مفاوضات واشنطن وطالبان.. ألغام أمام السلام

تاريخ الإضافة الإثنين 30 نيسان 2012 - 5:41 ص    عدد الزيارات 938    التعليقات 0

        

 

مفاوضات واشنطن وطالبان.. ألغام أمام السلام، مستمرة منذ 16 شهرا.. والملا محمد طيب أغا همزة الوصل بين الملا عمر وواشنطن

إسلام آباد: عمر فاروق...
حينما جاء أحد كبار المسؤولين الأميركيين خلال الأشهر الأخيرة من عام 2011 في زيارة لقائد الجيش الباكستاني، الجنرال أشفق برفيز كياني، في مقر الإدارة العامة في راولبندي، أراد أن يفاجئ الجنرال بمعلومة أحضرها إليه، حيث أخبره بأن الإدارة الأميركية تجري مباحثات سرية مع ممثلين لحركة طالبان في إحدى القرى النائية في ألمانيا بالقرب من مدينة ميونيخ. لكن الجنرال كياني لم يفاجأ بتلك المعلومة، بل أخبر زائره الأميركي بأنه على علم، عن طريق أجهزة استخباراته، بمعظم ما يدور في الاتصالات بين الولايات المتحدة وحركة طالبان.
لكن ما فوجئ به الجنرال كياني هو الطلب الذي كان الزائر الأميركي يحمله إليه من كبار المسؤولين بالإدارة الأميركية، وهو «توفير الحماية لممثلي حركة طالبان الذين يجرون محادثات مع دبلوماسيين أميركيين في ألمانيا والدوحة»، وهو ما كانت كشفته «الشرق الأوسط»، من مصادر رسمية موثوق بها، ونشرته في حينه. وتؤكد المصادر المطلعة لـ«الشرق الأوسط» أن قيادة الحكومة والجيش في باكستان طمأنت المسؤولين الأميركيين إلى أن ممثلي حركة طالبان، الذين حددت الحكومة الباكستانية أسماءهم، سوف يتمتعون بالحماية إذا دخلوا الأراضي الباكستانية. وكان رئيس وفد حركة طالبان، الملا محمد طيب أغا، هو من المساعدين المقربين من الملا عمر وعمل مديرا لمكتبه في العاصمة كابل خلال الفترة ما بين 1996 حتى سقوط الحركة عام 2001، وقد سافر لإجراء المحادثات في ألمانيا بجواز سفر باكستاني.
ويأتي هذا الطلب الأميركي بضرورة توفير الجيش الباكستاني الحماية لطيب أغا واثنين من زملائه خوفا من احتمال أن يحاول تنظيم القاعدة، أو ربما بعض العناصر المتطرفة من داخل حركة طالبان، اغتيال مفاوضي الحركة بعد كشف النقاب عن تلك المحادثات السرية بين المسؤولين الأميركيين والحركة.
ويرى الأميركيون أن طيب أغا همزة وصل ثمينة مع قيادة حركة طالبان، كما أثبت في أكثر من مناسبة خلال المباحثات مع الأميركيين أنه محل ثقة، وقد كان الحرص على سلامة ممثلي حركة طالبان هو ما جعل الدبلوماسيين الأميركيين يعمدون إلى التكتم على تلك الاتصالات السرية مع حركة طالبان.
يقول أحد كبار المسؤولين الباكستانيين: «كان الأميركيون يخشون من أن تسرب أي معلومة عن المحادثات السرية مع حركة طالبان قد يعرض حياة المفاوضين من حركة طالبان للخطر، حيث يخشون (يعني الأميركيين) من أن يحاول أحد من تنظيم القاعدة، أو ربما بعض المتطرفين من حركة طالبان، اغتيال طيب أغا وزميليه».
وأثناء سير المباحثات مع ممثلي حركة طالبان اقتنع الأميركيون بأنهم يجرون محادثات مع شخص على اتصال مباشر بالملا عمر، وقد جاء هذا الإدراك حينما أصدر طيب أغا المتحدث باسم حركة طالبان تصريحا تضمن بعض ما دار بينه وبين الدبلوماسيين الأميركيين. كذلك أدركت الدبلوماسية الأميركية أن حركة طالبان قد نأت بنفسها عن تنظيم القاعدة وعن غيره من تنظيمات الجهاد العالمي داخل أفغانستان. كل هذا أقنع الأميركيين بأن طيب أغا وزميليه يمثلون ذلك الاتجاه الموجود داخل حركة طالبان الذي يعتبر الأفغان العرب مسؤولين عن هزيمتهم على أيدي القوات الأميركية في عام 2002.
