العراق.. الخيارات المفتوحة

تاريخ الإضافة الخميس 6 حزيران 2013 - 6:33 ص    عدد الزيارات 899    التعليقات 0

        

العراق.. الخيارات المفتوحة
الحرب الطائفية.. أم التقسيم.. أم عودة العقل والمصالحة
بغداد: حمزة مصطفى
مثل كرة ثلج كبرت أزمات العراق، إلى حد أن وصفتها الأمم المتحدة بالخطيرة، محذرة من انزلاق البلاد نحو المجهول.. في أعقاب موجة من التفجيرات بالسيارات المفخخة، لم تسلم منها المدن الرئيسة في البلاد، راح ضحيتها في شهر مايو (أيار) الماضي وحده أكثر من 1000 قتيل، ما يجعله الأكثر دموية منذ سنة 2008. يضاف إلى ذلك الأزمة السياسية الخانقة التي تواجهها حكومة نوري المالكي، فالمعتصمون في المحافظات الغربية من طائفة السنة، يلوحون بالسلاح بعد أن فشلت جهود المصالحة، فيما ينادي بعضهم الآخر بإنشاء إقليم خاص بهم وهو ما كان مرفوضا بينهم في السابق.

العودة إلى «المربع الأول» باتت نوعا من الحل الآن.. بعد أن بدا أن الأزمة في العراق، ربما في طريقها إلى أن تتعقد أكثر فأكثر.. حيث تولت الولايات المتحدة بعد الغزو، إجراء ترتيبات سياسية من خلال «المحاصصة» تولت بموجبها الطبقة السياسية الحالية الحكم، ووصفها سياسيون وقتها بأنها منقوصة لأسباب كثيرة.

وانتشى المنتصرون الكبار من التغيير الدراماتي وهما الشيعة والأكراد اللذان كانا يشعران طوال 80 سنة من تأسيس الدولة العراقية الحديثة (تأسست سنة 1921 وسقطت عام 2003) بالتهميش والإقصاء تحت حكم في إطاره العام سني. وبعد نحو سنتين ونصف من هدوء سياسي نسبي بدأت أزمة المحاصصة السياسية تأخذ بعدا آخر عندما ظهرت فكرة المقاومة التي اختلطت مع قضية الإرهاب فاختلط المفهومان معا حتى تفجرت الأوضاع في فبراير (شباط) سنة 2006 عندما تم تدمير مرقد سامراء فانفتح أمام العراقيين خيار واحد آنذاك هو خيار الحرب الأهلية (2006 - 2008).

اليوم يبدو المشهد مختلفا ولعل أهم سمة فيه هو أنه مفتوح على عدة خيارات لا خيار واحد. فهناك خيار التقسيم من خلال تشكيل ثلاث دول أو «دويلات» مثلما يجري تداوله ربما بهدف تبسيط الأزمة أو المشكلة إن لم نقل المصيبة. وهناك خيار الأقاليم «الفيدرالية» المكفولة دستوريا والمرفوضة واقعيا وعمليا. وهناك خيار الحرب الأهلية التي ذاق العراقيون ويلاتها خلال السنوات الماضية. لكن الحرب الطائفية انتهت مع أنه لم يجر الاعتراف بها كليا. فعلى الرغم من كل ما حصل من قتل على الهوية طال عشرات آلاف العراقيين في مختلف مناطق العراق ما عدا إقليم كردستان الذي يتمتع بالحكم الذاتي وشبه انفصال منذ عام 1991 والذي تحول إلى ملاذ آمن للعراقيين الهاربين من العنف الطائفي في باقي مناطق البلاد لا سيما المختلطة منها وفي المقدمة منها العاصمة بغداد.

