السلفية ... مدرسة «أهل الحديث» في مواجهة «أهل الرأي»..جريدة «الراي» تقلّب تاريخها وأبرز رموزها ... لبنان نموذجا

تاريخ الإضافة الأحد 22 نيسان 2012 - 7:11 ص    عدد الزيارات 884    التعليقات 0

        

 

«الراي» تقلّب تاريخها وأبرز رموزها ... لبنان نموذجا
السلفية ... مدرسة «أهل الحديث» في مواجهة «أهل الرأي»
بيروت - من ريتا فرج
لم يكن وصول الإسلاميين المعتدلين الى السلطة في أكثر من بلد عربي بفعل «الثورات العربية» التي أسقطت الأنظمة العسكرية وكرست الغالبية الإسلاموية مفاجئاً، ولم يكن حصاد الإسلام السياسي في مصر وتونس والمغرب مفاجئاً أيضاً، لكن وقع الصدمة تمثل في بروز التيارات السلفية التي اختار جزء منها العمل السياسي ولا سيما في التجربة المصرية بعد مرحلة من العزلة امتدت لأربعة عقود تقريباً.
ورغم أن خطاب الحركات الإسلامية التي اختارت العمل السياسي يبدو معتدلاً وتحديداً عند الاخوانية المصرية وكذلك حركة النهضة في تونس بعد تبني مفاهيم حديثة كالدولة المدنية والتعددية السياسية والمواطنَة، الاّ ان لهجة السلفيين لا تحمل البشائر في ظل الهجمة غير المسبوقة على كل ما يخالف الاطار العقدي الذي يؤمن به التيار السلفي الممتدّ من المحيط الى الخليج.
السلفية العائدة الى الضوء بفعل حركات الربيع العربي تطرح من جديد أسئلة كثيرة حول نشأة هذا التيار الإسلامي وأهدافه وعقائده، علماً أن منهج «السلفية» قديم نسبياً، ويعود الى الإمام أحمد ابن حنبل (780 /855) الذي يعتبر من أبرز دعاتها بعد المحنة الشهيرة التي تعرض لها.
تتمسك السلفية بالنص القرآني وإجماع الصحابة، ولا تقبل بـ «القياس» إلاّ في حالات نادرة، علماً أن مسألة «خلق القرآن» في زمن الخليفة المأمون هي التي شكلت منعطفاً جذرياً في تبلور هذا التيار، إذ نادى المأمون برأي «المعتزلة» في مسألة خلق القرآن، وطلب من ولاته في الأمصار عزل القضاة الذين لا يقولون برأيهم. وقد رأى أحمد بن حنبل أن رأي المعتزلة يحوِّل الله إلى فكرة مجرّدة لا يمكن تعقُّلُها فدافع عن الذات الإلهية ورفض قبول رأي المعتزلة، فيما أكثر العلماء والأئمة أظهروا قبولهم برأي المعتزلة خوفاً من المأمون. وبذلك شكلت محنة الإمام ابن حنبل الذي تعرض للاعتقال وافرج عنه المتوكل، أولى إرهاصات السلفية التي تابعت دورتها مع شيخ الإسلام ابن تيمية ( 1263ـ 1328) الذي يمثل حلقة الوصل العقدي بين الإمام أحمد والشيخ محمد بن عبد الوهاب (1703 ـ 1791) المؤسس الثالث للسلفية.
وهكذا تمخضت السلفية مع بروز مدرسة «أهل الحديث» التي ظهرت في مواجهة «أهل الرأي» الذين استخدموا المناهج العقلية في قراءة القرآن الكريم وتأويله، الأمر الذي اعتبره «أهل الحديث» انحرافاً يهدد الإسلام.
السلفية في اللغة والمصطلح الإسلامي
السلفية في اللغة، نسبة الى السلف، وعند ابن منظور في لسان العرب: مادة سلف، السالف: المتقدم، والسلفية الجماعة المتقدمون. والسلف عند الرازي في مختار الصحاح: الماضي والمتقدم. أما على مستوى المصطلح الإسلامي فهناك مقاربات متعددة لمفهوم السلفية والأكثر رواجاً فيها أنه الاتجاه الذي يدعو الى الاقتداء بالسلف الصالح واتخاذه قدوة ونموذجاً في الحاضر. ويمكن تلخيص أهم المبادئ والاسس التي تستند اليها السلفية بحسب ما أوردها الباحث الفلسطيني أنور ابو طه في بحثه عن السلفية بما يلي:
أولاً: التنزيه في التوحيد ونفي التشبيه وتأكيد جميع أشكال التوحيد من الربوبية والألوهية والأسماء والصفات.
ثانياً: رد الخلق والأفعال الى تقدير الله وعمله ومشيئته وقضائه وقدَره.
ثالثاً: تقديم الشرع على العقل، والتسليم بنصوص الكتاب والسنّة وتفسيرها بلا تأويل، ورفض التأويل الكلامي وذم علم الكلام.
رابعاً: البراءة من أصحاب الأهواء والمذاهب المخالفة مثل: المشبّهة والمعتزلة والجهمية والجبرية والقدرية وغيرهم ممن خالفوا السنّة والجماعة.
