أسباب عودة تصاعد نفوذ طالبان

تاريخ الإضافة الأربعاء 23 أيلول 2009 - 10:34 ص    عدد الزيارات 1591    التعليقات 0

        

تقرير واشنطن

ينظر كثير من المسئولين الحكوميين والخبراء السياسيين الأمريكيين إلى باكستان بوصفها البلد الأكثر خطورة في العالم. ليس فقط لأنها بلد غير مستقر سياسيًّا، يمتلك برنامجًا للأسلحة النووية، ولكن أيضًا لأن باكستان أصبحت، في الآونة الأخيرة، ملاذًا آمنًا لطالبان والمنظمات المسلحة المتطرفة، كتنظيم القاعدة.

ويمثل نجاح الجماعات الإرهابية المتطرفة في حيازة أسلحة نووية الهَمِّ الأكبر للولايات المتحدة. وتُعتبر باكستان، الآن، المكان الأكثر احتمالاً لتحقق مثل تلك المخاوف. ونتيجةً للضعف العسكري والاقتصادي الذي أصاب الولايات المتحدة جراءَ حروبها في أفغانستان والعراق، فإن واشنطن غير قادرة على هزيمة القاعدة وطالبان في باكستان بشكل مستقل. وفي هذا الإطار قام "عمران خان Imran Khan"، عضو البرلمان الباكستاني ورئيس حزب "الحركة من أجل العدالة Movement for Justice Party"، بزيارة لمؤسسة أمريكا الجديدة New America Foundation مؤخرا، لمناقشة كيف يمكن للحكومة الباكستانية أن تساعد في هزيمة هذه الجماعات المتطرفة.

"عمران خان" وطريقه نحو السياسة

لم يتبع "عمران خان" المسار النموذجي للسياسة. فعلى الرغم من دراسته للسياسة والاقتصاد بجامعة إكسفورد في إنجلترا، برزَ خان بوصفه نجمًا للعبة الكريكيت، ولعب في المنتخب الوطني الباكستاني لأكثر من عقدين، في الفترة من 1971 - 1992، وتولى قيادة الفريق نصف هذه المدة. وباعتباره لاعبًا للكريكيت، تمتع خان بشهرة واسعة. لكنه حظي باحترام أكبر في باكستان لقيادته المنتخب الوطني للفوز ببطولة كأس العالم، وهي المرة الوحيدة في تاريخ المنتخب الباكستاني. وهو الحدث الذي جلب الفخر لكثيرٍ من الباكستانيين.

وبعد اعتزاله لعبة الكريكيت في عام 1992، ركز خان في جهوده على العمل الاجتماعي في باكستان. وأسس منظمة خيرية تحت اسم "شوكت خانوم التذكاري ترست Shaukat Khanum Memorial Trust"، على اسم والدته. ومن خلال المنظمة، كان خان قادرًا على جمع أكثر من 25 مليون دولار لبناء أول مستشفى للسرطان في باكستان، والتي افتتحت في عام 1994.

وفي عام 1996، قرر خان دخول المعترك السياسي، حيث اعتقد أن بإمكانه خدمة باكستان بشكل أفضل كسياسي. واعتمادًا على ذلك، أسس "حزب الحركة من أجل العدالة" على أساس برنامج من أربع نقاط هي، أولاً: تعزيز القيم الإسلامية، ثانيًا: تخفيض حجم البيروقراطية، ثالثًا: محاربة الفساد، رابعًا: وضع سياسة اقتصادية أكثر تحررًا. ولا يزال "خان" عضو البرلمان الوحيد من حزبه، ما يدل على فشله في جلب الزخم والتأييد لحزبه.

رؤية "خان" للصراع في سوات

تتناقض المقترحات التي قدمها "خان" للبرلمان الباكستاني، والآراء التي عبر عنها في خطابه الذي ألقاه في مؤسسة أمريكا الجديدة مع آراء معظم السياسيين الباكستانيين والائتلاف الحاكم. وتتمحور أهم هذه الخلافات حول كيفية هزيمة القاعدة وطالبان في باكستان.

