المسيحيون في العالم العربي علامة وطنية فارقة...باحثون ومفكرون عرب يحذرون من تغييبهم

تاريخ الإضافة السبت 5 تشرين الثاني 2011 - 4:43 ص    عدد الزيارات 870    التعليقات 0

        

المسيحيون في العالم العربي علامة وطنية فارقة...باحثون ومفكرون عرب يحذرون من تغييبهم

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

بيروت: سمير شمس
 

يبدي هذا الكتاب قلقا مشروعا، لأن هناك اعتقادا بأن العلاقة بين المسيحيين والمسلمين تؤثر على مستقبل المجتمع الدولي، وعلى العلاقات بين الديانات بصورة عامة. فقد اتجه المعنيون بهذه العلاقات إلى إطلاق توقعات غلب عليها التشاؤم وطالت الإطارين التاليين:

أولا: النظام الدولي والكيانات العابرة للقارات. توقع بعض علماء الاجتماع ومنهم هاينتينغتون أن ينمو تأثير هذه العلاقات ومعها التوترات بعد سقوط الشيوعية كعامل محدد لها، ونمو البعد الديني لسلوك الدول والكيانات - مثلا انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، الحرب الصليبية على العراق، الجهاد ضد المسيحيين واليهود. والخلافات القديمة والجديدة بين الديانات.

وأثارت هذه التوقعات جدلا واسعا أسفر عن الإقرار بأهمية البعد الديني للعلاقات الدولية، ولكن مع التأكيد أنه لا يشكل عنصرا محددا لها، وأن أهميته تتفاوت بين إقليم وآخر من العالم، وبحسب الظروف التاريخية التي تمر بها المجتمعات.

ثانيا: المجتمعات المختلطة التي تضم مسيحيين ومسلمين معا، وقد توقع البعض أن تبلغ العلاقة بين الطرفين درجة عالية من التعقيد والدقة إذا ما اقترنت بالظواهر التالية: أن يشكل المكون الديني عنصرا رئيسيا من مكونات هذا المجتمع، وأن تمارس الطائفة المسيطرة على السلطة سياسة التمييز ضد الطائفة الأخرى، وكذلك أن يعبر النظام السياسي عن نزعات ترسخ التمييز الديني، كنزعة الاستبداد، وخطورة هذه النزعة أنها قد تسود في الأنظمة الاستبدادية والديمقراطية معا.

ومن بين مناطق الاحتكاك المسيحي - المسلم، العالم المتوسطي الذي يضم دول الاتحاد الأوروبي والمنطقة العربية مسرحا للتطورات الأكثر مأساوية. ففي شرق آسيا انفصلت تيمور الشرقية ذات الأغلبية المسيحية عن إندونيسيا دون صراع. وفي البلقان انفجرت الحروب الطائفية ولم تتجاوز الأفق البلقاني. أما المسرح المتوسطي فتطغى على العلاقة بين العالمين، عجزا من الجهتين عن معالجة إشكاليات الوحدة والتنوع. ومن المفروض أن تحل هذه الإشكاليات عبر صيغ ترسخ وحدة المجتمعات الوطنية والترابية من جهة، وتضمن الحفاظ على التنوع الثقافي والديني والإثني فيها من جهة أخرى. وفي المقابل، فإن التوصل إلى هذه الصيغ يصطدم بعقبات كثيرة. فكثيرا ما يتشدد أصحاب القرار في التمسك بالوحدة إلى درجة القضاء على التنوع. وكثيرا ما تتمسك الجماعات الثقافية والدينية والإثنية بالتنوع إلى حد تهديد الوحدة. ولكن من يدرس هذين النوعين من الدوافع يجد أن التفريق بينهما ضروري وواجب إذا ما أردنا معالجة هذه المسألة في إطار الحفاظ على التنوع والوحدة معا.

