"إنهم يتعلمون العربية في الولايات المتحدة الأميركية"

تاريخ الإضافة الإثنين 24 تشرين الأول 2011 - 6:53 ص    عدد الزيارات 1183    التعليقات 0

        

تقرير لمؤسسة الفكر العربي
 "إنهم يتعلمون العربية في الولايات المتحدة الأميركية"

وزارة الدفاع الأميركية اعتبرت العربية سلاحاً استراتيجياً. يتعلمون لغة الضاد ليتولوا وظائف ذات عوائد مالية عالية.

شراكة بين الحكومة الأميركية والعديد من الجامعات المختصة لتعلم العربية.

جاء في دراسة اميركية اصدرتها "رابطة اللغات الحديثة" العام 2010 ان اللغة العربية هي اكثر اللغات الأجنبية حظوة بالاقبال على تعلمها في الولايات المتحدة، فلقد ازداد عدد دارسي العربية بنسبة 86 % مقابل، مثلا، عدد دارسي الصينية 31 %، والاسبانية 28 %، والكورية 19 %، والبرتغالية 13 %.
تعتبر هجمات الحادي عشر من ايلول العام 2001 الدافع الرئيس وراء تدفق عشرات الوف الاميركيين لتعلم العربية في الولايات المتحدة، وذلك لسببين اساسيين:
الاول، فضول تعلم لغة من اتهموا بهذه الحوادث من العرب والمسلمين، وقراءة امهات كتبهم الدينية والثقافية مباشرة. فوفق علم النفس الثقافي، ان معرفة اللغة، هي المدخل الابرز لمعرفة شخصية الآخر وابعادها الايديولوجية والسايكولوجية القصوى.
الثاني، القرار المركزي الذي اتخذه الرئيس الأميركي السابق جورج بوش، وشجع عليه، مطالبا الاميركيين بضرورة تعلم اللغتين العربية والصينية لضرورات تتعلق بالامن القومي الاميركي، وبمستقبل المصالح الاميركية في الشرق الاوسط.
اذا، بات تعلم اللغة العربية ضرورة استراتيجية من ضرورات الامن القومي الاميركي، ولقد توجه مكتب مخابرات هذا الامن الى ثلاث جهات رسمية مركزية اميركية دعاها للتنسيق في ما بينها لبلورة وتنفيذ ما سماه: “المبادرة اللغوية للأمن القومي"، وتشجيع الاميركيين من خلالها على تعلم اللغات الاجنبية المستجدة الاهمية، وفي طليعتها العربية والصينية. اولى هذه الجهات، وزارة التعليم الاميركية، التي جندت نفسها لهذه الغاية، فرصدت 57 مليون دولار لتأمين تدرس اللغتين العربية والصينية على حساب اللغات الفرنسية والايطالية والالمانية.
ثاني هذه الجهات وزارة الخارجية الاميركية، التي خصصت 115 مليون دولار لتشجيع الطلبة الاميركيين، وفي مختلف المراحل الدراسية، على تعلم العربية والتمكن منها، وذلك بتخصيص منح مجزية لهم تمكنهم من السفر والاقامة والدرس في دول عربية عدة مثل مصر، سوريا، لبنان، الاردن، تونس والمغرب. كما شجعت الخارجية الاميركية البرامج المستحدثة والمكثفة لتعلم العربية خلال ستة اشهر مثلا، وفي طليعتها برنامج اولبرايت.
اما ثالث هذه الجهات الرسمية الاميركية فهي وزارة الدفاع (البنتاغون) التي اعتبرت اللغة العربية سلاحا استراتيجياً ينبغي للأميركيين ان يستخدمه، هو ايضا، ويتحكم فيه، خصوصا بعد حوادث 11 ايلول، فبادرت بتوسيع مشروع تعلم اللغات الاجنبية تتصدرها العربية لمصلحة الامن القومي عن طريق شراكة ما بين الحكومة الاميركية من جهة، والعديد من الجامعات الاميركية المختصة بتعليم العربية، مثل جامعة هرفارد، وجامعة جورج تاون، وجامعة كينيت في اوهايو، وجامعة ميريلاند... الخ من جهة ثانية. وقد رصدت وزارة الدفاع لهذه الغاية 131 مليون دولار.