خامساً: الطاعة لولي الأمر وعدم الخروج على السلطان والجماعة، ويقولون: لا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا، ولا ندعو عليهم ولا ننزع يداً من طاعة، ونرى طاعة الله عزّ وجل فريضة ما لم يأمروا بمعصية، وندعو لهم بالصلاح والمعافاة، فنتبع السنّة والجماعة ونتجنب الشذوذ والخلاف والفرقة.
السلفية التقليدية والسلفية الجهادية
تنقسم السلفية الى تيارين: السلفية التقليدية/ الدعوية والسلفية الجهادية، وقد أُدرجت كلمة الجهاد كما يؤكد الباحث المغربي في شؤون الحركات الإسلامية عبد الحكيم أبو اللوز مع الإمام أحمد ابن حنبل «إذ من المعلوم أن هذا الفقيه ولد وترعرع في ظروف تاريخية تميّزت بغزو التتار للبلاد الإسلامية، فكان عمله منذ البداية جهادياً ضد الغزاة الجدد، ثم تطورت المترادفتان بعد الغزو السوفياتي لأفغانستان، حيث هبّ العديد من المجاهدين لنصرة الإسلام في تلك البقاع، وبعد تحرير أفغانستان طوّرت بعض الحركات كـ «القاعدة» مفهوم الجهاد واعتبرته موجهاً أيضاً نحو الحكام المسلمين غير الخاضعين للشريعة. إذاً هناك مفهومان للجهاد، مفهوم تقليدي ويعني أن الجهاد لا يُعمل به إلا لرد العدوان الخارجي وتحت راية الأمير، ومفهوم جديد يعتبر واجباً شخصياً يقع على عاتق كل مسلم وفي كل مكان من دون الالتزام بمقولة دار الحرب ودار الإسلام التقليدية».
ترجع بدايات ظهور الحركات السلفية الجهادية المعاصرة في العالمين العربي والإسلامي كما يؤكد مروان شحادة في كتابه «تحولات الخطاب السلفي» الى «ظهور بعض الشباب الذين انشقوا عن حركة الاخوان المسلمين في مصر وفي مقدمتهم جماعة أطلقت على نفسها اسم «شباب محمد» وذلك خلال حقبة الأربعينات من القرن الماضي، إلاّ أن هذه الجماعة كانت ضعيفة، ولم يُطرح استخدام العنف لدى الاخوان إلاّ بعد تأسيس ما عرف بـ «التنظيم السري» العام 1958، وآنذاك ظهر أحد الشباب الذي كان ينتمي الى جماعة الاخوان وانشقّ عنها وطالب باستخدام العنف وهو نبيل البرعي، الى أن تطورت هذه الدعوات فتم تأسيس «تنظيم الجهاد الإسلامي» الذي قاد عملية اغتيال الرئيس المصري أنور السادات العام 1981. وقد شهد العام 1973 تأسيس جماعة جهادية على يد صالح سرية (فلسطيني الأصل) عُرفت في ما بعد باسم تنظيم «الفنية العسكرية». ويُعتبر سرية من أوائل المؤسسين لحركات الجهاد في العالم العربي وهو اول من بلور نظرية متكاملة حول التغيير، وقد غلبت على رؤيته نظرية الإيمان والكفر والحاكمية وجاهلية العالم وتكفير المجتمع والدولة وذلك بسبب تأثره الشديد بمؤسس الإسلام الراديكالي سيد قطب».
إذاً تختلف السلفية الجهادية عن السلفية التقليدية بأنها ساهمت في تحول الخطاب السلفي التقليدي الى خطاب سياسي وجهادي، فالسلفيون التقليديون لا يدعون الى الجهاد ولا ينادون بالخروج على الحاكم ويكتفون بالدعوة وليس لهم أي نشاط سياسي، أما السلفيون الجهاديون فيركزون بشكل أساسي على ثلاث مسائل أساسية: الحاكمية، جاهلية العالم، الجهاد، ويجعلون من المسألة الأخيرة أهم أداة لتغيير النظم باعتبارها أنظمة كافرة لا تطبق شرع الله.
بعد هذا العرض الموجز حول نشأة السلفية كيف وصل التيار السلفي الى لبنان؟
السلفية التقليدية في لبنان
تُجمع المصادر على أن السلفي اللبناني الأول هو الشيخ سالم الشهال والد داعي الإسلام الشهال. والشيخ سالم من مواليد العام 1922 درس العلوم الشرعية في مدينة طرابلس في دار التربية والتعليم وضمن نظام الكتاتيب. سلفية الشهال بدأت بتعرفه على الدعوة السلفية من خلال مجلة «المنار» التي كان يصدرها الشيخ محمد رشيد رضا ثم من خلال كتب قرأها للشيخ ناصر الدين الألباني وابن عثيمين وابن باز إلى جانب رحلاته المتعددة إلى المملكة العربية السعودية.
