعات والنشر طوال العام، بل جرى تجاوز القوانين القائمة في كثير من الأحيان. وابتدعت الحكومة المقالة في قطاع غزة قوانين لا دستورية في تعاملها مع الصحافيين، بينما تجاوزت الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية قرارات المحاكم المدنية التي برأت الصحافيين تكرارا، وبينهم صحافيان لا يزالان معتقلين. وظلّ الإعلام المستقل عن السلطات السياسية والحزبية الأضعف عموماً، بين وسائل الإعلام في بلدان المنطقة. واستمر، وإن بتفاوت، ضعف نقابات الصحافيين واتحادات الكتاب، بحيث تهاونت في واجب الدفاع بفاعلية عن الصحافيين والكتاب وعن حرياتهم. كما لم تعلن أيّ مواثيق أخلاقية جدية تنهي التحريض بين وسائل الإعلام، مع الحفاظ على النقد، وتحديداً في لبنان وفلسطين.
أما في مجال قمع الحريات الثقافية، فيسجّل التقرير ثلاث محطات أساسية تشمل تصاعد منع الكتب، وممارسة الرقابة الدينية على الثقافة في الأردن، والممارسات الرقابية للأمن العام اللبناني على الثقافة، واستمرار قمع الثقافة الكردية في سوريا.
وقد أُلحق بهذا التقرير توثيق للإعتداءات الإسرائيلية على الإعلام في قطاع غزة خلال الحرب في نهاية العام، وشهادة لمصور من غزة، وتوثيق لاستمرار التمييز في حق الإعلام المتعلق بشؤون فلسطين في المنطقة العربية والعالم، وتصاعد التمييز الصهيوني ضد الثقافة العربية.
تلخيص المحطات الأساسية للانتهاكات بحسب البلدان:

 

في لبنان
 

شهد العام الماضي عدداً من الانتهاكات المسلحة واعتداءات بالضرب، بدأت في كانون الثاني عندما أحرق مجهولون سيارة عزيز المتني، مدير جريدة "الأنباء"، أمام منزله في قرنة شهوان في قضاء المتن شمال بيروت.
 في الفترة الممتدّة بين 7 و 12 أيار، تم إغلاق مؤسسات إعلامية بقوة السلاح على ايدي عناصر مسلحة من فريق "8 آذار"، وجرت اعتداءات على صحافيين من أطراف عدة. فقد أُقفِل تلفزيون "المستقبل" وجريدة "المستقبل" و"اذاعة الشرق" (مؤسسات إعلامية تابعة لـ "تيار "المستقبل") في بيروت على ايدي عناصر مسلّحة من "حزب الله".
وأحرق أحد مباني تلفزيون المستقبل في منطقة الروشة في بيروت على أيدي عناصر مسلّحة من "الحزب السوري القومي الاجتماعي". وأقفلت إذاعة "سيفان" الأرمنية في بيروت على أيدي عناصر موالية لـ"حزب الله". كما اعتدى متظاهرون ومتجمهرون (موالون للحكومة أو معارضون لها) بالضرب على صحافيين ينتمون الى مؤسسات إعلامية مختلفة في بيروت أثناء تغطيتهم الاضطرابات، ومنهم: باتريسيا خضر (لوريان لو جور)، وديع شلينك وأحمد أسعد (جريدة البلد)، مصطفى عاصي (قناة "أو تي في"). واعتدي على مكاتب جريدة "اللواء" اليومية ومكاتب مجلّة "الشراع" الشهرية في بيروت، وجرى تخريبهما على أيدي عناصر موالية لـ"حزب الله". كما اعتدى أحد عناصر الجيش اللبناني على سعيد البيروتي من "قناة المنار" في بيروت، وجرى إطلاق نار على صحافيين من قناة "الجزيرة" من عناصر مسلّحة تابعة لـ"قوى 8 آذار" في بيروت. وأوقف طاقم قناة "العربية" على أيدي عناصر من "حزب الله". لم يحاسب قضائياً أي شخص على هذه الاعتداءات، مما يعدّ تشجيعاً على ممارسات إضافية مُشابهة، مثل تعرّض الصحافي عمر حرقوص للضرب المبرح في 27 تشرين الثاني 2008 من عناصر من "الحزب السوري القومي الاجتماعي".
وحتى نهاية عام 2008، لم يستطع القضاء محاسبة قتلة الصحافيين سمير قصير وجبران تويني والذين حاولوا اغتيال الاعلامية مي شدياق.
ومن ناحية القوانين، يشير "سكايز" الى استمرار القوانين والاجراءات النقابيّة الصحافيّة على ما هي عليه. فلا يزال قانون تحديد عدد الصحف اليومية السياسية في لبنان سارياً، مما يؤدي إلى وصول أسعار الرُخَص إلى أرقام هائلة، وإلى خطر احتكار الصحف على تعددها. ولا يزال الإنتساب الى نقابة المحررين أمراً إلزامياً لمن يمتهن الصحافة، بينما تحدث أكثر من صحافي عن إشكاليات في فتح جدول الإنتساب لجميع الصحافيين بالمساواة، وهو شرط أساسي لإجراء انتخابات ديموقراطية.