 

تزايد مطرد

وفق احصاء "جمعية اللغات الحديثة" في الولايات المتحدة، فان عدد دارسي لغة الضاد في العام 1998 كان يقدر بـ5565 طالبا، وقد زاد العدد في العام 2002 الى 10590 طالبا، وفي العام 2003 الى 24974 طالبا، وتزداد النسبة ارتفاعا في ما بعد لتصل في العام 2010 الى 51 الف طالب.
الى هذا وذاك، ومع ازدياد الانتفاضات العربية في العديد من الاقطار العربية، انهار، على ما يبدو، سد كثافة من يريد تعلم اللغة العربية في اميركا، كما ازدادت كرما وسائل الاغراء المادية لمن يرغب من جيش الطلبة الاميركيين الطامح الى تعلم لغة سيبويه. فلقد صرح مصدر في مركز "الاقمار الثلاثة للاحصاء" في مدينة سياتل في ولاية أوريغون، ان نسبة الاقبال، ومن 4 اشهر فقط، على تعلم العربية بين الاميركيين وصلت الى 176%، واتخمت بالتالي صفوف الطلبة في كل المعاهد والجامعات المركزية الاميركية التي تدرّس العربية.
واضاف جون ف. كلينتون الخبير في المركز المذكور يقول "ان الانتفاضات الشعبية في العالم العربي ستكلف الجهات الأميركية، الاستراتيجية منها والأمنية، مليارات الدولارات في السنوات الخمس المقبلة... ستُصرف منها بالتأكيد ميزانيات ضخمة على تعلم اللغة العربية، وحض طلبتنا في عموم الولايات الاميركية، استطراداً، على ضرورة السفر والاقامة في عواصم عربية عدة لتأصيل ما يتعلمونه هنا... ان الانتفاضات العربية الراهنة استدعت على ما يبدو، انتفاضات اميركية حذرة مقابلة لتدارك خطورة ما يجري عربيا على الامن الاميركي، والمصالح الاميركية العليا".
حتى العام 2005 بلغ عدد طلاب اللغة العربية في الجامعات الاميركية 12 الف طالب، طبقا لاحصاء الرابطة الاميركية للغات الحديثة Modern Languages Association of America اي بزيادة 8 آلاف طالب عن الاعوام التي تلت الحادي عشر من ايلول، واستمر العدد بالارتفاع حتى وصل في العام 2009 الى 50 الف طالب.
استتبعت هذه الزيادة في عددالطلبة، زيادة في انتشار المدارس والمعاهد والجامعات التي توقر لطلابها فرصة تعلم العربية في بلاد العم سام. كما ان أعداد الأقسام التي تدرس لغة الضاد في الجامعات الاميركية قد زادت بنسبة 155%، كما يقول استاذ اللغة العربية في جامعة إموري في ولاية أتلانتا د. محمود البطل.
وتتوزع الفئات الاميركية الدارسة للغة العربية وفق الاتي:
1 – ديبلوماسيون، رجال اعمال، عسكر، خبراء أمنيون متعاملون مع المنطقة العربية من محيطها الى خليجها، كونها منطقة جيوسياسية فائقة الأهمية على الخارطة الدولية. علاوة على ثرواتها من النفط والغاز وسائر المعادن غير المكتشفة.
2 – أميركيون مسلمون من اصول عربية، وغير عربية، يتحمسون لتعلم لغة الآباء والأجداد الدينية، بداعي المحافظة على الشخصية الاسلامية، وهويتها، خصوصا في زمن العولمة، الذي هو زمن اضطراب الهويات الدينية كلها، حتى في عقر دار الدول الكبرى نفسها.
3 – اعلاميون وفضوليون ومغامرون يبحثون عن فرص عمل في اجهزة الاستخبارات والمباحث الاميركية ووزارة الدفاع. يتعلمون لغة الضاد ليتولوا وظائف ذات عوائد مالية عالية جدا، خصوصا ان معظم هذه الوظائف تقتضي من أصحابها ان ينتقلوا الى مسرح الحدث العربي، الخطر جدا، هذه الأيام. وهنا تبرز العقلية الاميركية البراغماتية، والتي ترفع، مثلا، شعار "الوقت هو المال... فاستثمره يا صاح".
4 – ازدياد عدد المهاجرين العرب، خصوصا من العراق ومصر ولبنان وفلسطين والمغرب الى اميركا، فهؤلاء من متحدثي اللغة العربية، وأبناؤهم يتطلبون بالضرورة مسؤوليات تعليم في البيوت والمدارس على اختلافها.
5 – اميركيون مستطلعون هالهم ما حدث لبرجي التجارة في بلدهم، فاندفعوا لدراسة لغة وثقافة وكيفية تفكير من قاموا بهذا العمل، من وجهة نظرهم.
في اطار ما تقدم كله، طرح استفتاء في اميركا قامت به "جمعية استطلاع الحقيقة" وتقديمها يقول: هل تعلم العربية بعد حوادث 11 أيلول، هو عملية انتهازية او رغبة أكاديمية معرفية؟
وزع السؤال على 4 آلاف طالب جامعي اميركي فكانت النتائج بعد 3 أشهر وفق الآتي:
 للمعرفة وفهم الآخر حتى من باب "أعرف عدوّك": 33 % من الدارسين. انتهازية واقتناص فرص لوظائف عالية الأجر: 67 % من الدارسين.