ويقول الباحث المصري المتخصص في الحركات الإسلامية علي عبد العال: «بعد عودة الشهال من زيارة قام بها إلى المدينة المنورة العام 1946 التقى خلالها بعدد من شيوخ وعلماء السعودية، أنشأ مجموعة في طرابلس أطلق عليها اسم: «شباب محمد»، ولم يلبث حتى بايعه أعضاؤها - الشيخ سعيد شعبان أمير حركة التوحيد الإسلامي، والشيخ بدر شندر، والشاعر أكرم خضر، فتحي يكن، فأطلق عليها «الجماعة - مسلمون» وهي مجموعة قامت على تبني نهج السلف في الدعوة إلى الإسلام والالتزام به، متخذة من العمل الخيري وسيلة للدعوة، فأنشأت مؤسسة خيرية تعنى برعاية الأيتام. تميزت هذه المرحلة من ميلاد السلفية اللبنانية بغلبة الجوانب الدعوية والتعليمية والأعمال الخيرية، بعيدة تقريباً عن أي شكل من أشكال الصراع والعمل السياسي. ورغم حياته الدعوية الطويلة، والتي امتدت الى نحو 50 عاماً، فإن السلفية التي حملها الشيخ سالم الشهال (المتوفى العام 2008) بقيت دعوة سلمية قائمة على الحوار والموعظة الحسنة، ولم يؤخذ عليها خلالها الخوض في أي خلاف أو صراع مع جهة من الجهات اللبنانية».
منذ تأسيسها على يد الشيخ سالم الشهال العام 1946 تطوّرت الحالة السلفية بشكل ملحوظ وانبثق عنها أكثر من 50 منظمة تعمل كجمعيات خيرية ومدارس دينية منتشرة في شمال لبنان مع وجود فروع لها في بيروت وصيدا. وقد تم تأسيس «جمعية الهداية والإحسان» وهي جمعية على غرار الجمعيات السلفية الأخرى تهتم بالدعوة والتربية والعمل الاجتماعي، وعلى نظرة محافظة جداً تجاه المجتمع، وعلى الاصلاح دون اللجوء الى العنف، لأنها في الأساس ترفضه ولا تعتمد عليه كأداة للتغيير.
وفي العام 1976 وسعت حركة «الجماعة - مسلمون» التي أسسها عميد السلفية اللبناني الشهال الأب نشاطها، فأنشأت تنظيماً عسكرياً واسعاً تحت اسم «الجيش الاسلامي» الذي بقي دوره محصوراً في الجانب العسكري ولفترة وجيزة.
ابتعد السلفيون التقليديون عن السياسة واكتفوا بالدعوة والتربية. ورغم أن التقسيم الرسمي المعتمد يقسم السلفية في لبنان بين، تقليدية وجهادية، لكن ثمة اتجاهاً يقسم التيار السلفي على النحو الآتي:
1 ـ السلفية السرورية نسبة الى الشيخ زين العابدين بن سرور، وهو شيخ سوري يقيم في لندن، ومختلف مع المؤسسة السلفية السعودية.
2 ـ السلفية الجامية نسبة الى الشيخ أمان الله الجامي، وهي سلفية علمية تقليدية.
3 ـ السلفية المدخلية، وهي بدورها سلفية مرتبطة بالمؤسسة الدينية السعودية.
4 ـ السلفية اللبنانية، وهي سلفية قريبة من المعتقد الجهادي من دون أن تعتبر لبنان مجالاً لـ «الجهاد» وهي سلفية دفع لا سلفية هجوم. ومن أبرز ممثليها في لبنان داعي الإسلام الشهال.
5 - السلفية العلمية التربوية، وهي التيار الأوسع في لبنان، ويمثلها الشيخ سعد الدين الكبي. ولدى هذا الاتجاه مدارس منتشرة في الكثير من المناطق اللبنانية، وتتمتع بدعم كبير من المؤسسات الدينية في الخليج العربي.
6 ـ السلفية الجهادية، وهي سلفية قتالية (نفصل الحديث عنها).
وشكل شمال لبنان موطئاً للحركة السلفية بسبب سيطرة الطابع المحافظ والتقليدي على الجزء الأكبر من الطائفة السنيّة، وقد أدى توسع التيار السلفي المنخرط في العمل الدعوي والتربوي والاجتماعي الى إنشاء جمعيات سلفية داخل المناطق التي يتواجد فيها السنّة في شمال لبنان، ومن هذه الجمعيات: وقف البر الخيري الضنية، جمعية الارشاد ومدرسة الابداع - عكار، وقف عباد الرحمن (طرابلس)، وقف احياء السنة النبوية - الضنية (شمال لبنان)، دار الحديث للعلوم الشرعية (طرابلس) وقف اعانة الفقير ( طرابلس) تجمع سنابل الخير ( عكار) وقف الخير الاسلامي ومسجد ومركز الاقصى (الضنية - شمال لبنان) الوقف الاسلامي السني الخيري ( قضاء زغرتا) وقف إعانة المرضى (طرابلس) وقف الفرقان للبحث العلمي (طرابلس) وقف الإحياء الاسلامي ( طرابلس) وقف البلاغ الاسلامي (طرابلس) وقف معهد الأمين للعلوم الشرعية (طرابلس) وقف الأبرار ومعهد طرابلس للعلوم الشرعية، جمعية دعوة الايمان والعدل والاحسان (طرابلس) ـ جمعية الهداية والاحسان الاسلامية (طرابلس).
ورغم تأكيد داعي الإسلام الشهال أن الحركة السلفية في لبنان متجانسة، لكن ثمة تياراً سلفياً إصلاحياً بدأ بالظهور. وفي هذا السياق خلصت الباحثة المصرية السابقة في مركز كارنيغي أميمة عبد اللطيف في دراسة تحت عنوان «الإسلاميون السنّة في لبنان قوة صاعدة» الى أن هذا التيار السلفي الإصلاحي «مؤلف بشكل رئيسي من خليط من الدعاة الشبان، وهو لا يشاطر السلفيين التقليديين الآراء في موضوعين أساسيين هما، الخطاب المعادي للشيعة و«حزب الله» والعلاقة مع تيار المستقبل».