وحين نقول المربع الأول الذي كان يخشاه الجميع فإن المقصود به كان الحرب الطائفية فقط. أما اليوم فإن هناك بالإضافة إلى هذا الخيار خيارين آخرين وهما التقسيم والأقاليم. وربما يتساءل الكثيرون أي من هذه الخيارات هو الأكثر ترجيحا؟ ولعل الإجابة هنا لا تنحصر بترجيح أي واحد من هذه الخيارات بناء على المعطيات التي يفرضها الواقع بل إن الأخطر من ذلك هو أن اختلاط الأزمة بين ما هو سياسي ومجتمعي، داخلي وخارجي، يجعل من إمكانية أن تتحقق كل هذه الخيارات معا.. فالتقسيم لا يمكن أن يتم في ظل الوضع الحالي في العراق بالتراضي وبالتالي فإنه قد يأتي من خلال حرب أهلية. وحتى الأقاليم التي يكفلها الدستور العراقي (تم إقراره عام 2005) لا تبدو اليوم وفي ظل اشتداد الأزمة السياسية خيارا متفقا عليه حتى بين المتظاهرين في المحافظات الغربية من العراق والتي بدأت أواخر عام 2012 وما زالت مستمرة حتى اليوم. وحتى آخر جمعة مظاهرات التي أطلق عليها جمعة «خيار من في الميدان خيارنا» فإن معارك بالأيدي والعصي حدثت في مدينة الفلوجة (إحدى أكبر المدن المقاومة في العراق) بين مؤيدي الإقليم السني ومعارضيه.

المفكر العراقي المعروف والنائب المستقل في البرلمان العراقي حسن العلوي يطلق في إطار رؤيته لما يجري في العراق الآن في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن «العراق يمر اليوم في مرحلة الدولة الفارغة وداخل هذه الدولة الفارغة عدة مشتركات مشترك روحي ومشترك وطني ومشترك ديني». ويضيف العلوي أنه «حتى داخل المشترك المذهبي توجد حالة فراغ وهو ما يؤدي إلى ازدهار الانقسامات وذلك في غياب سلطة مركزية»، معتبرا أن «ترك المؤسسات فارغة وذلك من قبيل وجود نحو 50 مؤسسة دولة فارغة وتدار بالوكالة بمن فيها وزارة الأمن الوطني في بلد أخطر ما يعانيه اليوم هو غياب الأمن». ويرى العلوي أنه «ليس هناك رغبة في ملء الفراغات بما في ذلك وزارات الداخلية والدفاع والأمن الوطني». وبذهب العلوي بعيدا في تشخيص الأزمة حيث يقول إن «رئيس الوزراء نوري المالكي وعلى الرغم من توليه ولايتين فإنه لا يزال في مرحلة التأسيس ولم يدخل بعد في مرحلة الحكم ولا أحد يعرف حتى الآن متى تنتهي مرحلة التأسيس هذه». ولأننا ما زلنا في مرحلة التأسيس فإنه وطبقا للعلوي فإن «الحكم سائب حيث لا يوجد من يتابع الفساد والقتلة واللصوص». ويعيد العلوي الأزمة العراقية بكل تجلياتها إلى الطبيعة التوافقية للبرلمان العراقي حيث إن «هذه الطبيعة التوافقية لا تترك لرئيس الوزراء حرية العمل فالبرلمان العراقي هو ليس بيد أعضائه بل بيد زعامات الكتل وكل القوانين والقرارات فيه تطبخ في مطبخهم وتتم المصادقة عليها داخل البرلمان ولعل مرتين أو ثلاث أنجز فيها البرلمان قوانين غير متفق عليها مسبقا».

العلوي وبحكم سنه (مواليد 1936 وهو أكبر أعضاء البرلمان العراقي سنا) عاصر النوريين معا.. نوري السعيد رئيس الوزراء المزمن في العهد الملكي (1921 - 1958) ونوري المالكي الذي يحكم منذ عام 2006. يقول إن «المالكي يمر اليوم بهاجس نوري السعيد حيث لم يكن أمام السعيد خصم قوي بينما الأمر مختلف أمام المالكي الذي يواجه اليوم خصوما أقوياء». وفي بلد لم تترسخ مؤسساته الديمقراطية فإن الحاكم يجد صعوبة في ظل «عدم وجود تناظر نوعي داخل البرلمان». وبشأن رؤية المستقبل يرى العلوي أن «الأزمة مركبة حيث إن المالكي لا يزال يراهن على حكومة أغلبية في ظل احتدام الصراع حتى داخل الشيعة بينما يتنامى اليأس عند السنة بسبب أنهم يرون أن الحكومة لم تقدم لهم شيئا وهو ما بات يدفع قسما منهم إلى البحث عن إقليم يريدون له أن يناظر الإقليم الكردي وهو خطأ فادح لأن الإقليم الكردي هو نتاج حلم طويل بينما الإقليم السني هو تعبير عن كابوس سلطة مفقودة».