 

هل بدأ التغلّب على صعوبة تعلّم العربية؟

في شأن مناهج تدريس اللغة العربية في بلاد العم سام، يرى بعض المختصين بتدريس العربية في الجامعات الاميركية، ومنهم د. عبد الرحمن زهير، أستاذ اللسانيات في جامعة واين ستايت "أن تدريس اللغة العربية يفيد من مناهج تدريس اللغات الأخرى المنتشرة في الولايات المتحدة كالأسبانية والفرنسية والايطالية، وذلك بتطبيق تقنيات تدريسها على العربية".
وخطة تدريس العربية بمناهج وطرائق تدريس لغات أخرى في أميركا، بدأت تؤتي ثمارها وفق د. تيري غصين، أستاذ اللغات الشرقية في جامعة فلوريدا سابقاً، فقد تحدث شخصياً الى نشرة "آفاق" هنا في بيروت، قائلاً: "غيّرنا خطة النهوض بتعليم العربية في أميركا، وبنينا هيكلية جديدة بمناهج جديدة اقترحنا خلالها التدريس بكتب مبسّطة ومتدرجة بمستويات بساطتها، من الصفوف الاولى الى الثانوية فالجامعية، وجاءت النتيجة مبهرة، وبات بعض طلابنا من الاميركيين يتكلمون العربية، وحتى يكتبونها بيُسر نسبي في أقل من 7 أشهر".
وماذا عن قواعد العربية وتعقد تدريسها، ونفور الطلبة منها كما هو شائع؟ أجاب  غصين: "بخصوص تدريس القواعد العربية انطلقت من خطة ميسرة قوامها الآتي:
إن قواعد العربية تنحصر في درس جملتين:
1. الجملة الفعلية، وهي التي تبدأ بفعل، وفيها ركنان هما الفعل والفاعل، يتمّم معناها أحياناً المفعول به، أو نائب الفاعل.
2. الجملة الاسمية، وهي التي تبدأ باسم، وفيها ركنان هما المبتدأ والخبر، تدخل عليهما النواسخ أحياناً فتؤثر فيهما.
فمتى درسنا هاتين الجملتين، واستطاع الطالب أن يُنشئ جملة فعلية صحيحة، وجملة اسمية صحيحة، يكون قد عرف قواعد اللغة العربية، ولا يبقى أمامه عملياً غير بعض المتمّمات، كالنعت والظرف وحروف المعاني.
هذا جانب من أسلوبنا في التعليم في أميركا (وقد اقتبسناه من أساتذة كبار لنا علّمونا في لبنان، ومنهم اللغوي الراحل عبدالله العلايلي، إميل مبارك، ومحمد خليل الباشا...). يتعلق بسَوْق القواعد في شعبتين متباينتين، تتسلسل فيهما، بعضهما من بعض، بطريقة منطقية واعية".
إنهما لمفارقة إذاً، أن تنجح بعض الشيء مناهج تدريس اللغة العربية في أميركا، بينما مناهج تدريسها في بلداننا العربية لا تزال تتعثّر وتجرجر أذيال الخيبة كل يوم.