وتضيف عبد اللطيف: «من هذه الشخصيات السلفية الإصلاحية الشيخ محمد الخضر الذي يقود منظمة اسمها «المنتدى الإسلامي اللبناني للحوار والدعوة». ويوجّه الشيخ الخضر انتقاداً شديداً لحال الحركات الإسلامية في لبنان اليوم، ويقول إن المنتدى عبارة عن محاولة للبحث عن أرضية مشتركة لإيجاد «مشروع إسلامي ورؤية إسلامية مشتركَين» ويؤكد ضرورة إيجادهما لأن «الإسلاميين كانوا مجرّد أدوات استخدمهما الطرفان في الصراع السياسي الحالي». ويقرّ الخضر بأن الشرخ القائم بين الحركات الإسلامية اليوم جعلها غير فاعلة في ميزان القوى السياسي. ويكمل بأن «الحركات الإسلامية اليوم، هي إما أدوات في أيدي قوى علمانية أخرى، أو معتمدة لأجندة بعيدة كل البعد عن الواقع». وتتابع عبد اللطيف فتقول: «يوازي ما يصرح به الخضر الرؤية الإصلاحية، فهي نظرة تقبل الآخر، وهي نهج سلفي يتأقلم، مع مجتمع متعدد الطوائف كالمجتمع اللبناني».
ابتعد السلفيون التقليديون بشكل عام عن السياسة. ورغم أنهم أحياناً انخرطوا بالعمل السياسي بشكل غير مباشر، لكنهم كثفوا حضورهم في الساحة اللبنانية خصوصاً بعد إغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري العام 2005، إذ دعت المنظمات السلفية مؤيديها الى المشاركة في الانتخابات النيابية، كما أن التيار السلفي اتخذ مواقف واضحة من الحركة الاحتجاجية في سورية ودعا الى مساندة الشعب السوري وحشد لهذه الغاية مؤيديه الى درجة أن داعي الإسلام الشهال كاد أن يُصدر فتوى بدعم السوريين بالمال والجهاد.
السلفيون الجهاديين في لبنان
يمكن اعتبار العام 1976 المحطة الأولى لظهور ملامح السلفية الجهادية في لبنان. فقد وسعت حركة «الجماعة - مسلمون» التي أنشأها الشهال الأب نشاطها فأسست تنظيماً عسكرياً تحت اسم «الجيش الاسلامي» الذي بقي دوره محصوراً في الجانب العسكري ولفترة وجيزة. ومع انتشار نفوذ «حركة التوحيد» في الشمال، وهي حركة سلفية أيضاً احتضنت في تلك المرحلة معظم التيارات الاسلامية بزعامة أميرها الراحل الشيخ سعيد شعبان، فاستقطبت بين عامي 1983 و1984 الشباب، بدأت تبرز بشكل أوضح معالم السلفية الجهادية فأسست الحركة تنظيماً جهادياً حمل السلاح وتعامل مع طرابلس على انها «امارة اسلامية» وتم منع كل المظاهر العصرية التي ترى الحركة أنها تتناقض مع مبادئ الاسلام، ولهذا أُغلقت الملاهي والمسابح. وتفيد بعض المصادر أن الحضور القوي للشيخ شعبان جاء نتيجة العلاقات الوثيقة التي نسجها مع الايرانيين في ذروة ثورتهم الاسلامية، ومستفيداً في الوقت ذاته من الدعم المالي والعسكري اللذين حصل عليهما من منظمة التحرير الفلسطينية والرئيس الراحل ياسر عرفات. لكن نفوذ «امارة التوحيد» انحسر في خريف عام 1985 بعد حرب دموية (مع القوى اليسارية المدعومة من القوات السورية) حصدت عدداً كبيراً من القتلى والجرحى، وأصبحت محصورة جغرافياً في محيط منزل مؤسسها الذي توفي العام 1998، ليقتصر حضورها على بعض المؤسسات التربوية والاجتماعية. ولم تلبث أن انقسمت بين «المجلس الأعلى» بقيادة الشيخ بلال شعبان الذي ورث الحركة عن والده وبين مجلس الأمناء بقيادة الشيخ هاشم منقارة.
في العام 2000 اتضح وجود «السلفية الجهادية» في لبنان حين قامت مجموعة من الشباب من مناطق القبة وأبي سمرا في طرابلس بالتدرب على حمل السلاح في جرود الضنية، وكان يقودها بسام كنج الملقب بـ «أبو عائشة» وهو من اللبنانيين الذين شاركوا في الجهاد الأفغاني، الى جانب زميل له من آل حمود، وجرت اشتباكات بين هذه المجموعة والجيش اللبناني أدت الى مقتل كنج واعتقال حمود، ويذكر أن الاثنين التحقا بـ «الجهاد الافغاني» الأول في الولايات المتحدة التي كان يُقيم فيها والثاني في السعودية حيث كان يعمل، وعادا الى لبنان ليؤسسا الجماعة التي هاجرت الى الضنية وباشرت منها نشاطها المسلح.
وبعيداً عن التوظيف السياسي لمجموعة الضنية من النظام السوري، ظهرت تباعاً الحركات السلفية الجهادية في المخيمات الفلسطينية من بينها «عصبة الأنصار» و«جند الشام» و «فتح الإسلام».