وقد باتت قضية تراجع دور المسيحيين في المشرق العربي معضلة تطرح نفسها بإلحاح وبشكل خاص على السلطات السياسية، والمراجع الدينية الإسلامية، والنخب الحية، نظرا للتأثير الخطير لهذا التراجع الذي ينتج عنه تهميش الدور المسيحي تحت وطأة عوامل كثيرة أبرزها: صعود المنظمات التكفيرية، وتنامي التعصب الديني الذي يؤدي إلى ممارسات ذات طابع إقصائي. والاستهداف الأمني الذي يتعرض له المسيحيون في العراق ومصر والهجرة الواسعة التي تسجل في صفوفهم. هذا فضلا عن التدخل الغربي وتداعياته السلبية على العلاقات المسيحية - الإسلامية في المنطقة. كما فاقم الصعوبات أمام المسيحيين الربط الخاطئ بينهم وبين القوى الغربية المسيحية بعد اجتياح أفغانستان والعراق ورفع الإدارة الأميركية شعارات تربط بطريقة غير مباشرة بين الإرهاب والإسلام وتعزز نظريات صراع الحضارات. فالكثير من الدول الغربية تعيش ظاهرة «الإسلاموفوبيا». نتيجة لهذا الوضع، تزايد الاهتمام في العلاقات المسيحية - الإسلامية في الأوساط السياسية والدينية والفكرية. ونظمت مؤتمرات ولقاءات وحوارات للبحث في هذه القضية من بينها السينودس الذي عقد في الشهر العاشر من سنة 2010 في الفاتيكان من أجل المسيحيين في الشرق الأوسط، والمؤتمر العالمي للحوار بين الأديان الذي عقد على حلقتين في مدريد ونيويورك خلال عام 2008 وسجلت مواقف وخطوات لقادة سياسيين عرب ومراجع دينية إسلامية ومفكرين أكدت أهمية الحوار بين الأديان والتفاعل فيما بينها. غير أن خطوات مماثلة تحتاج إلى المضي قدما في البحث في مختلف جوانب الأزمة لبلورة حلول واقتراحات عملية لتفعيل الدور المسيحي في المشرق العربي.

فانبرى «مركز عصام فارس للشؤون اللبنانية» لعقد هذا المؤتمر الذي شارك فيه مفكرون لبنانيون وعرب ووزراء ونواب يمثلون وجهات نظر متنوعة، ورجال دين، وناشطون في ملف الحوار الإسلامي - المسيحي. وقد تناول المشاركون بإسهاب أسباب تراجع الدور المسيحي، وتوجهات القيادات الرسمية العربية والدينية الإسلامية حيال هذه القضية. وقدم المحاضرون مقترحات وتوصيات لتفعيل الدور المسيحي وترسيخ العلاقات الإسلامية - المسيحية.

وقد تركزت استنتاجات المشاركين على التأكيد على أن واقع الوجود المسيحي في المشرق العربي، جزء لا يتجزأ من المجتمع العربي ومكون أساسي فيه، لذلك لا يجوز التعامل معهم أبدا على أنهم أقلية. فالعرب كما يقول الدكتور كمال الصليبي لن يبقوا عربا في حال زوال النصارى مما يطلق عليه الآن العالم العربي. لن يبقى هناك في أي مكان من العالم كينونة عربية قائمة بذاتها لا تتصف إلا بعروبتها، ولا يختلط أمرها بالإسلام. فمصاب المسيحيين المشرقيين ما يصنعونه لأنفسهم، فلبنان، بالنسبة للعرب هو آخر معاقل النصرانية في ديارهم، وعندما شعروا أن النصرانية في لبنان توشك على الانهيار، تملكهم الخوف وهبوا جميعا لمنع الانهيار من الحصول فكانت وثيقة الطائف. لو لم يكن المسؤولون العرب مدركين أهمية النصارى العرب للكينونة العربية التاريخية برمتها، هل كان مؤتمر الطائف يعقد أصلا، بل يستمر منعقدا حتى الوصول إلى نتيجة؟! ويختم الدكتور صليبي أن هذا يعني أن نصارى لبنان ليسوا بقية شعب منقرض غير مرغوب في استمرار وجوده وفعاليته. وواجب علينا نحن المسيحيين أن نكون على مستوى الاستحقاق وفهم أوضاعنا على أننا جزء من كل وإعادة الثقة لهويتنا العربية التي نستمد منها كل ما نتميز به.