وإنه لذو دلالة مفارقة ايضاً، أنه في الوقت الذي نرى شباب الغرب وشاباته يُقبلون على تعلّم العربية والتضلّع منها، قراءة وكتابة، نجد، مع الأسف، شبابنا العربي ينفر من تعلّم لغته ويهجرها، وإذا صادف أن "تعلّمها"، فهو لا يُتقن قواعدها في الحد الأدنى البسيط، ولا كذلك القراءة والكتابة بها.
والأفجع من هذا وذاك، أننا نرى تدهوراً خطيراً غير مسبوق على مستوى من يدرّسون هذه اللغة الجميلة عندنا، ليس في المراحل الابتدائية والثانوية فحسب، وإنما في الجامعية ايضاً. فثمة "دكاترة متخصصون" باللغة العربية، صدّقوني، لا يتحدثون مع طلابهم في الفصل، أو يحاورونهم إلا بالعامية... لا لشيء إلا لأنهم لا يُجيدون النطق السليم بالفصحى.
صحيح أن الاميركيين ما زالوا يُعانون من مشكلات نقص في تأهيل أساتذة تعليم العربية في معاهدهم وجامعاتهم، وخصوصاً في ظل الإقبال غير العادي على تعلّم العربية عندهم هذه الايام، إلا أنهم بدأوا بالتخطيط لإنجاح عملية تدريس لغة الضاد لطلابهم، بعيداً من أي مثبّطات أو حواجز مفتعلة توضع أمامهم. يكفي أنهم مثلاً، تجاوزوا الاعتقاد الخاطئ القائل بأن تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، لا يتطلّب المؤهلات التي يجب أن تتوافر في معلّم اللغة القومية، وبدأوا يختارون الأساتذة فعلاً من ذوي التأهيل السليم في تعليم لغتنا، وخصوصاً ان من تمّ اختيارهم، هم مَن بدأوا بتطعيم طرائق تدريسهم للعربية بمناهج وطرائق مدرّسين آخرين للغات أخرى منتشرة في الولايات المتحدة كالصينية والفرنسية والاسبانية.
إذاً، اللغة العربية محل اهتمام الاميركيين غير العادي لجهة تعلّمها والتضلّع منها. واهتمامهم هذا جعل البعض منهم يتطرف، مطالباً حتى بوقف تعليم الفرنسية والايطالية والروسية في الجامعة، معلّلاً ذلك بأنه في إمكان الاميركيين الاطلاع على ثقافة هذه الدول الاوروبية من خلال كتّابهم الكبار أمثال: فيكتور هوغو وبلزاك ودستويفسكي باللغة الانكليزية... بينما "نحن نحتاج الى تعلّم لغات أخرى هي أكثر أهمية لنا في زمن العولمة، كاللغتين العربية والصينية".
لهذه الأسباب، وغيرها، وبغض النظر عن أهداف الآخرين ونياتهم، يزداد إذن، تعاظم دور لغتنا العربية، ليحمل ابعاداً عالمية من شأنها أن تزيده نفوذاً وفضولاً حتى على قوى سياسية واقتصادية وثقافية مركزية، في ما يمكن أن نُطلق عليه اسم مجتمع المعرفة الغربي، المتجذر تأثيره في أنساق تحولات جماعات وأوطان بأسرها.
 

 

 

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,223,451

عدد الزوار: 6,941,103

المتواجدون الآن: 140