 

الرقابة على الثقافة
 

منع الأمن العام اللبنانيّ عرض الفيلم الفرنسي – الإيراني  "بيرسيبوليس" للمخرجة ساترابي، في آذار الماضي، قبل أن يتراجع عن القرار بعد تدخل وزير الثقافة. وأجلت عروض "أيام بيروت السينمائية" في تشرين الأول بسبب احتجاز الأمن العام فيلم الإفتتاح "سمعان بالضيعة" لسيمون الهبر، ثم أجل عرض فيلم "عرس الذيب" للمخرج التونسي جيلاني السعدي. كما مزّق الأمن العام صفحتين من ملحق جريدة "لوموند" Le Monde des religions" الفرنسية في تشرين الأول الماضي.
لا تزال الرقابة على الكتب والنشاطات الثقافية من صلاحيات الأمن العام قانوناً، وليس من صلاحيات مجلس أعلى للإعلام، كما سبق للمحامي زياد بارود (وزير الداخليّة في ما بعد) ان أوضح في مقابلة صحافية (تلفزيون المستقبل). ولا يزال قانون المطبوعات ينص على رقابة مسبقة على الصحف والكتب والمطبوعات الصادرة في الخارج والموزعة في لبنان. ويحوي جهاز الأمن العام اللبناني لجنة خاصة لمراقبة الأفلام تتألف من ضباط عدّة، لكنها تقتصر أحياناً على ضابط واحد. وتأتي القرارات بمنع الأفلام استنسابية غالباً، حيث تخضع لمراقبة "أخلاقيّة" ودينية وسياسية، كما بيّن لـ"سكايز" أحد مسؤولي صالات السينما. وفي المسائل المرتبطة بالدين و"الاخلاق العامّة" تستشير هذه اللجنة السلطات الدينية في البلاد، مسيحية كانت أم اسلامية. أما في ما يخصّ الرقابة السياسية على الأفلام، فهي تخضع لرؤية الأمن العام ولتدخلات السياسيين.

 

