من حقيبة "النهار" الديبلوماسية

القمة السعودية - السورية: ثلاث ضمانات للبنانيين التلاقي والاختلاف بين الرياض ودمشق حول لبنان والمنطقة

تاريخ الإضافة الجمعة 16 تشرين الأول 2009 - 5:56 ص    عدد الزيارات 3034    التعليقات 0    القسم محلية

        


"أبلغ مسؤول عربي كبير جهات دولية ان ثلاثة عوامل اساسية تضمن ان يؤدي التلاقي السعودي – السوري، الذي كرسته زيارة الملك عبدالله بن عبد العزيز لدمشق الاسبوع الماضي، الى ايجاد معادلة جديدة في الساحة اللبنانية والى انعكاسات ايجابية على مسار الاحداث فيها. وهذه العوامل التي تشكل نوعا من الضمانات هي الآتية:
اولا – ترفض القيادة السورية ان يستغل نظام الرئيس بشار الاسد تقاربه معها لمواصلة العمل على زعزعة الامن والاستقرار في لبنان وعرقلة جهود المصالحة الوطنية ولدفع حلفائه الى استخدام السلاح والعنف لتجاوز نتائج الانتخابات النيابية الاخيرة ولفرض مطالبهم بالقوة على الافرقاء اللبنانيين الآخرين.
ثانيا – يأتي نظام الاسد الى المصالحة مع السعودية وهو في موقع ضعف وليس في موقع قوة ويحتاج الى المملكة في مجالات عدة، ذلك انه لم يتمكن من تحقيق اي مكاسب حقيقية سياسية او غير سياسية نتيجة اعتماده استراتيجية التعطيل والتأزيم، سواء في لبنان او في العراق او في فلسطين او في ساحات اخرى. فكل الدول المعنية بمصير لبنان وعلى رأسها اميركا وفرنسا والسعودية ومصر تستخدم سياسة الحوار مع نظام الاسد لتطلب منه الكف عن التدخل سلبا في شؤون لبنان ولتحثه على التعامل معه كدولة مستقلة ذات سيادة وعلى احترام ارادة شعبه في مقابل تحسين العلاقات بينها وبين سوريا.
ثالثا – تعرف السعودية تماما ماذا فعل ويفعل السوريون في لبنان ولذلك بحث الملك عبدالله بن عبد العزيز بصراحة تامة ومن دون اي مجاملة مع الاسد في الوضع اللبناني والدور السوري في هذا البلد، وشدد على ضرورة انهاء حال التأزم والمواجهة بين لبنان وسوريا وانجاز المصالحة الجدية واقامة علاقات طبيعية بين البلدين. لكن هذا التحول الايجابي المهم يتطلب، وفقا للمسؤول العربي، تغييرا جذريا في سياسات نظام الاسد حيال لبنان يشمل خصوصا التوقف عن فرض الاملاءات والمطالب على اللبنانيين والاستقواء بسلاح الحلفاء في الداخل والتوقف عن التعامل مع لبنان على اساس انه مجرد امتداد لسوريا. والملف اللبناني كان وسيظل محورا اساسيا في الحوار السعودي – السوري خلافا لما يردده حلفاء دمشق".
هذا ما ادلت به الينا مصادر ديبلوماسية اوروبية في باريس معنية مباشرة بالملف اللبناني. واوضحت ان المعلومات التي تلقتها حكومات غربية بارزة من دمشق والرياض وبيروت تؤكد "ان السعودية تريد التقارب مع سوريا من اجل تعزيز التضامن العربي وليس من اجل دعم المحور السوري – الايراني ومخططاته السلبية في لبنان والعراق وفلسطين والمنطقة. وتجاوب نظام الاسد مع هذا المسعى السعودي يتطلب منه التخلي عن سياساته السلبية الخطرة المرفوضة لبنانيا وعربيا ودوليا والعمل مع الدول العربية البارزة على تحقيق الامن والاستقرار والسلام في الساحات الاقليمية الساخنة. وعلى هذا الاساس سيتضح الحكم على نتائج محادثات الملك عبدالله مع الاسد في المرحلة المقبلة تبعا لاعمال النظام السوري وممارساته في لبنان وفلسطين والعراق وساحات اخرى".
 