ويقول الدكتور طارق متري إن التراجع الديموغرافي لا يحتم أفول الوجود والدور. فحجم المشاركة السياسية والتأثير الثقافي للمسيحيين لا يقاسان بالوزن العددي فحسب، وأكثرها لا يختص بالمسيحيين وحدهم، في مرآة الأدوار التي لعبتها وتطلعت إليها أو أخفقت في القيام بها، النخب الثقافية والدينية والسياسية المسيحية. فالمواطنون أشخاص وليسوا مجرد أجزاء، ولأنهم أشخاص، ولأن التنوع في مواقفهم مصدر غنى، فإنه لا يقي المسيحيين تحولهم إلى جمهور يسير وراء زعيم. فإن العمل على توحيدهم عن طريق تعزيز التماثل بحجة الدفاع عن حقوقهم لا يحتمل المجازفة بمصائرهم، ذلك أنه يرهنها لخيارات السياسيين وتقلباتهم وأخطائهم. والمعاناة هنا لا تشفى بالحماية التي تفرض نوعا من الدونية. فالحل لا يكون إلا بتأكيد المواطنة، بديلا عن إعادة اختراع العصبية الطائفية، ردا على العصبيات الأخرى.

ويقول السيد هاني فحص إن المسيحيين والمسيحية في العالم العربي وفي تركيا وحتى باكستان هم ضرورة وعلامة وطنية فارقة، هم ضرورة إسلامية ومستوى شرطي في الهوية المركبة حتى لا تكون قاتلة. أما الصهيونية فقناعتي أنها ليست سببا مؤسسا، والسبب المؤسس هو سلة أسباب أبرزها ضعف الدولة العربية عن تمثيل مكوناتها مما جعلها قابلة للاختزال. الصهيونية سبب إضافي ونوعي وقد تضاعفت فاعليته التفكيكية في مسعاه إلى منع تحقق المثال التعددي الفاضح لعنصريته.

وسجلت خطوات ومواقف حوارية بارزة ومتقدمة لقيادات سياسية في بعض الدول العربية. وحصلت لقاءات تركزت على الحوار الدولي بين الديانات، وقدمت صورة إيجابية لمستقبل الحوار الإسلامي - المسيحي كـ«المؤتمر العالمي للحوار بين الأديان» الذي انعقد في مدريد في يوليو (تموز) 2008 بجهود ودفع من خادم الحرمين الشريفين، الذي تحضن بلاده المقدسات الإسلامية، واللقاء التاريخي بين خادم الحرمين الشريفين وبين البابا بنديكتوس السادس عشر في حاضرة الفاتيكان، ومن المهم تفعيل هذه الجهود إلى إجراءات عملية فعالة تسهم في تفعيل الدور المسيحي.

من المهم أن كل مبادرة عربية رسمية أو حتى فردية، أكانت على مستوى مادي، كمثل انتهاج سياسات أو تقديم دعم معنوي، أو إعلان مواقف إيجابية من الدور المسيحي في العالم العربي، أن تتناسق هذه المبادرات وتتابع في إطار جامعة الدول العربية ومؤسساتها، أو غيرها من الأطر التي يمكن استحداثها لتصبح منحى ثابتا في السياسات الرسمية والمناهج التربوية. أما في أدوار القيادات الدينية الإسلامية العربية في المشرق العربي، فقد سجل محمد عبيد أسئلة تجاوزت الطروحات البديهية لتصل إلى أن آليات الحوار التنفيذية مفقودة، وإن الجمهور العربي عموما لا يستمع لأهل الحوار بل لتجار الطائفية السياسية. ليختم بأن الديانات تدعو إلى اللقاء وإذا دعاكم دين إلى الانكماش فانبذوه وألغوا ذلك الدين.

أما روجيه ديب، فأشار إلى الضغط الإسرائيلي في الغرب لجعل نفسه وصيا على المسيحيين في الشرق، ومن الواضح أن هذا نقيض غاية المسيحيين المشرقيين. ويختم بأن خيار الالتزام بالقطاع الخاص وحده والهروب من القطاع العام، أو خيار الهجرة ليسا الحل الأنسب والمأمول. وحده قرار الالتزام بتحسين الدول التي نحن فيها ومنها هو القرار الرؤيوي. المطلوب حل ثقافي وبناء دولة حقوق الإنسان والسعي إلى الفعل العام التقني والعملي وليس إلى الآيديولوجيات والسياسات الكبيرة.

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,299,107

عدد الزوار: 6,986,356

المتواجدون الآن: 65