في سوريا
 

تزايدت الإعتداءات المسلحة على الصحافيين في سوريا، اذ قتل سامي معتوق مراسل "المرصد السوري لحقوق الإنسان" وموقعه الإلكتروني، إثر إطلاق النار عليه، مع شباب آخرين، من دورية أمنيّة سورية في قرية المشيرفة غرب حمص في 14 تشرين الأول 2008. وقد أكدت الحادثة لجنة لتقصي الحقائق مكوّنة من مسؤولين في خمس منظمات لحقوق الإنسان في سوريا. وقضى في الحادثة نفسها الشاب جوني سليمان أيضا. وحتى كتابة هذا التقرير، لا يزال الجناة من عناصر الدورية طلقاء من دون محاكمة، اذ لم تُحِل النيابة العسكرية في حمص أي شخص على المحاكمة.
وفي حادثة آخرى، أطلقت أجهزة أمنية الرصاص على كرم اليوسف، الذي يراسل مواقع الكترونية عدّة، في شهر آذار 2008، أثناء تصويره احتفالات عيد النوروز (رأس السنة الكرديّة) الذي تحظر السلطات السوريّة الاحتفال به. وقد أصيب اليوسف في رأسه، وقتل ثلاثة شبان في الحادثة عينها.
وبالنسبة الى حالات الحبس، صدرت أحكام جائرة ومسيّسة بالسجن سنتين ونصف سنة، في تشرين الأول الماضي، على كتاب وصحافيين في سوريا، وعلى ناشطين من موقعين "إعلان دمشق للتغيير الوطني الديموقراطي"، اعتقلوا بعد عقد اجتماعهم الأول في نهاية عام 2007. والمحكومون هم الدكتورة فداء الحوراني رئيسة "المجلس الوطني لإعلان دمشق"، النائب السابق في البرلمان السوري رياض سيف رئيس الأمانة العامة للإعلان، الكاتب والصحافي فايز سارة أحد المشاركين في اجتماع المجلس الوطني، الكاتب والصحافي علي العبدالله عضو في الأمانة العامة لإعلان دمشق، الناقد الأدبي جبر الشوفي عضو في الأمانة العامة للإعلان، الفنان التشكيلي طلال أبودان عضو المجلس الوطني لإعلان دمشق، الكاتب والصحافي أكرم البني أمين سر المجلس الوطني لإعلان دمشق، الدكتور أحمد طعمة أمين سر المجلس الوطني لإعلان دمشق، الدكتور ياسر العيتي عضو الأمانة العامة لإعلان دمشق، الدكتور وليد البني عضو الأمانة العامة لإعلان دمشق، المهندس مروان العش عضو المجلس الوطني لإعلان دمشق، محمد حجي درويش عضو المجلس الوطني لإعلان دمشق. وصدرت الأحكام بعد سنة تقريبا عن اعتقالهم.
ورفضت السلطات الإفراج عن الكاتبين السوريين ميشال كيلو ومحمود عيسى، على رغم قرار محكمة النقض في تشرين الثاني الماضي والقاضي بإطلاق سراحهم. واعتقل للمرة الثالثة الكاتب حبيب صالح في أيار الماضي. ولا يزال المدوّنون الالكترونيون والصحافيون الشباب الذين أشرفوا على موقع "الدومري السوري" معتقلين منذ ثلاث سنوات تقريبا (بين كانون الاول 2005 و آذار 2006) بأحكام تصل إلى سبع سنوات.
لا يزال سجن صيدنايا شمال دمشق، حيث المدوّنون الالكترونيون والصحافيون الشباب، مغلقا أمام زيارات الأهل منذ حصول حركة احتجاج في داخله في تموز من العام الماضي ترافقت مع سقوط قتلى. كما أشار شهود عيان الى نشوب حريق وسماع صوت إطلاق نار ومشاهدة تعزيزات عسكرية في 13 كانون الأول الماضي. وقد علم مركز "سكايز" بتعرض بعض الصحافيين الشباب لتعذيب قاس. فقد أصيب حسام ملحم بحالة عصبية موقتة أفقدته القدرة على النطق والحركة. ولا تزال السلطات السوريا ترفض حتى الآن زيارة الصليب الأحمر لسجونها، كما ترفض فتح تحقيق مستقل في حالات التعذيب لمعتقلي "إعلان دمشق" مثل حال الكاتب والصحافي علي العبدالله الذي ثقبت أذنه.
من جهة أخرى، استمرت السلطات في اللجوء إلى قانون الطوارئ (وقوانين أخرى) بشكل مخالف للدستور ولمواثيق حقوق الإنسان الدولية. وكذلك استمرت في احتكار الصحف اليومية والمحطات التلفزيونية. وثمة 163 موقع انترنت محجوبة في سوريا، منها عدد من المواقع الأكثر استخداما في العالم، وكذلك صحف عربية رئيسية، وعدد من المواقع السورية وغير السوريّة بحسب لائحة مفصلة لـ"المبادرة العربية لانترنت حر".

