"الأحزاب والحركات والتنظيمات القومية في الوطن العربي" إيديولوجيا للأمة في زمن التحولات الجارفة

تاريخ الإضافة الخميس 6 أيلول 2012 - 8:00 ص    عدد الزيارات 1357    التعليقات 0

        

 

"الأحزاب والحركات والتنظيمات القومية في الوطن العربي" إيديولوجيا للأمة في زمن التحولات الجارفة
جهاد الترك
لعلّ أرسخ الإيديولوجيات في الذاكرة العربية الحديثة، بات اليوم معرّضاً لرياح التغيير الهوجاء التي راحت تقلب الحقائق الثابتة رأساً على عقب. هل جاء دور الفكر القومي العربي، كإحدى هذه الإيديولوجيات التي احتلت مرتبة "القداسة" في التصور الفلسفي الاجتماعي لدعاة هذا المفهوم، ليختبر بجسده العاري قسوة هذه التجربة وتداعياتها ومغبّة نتائجها؟ لا شيء من هذا القبيل في حيثيات المجلد الضخم الصادر حديثاً عن "مركز دراسات الوحدة العربية" في بيروت، بعنوان "الأحزاب والحركات والتنظيمات القومية في الوطن العربي" لمجموعة من الباحثين بإشراف محمد جمال باروت..
المشاركون هم: أمحمد مالكي، توفيق المديني، حبيب عيسى، حيدر ابراهيم علي، رجاء الناصر، رحاب مكحل، شمس الدين الكيلاني، عبدالغفار شكر، عبدالغني عماد، علي بدوان، علي محافظة، عمار السمر، فارس أشتي، قادري أحمد حيدر، ماجد كيالي، محمد جمال باروت، محمد سيد رصاص، محمد نجاتي طيارة، مصطفى نويصر، معن بشور، مفيد الزيدي، منير الحمش ويوسف مكي.
ومع ذلك، يثير هذا المجلد بصفحاته الـ1152 من القطع العريض قلقاً دفيناً حيال هذه المسألة. يأخذ واضعوه على عاتقهم توثيق هذا المفهوم على نحو يدعو الى الإعجاب منذ بداياته المبكرة وصولاً الى اللحظة الراهنة. ينحون هذا المنحى الصعب من دون أن يسعوا الى إعادة قراءة الفكر القومي في زمن اللاإيديولوجيا، في لحظة تاريخية تتعرى فيها الحقائق "الجامدة" من مناعتها المكتسبة بالتداول والتقليد. ولكنهم يعوّضون ذلك بانصرافهم الحثيث الى توثيق هذه الفكرة في مختلف تجلياتها وحيثما يتوجب عليهم ذلك. والأغلب أن هذا المجلد فريد من نوعه في ما يؤول إليه من إحاطة شاملة بمسارات الفكر القومي منذ نهاية القرن التاسع عشر وحتى يومنا هذا. كم يبدو هذا الفكر متماسكاً في طيات الكتاب، وكم ينطوي، في الوقت عينه، على مشروع حقيقي لوطن عربي حديث، لو قيّض له أن يبصر النور. إنه الحلم الذي لن يبارح المخيلة العربية اليوم وغداً.
يتوخى واضعو هذا المجلد الضخم سدّ ما يعتبرونه فجوة عميقة في دراسة الحركة القومية العربية الحديثة، من خلال قراءة هذه الأخيرة على نحو شامل على المستوى القومي العربي، يتناول شكل الحركات والأحزاب التي ظهرت على حيّز الواقع. على هذا الأساس النظري، ينبري الكتاب الى البحث البنيوي في التاريخ السياسي للحركات والأحزاب مع إبقائه الباب مشرعاً على مقاربة العلوم الاجتماعية كوحدة متكاملة. وهو يسعى، في الوقت عينه، الى ملء النقص في تقديم جرد تاريخي أو مدونة تاريخية، إذا جاز التعبير، وذلك بالإفادة من الدراسات التي سبقت، في هذا الإطار. ومن ثم إعادة تقديمها في فضاء تنجلي فيه عملية تطور الحركات القومية العربية الكبرى في مراكزها وأطرافها. ويرى المساهمون في تأليف الكتاب أن هذه الحركات والأحزاب تنتمي الى نمط من التيارات التغييرية الشاملة التي تنظر الى عملية التغيير من منطلق قومي شامل. وترتكز ميكانيزماتها على مفهوم الأمة والترجمة السياسية لهذا المفهوم الذي يتجلى في قيام دولة عربية واحدة وصولاً الى الهدف الأسمى في هذا السياق، وهو الوحدة العربية.
