الأقباط أهل مصر الأصليين يعاملون كالغرباء ويحظّر عليهم دخول الجيش

تاريخ الإضافة الإثنين 17 تشرين الأول 2011 - 3:39 ص    عدد الزيارات 953    التعليقات 0

        

الأقباط أهل مصر الأصليين يعاملون كالغرباء ويحظّر عليهم دخول الجيش
ضحايا سياسة التمييز والاقصاء يمنعون من بناء الكنائس والأديار

أثارت حوادث العنف الطائفي التي شهدتها شوارع القاهرة في الفترة الأخيرة والتي أدت الى مقتل 23 قبطياً وجرح المئات على أيدي الجيش المصري ومسلحين تابعين له مخاوف عميقة وسط الطائفة القبطية في مصر على مستقبل وجودهم في ظل التغيرات السياسية العميقة التي حملتها ثورة 25 يناير للحياة السياسية في مصر.

طرحت هذه الحوادث الدموية تساؤلات كبيرة بشأن المستقبل السياسي والانتقال السلمي الى الديموقراطية بعد الاطاحة بنظام الرئيس حسني مبارك، في ظل ضعف السلطة المركزية المتمثلة بالمجلس العسكري الأعلى للقوات المسلحة المصرية وعجزه عن مواجهة النفوذ المتزايد للتنظيمات الإسلامية المتشددة لا سيما السلفية منها.  وأكدت الحوادث الأخيرة صحة الشكوك التي تراود مسيحيي مصر الأقباط على مستقبلهم في هذا البلد خاصة في حال فشل مشروع الثورة في بناء الدولة العصرية العلمانية، واحتمال أن تتحول مصر جمهورية إسلامية سلفية يكون فيها الأقباط وسائر العلمانيين واليساريين والقوميين الخاسر الأكبر.

 