 

القمع للثقافة الكردية السورية
 

استمر منع تدريس اللغة الكرديّة في مدارس الدولة ومعاهدها وجامعاتها. وكذلك استمر حظر السلطات السورية النشر باللغة الكرديّة، والاحتفال بعيد النوروز، عيد رأس السنة الكرديّة.
شهد عام 2008 جملة من الانتهاكات الاضافيّ في حقّ الأكراد وثقافتهم. إذ أطلقت النار على شباب يحتفلون بعيد النوروز في مدينة القامشلي في شهر آذار، فقتل ثلاثة منهم وجرح خمسة آخرون. وأصيب في الحادث كرم اليوسف، الذي يراسل مواقع الكترونية عدة، أثناء تصويره تلك الاحتفالات.
وفي صيف العام الماضي أمر فرع الأمن السياسي في الحسكة بالتعاون مع مديرية بلدية مدينة القامشلي، أصحاب المحلات الكردية بضرورة تغيير أسماء محلاتهم إلى العربية. وفي تشرين الثاني الماضي، منع "حزب البعث العربي الإشتراكي" السوري فرقة "نارين" للفولكلور الكردي من تقديم عروضها. وشمل حجب المواقع الإلكترونية الكردية أكثر من ثلاثين موقعاً إلكترونياً من أصل 163 موقعاً محجوباً. ويشكّل الأكراد السوريون عُشر سكّان سوريا، مكوّنين بذلك أكبر أقلية من المواطنين غير العرب، وهم يعانون بعض القوانين العنصريّة في حقّهم وفي حقّ ثقافتهم ولغتهم، كما يعانون التجاوزات والانتهاكات التي ترتكبها الأجهزة الأمنيّة السورية خارج إطار القانون.

 