خلافات على القضايا الاقليمية

واوضح المسؤول العربي الكبير لهذه الجهات الدولية "ان سوريا الساعية الى تحقيق المصالحة التاريخية مع اللبنانيين عموما والراغبة في التخلي جديا وفعلا عن محاولة فرض وصايتها على لبنان، سوريا هذه تحتاج الى المساعدة السعودية لطمأنة المشككين في نيات النظام السوري، وستتلقى مثل هذه المساعدة اذا كانت صادقة في توجهاتها وفي عزمها على احترام ارادة اللبنانيين. لكن سوريا المصممة على محاربة القوى الاستقلالية وعلى اضعاف لبنان من الداخل وتهديد امنه واستقراره بوسائل مختلفة تمهيدا لاخضاعه لهيمنتها، سوريا هذه ستجد ذاتها في حال خصام مع السعودية التي تتحرك لبنانيا واقليميا ودوليا على اساس ان حماية استقلال لبنان وامنه واستقراره مصلحة عربية عامة وليست فقط مصلحة لبنانية مشروعة".


وافاد المسؤول العربي "ان الملك عبدالله بن عبد العزيز يريد، عبر الحوار الصريح والواضح مع الاسد، تشجيع الرئيس السوري على اعتماد سياسات بناءة وايجابية تعزز الامن والاستقرار والسلام في لبنان وفلسطين والعراق ودول اخرى وتؤمن المصالح الحيوية المشروعة لشعوبها وتمنع الفتن الداخلية، لان هذا ما يحقق التضامن العربي ويدعمه. وليس واردا ان تدعم القيادة السعودية سياسات  تتسلط بموجبها دولة وتفرض هيمنتها على دولة اخرى او تقوم على اساس استخدام لبنان وفلسطين والعراق اوراقا للمساومة وللتفاوض او ساحات مواجهة مفتوحة مع اسرائيل ودول اخرى بما يتناقض مع مصالح اللبنانيين والفلسطينيين والعراقيين ومن اجل تأمين مصالح هذه الجهة الاقليمية او تلك. وليس واردا ايضا ان تدعم القيادة السعودية السياسات السورية التي تخدم مخططات ايران في المنطقة لان ذلك يتناقض والمصالح العربية العليا ويهدد الامن القومي العربي". وتحدثت مصادر ديبلوماسية اوروبية مطلعة في باريس، في ضوء معلومات تلقتها من دمشق والرياض وبيروت، عن التوصل خلال القمة السعودية – السورية الاسبوع الماضي في دمشق الى تفاهم محدد على لبنان، ولكن برزت في المقابل خلافات في وجهات النظر في شأن عدد من القضايا الاقليمية المهمة، وهو ما ادى الى صدور بيانين رسميين عن زيارة الملك عبدالله لسوريا عوض بيان واحد، الاول وزعته وكالة الانباء السعودية والثاني وزعته وكالة "سانا" السورية، ويختلف نص كل منهما عن الآخر. وهذا امر نادرا ما يحصل في العلاقات بين الدول. وقالت المصادر الاوروبية إن الخلافات الاساسية بين الجانبين السعودي والسوري في قمة دمشق تركزت على القضايا الآتية:


اولا: ايران – تفيد المعلومات الاوروبية انه بدا واضحا خلال قمة دمشق ان النظام السوري لا يزال يتمسك بتحالفه الوثيق مع ايران وبالدفاع عن السياسات والخطط الايرانية الاقليمية والنووية على اساس انها ليست مصدر تهديد للعرب ولمصالحهم، وهو على اقتناع تام بان النظام الايراني قوي وصلب ولم تهزه جديا الحركة الاصلاحية الاحتجاجية التي انطلقت اثر اعلان نتائج الانتخابات الرئاسية في حزيران الماضي ولا تزال كامنة حتى اليوم.


