مَن يقرأ جورج أورويل لأطفال عين الرمّانة؟

تاريخ الإضافة الخميس 8 تشرين الأول 2009 - 7:45 ص    عدد الزيارات 3678    التعليقات 0    القسم محلية

        


جان عزيز
قبل أسابيع عدة، تعرّض مواطن من أنصار التيار الوطني الحر لما يشبه «الغزوة» على مركز عمله في وسط بيروت. الأسباب كانت إدارية بينه وبين أحد موظفيه. ومعالجته للمسألة كانت قانونية كلياً. غير أن جواب المختلف معه كان تنظيم هجوم على مركز العمل، حُطمت خلاله محتوياته واعتُدي بالضرب على بعض من كانوا فيه. وصل الخبر إلى الأجهزة الأمنية. أوقف المبادر إلى الاعتداء وتنظيم «الغزوة». بعد ثلاثة أيام أطلق سراحه، وكان أول عمل يقوم به بعد استعادته حريته أن اتصل برب عمله السابق، «العوني»، ليبلغه رسالة مختصرة: جعلتني أنام ليلتين في السجن. ولقاء ذلك سأجعلك تنام في القبر...
كبرت القضية. حاول كثيرون احتواءها، إلى أن طلب من أحد نواب تكتل التغيير والإصلاح معالجتها. أجرى النائب الوسيط سلسلة اتصالات، قبل أن يعود برسالة أكثر اختصاراً: انسوا الموضوع، واعملوا على لفلفته، فالمعتدي محميّ من شرطة المجلس النيابي...
شيء من هذا القبيل، يدور منذ أعوام طويلة على خط تماس النفوس والعصبيات، بين الشياح وعين الرمانة. في المقلب الشرقي من الحرب العبثية السابقة، فتية لم يعرفوا تلك الحرب، ولم يخبرهم أحد عنها وعن ويلاتها. ولم يقرأوا «ما ذقتم وعلمتم». حتى إنهم لم ينسوا شيئاً، ولم يتعلّموا شيئاً. يتوقون إلى خوض «حربهم» التي فوّتوها. يعدون أنفسهم ربما بانتصار فات جيل «رفاقهم» الذين سبقوهم. ينسجون أساطير وخرافات وأوهاماً. وظّفوا المسيح والعذراء والقدّيسين مرشدين روحيين لنضالهم. وشموهم وحفروهم ورفعوهم على أسنّة «الشرف» و«الكرامة» و«عنفوان» المنطقة والطائفة... وسكنوا الأزقّة ينتظرون «بوسطتهم».

خطاب الأكثرية استغلالي، وخطاب الأقلية تنصّلي، فيما أجهزة الدولة عاجزة

في المقلب الآخر، ليس الوضع بحال أفضل. هناك جيش من الدراجات النارية. لا قانون فيها ولا شرعية ولا أصول. تحميه مرجعيات أكبر من القوى الأمنية، وأكبر من الدولة. ويحميها خط أحمر لدى «حزب الله»، عنوانه عدم الاقتتال الشيعي ـــــ الشيعي. تُحطَّم إشارات السير في الغبيري، ويصمد الخط الأحمر. تتحوّل شوارع الضاحية الجنوبية أحياناً إلى ما يشبه شيكاغو الثلاثينيات، ويصمد الخط الأحمر. فرض موازين سياسية وأمنية وعسكرية و«دولتية»، كرمى للخط الأحمر ذاته. في الشياح الخط نفسه عريض. يشمل المنطقة، و«الشارع العريض» وكل شارع مستنفر للقتل والاقتتال والاستقتال باسم العرض... منذ أعوام طويلة والواقع هناك على هذه الحال.
ليل أول من أمس، كل السيناريوات تبدو قابلة للتطبيق، تفسيراً لما حصل في المنطقة. سيناريو الشغب بين فتية أزقّة متقابلة، ممكن. سيناريو تأصُّل تلك «العادة» الاستقوائية في توجيه جحافل الدراجات النارية نحو «دار الحرب»، ممكن أيضاً. وسيناريو المؤامرة، من الطرفين، على «التفاهم» الداخلي من هذه الجهة، أو على التقارب الإقليمي من الجهة الأخرى، ممكن أيضاً وأيضاً، وخصوصاً في ظل معلومات مستقاة من أوساط أمنية متابعة للتحقيقات، تشير إلى وقائع غريبة، منها على سبيل المثال أن المنطقة كانت في الأيام الماضية مسرحاً لانتشار حزبي متبادل، وأن بعض المسؤولين الحزبيين معروفون بالاسم، وأن عناصر عسكريين رسميين يساعدون بعض هؤلاء، وكانوا مشاركين في الإشكال علناً. حتى إن الأجهزة الأمنية باتت تعرف الأسماء والرتب والقطعات الرسمية التابعة لها.
قد يكون كلام مسؤولي الأكثرية عن حادث عين الرمانة فيه الكثير من المبالغة والاستغلال والاستخدام. حتى إن بعضهم بدا مثل غربان الجثث. لكن كلام مسؤولي الأقلية، كان فيه أيضاً الكثير من رفع المسؤولية والتنصّل من واقع، والتهرّب من عجز، لا يفوقه قدراً إلا عجز الأجهزة الرسمية عن الاستباق والمعالجة. وبين الأطراف الثلاثة، تبقى الحاجة الأساس إلى مَن يخبر فتية الشوارع وأطفالها أن الثورات تنتهي حتماً بأكل أبنائها، وأولهم «غافروش»، وأن الشعارات الكبرى في البلدان الصغرى لا تخدم غير «خنازير» البرج العالي، بحسب رواية جورج أورويل.

عدد الخميس ٨ تشرين الأول ٢٠٠٩

المصدر: جريدة الأخبار

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,135,482

عدد الزوار: 6,755,934

المتواجدون الآن: 113