في فلسطين
 

صعّدت قوات الإحتلال قتل الصحافيين واستهداف وسائل الإعلام، كما استهداف منازل صحافيين بشكل متعمد خلال الحرب على غزة (من 27 كانون الاول 2008 الى 17 كانون الثاني 2009). وقتلت قوات الإحتلال أربعة صحافيين هم باسل فرج وإيهاب الوحيدي وعمر السيلاوي وعلاء مرتجى.
كذلك استبق مسؤولو الإحتلال حربهم على غزة بفرض حصار إعلامي على دخول المراسلين الأجانب، وتابعوا المنع خلال تلك الحرب. فبين 6 تشرين الثاني و 4 كانون الأول 2008، مُنع المراسلون كليا من دخول القطاع، ثم تحول المنع إلى قرار يومي مستمر خلال الحرب.
يظهر من الاعتداءات الإسرائيلية على الإعلام في العام الماضي، الملحقة بشكل توثيقي بملحق خاص بهذا التقرير عن فلسطين، أن كثيراً منها تمّ بشكل متعمد ومتكرر، مما يستدعي تكثيف الجهود دوليا لمحاسبة المسؤولين الإسرائيليين والضغط عليهم.
إضافة إلى ذلك، تابعت قوات الإحتلال طوال العام الماضي الإعتقال الإداري في حق صحافيين فلسطينيين وتوقيفهم والإعتداء عليهم، معتمدة على قوانين طوارئ تعود الى عهد الانتداب البريطاني، ومن دون أدنى اعتبار لحقوق الصحافي المعتقل. وليد خالد مدير مكتب صحيفة "فلسطين" في الضفة الغربية مضى عليه في الاعتقال الاداري 12 عاما تراكميا، حيث جددت المحكمة العسكرية الإسرائيلية في سالم، قرب جنين في الضفة الغربية، تمديد اعتقاله مرّة ثالثة في 13 شباط 2008 في حبس انفرادي في الرملة (معتقل أيالون). ورفضت محكمة الاحتلال الاستئناف الذي قدمه محامي الأسير لإطلاق سراحه استنادا إلى عدم وجود تهمة تدينه. وفي العام الماضي، مدّدت محكمة عوفر العسكرية الإسرائيلية الإعتقال الإداري لمحمد الحلايقة مصور فضائية "الأقصى" ثم أصدرت حكماً عليه بتهمة العمل في تلفزيون تابع لحركة "حماس".
اما على مستوى الأطراف الفلسطينيين، فكان من أبرز الاعتداءات، تعرّض رئيس تحرير "فلسطين" لإطلاق نار في قطاع غزة، في حزيران2008، من غير أن يصاب بأذى، وتلقّي وكالة "وفا" الرسمية للأنباء تهديدا في رام الله.
ومن جهة ثانية، استمر تجاوز القوانين، في العام الماضي، بشكل مقلق للغاية من الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية وقطاع غزة. وينص القانون الاساسي الفلسطيني، وهو بمثابة الدستور، على قيام الشرطة الفلسطينية وليس أجهزة أمنية أخرى بالتعامل مع الصحافيين المدنيين تبعا لأصول مدنية واضحة.
في الضفة الغربية، استمر جهازا المخابرات والأمن الوقائي التابعين للسلطة الفلسطينية في انتهاك القوانين بشكل متكرر ومقلق للغاية في تعاملهما مع الصحافيين، وظلا يمارسان التعذيب من دون محاسبة. لا يزال الصحافي إياد سرور (37 سنة) معتقلا، منذ 13 تشرين الأول 2008، من مدينة الخليل، لدى جهاز المخابرات العامة. وتتوافر معلومات جدّية عن تعرضه للشبح (تعليقه مربوط اليدين) والضرب عند التحقيق معه في الأيام الأولى. كما لا يزال الصحافي فريد حمّاد (36 سنة)، المحرر في جريدة "الأيام"، معتقلا لدى جهاز "الأمن الوقائي" منذ 29 تموز 2007. وأصدرت محكمة الصلح قرارا بالإفراج عن حماد في تاريخ 7 تشرين الأول 2008، ثم أصدرت محكمة العدل العليا قرارا بالإفراج عنه في 8 تشرين الأول 2008. لكن جهاز الأمن الوقائي وجه تهما جنائية جديدة اليه. وثمة أخبار جدّية علم بها "سكايز" عن تعرض حماد للشبح مدة ثلاثة أيام متواصلة كما تعرضه لضرب قاس مدة أسبوع.