الأقباط من أهل ذمة الى مواطنين في الدولة المصرية الحديثة

 يشكل الأقباط في مصر مكوناً أساسياً وأصيلاً في نسيج المجتمع المصري وتتفاوت أرقام أعدادهم اليوم باختلاف الجهات، فبالاستناد الى السلطات الرسمية المصرية فإن عدد الأقباط هو سبعة الى ثمانية ملايين، أما أرقام الكنيسة فتقول أن العدد يراوح ما بين 10 الى 14 مليوناً.
ومن أبرز الأدلة على رسوخ الوجود القبطي في مصر أن لفظة Egypt مأخوذة عن اليونانية ومشتقة من "قبطي" ومعناها "المصري". وفي كتب التراث فإن التسمية مرادفة لمسيحيي مصر وللمصريين القدماء [للمزيد من المعلومات عن تاريخ الأقباط يمكن مراجعة المقال المهم الذي كتبه الزميل محمود الزيباوي بعنوان "فصول من حياة الأقباط" ونشره "ملحق النهار" بتاريخ 19/1/2011].
 قبل الفتح الإسلامي، كانت غالبية سكان مصر من الأقباط، ومعه  دخلت أعداد كبيرة منهم في الدين الاسلامي. وخلال الحكم الإسلامي مر الأقباط  في فترات من الاستقرار وأخرى من الاضطهاد والقمع الوحشي وفقاً للسياسة التي كان يتبعها الحاكم سواء أكان أموياً أم عباسياً أم فاطمياً. ولم يعرف الأقباط الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي إلا مع مجيء محمد علي وخلال بنائه للدولة المصرية الحديثة ومع الاصلاحات السياسية التي قام بها. لكن التغيير الحقيقي في وضع الأقباط حصل أيام الخديويين سعيد واسماعيل فقد ألغى سعيد نظام الجزية التي فرضها الحكم الاسلامي على الأقباط وسمح بتجنيدهم في الجيش المصري، وازدادت أعدادهم في الإدارات الرسمية وجرى سن قانون انشاء أول مجلس نواب لا يقوم على التفرقة الدينية، كما جرى تعيين قضاة أقباط في المحاكم ومنح لقب باشا لأول قبطي في تلك  الفترة. وبرز دور الأقباط في الحياة العامة مما دشن مرحلة جديدة من العلاقة بالمسلمين، وجعلت الأقباط يشعرون بأنهم مواطنون في الدولة المصرية وليسوا أهل ذمة.
وتورد غادة طنطاوي في دراسة لها بعنوان "جذور المسألة القبطية" أن دور الأقباط تراجع خلال سني الانتداب البريطاني بسبب تخوف البريطانيين من اثارة نقمة المسلمين عليهم، كما أن الأٌقباط أنفسهم أظهروا حذراً في تعاملهم مع الانتداب البريطاني. وبحسب احصاءات النصف الأول من القرن العشرين مثل الأقباط نحو 7% من المصريين وكانوا يسيطرون على 20 % من الثروات و45% من الوظائف الحكومية و40% من الرواتب.
شارك الأٌقباط مشاركة فاعلة في ثورة 1919، لكن ثلاثينات وأربعينات القرن الماضي شهدت عودة النزاع الطائفي بينهم وبين المسلمين. وعلى الرغم من السياسة الناصرية المناوئة لحركة الإخوان المسلمين فقد تراجعت مشاركة الأقباط في الحياة السياسية، وفي تولي الوظائف القيادية والتمثيل البرلماني وفي وزارت الدولة نتيجة ممارسات النظام الناصري  والذي فرض قيوداً على بناء الكنائس والأديار.
وخلال حكم أنور السادات شهدت العلاقات بين المسلمين والأقباط مرحلة جديدة من التدهور، نتيجة استغلال السادات لنفوذ التنظيمات الإسلامية من أجل محاربة التيارين الناصري واليساري. وكانت الخطوة الأهم تعديله المادة الثانية من الدستور المصري العائد للعام 1971 وجعله "الإسلام دين الدولة والشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع". الأمر الذي فاقم في مخاوف الأقباط من ضياع حقوقهم وزاد الاحتكاكات الطائفية. وكان السادات أصدر أمراً بنفي الأنبا شنودة الثالث نتيجة مواقفه المناوئة للسلطة وللعلاقة مع اسرائيل، مما جعله ينجو من القتل أثناء عملية الاغتيال التي تعرض لها السادات على يد التظيمات الأصولية الإسلامية اثناء حضوره العرض العسكري الذي كان على شنودة حضوره لو لم يكن منفياً.
 في عهد حسني مبارك استمر مسلسل الفتنة الطائفية بتدبير من السلطة المصرية التي لعبت دوراً مزدوجاً فكانت من جهة تمارس سياسات التمييز والإقصاء والتحريض غير المباشر من خلال تجاهل الحملات السلفية ضد الأقباط؛ وكانت من جهة أخرى تحاول أن تظهر نفسها المدافع عن هذه الطائفة لدى تعرضها للهجوم على أيدي إسلاميين متطرفين.

 