وفي المقابل، تريد القيادة السعودية اعادة سوريا الى الصف العربي تماما وتعزيز العلاقات السعودية – المصرية – السورية على اساس الاتفاق على صيغة عربية موحدة لمواجهة اسرائيل ولمواجهة التحديات الايرانية المختلفة، وهو ما يتطلب من نظام الاسد الاحتفاظ بعلاقات طبيعية مع ايران وليس اكثر والتوقف عن مساندة خطط الجمهورية الاسلامية ودعمها في لبنان وفلسطين والعراق والمنطقة عموما. وهذا الاختلاف دفع الجانبين السعودي والسوري الى تجنب الاشارة الى ايران في بيانيهما الرسميين.


ثانيا: العراق – يشكو الجانب السعودي من النفوذ الايراني المتنامي في العراق ومن التدخلات الايرانية المباشرة في مجالات حيوية عدة وعلى صعيد اتخاذ القرارات الاساسية، وهو ما يضعف الدور العربي للعراق ويمنع تحقيق مصالحة وطنية حقيقية بين الافرقاء العراقيين تؤمن مشاركة متوازنة وصحيحة في الحكم بين مختلف الطوائف والقوى في العراق. لكن المسؤولين السوريين يدافعون عن الدور الايراني في العراق وإن يكن يتعارض احيانا مع مخططاتهم حيال هذا البلد، وهم يشددون على ان الانسحاب الاميركي الكامل من العراق هو الذي سيساعد على حل مشاكل العراقيين، خلافا لتوقعات المعنيين بالشؤون العراقية. وهذا الاختلاف في وجهات النظر عكسه البيانان الصادران عن زيارة الملك عبدالله، اذ شدد البيان الذي وزعه السعوديون "على اهمية امن واستقرار ووحدة وعروبة العراق وعلى عدم التدخل في شؤونه الداخلية"، بينما تجاهل البيان الذي وزعه السوريون كليا الاشارة الى "عروبة" العراق والحديث عن "ضرورة عدم التدخل في شؤونه الداخلية"، لان ذلك يتضمن اشارة الى التدخلات الايرانية في الشؤون العراقية بشكل خاص.


ثالثا: فلسطين – ابرز الملك عبدالله في محادثاته مع الاسد ضرورة دعم سوريا جهود مصر من اجل تحقيق المصالحة الفلسطينية وهو ما يؤدي الى تعزيز الموقف الفلسطيني التفاوضي والى تسوية عدد من المشاكل المهمة في الساحة الفلسطينية. لكن النظام السوري ليس راغبا فعلا في دعم هذه الجهود، بل انه لا يزال يساند مع ايران دولة "حماس" في غزة ويدافع عن دور "حماس" وحلفائها في الساحة الفلسطينية. وهذا الخلاف ادى الى تجاهل الاشارة كليا الى الجهود المبذولة لتحقيق المصالحة الفلسطينية في البيانين الصادرين عن زيارة الملك عبدالله لسوريا.


رابعا: اليمن – بدا واضحا خلال محادثات دمشق مدى حرص الملك عبدالله على دعم الحكومة اليمنية في المواجهة القائمة بينها وبين الحوثيين المسلحين المتمردين على السلطة المركزية والذين يتلقون المساندة من ايران وفقا للمعلومات الرسمية اليمنية ووفقا لجهات عربية ودولية مطلعة. لكن نظام الاسد ليس راغبا في اتخاذ اي موقف يثير استياء ايران، ولذلك غابت اي اشارة الى اليمن في البيان الذي وزعه السوريون عن زيارة الملك عبدالله، بينما تحدث البيان الذي وزعه السعوديون عن "ضرورة دعم حكومة اليمن الشقيقة وتأييد جهودها لبسط الامن والاستقرار في جميع انحاء اليمن".