وما زالت المباحثات السرية بين حركة طالبان والدبلوماسيين الأميركيين مستمرة، رغم أن الجانبين، بعد 16 شهرا من المفاوضات المتقطعة، لم ينجحا في التوصل إلى أي تفاهم سياسي يمكن أن يسهم في إزالة الألغام أمام إحلال سلام دائم في أفغانستان. وقد أظهرت الحوارات التي أجريت مع الدبلوماسيين والخبراء في إسلام آباد حول هذا الموضوع أن تلك المحادثات السرية المتواصلة بين ممثلي حركة طالبان والدبلوماسيين الأميركيين لم تتجاوز إطلاق سراح بعض السجناء واستجابة حركة طالبان بتخفيف حدة العنف داخل أفغانستان بناء على طلب مسؤولي الأمم المتحدة الموجودين في البلاد.
وقد عقد الجانبان حتى الآن أربع جولات رسمية من المفاوضات في ألمانيا ودبي والدوحة، وفي جميعها ظل محور المناقشة هو إقامة خط اتصال دائم بين الجانبين. وقد عقدت أولى المحادثات المباشرة بين الدبلوماسيين الأميركيين وممثلي حركة طالبان في مدينة ميونيخ الألمانية، في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2010، وكان يمثل حركة طالبان طيب أغا، القريب من الملا عمر، كما حضر المباحثات مسؤول كبير من حكومة قطر، بناء على طلب حركة طالبان.
وقد أبدى المسؤولون الباكستانيون استياءهم من عدم ائتمان نظرائهم الأميركيين لهم على موضوع المفاوضات السرية، وأنهم علموا بهذا الأمر عن طريق مصادرهم الخاصة داخل حركة طالبان. ومن جانبهم قال الأميركيون إنهم لم يخبروا أحدا بأمر هذه المفاوضات في مراحلها الأولى؛ كي يضمنوا عدم تعطل سير عملية التفاوض. إلا أن المسؤولين الباكستانيين أخبروا «الشرق الأوسط» بأن الأميركيين أخطروهم بأمر تلك المفاوضات بعد أن عقدوا جولتين منها بالفعل.
يقول مسؤول باكستاني مطلع على عملية المحادثات: «كانت تلك المحادثات أقرب إلى الجلسة منها إلى المحادثات، حيث تعرف كلا الطرفين على الآخر». وفي جلسة المحادثات الثانية التي عقدت في الدوحة أثار ممثل طالبان طيب أغا موضوع سجناء حركة طالبان الذين يحتجزهم الجيش والاستخبارات الأميركية في قاعدة باغرام الجوية وغيرها من الأماكن في أفغانستان، ولكن لم يقُم الجانب الأميركي بقطع أي التزامات في هذا الصدد.
وأشارت الحكومتان الباكستانية والأفغانستانية إلى فكرة عقد محادثات مع ممثلي طالبان من أجل الكثير من الأسباب، حيث ظل الرئيس الأفغاني حميد كرزاي على قناعة بأنه في ظل نقص التمويل الأميركي لجهود الحرب في أفغانستان سيكون من المستحيل كسب هذه الحرب عسكريا. ومن الناحية الأخرى، أراد الباكستانيون أن تحصل طالبان على نصيب في ترتيبات تقسيم السلطة في أفغانستان، فقط لإبقاء الهند بعيدة عن أفغانستان.
ظلت الدول الأوروبية تحث الإدارة الأميركية على بدء حوار مع طالبان لتمهيد الطريق للانسحاب النهائي للقوات من أفغانستان. وقد حدث تقدم كبير في تلك المحادثات عندما تأكد الأميركيون من أن طالبان أفغانستان قد بدأت تنأى بنفسها عن تنظيم القاعدة وأنها استجابت لنداء الأمم المتحدة بخفض وتيرة العنف داخل أفغانستان. وكشفت مصادر دبلوماسية لـ«الشرق الأوسط» أن الجولة الثانية من المحادثات مع طالبان عقدت في الدوحة في شهر فبراير (شباط) عام 2011. وفي تلك الجولة أراد كل طرف من الطرف الآخر أن يثبت أنه قد حصل على التفويض اللازم من الجهات العليا المعنية الخاصة به لإجراء تلك المحادثات. ويقول دبلوماسيون في إسلام آباد أنه بنهاية تلك الجولة اقتنع الأميركيون أن طيب أغا لديه اتصالات مع الملا عمر وأنه في الواقع يمثله في تلك المحادثات.
