التماسك المجتمعي وجدل إيران في تركيا

تاريخ الإضافة الإثنين 8 تموز 2013 - 6:57 ص    عدد الزيارات 796    التعليقات 0

        

التماسك المجتمعي وجدل إيران في تركيا
فؤاد فرحاوي
شهدت تركيا في الفترة الأخيرة نقاشات كبيرة حول قضايا تتعلق باللحمة المجتمعية وكيفية الحفاظ عليها وتعزيزها. وقد أدى عدد من التطورات على الساحة التركية بعدد من الشخصيات المؤثرة إلى تكثيف جهودها لمنع تحول الصراع السياسي إلى صراع مجتمعي، وشكل ما عرف بـ«أحداث تقسيم» وما تلتها من تفاعلات في الأسابيع الأخيرة إنذارا لحكماء البلاد وسياسييها. واتضح أن الإنجازات الاقتصادية والشرعية الديمقراطية والسياسية غير كافية للقول بأن تركيا قد عبرت بمكونات مجتمعها إلى مرحلة التشغيل الإيجابي الكامل لطاقاتها، في أفق أخذ مكانتها ضمن خريطة التوازن الدولي التي لم تتضح معالمها بعد، خاصة بعد الإرباك الذي سببته تحولات المنطقة العربية لما يقرب من ثلاث سنوات.

نقاش الهوية المجتمعية لا يزال يطرح تحديا للأتراك، إذ يخشى أن يكون سببا لأحداث أو تطورات قد تنزلق بالبلاد إلى التفكك إذا لم يتم التعامل معها بالدقة والحكمة اللازمة. وفي الواقع، فإن الموضوعين وحساسيتهما لي بالجديدين، وإنما المستجد هو تصاعد النقاش حول التوظيف الإقليمي لطبيعة التركيبة الاجتماعية التركية، لا سيما من إيران التي توترت علاقاتها بتركيا بسبب الأزمة السورية. وقد ظهرت أصوات مؤخرا من داخل الطائفة العلوية تحذر من تدخل إيران في شؤونهم، وفي هذا السياق ذكر رئيس الجمعية العلوية البكتاشية التركمانية التركية أوزدمير أوزدمير أن طهران كثفت جهودها خلال السنوات الثلاث الأخيرة، لإحداث صراع طائفي بين السُنة والعلويين في تركيا، واعتبر مظاهرات ميدان تقسيم جزءا من الأحداث الرامية إلى تحقيق هذا السيناريو. وأشار أوزدمير أيضا إلى أن طهران تنفّذ خططها عبر أربع جمعيات علوية في إسطنبول وأنقرة وإزمير، إذ جرى تسفير 700 شيخ علوي إلى إيران، حيث التقوا هناك مع الكثير من قادة الحرس الثوري الإيراني والمرشد علي خامنئي. وفي نفس الوقت تجري تنشئة الأطفال والطلبة العلويين وفق الفكر الشيعي الإيراني، ثم يرسلون بعد ذلك إلى تركيا كشيوخ علويين.

وارتباطا بما سبق، رفض أكاديميون وسياسيون أتراك اتفاقية في مجال التعليم بين إيران وتركيا جرى إقرارها في 12 ديسمبر (كانون الأول) 2012، بحجة أن التعاون مع طهران في بعض القضايا يحتاج إلى الثقة الكاملة. والخوف الأكبر من بعض الأتراك أن تستغل طهران اتفاقيات التعاون التربوي والعلمي لإحداث فتنة داخلية بين مكونات المجتمع التركي. ويذكر أن الدولتين سبق أن وقعتا بطهران في 19 يونيو (حزيران) 2006 اتفاقية حول برنامج التبادل يشمل التعليم والتربية والثقافة والشباب والرياضة، ولمدة تمتد من 2006 إلى 2009. ثم جرى التوقيع على نفس الاتفاقية في سبتمبر (أيلول) 2010 في برنامج يمتد إلى غاية 2013. وفي أغسطس (آب) 2008 وقعت في إسطنبول اتفاقية برنامج مشترك بين وزارة الثقافة والسياحة التركية والمؤسسة الإيرانية للتراث الثقافي والصناعة اليدوية والسياحة، وذلك لمدة تمتد من 2008 إلى 2010. وكتتويج لهذه البرامج والاتفاقيات جرى الاتفاق بين البلدين في يوليو (تموز) 2011 على إنشاء جامعة مشتركة من المفترض أن تبدأ أعمالها خلال سبتمبر من العام الحالي، وستفتح فرع لها في مدينة تبريز الإيرانية وفرع آخر في مدينة وان التركية.

من جانب آخر، طرحت تسمية الجسر الثالث المزمع إنشاؤه بين الطرف الآسيوي والطرف الأوروبي بجسر يافوز سلطان سليم جدلا كبيرا، إذ اعتبر البعض أن هذه التسمية مستفزة للعلويين بسبب ما يقولون بأن هذا السلطان قتل عددا كبيرا من العلويين بسبب اتهامهم بالتحالف مع الصفويين إبان حروبهم مع الدولة العثمانية. وحاول المسؤولون الأتراك أن يطمئنوا العلويين، كما أعلن الرئيس عبد الله غل أن عددا من المشاريع المستقبلية سيجري تسميتها بأسماء شخصيات علوية. ومن جانب آخر أوصى وزير الخارجية التركي أحمد داود أغلو خلال اجتماع له مؤخرا مع السفراء والقناصل الأتراك الجدد بـ«وضع مصالح المواطنين الأتراك نصب أعينهم، مهما كانت انتماءاتهم الفكرية أو العقائدية أو أصولهم الإثنية»، بل وحثهم على إقامة علاقات مباشرة معهم وزيارة بيوت الجمع العلوية (دور العبادة). وفي نفس الوقت بدأت الحكومة التركية في إجراءات لإلغاء قوانين سنها أتاتورك في عام 1925 لم تكن تضفي الشرعية على أماكن العبادة للعلويين، فضلا عن تخصيص رواتب شهرية لشيوخهم.

القلق الذي يساير المسؤولين الأتراك بخصوص العلويين وإمكانية توظيفهم ضد الأمن القومي التركي من قبل إيران، ينطبق أيضا على الأكراد. ويعتبر خبراء أتراك أن مسار السلام الذي أطلقته الحكومة التركية لحل المسألة الكردية سيفقد طهران ورقة مهمة كانت توظفها ضد تركيا، تماما كما توظفها دولا أخرى عندما تكون هناك حاجة للضغط على أنقرة. وبسبب أن جزءا من الأكراد هم من العلويين، يخشى أن يجري الرهان على البعد الطائفي الديني لإمساك طهران بإحدى أوراق الملف الكردي. تكشف إذن هذه الملفات مدى عمق الصراع الإيراني - التركي في منطقة الشرق الأوسط وتشعباتها، ولكن لفهمها بشكل أكثر شمولا بالنسبة للعرب من المهم إدراك أبعاد هذا الصراع أيضا في منطقة آسيا الوسطى.

* باحث في منظمة البحوث الاستراتيجية والدولية (أوساك) ــ أنقرة

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,738,705

عدد الزوار: 7,002,014

المتواجدون الآن: 64