من اليقظة الى التنظيم
يتوزع الكتاب على خمسة أقسام متكاملة، يعالج أولها المقدمات السياسية والتنظيمية للعمل القومي العربي متمثلة في الجمعيات التي كانت تشكلت في القرن التاسع عشر. وهي المرحلة عينها التي شهدها معظم الحركات القومية في العالم العثماني الذي كان يندرج فيه معظم بقاع الوطن العربي. وقد دأبت السلطنة العثمانية في تلك الأثناء على الدخول بشكل متسارع في سياق من التحولات التي أفضت بها الى تكوين نظام مركزي للدولة وازدياد ارتباطها بالسوق العالمية. ولعلّ في هذا الطور بالتحديد نوعاً من الانتقال من شكل حركة اليقظة اللغوية والثقافية والأدبية الحضارية الى شكل المنظمة القومية السياسية الحديثة. وتكوّنت في هذا الإطار عملية التحوّل من طرح الاستقلال العربي الثقافي ومن ثم الإداري في سياق الدولة العثمانية الى طرح الاستقلال السياسي القومي العربي الشامل. ومن ناحية دراسة الأحزاب التي راحت تتشكل وقتئذ، فإن مرحلة قيام الجمعيات بالمفهوم الذي كانت تنطوي عليه، تمتد، على نحو خاص، من الربع الأخير للقرن التاسع عشر حتى ثلاثينات القرن العشرين التي أظهرت بدايات التحول من طور الجمعيات الى طور الأحزاب بمعناها اللاحق. انطلاقاً من هذا المفترق، على نحو جوهري، ينحاز واضعو الكتاب الى تبني مفهوم إجرائي للحركة القومية يقوم، بالدرجة الأولى، على اعتبار أن الحركة القومية هي كل حركة منظمة تستهدف تحقيق الوحدة العربية الشاملة من "المحيط الى الخليج". كما تسعى الى التحوّل من سياسات التجزئة والتفكك الى الوحدة والتكامل.
يتناول القسم الثاني من الكتاب، في ضوء المفهوم المتّبع للحزب القومي العربي، الحركات القومية الكبرى الأم للحركة القومية العربية الحديثة في طورها الثاني الذي أعقب نشوء الجمعيات. ويتكوّن هذا القسم من ثلاثة فصول مسهبة حول حزب البعث العربي الاشتراكي، حركة القوميين العرب والحركة الناصرية على مستوى التشكل والتطور والامتداد التنظيمي في الأقطار العربية والحضور السياسي والشعبي. ويتبنى، في هذه المقاربة الموقع المركزي الذي احتلته القضية الفلسطينية ونشوء الكيان الصهيوني واثرهما في تطور الحركة القومية العربية الحديثة على اختلاف اتجاهاتها.
وتعرج هذه المقاربة على اندلاع الحرب الباردة بين الجبارين وقتئذ، الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة، وموقع اسرائيل في هذا النزاع الكوني، والتشابك الكبير بين نضال الحركة العربية من أجل الوحدة ونضالها لتحقيق استقلال الشعوب العربية الخاضعة للاستعمار. والأرجح ان هذه البانوراما الواسعة تستمد اهميتها من دخول العمل القومي العربي، وفقاً للكتاب في مرحلة جديدة اثر الاحتلال الاميركي للعراق وما أعقب ذلك من تحولات لما تزل جارية، وفي هذا يتطلع المشروع القومي النهضوي الحديث الى صوغ الآفاق الأساسية لقومية تستند الى مفاهيم الديموقراطية بما يؤدي الى امكان استعادة الأمة سيطرتها على مصيرها في أقطار الوطن العربي كافة.
تفكيك الهيمنة الأجنبية