عصبة الأنصار
أسس عصبة الأنصار في أواسط الثمانينات من القرن الماضي الشيخ هشام الشريدي الذي كان عضواً في «حزب التحرير»، (وهو تكتل سياسي إسلامي أطلقه القاضي تقي الدين النبهاني العام 1953 يدعو إلى إقامة دولة الخلافة الإسلامية، وتوحيد المسلمين تحت مظلة الخلافة) وقد اختار في البداية طريق الدعوة الدينية. وفي «حرب المخيمات» (بين حركة «امل» والفلسطينيين) في منتصف الثمانينات حملت العصبة السلاح وتحولت الى حالة عسكرية. وفي مطلع التسعينات، توسع نفوذ عصبة الأنصار في مخيم عين الحلوة (في مدينة صيدا) فوقع التصادم بينها وبين الفصائل الفلسطينية، بفعل تكفيرهم للفصائل. وبعد اغتيال الشريدي العام 1991، كانت الإمارة لـ أحمد السعدي الملقب بـ «أبو محجن» الذي توارى عن الأنظار بعد اتهامه باغتيال رئيس جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية (الأحباش) الشيخ نزار الحلبي، ومن تلك اللحظة يتولى شقيقه «أبو طارق» قيادة «العصبة» (يذكر أن ابن أبو محجن إبراهيم السعدي أمضى خمس سنوات في السجون السورية وقد اعتقلته السلطات الأمنية السورية خلال توجهه الى العراق للمشاركة في تنفيذ عمليات «جهادية» ضد القوات الأميركية وأفرجت عنه أوائل شهر مارس الماضي).
فتح الإسلام
أما «حركة فتح الإسلام» فقد خاضت حرباً مع الجيش اللبناني على مدى أكثر من ثلاثة أشهر في صيف العام 2007 في مخيم نهر البارد، هو مخيم للاجئين الفلسطينيين يقع في شمال لبنان، بالقرب من ميناء مدينة طرابلس. وكانت الحركة أعلنت عن هويتها في 26 نوفمبر 2006 وقالت إنها «تكفر بالطاغوت وسوف تحكم شرع الله في الارض لتكون كلمة الله هي العليا».
تضاربت الآراء بشأن الاطار العقائدي لهذه الحركة، ويقول البعض انها ترتبط فكرياً بتنظيم «القاعدة» من جهة وأنها تخدم المصالح السورية في لبنان من جهة أخرى. ويقول زعيم الحركة شاكر العبسي الذي قيل انه قُتل لاحقاً في سورية إنه جاء من سورية الى لبنان بهدف مواجهة القرار 1559 الهادف الى نزع السلاح الفلسطيني، وإن تنظيمه يسعى الى قتل اليهود ومن يساندهم من «الغبيين المتصهينيين» وأن غايته الشهادة في سبيل الله.
ويذكر ان الصدام بين فتح الإسلام والجيش اللبناني، كانت انطلقت شرارته حين قام عناصر من الحركة بقتل عدد من أفراد الجيش وهم خارج الخدمة، فاندلعت معارك عنيفة الى أن سيطرت القوى الأمنية اللبنانية بالكامل على نهر البارد، وتم قتل عدد كبير من عناصر التنظيم، وفر العديد من عناصره وقياداته خارج المخيم، وبعد فترة أعلن مجلس شورى التنظيم بتاريخ 9 يناير 2008 أنه قام بتعيين أبو محمد عوض خلفاً للعبسي بعد أن أعلن أسره أو قتله في سورية.
جند الشام
بدأ تنظيم «جند الشام» يتصدر المشهد السياسي اللبناني بعد حوادث أمنية مختلفة لا سيما الاشتباكات التي وقعت بين التنظيم والجيش اللبناني في مخيم عين الحلوة يوم 24 اكتوبر 2005. وكان للتنظيم نشاطات عسكرية في الداخل السوري وعلى الحدود اللبنانية السورية.
و«جند الشام» تنظيم إسلامي سُني من جذور سلفية متشددة يستمد أفكاره من زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن. وتعود تسميته الى المجموعة الأولى التي تزعمها أبو مصعب الزرقاوي في أفغانستان العام 1999، حيث أطلق الاسم على مخيم التدريب الذي ضمّ متطوعين من بلاد الشام، أي لبنان وسورية والأردن وفلسطين، وتعود المسؤولية العسكرية لهذا التنظيم في لبنان الى غاندي السحمراني (لبناني الجنسية)، وهو ممن شاركوا في أحداث الضنية في شمال لبنان مطلع العام 2000، وقد عُثر عليه مقتولاً في يناير 2010 في سوق الخضار داخل المخيم.
والجدير بالذكر أن تنظيم جند الشام سبق ان أصدر بياناً حمل توقيع «القاعدة - جند الشام» هدد باغتيال تسع شخصيات سياسية ودينية من الطائفة الشيعية في لبنان منها رئيس البرلمان نبيه بري والمرجع الشيعي الشيخ محمد حسين فضل الله ونائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الاعلى الشيخ عبد الأمير قبلان ورئيس كتلة نواب «حزب الله» في البرلمان محمد رعد ومسؤول «حزب الله» في الجنوب الشيخ نبيل قاووق.