فمن جهة، تنظر الحكومة إلى طالبان والقاعدة والجماعات المرتبطة بهما بوصفهم "بكتيريا سياسية"، من السهل أن تنشر إيديولوجيتها الراديكالية وتأثيرها بسهولة عبر كل باكستان إذا لم يتم احتواؤها والقضاء عليها في أقرب وقت ممكن. وبالتالي، تعتبر الحكومة الباكستانية العمل العسكري الفوري والسريع في وادي سوات والمناطق القبلية - حيث تتمركز طالبان - أفضل وسيلة للتعامل مع هذه الجماعات.

ومن جهة أخرى، يعارض خان استخدام القوة العسكرية، فهو يرى أن إيديولوجية طالبان الراديكالية ليست مصدر الدعم الذي تحظى به الحركة، كما تعتقد الحكومة. ويستشهد بالتطور الذي مرت به طالبان في أفغانستان، للتدليل على وجهة نظره. فقد صعدت طالبان إلى السلطة في أواخر التسعينيات، لأنها وعدت بتحقيق سيادة القانون في دولة تُعرف عمليًّا بالحرب الأهلية، ويتوق شعبها إلى العدالة. ومن ثم قِبَلَ الأفغان بتطبيق طالبان للشريعة، لكن عندما أدركوا شكل هذا التطبيق - الذي ربما يكون التفسير الأكثر تشددًا للشريعة الذي رأوه في حياتهم - ولاحظوا إيواء حكومتهم للإرهابيين من القاعدة، بدءوا يندمون على قرارهم السابق. وبحلول عام 2001، وقبيل الغزو الأمريكي لأفغانستان، فقدت حركة طالبان كثيرًا من الدعم الشعبي، وفقًا لخان، وكانت في طريقها للخروج.

خيار باكستان الصعب

عندما هاجر كثيرٌ من أعضاء طالبان وتنظيم القاعدة إلى المناطق القبلية في شمال غرب باكستان، كان أمام الحكومة الباكستانية خياران: الأول هو التعاون مع زعماء القبائل لإلحاق الهزيمة بطالبان وتنظيم القاعدة، وهو ما حاول الرئيس الباكستاني السابق "برويز مشرف" القيام به في عام 2004، عندما طالبته الولايات المتحدة بالقبض على نحو 200 - 600 من أعضاء حركة طالبان وتنظيم القاعدة المقيمين في المناطق القبلية.

وتفاوض مشرف للوصول إلى اتفاق مع زعماء القبائل ينص على تسليمهم أي عضو من أعضاء حركة طالبان أو تنظيم القاعدة، إذا قدمت الحكومة الباكستانية دليلاً قاطعًا على انتماء هذا الفرد لأي من هذه الجماعات. بالإضافة إلى ذلك، وافق زعماء القبائل على منع طالبان والقاعدة من عبور الحدود بين باكستان وأفغانستان. ومع ذلك ضغطت الولايات المتحدة على مشرف لرفض العرض، ومن ثم أذعن مشرف للرغبة الأمريكية واختار البديل الثاني، وهو القوة العسكرية.

ورغم أن العمليات العسكرية التي تقوم بها الحكومة الباكستانية نجحت في تحقيق أهدافها المباشرة، فإن العنف لم يؤد إلا إلى تعزيز حركة طالبان والقاعدة في المدى البعيد. وبالطريقة ذاتها، وكما كان دعم الأفغان لطالبان قائم على الاعتقاد بأن الحركة سوف تؤسس لسيادة القانون، كبديل أفضل من الحرب الأهلية، فإن عديدًا من المواطنين في المناطق القبلية يرون في طالبان خيارًا أفضل من الحكومة الباكستانية، التي قتلت عددًا من المدنيين من المناطق القبلية خلال هذه الغارات.