مظاهر سياسة التمييز ضد الأقباط في مصر اليوم

ثمة شعور لدى الأقباط اليوم أنهم مواطنون من الدرجة الثانية على الرغم من أنهم يشكلون مكوناً  أساسياً وأصيلاً في المجتمع المصري وذلك نتيجة عاملين أساسيين: سياسة التمييز الطائفي والاقصاء التي مارستها السلطات المصرية على مدى عقود طويلة؛ وتنامي ظاهرة أسلمة المجتمع المصري التي أدت إلى تفاقم التوتر بين المسلمين والمسيحيين.
وتظهر سياسة التمييز الرسمية ضد الأقباط في مصر على المستوى القانوني- الحقوقي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي والديني في آن واحد.
 على المستوى القانوني يعتبر الأقباط تغيير المادة الثانية من الدستور المصري وجعل الإسلام دين الدولة الرسمي انتهاكاً لحقوقهم لا سيما جعل الشريعة مصدر القوانين، لأن ذلك ينتهك عدداً من حقوقهم ويعمل على تهميشهم. ويعاني هؤلاء من سيطرة المسلمين على نظام القضاء لاسيما بعد اقدام النظام العام 1955  على الغاء المحاكم الدينية واستبدالها بمحاكم مدنية. لكن القضاة في هذه المحاكم هم في أغلب الأحيان من المسلمين غير الملمين بالديانة المسيحية ويطبقون على أصحاب القضايا من المسيحيين الاجتهادات القرآنية التي هي اجمالاً غير منصفة للمرأة بصورة خاصة في موضوع الإرث.
على صعيد التمثيل السياسي يبدو واضحاً ضعف التمثيل السياسي للأقباط في مجلس الشعب المصري، إذ يوجد حالياً ثلاثة نواب أقباط ينتخبون في مجلس الشعب من أصل 508 نواب، أما النواب الأقباط الآخرين (خمسة تقريباً) فقد عيّنهم الرئيس حسني مبارك. وترى السياسية البارزة القبطية منى مكرم عبيد ابنة مكرم عبيد أن الأقباط لا يعانون الاضطهاد السياسي فقط وإنما التمييز وضعف تمثيلهم في المؤسسات الرسمية وفي الوظائف العامة للدولة. فحصة الأقباط في الوظائف آخذة في التراجع بعد امتناع الجيش المصري نهائياً عن استقبالهم. كما من الصعب تبوء الأقباط مراكز قيادية حساسة في الدولة، وربما من آخر الشخصيات المصرية القبطية كان بطرس غالي الذي لعب دوراً كبيراً في الحياة السياسية لكنه لم يتخط منصب وزير دولة. ولم يحقق بطرس غالي انجازاته السياسية الا خارج مصر لدى تعيينه العام 1992 أميناً عاماً للأمم المتحدة.
ومن الأمثلة الأخرى على التمييز في التوظيف أنه منذ العام 1940 لا يحق للقبطي تعليم اللغة العربية لأنها تتطلب معرفة بالقرآن حتى في المدن ذات الأكثرية القبطية عدداً. الأمر الذي دفع منظمة العمل الدولية الى الاحتجاج على سياسة التمييز في العمل في تقريرها لعام 2007.
لكن سياسة  التمييز ضد الأٌقباط الأكثر حدة تبرز على صعيد بناء أماكن العبادة وهي تشكل السبب الأساسي للمواجهات الدموية الطائفية. إذ يحظر القانون المصري بناء أي كنيسة قبل الحصول على موافقة السلطات. وتضع السلطات المصرية مجموعة من العقبات للحصول على ترخيص لتصبح شبه مستحيلة، الأمر الذي يدفع القيمين على الكنيسة الى البدء بأعمال البناء قبل الحصول على الترخيص مما يؤدي الى انفجار الخلافات التي تتحول مواجهات دموية مع المسلمين بحجة عدم قانونية الكنيسة. ناهيك بأن أي مشروع بناء كنيسة يواجه  بمشروع بناء مسجد في جواره او قبالته. وخلال أيام الرئيس حسني مبارك جرى قفل أكثر من 58 كنيسة، وحتى الآن لم يستطع الجيش اعادة فتح سوى ثلاث منها وذلك نتيجة ضغط التنظيمات الإسلامية. كما أن ترميم الكنائس يواجه المصاعب عينها، كل ذلك يجعل الأقباط يشعرون أنهم محاصرون داخل أماكن عباداتهم القليلة.

 

أسلمة المجتمع المصري

الأكيد أن الضائقة التي يعانيها الأقباط في مصر هي أيضاً نتيجة أسلمة المجتمع المصري وصعود نفوذ التنظيمات الأصولية السلفية التي كان النظام السابق يحاول شراء دعمها بغض النظر عن مواقفها المعادية للأقباط. يقول عدد من الأقباط أنهم باتوا يشعرون بأنهم غرباء وسط المجتمع المصري السائر في موجة الأسلمة إذ بات يحظر على القبطي الأكل او الشرب أيام رمضان كي لا يتعرض للمضايقة، وفي بعض الأحيان تضطر الفتيات القبطيات الى ارتداء الحجاب واخفاء الصلبان  لمنع  المضايقات اللواتي يتعرضن لها في الأماكن العامة.
ومن بين المسائل التي تشكل سبباً لاشتعال نيران المواجهات بين المسلمين والأقباط في مصر تغيير الديانة أو تحول فتاة قبطية الى الإسلام أو العكس الأمر الذي يؤدي غالباً الى مطالبة عائلتها باستردادها من الطائفة الأخرى ويخلق الاحتكاكات والتوترات، ومن أبرز القضايا التي أثارت الكثير من الاشكالات قضية وفاء قسطنطين زوجة كاهن في محافظة البحيرة التي أشهرت اسلامها، وقضية كاميليا شحاته زوجة كاهن دير مواس التي شغلت قضيتها الرأي العام المصري لا سيما بعد ادعاء الأزهر أن شحاتة خطفت من قوى الأمن بطلب من الكنيسة القبطية قبل دخولها المركز لإشهار اسلامها.