تم عقد الجولة الثالثة من المحادثات في ألمانيا عقب مقتل أسامة بن لادن في باكستان بثلاثة أسابيع فقط. وكان عدم قيام وفد طالبان بإثارة موضوع مقتل أسامة بن لادن خلال تلك المحادثات، التي استمرت لثلاثة أيام، بمثابة المفاجأة السارة للأميركيين، الذين وافقوا، خلال تلك الجولة من المحادثات، على مقترح يقضي بحذف أسماء بعض قيادات طالبان من قائمة عقوبات الأمم المتحدة، تبعه قيام الرئيس الأفغاني حميد كرزاي بإطلاق سراح بعض قادة طالبان من سجن كابل عقب تلك المحادثات.
ظل المعارضون لإجراء تلك المحادثات السرية من كلا الجانبين يمارسون دورا سلبيا لإفشال تلك العملية، فعقب الجولة الثالثة من المحادثات قام أحد المسؤولين في حكومة الرئيس كرزاي بتسريب بعض المعلومات حول تلك المحادثات للصحافة الألمانية، مما أدى إلى توقف المحادثات، حيث لم تعقد الجولة الرابعة من المحادثات حسب الموعد المقرر، وتم تأجيلها لعدة أشهر. وبالمثل، أدت الهجمات التي تم شنها على السفارة الأميركية في كابل إلى توقف المحادثات بين وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ومجموعة أخرى أكثر عدوانية من طالبان، التي غالبا ما يطلق عليها في وسائل الإعلام الأميركية «شبكة حقاني».
تتركز شبكة حقاني، التي يقودها وزير دفاع طالبان السابق جلال الدين حقاني، في المناطق القبلية الباكستانية التي تقع شمال وزيرستان. وأقنعت الاستخبارات الباكستانية وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية بعقد لقاء مع بعض ممثلي شبكة حقاني في شهر أغسطس (آب) عام 2011، كجزء من المشروع الرامي إلى عقد محادثات مع طالبان. لم يتم عقد هذا الاجتماع، ولكن تم إحراز بعض التقدم في الاتصالات الأولية بين الأميركيين وشبكة حقاني بحسب بعض المصادر المطلعة. وعلى الرغم من ذلك توقف إحراز أي تقدم في هذا الشأن عقب الهجوم الذي تعرضت له السفارة الأميركية في كابل وقيام بعض المسؤولين الأميركيين بإلقاء اللائمة في تنفيذ هذا الهجوم على شبكة حقاني.
ويبدي معظم الخبراء قناعة بأن الأميركيين بحاجة إلى إلقاء نظرة أشمل على الوضع في أفغانستان إذا أرادوا تمهيد الطريق للانسحاب النهائي للقوات من أفغانستان بحلول 2014. فيقول أحد الخبراء البارزين، الذي فضّل عدم ذكر اسمه: «تكمن المشكلة في أن الأميركيين ليس لديهم خطة للانسحاب... يقولون إنهم سوف ينسحبون بحلول عام 2014... ولكن كيف يمكنك سحب قواتك في الوقت الذي تدور فيه حرب أهلية في أفغانستان؟». قامت طالبان بخفض وتيرة العنف في بعض المناسبات استجابة لنداءات الأمم المتحدة، ولكنها أثبتت أيضا قدرتها على رفع وتيرة العنف خلال أيام.
وبالمثل، يقول بعض الخبراء إن الخطة الأميركية الرامية إلى تسليم مقاليد الأمور الأمنية في أفغانستان إلى الجيش الوطني الأفغاني الناشئ ليست أكثر من مجرد أماني، ويضيف هؤلاء الخبراء: «إن الجيش الوطني الأفغاني ينقصه التدريب والمعدات، بالإضافة إلى عمليات الهروب واسعة النطاق التي حدثت في الجيش الأفغاني في الأشهر القليلة الماضية». وفي هذا الموقف قد يكون البحث عن حل سياسي للعنف في أفغانستان هو الخيار الوحيد القابل للتطبيق أمام الأميركيين.
 

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,347,234

عدد الزوار: 6,987,889

المتواجدون الآن: 66