سلفيو مجدل العنجر
لم تختزل المخيمات الفلسطينية والمناطق الشمالية مشهد السلفية الجهادية، فقد كان لبلدة مجدل عنجر في البقاع دور في تصدُّر قائمة المجاهدين. وفي هذا السياق يقول الكاتب سامر الحسيني «إن البلدة لها تاريخها الحافل مع الحركة السلفية، إذ يعود ارتباط مجدل عنجر بالفكر السلفي الى العام 1986 مع عودة عدد من متخرجي الجامعة الاسلامية من المدينة المنوّرة، وقد تولى المتخرجان عدنان أمامة وحسن عبد الرحمن، وهما مؤسسا الحركة السلفية في مجدل عنجر، نشر الفكر السلفي الدعوي الذي كان يهدف في تلك الفترة الى انكار بعض العادات الدينية في هذه البلدة، وفي مقدمتها متبعو مذهب عبد الله الحبشي مؤسس جمعية المشاريع الخيرية الاسلامية «الأحباش». وتكرست مسيرة الفكر السلفي الجهادي العام 2003 مع الانشقاق في الحركة السلفية الذي حصل على خلفية جواز تكفير افراد المؤسسة العسكرية والقوى الامنية، فاحتفظ الشيخان امامة وعبد الرحمن بالفكر السلفي الدعوي، فيما برز الفكر السلفي الجهادي الذي تزعمه محمد ياسين الملقب بـ «ابي حذيفة» وارتبط بالقتال داخل العراق، مع علاقة وثيقة بتنظيم «القاعدة»، وهذا ما جاهر به في كل محطات التوقيف التي تعرضوا لها وكانوا واضحين بالحديث عن علاقتهم بـ«القاعدة» وكيف توطدت العلاقة بين سلفيي مجدل عنجر وتنظيم بن لادن عبر «امير بلاد الرافدين» ابي مصعب الزرقاوي (الذي قتل في غارة أميركية في العراق العام 2006) ونائبه ابي محمد اللبناني. وبعد الانشقاق، انطلق «سلفيو الجهاد» الى إعداد العدة للقتال في العراق في ظل تسهيلات من البلدان المجاورة له، وهنا برز اسم اسماعيل الخطيب، الذي تولى تدريب وتأمين بعض الشبان واعدادهم لخوض معارك ضد الاحتلال الاميركي في العراق، بالتنسيق مع ابو مصعب الزرقاوي. وكان لشبان مجدل عنجر دور كبير في الجهاد في العراق حتى ان احد ابنائهم المعروف باسم ابي محمد اللبناني تولى مهام مساعد امير تنظيم القاعدة في العراق. وقد ظهر سلفيو مجدل العنجر بشكل واضح في العام 2004 حيت تمّ توقيف «مجموعة اسماعيل الخطيب» التي اتُهمت بتدبير تخطيط لتفجير السفارة الايطالية في بيروت».
السلفيون والربيع العربي
اتخذت الحركة السلفية التقليدية في لبنان مواقف مفاجئة من «ربيع دمشق» وقادت تظاهرات تأييد لنصرة الشعب السوري. وأهمية هذا التحول أن التيار السلفي آثر لسنوات عدم الخوض في الشؤون السياسية إلاّ بحذر شديد، باستثناء حشد التأييد الانتخابي لتيار المستقبل بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وحتى اللحظة لم ينخرط السلفيون التقليديون في معترك العمل السياسي بشكل مباشر كما فعل حزب النور السلفي (حزب النور هو الجناح السياسي لحركة الدعوة السلفية التقليدية التي ظهرت في مدينة الاسكندرية أوائل سبعينات القرن الماضي) الذي احتل ثاني كتلة برلمانية بعد حزب الحرية والعدالة في مجلس الشعب المصري. أما التيارات السلفية الجهادية التي يبدو أنها آخذة في الضمور، فكانت دائماً رافعة للمشاريع الإقليمية المختلفة في أجنداتها السورية والفلسطينية.
تعريفات
القياس: هو المصدر الرابع من مصادر التشريع الإسلامي بعد القرآن الكريم والسنّة النبوية والإجماع. وإذا قابلت المجتهد مسألة ولم يجد لها حلاً أو حكماً صريحاً في القرآن الكريم وسنّة رسول الله ولم يكن في هذه المسألة إجماع من الفقهاء، لا يكون أمامه إلا أن يبحث عن مسألة شبيهة بها، وحكمها معروف، وتوجد علة (سبب) تجمع بينهما. وجمهور الفقهاء مجمعون على أن القياس حجة، ويستدلون على حجيته بالكتاب والسنّة وأفعال الصحابة. والإجماع والقياس يحتاجان إلى جهد كبير واجتهاد مضنٍ من العلماء في استخراج الأحكام. والقياس في الاصطلاح الشرعي ذهب فيه الأصوليون مذهبين، ونظروا إليه من زاويتين: الأولى: من حيث إنه دليل شرعي معتبر، والثانية من حيث إنه عمل المجتهد يظهر به الحكم الشرعي. والفقهاء في حجية القياس على مذاهب من بينها: مذهب جماهير العلماء، وهو الاحتجاج بالقياس مطلقا، ولهم على ذلك أدلة من النقل والعقل. مذهب ابن حزم والخوارج وبعض الشيعة، وهو إسقاط الاحتجاج بالقياس مطلقاً ومنعه، ولهم على ذلك أدلة أيضاً.