لبنان في قمة دمشق

ماذا عن لبنان؟


تؤكد معلومات المصادر الاوروبية المطلعة انه تم التوصل الى اتفاق سعودي – سوري على ثلاثة امور اساسية هي الآتية:


اولا – حكومة الوحدة الوطنية هي الخيار الملائم للبنانيين في هذه المرحلة لادارة شؤون بلادهم ومعالجة مشاكلهم المختلفة، ومن الضروري تاليا العمل على تشجيع الافرقاء اللبنانيين على التشاور والتعاون جديا لتأليف هذه الحكومة في اقرب فرصة ممكنة.


ثانيا – من الضروري بذل كل الجهود لضمان استمرار الامن والاستقرار في مختلف المناطق اللبنانية ولمنع حصول اي انهيار في الاوضاع الامنية يمكن ان تستغله اسرائيل لتوجيه ضربات الى هذا البلد.


ثالثا – ضرورة التزام احترام الدستور ودعم الدولة اللبنانية ومؤسساتها الشرعية ومنها القوى العسكرية والامنية، ومساندة الرئيس ميشال سليمان كي يتمكن من الاضطلاع بالدور المهم المطلوب منه لتسوية اي خلافات بين الافرقاء اللبنانيين.


وفي اطار هذا التفاهم، تمسك الجانب السعودي باربعة مواقف اساسية هي الآتية:


اولا – تأليف حكومة وحدة وطنية يتطلب اعطاء الاولوية فعلا لتأمين المصالح الوطنية وليس المصالح الذاتية، مما يعني ضرورة تقديم تنازلات متبادلة وامتناع فريق عن فرض مطالب او شروط تعجيزية على الافرقاء الآخرين لان ذلك يعرقل قيام الحكومة ويتناقض ومفهوم المشاركة الوطنية الصحيحة في الحكم.


ثانيا – اي حكومة وحدة وطنية يجب ان تحترم ارادة الشعب اللبناني وتتألف استنادا الى نتائج الانتخابات النيابية الاخيرة التي ادت الى ايجاد غالبية نيابية وشعبية واقلية نيابية. واي تجاهل لارادة الناخبين ينعكس سلبا على الحياة السياسية في لبنان.


ثالثا – يجب الاسراع في تأليف حكومة الوحدة الوطنية، خصوصا ان اكثر من اربعة اشهر مرت على اجراء الانتخابات وان الغالبية ابدت عقب صدور النتائج استعدادها للتعاون مع المعارضة لادارة شؤون البلد.


رابعا – يجب التخلي نهائيا عن استخدام العنف والسلاح والترهيب ومنهج الاغتيالات لمحاولة تحقيق مطالب هذا الفريق اللبناني او ذاك، لان جميع اللبنانيين يدفعون ثمن هذه الاعمال والتوجهات الخطرة ولان اعتمادها ينقلب على اصحابها.


ووفقا لما اكده لنا ديبلوماسي اوروبي مطلع على هذه الموضوع "ان للملف اللبناني دورا مهما ومؤثرا على مسار العلاقات السعودية – السورية. فبقدر ما يتبع نظام الاسد سياسة بناءة وايجابية بكل معنى الكلمة حيال لبنان، يساعد ذلك في تحسين وتطوير علاقات سوريا مع السعودية ودول اخرى. وفي المقابل، ستتأثر العلاقات بين السعودية وسوريا سلبا، ولو بصورة غير معلنة، اذا ما عرقل النظام السوري وحلفاؤه، بتقديمهم مطالب وشروطا تعجيزية، عملية تأليف الحكومة برئاسة سعد الحريري، واذا ما حصل تدهور في الاوضاع السياسية والامنية في لبنان. والمسؤولون السوريون يعرفون ذلك جيدا".


عبد الكريم أبو النصر

المصدر: جريدة النهار

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,109,329

عدد الزوار: 6,753,230

المتواجدون الآن: 103