لا تختلف رؤية عميد كلية النهرين في جامعة بغداد الدكتور عامر حسن فياض كثيرا عن رؤية العلوي بشأن مفهوم «الدولة الفارغة». فياض وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط» يرى أن «المشهد العراقي ينفتح الآن على أربعة مفردات هي عوق وعوز وعبث وعجز» فهناك والكلام للدكتور فياض «عوق سياسي وعوز تشريعي وعبث بالمال العام وعجز بالأداء الحكومي» معتبرا أنه في حال «بقيت هذه العلامات الفارقة السلبية على حالها فإنه كفيل بأن يجعل من شيء اسمه العراق عبارة عن كيان سياسي وليس دولة» مؤكدا أنه «ببقاء الحال على ما هو عليه طبقا لهذه الخيارات يمكن أن يكون التقسيم أو التفتيت أو التجزئة أو الحرب الأهلية مطروحة ولا يمكننا استبعاد أي منها». ويضيف الدكتور فياض قائلا إن «مشكلات العراق أساسها داخلي وإن كان مظهرها خارجيا وإن كل من يتصور أن مسببات مشكلاتنا خارجية فإنه واهم مع عدم استبعاد وجود أجندة خارجية ولكن في حال تمت معالجة النقاط الأربع فإن التأثيرات الخارجية سوف تتقزم بينما في حال لم تتم معالجتها فإن هذه التأثيرات الخارجية ستتغول وتصبح هي الأساس في رسم مستقبل العراق». مع ذلك فإن مجموع الأوضاع التي يمر بها العراق حاليا من حيث استمرار المظاهرات في المحافظات الغربية وعدم حسم الأزمات السياسية المختلفة بين البرلمان والحكومة وعدم تحقيق مفهوم محدد ومتفق عليه للشراكة في الحكم وصناعة القرار فإنه وطبقا لما يراه الدكتور رائد فهمي عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي ووزير العلوم والتكنولوجيا السابق في حديثه لـ«الشرق الأوسط» فإن «الخيارات المطروحة وهي التقسيم أو الأقاليم أو الحرب الطائفية ليست مفروضة بوصفها خيارات مسبقة حيث إنه لم يعلن أحد أنه يريد حربا طائفية أو يريد تقسيم العراق باستثناء ربما بعض القوى الإرهابية التي ليس لديها سوى خيار واحد هو التخريب والتدمير أيا كانت النتيجة». والخطورة بالنسبة لما يراه الدكتور فهمي أن «الصراعات الحالية بين القوى والكتل السياسية وما بات يترتب عليها من أجندات داخلية وخارجية يمكن أن تؤدي الآن أو في مرحلة لاحقة إلى نتيجة من هذا النوع لا سيما مع غلق قنوات الحوار فضلا عن التحشيد بكل أنواعه لدى كل الأطراف». ويضيف فهمي قائلا إن «كل المؤشرات تظهر أننا وصلنا إلى مفترق طرق إلى الحد الذي بدأت فيه جهات أممية ودولية تقلق على ما يجري في العراق مثل الأمم المتحدة وكذلك الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وبالتالي فإنه ما لم يتم وقف التداعي فإنه يصعب السيطرة على ما يمكن أن يحصل في المستقبل».