يستهدف القسم الثالث استجلاء قضايا القومية العربية في فكر وممارسات التيارات السياسية الوطنية. والمقصود بهذه الأخيرة، تلك الأحزاب والهيئات والحركات التي تشكلت على خلفية النضال من أجل الاستقلال الوطني في الأقطار العربية التي كانت خاضعة للاستعمار بأشكاله المباشرة وغير المباشرة، وبلغت ذروتها في مرحلة تفكيك الهيمنة الأجنبية في الأربعينات وحتى أواخر الستينات من القرن المنصرم. وينطلق هذا القسم من ان حركات الاستقلال الوطني قد تطورت وأخذت مداها الواسع مع قوة الحركة العربية وتاثيرها القومي الشامل. من هنا، يشدد الكتاب على تميز حركة الاستقلالات الوطنية العربية بقوة ارتباكها بالحركة العربية. ولهذا كان طبيعياً، من زاوية ما يراه واضعو الكتاب، ان يبرز البعد العربي في تلك الأحزاب الوطنية التي تمكنت بعد ذلك من الوصول الى السلطة، ولعل بعض حركات القومية العربية هي التي قادت عملية التحرر الوطني من أجل الاستقلال، كما هي الحال في الشطر الجنوبي السابق لليمن، اضافة الى جعل الثورة الجزائرية هماً عربياً جامعاً، وسوى ذلك من أمثلة كثيرة شديدة الدلالة على هذا المنحى، ويمثل هذا الدور الذي اضطلعت به الحركة العربية جزءاً من طبيعة الحركة القومية كمشروع للحداثة باعتبار انها تطرح نموذج المجتمع المتكامل اجتماعياً وقومياً في وحدة عليا تتخطى الانتماءات الخصوصية ما قبل القومية، وفقاً للآراء الواردة في هذا السياق. وبسبب خصوصية هذا القسم، فان البحث يعتمد دراسة الاتجاهات العروبية والقومية في الأحزاب الوطنية العربية انسجاماً مع الأقاليم الأربعة الكبرى في الوطن العربي وهي: وادي النيل والمغرب العربي الكبير والمشرق العربي والخليج والجزيرة العربية. ولعل في هذا التصنيف حسب الاقاليم المشار اليها ما يعتقد انه الأنسب لقراءة الاتجاهات العروبية والقومية والتكاملية عموماً في هذه الأحزاب.
ويعالج القسم الرابع من الكتاب المنظمات والاتحادات والمؤتمرات القومية الشعبية العربية. من بين أهمها: المؤتمر القومي العربي، المؤتمر القومي الاسلامي والمؤتمر العام للأحزاب العربية، انعقد الأول في العام 1990، وصيغت انطلاقته في اطار الأهداف المتمثلة في المشروع الحضاري للأمة العربية وهي: الوحدة العربية، الديموقراطية، التنمية المستقلة، العدالة الاجتماعية، الاستقلال الوطني والقوم، التجدد الحضاري، تعبئة الطاقات الشعبية. واتسمت طبيعة المؤتمر في انه ليس حزباً أو تجمع أحزاب بقدر ما هو نوع من "مرجعية قومية شعبية" للأمة العربية. وقد عمل هذا المؤتمر على توطيد أواصر التحالف الاستراتيجي بين سائر التيارات القومية العربية والوطنية العربية واليسارية الاسلامية. وتضمن البيان الختامي الصادر في العام 1992 فقرة هامة حول التنسيق بين القوى القومية والاسلامية في الوطن العربي وذلك في اشارة إلى "تأكيد الحاجة الفكرية والإجرائية إلى إقامة جبهة بين العروبيين والإسلاميين وسائر القوى الليبرالية واليسارية. وجاء مؤتمر الأحزاب العربية في العام 1996 بمشاركة 57 حزباً من 12 قطراً عربياً تعبيراً عن تطور نوعي في هذا السياق، إذ تضمنت الوثيقة الصادرة عنه الالتزام بوحدة الأمة العربية كحقيقة أزلية، وان التضامن العربي، رسمياً وشعبياً، مسعى يُصار إلى العمل من أجل تحقيقه راهناً كحد أدنى. وتطرقت الوثيقة إلى التراث والفكر الإسلاميين بوصفهما أساساً لفتح آفاق عالمية جديدة أمام حركة النضال العربي.