خلق القرآن: عرفه البعض بـ محنة خلق القرآن وهو فكر انتشر في عهد الخليفة المأمون من قبل فرقة المعتزلة التي اعتبرت أن القرآن الكريم مخلوق، وأن كلام الله قابل للتأويل والتحديث والتفسير بحسب مقتضيات العقل. واقتنع بهذا الرأي الخليفة المأمون وطالب بنشر هذا الفكر وعزل أي قاضٍ لا يؤمن به، ما أدى الى نشوء معارضة واستهجان من بعض الائمة مثل الامام أحمد بن حنبل.
المعتزلة: فرقة كلامية ظهرت في بداية القرن الثاني الهجري (80 هـ - 131 هـ) في البصرة (أواخر العصر الأموي)، وقد ازدهرت في العصر العباسي. اعتمد المعتزلة على العقل في تأسيس عقائدهم وقدموه على النقل.
مؤسس التيار السلفي في لبنان اعتبر أن المجتمعات المسلمة بدأت تعود إلى جذورها
الشهال: السلفية هي النهج الإسلامي الصافي
بيروت - من ريتا فرج:
ما إن بدأت الحركة الاحتجاجية في سورية حتى أعلن التيار السلفي في لبنان تأييده للشعب السوري تحت عنوان «نصرة المظلوم». ولم يكن السلفيون وحدهم من الذين تقاطروا الى الساحات لحشد التأييد السنّي لـ «الثورة السورية»، فالجماعة الإسلامية التي تمثل فريق الإسلام السياسي المعتدل كانت لها مواقف واضحة، وقد نظمت مع السلفيين و«الظاهرة الجديدة» الشيخ احمد الاسير، تظاهرة في منطقة وادي خالد في طرابلس شمال لبنان بغية توجيه رسائل واضحة الى النظام السوري.
ثمة أسئلة كثيرة يمكن للمتابع طرحها بعد صحوة السلفيين في أكثر من بلد عربي، والسلفية اللبنانية جزء لا يتجزأ من هذه الفورة الآخذة بالتمدد رغم أنها حتى الآن تتجنب خوض غمار العمل السياسي.
مؤسس التيار السلفي في لبنان الشيخ داعية الاسلام الشهال الذي تصدّر الدفاع عن الثورة السورية، بدأت مسيرته الدعوية أثناء دراسته بالقسم الشرعي في كلية دار التربية والتعليم الاسلامية في طرابلس. واهتمّ في تأصيل المنهج الاسلامي السني السلفي وفق اجتهادات الأئمة والعلماء، وأتم دراسته في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، وأسس جمعية الهداية والاحسان الإسلامية، وإذاعة القرآن الكريم.
«الراي» التقت الشيخ الشهال وأجرت معه الحوار الآتي عن السلفية في ظل الربيع العربي:
• ثمة أسئلة كثيرة حول ظهور التيار السلفي في لبنان ومدى انتشاره. ما تعريفك للنهج السلفي؟
- المنهج السلفي يعني الدعوة والالتزام بما هو خير للناس في عقيدتهم وعلمهم وعبادتهم وعملهم وسعيهم في شؤون الدين والدنيا حتى تتحقق لهم سعادة الدارين الدنيا والآخرة، المرجع في ذلك القرآن والسنّة ونهج السلف الصالح الأوائل ومَن سار على دربهم امتثالاً لقول الله تعالى: «والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم...» الآية وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم...» الحديث، ولا شك في أن النهج السلفي هو النهج السليم الموافق للحق والعدل والفطرة البشرية، ويتنافى مع الظلم والاعتداء والطغيان والغلو بالقول والعمل - وفي الحديث: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده»، ويقول صلى الله عليه وسلم أيضاً: «انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً... قيل يا رسول الله ننصره مظلوماً فكيف ننصره ظالماً.. قال: تحجزه عن ظلمه».
• ما موقف التيار السلفي من النظام اللبناني؟ وهل لديكم مشروع سياسي يمكن طرحه في مراحل لاحقة أم أنكم تكتفون بالعمل الدعوي؟
- النظام اللبناني أو سواه، ما كان موافقاً للحق والعدل وشرع الله قُبِل وما كان مخالفاً وضد الحق والعدل وشرع الله رددناه بما هو حق وعدل سواء عبر الجهود الفردية أو المؤسسات المختلفة ما أمكننا ذلك. ونحن في هذه المرحلة مشروعنا الديني والأخلاقي والسياسي يتمحور حول تحقيق الأمن في البلد والعدل ورفع الظلم والدفاع عن الطائفة السنية المستهدفة بقوة في هذه الأيام.
• مدينة طرابلس تعتبر مركزاً للسلفية في لبنان. ما الأسباب المؤدية لانتشار هذا التيار في عاصمة الشمال؟
- المجتمعات المسلمة بدأت بشكل عام تعود إلى جذورها الإسلامية، وهذه العودة إذا لم تشبها شوائب وشبهات كبيرة، فالأمر الطبيعي أن تحسب سلفية، لأن السلفية هي النهج الإسلامي الصافي. ولا ننسى أن الالتزام الديني في طرابلس هو على الفطرة الاسلامية بالغالب وأن المعاهد السلفية وسائر المؤسسات الدعوية أثمرت والحمد لله تعالى كثيراً ونسأل الله أن يتقبل من الجميع.