وكان من أبرز اعتقالات العام الماضي في الضفة الغربية اعتقال الصحافي محمد عذبة في حزيران في العام الماضي شهرا ونصف شهر لدى جهاز المخابرات الفلسطينية. وبعد توقيف الصحافيين أسيد عمارنة وعلاء الطيطي، استأنفت النيابة العامة قرار محكمة الصلح في الخليل فبرئا في نيسان من "إذاعة أخبار كاذبة ومبالغ فيها". واعتقل في أيار الصحافي مصعب قتلوني قرابة شهرين ونصف شهر، والصحافي والكاتب عصام شاور احد عشر يوما. وبلغ الاستهتار بالقضاء حدوده القصوى مع قيام جهاز المخابرات في قلقيلية بإعادة اعتقال الصحافي مصطفى صبري في ايلول بعد دقائق فقط من اطلاق سراحه، اذ كانت محكمة العدل العليا قد برأته. كما أطلقت النار على منزله في نهاية السنة.
بدورها، استمرت الأجهزة الأمنية للحكومة المقالة في قطاع غزة في التعامي عن كثير من القوانين وأصول المحاكمات في حق الصحافيين المتهمين، مقابل محاولتها إضفاء شرعية عبر استخدام قانون "العقوبات الثوري" العسكري الطابع وغير الدستوري وقوانين للانتداب البريطاني أو أخرى جنائية، فضائحية الطابع، في حق صحافيين.
لجأت الحكومة المقالة في قطاع غزة الى استخدام قانون الطوارئ للانتداب البريطاني في محاكمة صحيفة "الحياة الجديدة" ومنع توزيعها الذي استمر حتى بداية عام 2008. كما استخدمت قانون العقوبات الانتدابي لعام 1936 إضافة الى قانون المطبوعات الحالي في الحكم الصادر على جريدة "الأيام" في 6 شباط 2008. وتراجعت عنه في أيار من العام ذاته. وكان الجديد أيضا اختلاق تهم جنائية ذات طابع فضائحي استخدمت في حق الصحافيين والكتاب مثل قضية الصحافي منير أبو رزق في "الحياة الجديدة" الذي اعتقل 25 يوما في غزة بعد اعتقال زميله عمر الغول.
واستخدمت الحكومة المقالة ما يعرف بـ"قانون العقوبات الثوري" العسكري الطابع وغير الدستوري في احتجاز أربعة صحافيين في 12 تشرين الأول الماضي وهم محمد شاهين ويوسف فياض وأكرم اللوح وهاني إسماعيل الذين عملوا بشكل غير علني مع موقع "فلسطين برس"، وأفرجت عنهم في 3 كانون الأول الماضي. ووجهت اليهم تهما شفهية من دون إحالتهم على أي محكمة. وعلم مركز "سكايز" عن أخبار جديرة بالتصديق عن ممارسة التعذيب أبرزها "الشَبْح" (توثيق اليدين خلف الظهر وتعليق المعتقل من اليدين والقدمين) في حق بعض من الصحافيين الأربعة، ولأيام عدّة. كما أستخدمت في حقهم الزنزانة الانفرادية وما يعرف بـ "الباص" وهو غرفة ضيقة جدا ومعتمة وفيها نوافذ تشبه الباص، وهو "ما يذكر بأسلوب اتبعه الاحتلال الاسرائيلي" كما وصفه البعض.
ولم يكتمل حتى نهاية العام أي تحقيق فلسطيني مستقل في مقتل أربعة صحافيين فلسطينيين على أيدي عناصر فلسطينية مسلحة منذ عام 2004. وهم سليمان العشي ومحمد عبدو وعصام الجوجو (حزيران 2007) وخليل الزبن (2004). بالنسبة الى الصحافيين الثلاثة الاوائل الذين قتلوا خلال الإشتباكات المسلحة في حزيران 2007، قال آنذاك رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بـ"ضرورة فتح تحقيق جدي في جرائم قتل الصحافيين الثلاثة، وتقديم الجناة إلى محاكمة علنية عادلة". ولكن لم يأخذ تحقيق جدّي ومستقل مجراه. في حين أعلنت أجهزة أمنية تابعة للحكومة المقالة في قطاع غزة مطلع عام 2008 أن أحد المشتبه فيهم قد قبض عليه وهو ينتظر "محاكمة عسكرية" كونه "أحد أفراد الأجهزة الأمنية" التابعة للسلطة الفلسطينية بحسب الإعلان. وفي ظل تجاوز القوانين بقوة السلاح والإنقسام الفلسطيني وتشتت الجسم القضائي والأجهزة الأمنية، لا يبدو أن هناك تحقيقا مستقلا جدّيا حتى الآن. ويمكن التخوف من محاكمات غير مستقلة وعادلة، أو حتى عمليات تصفية بعد تسارع عمليات تصفية معتقلين، مترافقة مع اتهامات لهم بالـ"عمالة"، من أجهزة الحكومة المقالة في قطاع غزة منذ نهاية العام الماضي خلال الحرب الإسرائيلية كما نشر في تقارير إعلامية وتوثيق منظمات حقوق إنسان.