ويخلص هذا القسم إلى نتيجة تفيد بأن ظاهرة الاتحادات والمؤتمرات أصبحت تنطلق من تكوين نوع من كتلة شعبية عربية تاريخية جديدة تقوم على تسوية استراتيجية بين أطرافها المتنافسة والمتصارعة في التاريخ القريب لكل منها على قاعدة المشترك بينها.
اليسار العربي
ويقارب القسم الخامس اتجاهات المسألة القومية في تجارب اليسار العربي، من خلال البحث المكثف في برامج وممارسات الأحزاب الشيوعية في الوطن العربي في ضوء المسألة القومية. يضاف إلى ذلك بحث مكثف ثانٍ في اتجاهات المسألة القومية وموقعها في تجربة اليسار الشيوعي الجديد عموماً أو ذي التكوين الشيوعي الأساسي. ويستخدم، في هذا الإطار مفهوم اليسار الجديد بشكل مرن وأوسع من حدود طرحه في التجارب الأوروبية، كما يزعم الكتاب. والمقصود، على الأغلب، فضاء الأحزاب والحركات الشيوعية واليسارية العربية سواء أكانت ماركسية منشقة عن الأحزاب الشيوعية العربية، أو حتى بعض الأحزاب القومية.
وكانت ظاهرة، على الأرجح، قد نشأت في جميع الأحزاب القومية، مردها إلى الاستقطاب والانقسام بين يمين ويسار. واتجه، في هذا المجال، اليسار القومي المنشق، بشكل خاص، إلى المصادر الماركسية والشيوعية في تكوين مفاهيمه. وقد عزز مفهومه للأمة بمحاولة صياغة فلسفة ماركسية لفكرة القومية. وساهمت نكسة حزيران يونيو 1967 وانتشار الكفاح الشعبي المسلح لتحرير فلسطين في ضوء التجارب الفيتنامية والصينية والأميركية اللاتينية في تمثل نصوص اليسار الجديد ومحاولة إعادة إنتاجها بشكل جديد.
ويتوسع الفصل الخامس في قراءة الاتجاهات القومية في تجارب الجبهات الشعبية والأحزاب العمالية في فلسطين والأردن وتنظيمات اليسار الجديد في لبنان، وتجربة اليسار الشبابي الجديد في سوريا وسوى ذلك من نماذج مماثلة. ويتميز القسم الخامس، على نحو محدد، بأنه يوفر جرداً تحليلياً معمقاً للاتجاهات القومية والعروبية التي سادت في الحركات اليسارية الشيوعية التقليدية والجديدة على امتداد أقطار الوطن العربي. كما يتلمس تحول الموقف من المسألة القومية إلى احدى أبرز قضايا الخلاف داخل الفضاء اليساري الشيوعي العام، تقليدياً كان أم جديداً. ويخلص هذا القسم إلى ان الحركة العربية الحديثة في القرن العشرين كانت هي الحركة الكبرى في الوطن العربي الحديث، سواء أكانت شاملة أم عروبية في الأحزاب الوطنية، أم قضية جوهرية في اليسار الماركسي والشيوعي التقليدي أو الجديد. وقد ترسخت، وفقاً لمنظور الكتاب، في ملامح طورها الجديد المتمثل في ظاهرة الاتحادات والمؤتمرات التي شاركت فيها التيارات كافة لصوغ ما يسميه الكتاب المشروع النهضوي الحضاري للأمة العربية. وفي النتيجة، يتطلع واضعو الكتاب إلى محاولة جعله قاعدة علمية موثوقة حول الحركة العربية الحديثة، من شأنها أن تزود المؤرخين والمعنيين بهذه القضية المعقدة، بالمعرفة السياسية والتاريخية والاجتماعية المناسبة لمقاربة الفكر القومي في الوطن العربي.

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,071,443

عدد الزوار: 6,751,376

المتواجدون الآن: 117