• ما موقفكم من الجماعة الإسلامية التي انخرطت في العمل السياسي؟
- الجماعة الإسلامية وسواها، نؤيدها ونخالفها بحسب بُعدها وقربها من الحق والعدل من وجهة نظرنا المبنية على القرآن والسّنة. ننصحهم ونجتهد في تفادي الصراع معهم ونؤيدهم بالحق والخير الذي عندهم، رزقنا الله وإياهم التوفيق وأعاذنا من العصبية البغيضة والأنانية المفسدة.
• كيف تنظرون الى الآخر الديني أي المسيحيين والشيعة؟
- ربنا سبحانه لا يكره الناس على دين، إنما يدعوهم إلى الدين الحق وحسابهم عليه يوم القيامة، ونحن أمرنا إذا اختلفنا مع غيرنا أن نجادلهم بالتي هي أحسن وأمرنا بالإحسان ونُهينا عن الإثم والعدوان، فليختر كل إنسان ما شاء والمهم عدم الاعتداء والظلم وحساب الجميع على الله يوم القيامة، ونحن على يقين أن دين الحق هو دين الإسلام الذي كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام.
• ما رأيكم في ولاية المرأة وولاية غير المسلم؟
- الرأي الراجح شرعاً أن الولاية العامة للرجل وبشروط معتبرة أيضاً، إذ المقصد تحقيق المصالح ودرء المفاسد ما أمكن لصالح الأمة، وهي مهمة أجدر بالرجل وأحرى أن ينجح بها. والمسألة ليست مسألة عاطفة او مجاراة، والتاريخ والواقع عند المجتمعات كافة دليل على ذلك. والحكم للغالب، والمجتمعات المسلمة الملتزمة بالإسلام من الطبيعي أن يحكمها رجل مسلم، وهناك حقائق وأنظمة في المجتمعات كافة تراعي دين المجتمعات وأعراقها ومذاهبها، بل إن المسلمين كثيراً ما يعامَلون بتمييز وغير الحق والعدل لأجل هذا، فلنكن واقعيين ومنصفين، نفتخر بديننا وهو تاج على رؤوسنا.
• في مصر وبعدما اكتفت التيارات السلفية بالعمل الدعوي لسنوات طويلة انتقل جزء منها الى العمل السياسي. هل يمكن أن يتبع التيار السلفي خطوات حزب «النور» عبر الانخراط في العمل السياسي؟
- ليس ببعيد إذا سنحت الظروف وكان في ذلك مصلحة عامّة.
• الحركات الاحتجاجية في العالم العربي ساهمت في وصول الاسلاميين الى الحكم. كيف تقرؤون هذه اللحظة التاريخية؟
- عودة إلى الذات وصحوة ضمير بعدما اكتشفت الجماهير والشعوب بشكل عام كذب ادعاءات الانقلابيين وعملاء الاستعمار وبطلان مشاريعهم وأنظمتهم وايديولوجياتهم النظرية والسياسية المختلفة.
• يدعو البعض الحركات الإسلامية الى الاقتداء بالاسلام السياسي التركي. هل الحركات الاسلامية في العالم العربي قادرة على التماهي مع تجربة حزب التنمية والعدالة؟
- زمن تجربة حزب التنمية والعدالة غير كافٍ للحكم عليها بشكل نهائي فضلاً عن اعتمادها نموذجاً يحتذى به. لكن لا شك في أن حزب التنمية والعدالة حقق إنجازات مهمة لمصلحة الشعب التركي على الصعيدين الداخلي والخارجي، وهي جديرة بالإهتمام والدراسة والإفادة منها. ولا يجوز الخوف من الإسلام حذراً من تصرفات وأخطاء وخطايا نُسبت إلى الإسلام خطأ أو عن قصد لتشويه صورته بفعل اختراقات استخباراتية أو جهل بشرع الله وحقوق العباد.
• التيار السلفي في لبنان دعم الحركة الاحتجاجية في سورية بشكل واضح عبر التظاهرات. ما هي الأسباب التي دفعتكم الى ذلك؟
- الواجب الديني والأخلاقي في الدفاع عن المظلوم ورفع الظلم عنه وتحقيق حريته الإنسانية في الحياة وإسقاط مشروع الهيمنة على المنطقة ومقدساتها وثرواتها تمهيداً للهيمنة على العالم الإسلامي هو الدافع لذلك، نقولها بكل وضوح، النظام السوري ارتبط بالمشروع الصفوي الشعوبي الذي يستهدف المجتمع السني والعربي، وما كان منه سابقاً وحالياً من طغيان وإجرام في لبنان وسوريا نموذج صغير وما يُبَيَّت أعظم وأخطر، وفي النهاية عين المشروع الرافضي الصفوي على مكة والمدينة.
• كنتَ في صدد إصدار فتوى لدعم الثورة السورية. لماذا تراجعتَ عن ذلك؟
- من أول ساعة دعوت وأصدرت الفتاوى بدعمها، لكن فتوى بشأن الجهاد بشكل صريح ورسمي من خلال بيان أو مؤتمر صحافي هو الذي أرجأتُه احتراماً للعلماء والقادة السوريين من أرباب الثورة، وإلا فقد أعلنتُ في أكثر من مداخلة ومناسبة حق الدفاع عن النفس والعرض والديار وحرمة ما يفعله جنود النظام بهذا الشأن ووجوب التمرد والانشقاق عنه.

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,361,206

عدد الزوار: 6,988,357

المتواجدون الآن: 72