 

في الأردن
 

منذ بداية العام الماضي حتى مطلع العام الجديد، رُصدت حالات اعتداء بالضرب، وحالات تهديد لبعض الصحافيين، وبوتيرة تصاعدية. وبعد حادثة الاعتداء على الصحافي جميل النمري في جريدة "الغد"، في كانون الثاني من العام الماضي، بضربه بسكين في وجهه، ثم تدخل الأجهزة الأمنية واعتقال أحد المشتبه فيهم، وتوجيه النمري الإتهام الى احد النواب، لم تكتمل حتى الآن التحقيقات ولم تتمّ بعد محاكمة المعتدين. ويشجع ذلك على توالي الاعتداءات. وفعلاً فقد جرت اعتداءات لاحقة على ماجد القرعان من "الدستور" في نيسان، واحمد النسور من "الرأي" في أيار. كما وُجّه تهديد بالقتل الى طايل الضامن من موقع "السوسنة" في أيلول الماضي، بحسب تقارير صحافية. وتزايدت الاعتداءات بالضرب بشكل لافت عند مطلع العام الجاري.
يذكر أنه لم يُحاسب حتى نهاية العام المسؤولون عن قوات الإحتلال الأميركي في العراق على استهداف الصحافي الأردني طارق أيوب مراسل "الجزيرة" في بغداد، الذي قتل عام 2003. وقد سبق لأرملته أن أعلنت أن باب القضاء الأميركي قد أغلق.
أما في ما يخصّ الحبس والتوقيف، فقد صدرت خمسة أحكام بالحبس (قابلة للاستبدال) على صحافيين في آذار الماضي، هم طاهر العدوان وأسامة الشريف، رئيسا تحرير جريدتي "العرب اليوم و"الدستور"، والصحافيان فيهما فايز اللوزي وسحر طه، إضافة إلى عبد الهادي راجي المجالي في أول قضية تتعلق بشبكة الإنترنت في البلاد. كما جرت عمليات توقيف مدة أيام لأكثر من صحافي أواخر عام 2008 (الصحافي فايز الأجراشي رئيس تحرير "الإخبارية الأردنية" والصحافيان احمد الطيب وزياد الطهرواي من أسبوعية "البيداء")، وذلك من المدعي العام العسكري. وقد تجاوزت تلك التوقيفات قانون المطبوعات والنشر، حيث ينص القانون بوضوح على عدم جواز التوقيف، كما ينصّ على حصر قضايا المطبوعات بمحاكم مدنية.
استمر التضييق على الإعلام المستقل في العام الماضي. فقد عُطّل صدور مجلة "اللويبدة" في الأردن لمدة خمسة أشهر. واستمرت حصريّة الإعلام المرئي بيد السلطات، وفي المقابل، منحت رخصة يومية لجريدة "السبيل" الإسلامية.
وتصاعدت رقابة السلطات الدينية على الثقافة بشكل ملفت في أواخر العام الماضي، حيث سحب ديوان "برشاقة ظل" للشاعر إسلام سمحان الذي اعتقل لمدة أربعة أيام قبل أن يطلق سراحه ويحال على المحكمة. ومنع كتاب الشاعر الطاهر رياض "ينطق عن الهوى"، ثم أحيل الروائي الياس فركوح، صاحب دار نشر "أزمنة"، على المحاكمة بسبب نشره كتاب "فانيليا سمراء" للقاصّة المغربية منى وفيق. وفرضت الرقابة على أكثر من ثلاثين كتابا في الأردن ملحقة عناوينها بهذا التقرير.

 

كتب ممنوعة في الأردن في 2008

مارست دائرة المطبوعات والنشر الأردنية رقابة (أو مصادرة) طاولت قرابة الثلاثين كتابا خلال العام الماضي، علما أن عددا كبيرا منها كان تداوله مسموحا به في الاردن منذ عقود. وتمحورت مواضيعها على المحرمات التقليدية: الدين والسياسة والجنس.
ومن هذه الكتب: "الدين والدهماء والدم" لصقر أبو فخر، "عمر بن الخطاب شهيداً" لعبد الله خليفة، "انثيال الذاكرة" لفتحي البس، الأعمال الشعرية لعدنان الصائغ، الأعمال الشعرية لرشيد مجيد، "البتراء الأم العذراء" لسليمان الطراونة، "البرزخ" لفريد رمضان، "البكاء على صدر الحبيب" لرشاد أبو شاور، "الحرب العربية الإسرائيلية الأولى" لفلاح خالد علي، "الأدب الصهيوني بين حربين" لإبراهيم البحراوي، "الرقصة في هياكل الشرق" لمحمد الدروبي، "الساعة الواحدة إلا وطناً" لحسين فخر، "السيد يلعب غميضة" لمحمد الدروبي، "الشارع العربي.. مصر وبلاد الشام" لشاكر النابلسي، "الشاعر أبو سلمى أديباً وإنساناً" لمصطفى الفار، "الصبي" لنوري الجراح، "الطفل إذ يمضي" لعمر شبانة، "العاثر أمام النهر" لجانسيت علي، "العشاق" لرشاد أبو شاور، "القرن الحادي والعشرون لن يكون أمريكياً" من ترجمة مدني قصري، "الكوميديا السياسية" لخليل احمد خليل، "المدينة الأخيرة" لعلي الجلاوي، "المراحل 1894 – 1965" لعمر الصالح البرغوثي، "المسار" لأفنان القاسم، "امرأة القارورة" لسليم مطر، "أحاديث صيفية" لكريم رضي، "أرض أكثر جمالاً" لقاسم توفيق، "أصابع" لمنى ضاهر، "أصل الهوى" لحزامة حبايب، "أطول عام" لزهدي الداوودي، "الاردن الى اين؟" لوهيب عبده الشاعر.

 

منال شعيا


المصدر: جريدة النهار - السنة 76 - العدد 23615

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,174,900

عدد الزوار: 6,758,931

المتواجدون الآن: 112