لم يعد الدين أو المذهب ضامنا لوحدة العراق بل في ظل التعددية الدينية والمذهبية والعرقية في العراق فإن المذاهب تحولت إلى مشكلة بحد ذاتها. ولو كان قد دخل الأكراد لعبة المذاهب (سنة في غالبيتهم العظمى) لما تمكنوا من بناء تجربة تعتبر مثالية في إقليم كردستان من «حيث الاستقرار والأمان والاستثمار الذي حول قرية قبل سنوات مثل أربيل إلى مدينة» مثلما يرى حسن العلوي في مداخلته بينما «تحولت مدينة مثل بغداد في الماضي إلى قرية الآن بسبب الصراعات والنزاعات بين الشيعة والسنة». وطالما أن الدين أو المذهب لم يعد في ظل الأوضاع الحالية التي يمر بها العراق ضامنا لوحدة البلاد أو على الأقل سدا أمام محاولات تمزيقها والذهاب بها إلى خيارات مختلفة ومفتوحة على كل الاحتمالات فإن الأنظار تتجه الآن إلى العشيرة التي لعبت ولا تزال تلعب دورا محوريا في تاريخ العراق. وفي هذا الإطار يرى الشيخ جمال البطيخ رئيس الكتلة البيضاء في البرلمان العراقي ووزير الدولة لشؤون العشائر السابق في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن «التصعيد الحالي بين أقطاب العملية السياسية وكل ما ترتب عليه من تهييج وشحن للشارع العراقي إنما هو ناتج عن التغيير الذي حصل عام 2003 وهنا يجب أن نقر بالعامل الخارجي وليس الداخلي لجهة أن الاحتلال الأميركي للعراق هو الذي بذر الفتنة الطائفية بسبب أن التغيير الذي حصل كان تغييرا قاسيا بكل المعايير أدى إلى تدمير الدولة العراقية وكان قد علق آمالا كبيرة على هذا التدمير غير أن تماسك المجتمع العراقي ببعده العشائري وشكل ولا يزال يشكل عاملا أساسيا باتجاه وحدة هذا البلد». ويضيف البطيخ قائلا إن «القبيلة في العراق هي الوحدة الأساسية في العراق وهي دائما منقسمة إلى قسمين شيعي وسني وقد أصبح هذا الانقسام القبلي عامل توحيد مجتمعي وهو أمر أدى وسوف يؤدي إلى إفشال كل المحاولات الهادفة إلى تقسيم العراق أو تجزئته طبقا لعامل الاحتراب الطائفي على الرغم من كل الضخ والتحشيد وشراء الذمم وغيرها من المحاولات». ويؤكد البطيخ أن «الأزمة في العراق الآن هي أزمة سياسية وليست أزمة مجتمعية والدليل على ذلك أن الكثير من السياسيين على الرغم من أنهم جزء من العملية السياسية ولديهم مواقع وامتيازات فإنهم ما زالوا يحنون للماضي ويحاولون ركوب شتى الموجات من أجل تحقيق أهداف باتت مرفوضة حتى في حواضنهم الاجتماعية مثل حكاية الإقليم السني الذي يطالب به بعض السياسيين على الرغم من أنه مرفوض من قبل كبار مراجع السنة مثل الشيخ عبد الملك السعدي». ويراهن البطيخ على ما يسميه «الوعي الاجتماعي للشعب العراقي حيث إن الناس اكتشفوا حقيقة الكثير من السياسيين من أصحاب المشاريع الهادفة إلى تمزيق العراق». من جهته يرى القيادي في دولة القانون ورئيس المركز العراقي للتنمية الإعلامية الدكتور عدنان السراج في مداخلته لـ«الشرق الأوسط» أن «الحديث عن الخيارات المفتوحة بالنسبة للوضع العراقي ومن بينها التقسيم ليس أمرا جديدا حيث إن اللافت في تاريخ العراق ومنذ عقود أن هناك ضخا إعلاميا وسياسيا ملخصه هو تقسيم العراق وكأن هذا الأمر هو أحد ثوابت السياسة العالمية أو الاستراتيجية الدولية وقد أصبح هذا الأمر وكأنه قدر لا يمكن الفكاك منه وأنه يمكن أن يتحقق في قابل الأيام». ويمضي السراج قائلا «لكن واقع الحال هو بخلاف ذلك فالعراق لم يتقسم ولم يتشرذم على الرغم من كل ما مر به على الرغم مما يبدو أنه يمر اليوم في ظرف مختلف إلا أن النتيجة النهائية أن العراقيين سوف يتخطون مثل هذه المخاوف على الرغم من أن تاريخ العراق الحديث لم يخل أيضا من صراعات بين الشيعة والسنة وبين العرب والأكراد ولكنها سرعان ما تزول وتذهب أدراج الرياح». ويرى السراج أنه «طبقا لرؤية البعض فإن التقسيم أو الأقاليم هو الحل وإنه يمكن أن يحل المشكلات ولكن في حال حصل ذلك فإن الدويلة الشيعية التي تتشكل والدويلة السنية سوف تبحث كل واحدة منهما عن حليف إقليمي وهو أمر سوف يفاقم المشكلات لا يحلها»، معتبرا أن «الحل لدعاة الميليشيات كان شيعيا عندما قاد المالكي صولة الفرسان في البصرة والعمارة وبغداد والحل لدعاة الأقاليم ومطاردة القاعدة كان سنيا عندما شكلوا الصحوات واليوم يطردون من داخل ساحات الاعتصام كل من يدعو إلى التقسيم».

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,485,894

عدد الزوار: 6,993,317

المتواجدون الآن: 66