وفي حين أن زعماء القبائل كانوا يرغبون، في وقت ما، في تسليم أعضاء حركة طالبان إلى الحكومتين الباكستانية والأمريكية، فإنهم يشكلون الآن تحالفًا. حيث انضم أكثر من 1.5 مليون من الرجال المسلحين في المناطق القبلية إلى طالبان، ومن ثم سوف تجد الحكومة الباكستانية صعوبة في إلحاق الهزيمة بهم.

السياسة الباكستانية وراء صعود طالبان

وبالإضافة لما سبق فقد منحت الحكومة الباكستانية الشرعية لحركة طالبان في وادي سوات. فبعد انضمام وادي سوات إلى باكستان في عام 1969، تم استبدال قوانين الشريعة، والتي كان يعمل بها طيلة تاريخ وادي سوات، بالقوانين العلمانية الخاصة بالحكومة المركزية الباكستانية. ومن وجهة نظر سكان وادي سوات، كان هذا بمثابة تدهور لنظام العدالة، حيث ارتفع معدل جرائم القتل من 10 جرائم في السنة إلى نحو 700 جريمة سنويًّا. وبالتالي، قضى سكان وادي سوات السنوات الـ 40 الماضية في التفاوض مع الحكومة المركزية من أجل إعادة العمل بـ "الشريعة"، ولكن هذه المحادثات فشلت مرارًا وتكرارًا. ونتيجة لذلك، ازداد ترحيب سكان وادي سوات بجماعات، مثل حركة طالبان، نتيجة شعورهم بأن هذه الجماعات ستساعدهم على استعادة سيادة القانون التقليدية.

ولم تكتف الحكومة الباكستانية بتهيئة الأحوال الملائمة لظهور حركة طالبان في وادي سوات، بل إن عملياتها العسكرية أطالت فترة شهر العسل بين سكان وادي سوات وطالبان. فمن خلال قتل المدنيين الأبرياء، وتهجير أكثر من مليون لاجئ، تنازلت الحكومة الباكستانية عن الأرضية الأخلاقية التي تستند عليها لحركة طالبان. فبدلاً من الامتعاض من حركة طالبان نتيجة تنفيذها الراديكالي للشريعة الإسلامية، فإن مواطني وادي سوات مذهولون من أعمال العنف التي تقوم بها الحكومة المركزية، ومن ثم لا يزالون يرحبون بوجود طالبان.

دعوة للتحرك الباكستاني

وباختصار، تحتاج الحكومة الباكستانية إلى أن تقنع مواطني هذه المناطق غير المستقرة، أنها، وليس تنظيم القاعدة أو حركة طالبان، شريكهم الاستراتيجي. ولم تقم الحكومة بعمل جيد حتى الآن حيال قتل المدنيين، وإجبار حوالي مليون شخص على ترك ديارهم، وتدمير محاصيل المزارعين الذين يعيشون على الكفاف باسم محاربة تنظيم القاعدة وحركة طالبان، ومع ذلك لا تزال هناك فرص لتحقيق المصالحة.

يريد شعب وادي سوات العودة إلى ديارهم والعيش في سلام في ظل الشريعة الإسلامية، وعلى الحكومة أن تتعاون معهم، وتظهر لهم أنهم سيكونون أفضل بدون حركة طالبان. وبالإضافة إلى ذلك، يعتبر أعضاء القاعدة وحركة طالبان من الأجانب في منطقة القبائل الباكستانية؛ ولن تتردد القبائل في التخلي عنهم إذا قدمت الحكومة لهذه القبائل بدائل مناسبة.

وأخيرًا فإن الأمر في وادي سوات لم يعد مجرد قلق محلي قاصر حول إسناد الحق في اختيار الشريعة، وإنما هي قضية تهدد الدولة الباكستانية وتهدد البلدان في جميع أنحاء العالم. وإذا كانت حكومة باكستان تريد تجنب اندلاع الفوضى في الداخل وأن تساعد في منع تحقيق واحدة من أكبر مخاوف الولايات المتحدة (حيازة الجماعات المتطرفة لسلاح نووي)، فإنها تحتاج إلى تغيير مسارها الآن.

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,760,137

عدد الزوار: 6,913,489

المتواجدون الآن: 102