 

تأثير الربيع العربي في اشتداد وعي الأقباط بحقوقهم

تأخرت الكنيسة القبطية في مصر في اعلان دعمها لثورة 25 يناير، فبعد موقف البابا شنودة الثالث في 27 كانون الأول المؤيد للرئيس حسني مبارك ودعوته المسيحيين الى عدم المشاركة في التظاهرات، أصدرت الكنيسة القبطية بياناً في 15 شباط تحيي فيه شباب 25 يناير و"ثورتهم البيضاء". لكن على ما يبدو لم ينتظر الأقباط تغير موقف كنيستهم اذ شاركوا في تظاهرات ميدان التحرير منذ أيامها الأولى.
أيقظت الثورة المصرية آمال الأقباط بتحقيق العدالة لقضيتهم وشجعتهم أيضاً على كسر حاجز الخوف والخنوع والضعف والجهر بمطالبتهم بالعدالة والمساواة في الحقوق وحرية ممارسة الشعائر الدينية من دون تضييق أو إكراه. وتشير الخبيرة في الشؤون المصرية صوفيا بومييه في مقابلة أجرتها معها مجلة "أكسبرس" الى أن الربيع العربي غيّر موقف الطائفة المسيحية ودفعها الى أن تكون أكثر مواجهة ومطالبة بحقوقها، شعوراً منها بأن اللحظة التاريخية حانت لتصحيح الغبن اللاحق بها عبر قيام دولة مصرية عصرية علمانية لجميع مواطنيها.
لكن الصعود الكبير في نفوذ التيارات الإسلامية لا سيما السلفية منها التي تنادي بتطبيق الشريعة الإسلامية وتقف مواقف متشددة من المسيحيين اجمالاً وبروز أكثر من حزب سياسي يمثلها في الأشهر الأخيرة واحتمال أن يؤدي تحالفها مع حركة الإخوان المسلمين، الأخصام التقليديين والحلفاء اليوم، والصدامات الطائفية التي اندلعت بعد الثورة، زادت من مخاوف الأقباط على مستقبلهم في مصر التي قد تتحوّل دولة إسلامية سلفية.
 في مواجهة هذا الواقع الجديد يبرز تياران وسط الأقباط في مصر: واحد يتمسك بمبادىء الثورة ويدعو الى الوحدة مع سائر أطياف المجتمع المصري من أجل تحقيق الدولة العلمانية الحديثة، وآخر متطرف يرى أن وجود الأقباط في خطر ويدعو الى مطالبة المجتمع الدولي بحماية المسيحيين في مصر وسائر دول المشرق.
ما الحل؟ يقول أستاذ العلوم السياسية رودولف القارح في مقال له في "الموند ديبلوماتيك " عن مستقبل مسييحي الشرق أن الحل هو في قدرة الثورات العربية على ايجاد"عقد اجتماعي دستوري جديد يعطي الأولوية للمواطنة من دون تجاهل الهويات والانتماءات الخاصة".
يبقى ألا يدفع الأقباط بعد أعوام طويلة من سياسة العزل والاقصاء والتهميش والتمييز ثمناً جديداً للصراع على الهوية السياسية للدولة المصرية الجديدة ما بعد الثورة.
 

رندة حيدر     
 

 

 أبرز أحداث العنف الطائفي ضد الأقباط منذ ثورة 25 يناير  

أطفيح: في 4 آذار 2011،
اندلعت حوادث كنيسة "الشهيدين" في قرية أطفيح بحلوان - محافظة القاهرة  - بسبب علاقة عاطفية بين فتاة مسلمة وشاب مسيحي، حاول على إثرها أقارب الفتاة قتلها وقتل والدها، والانتقام من الشاب المسيحي، مما أدى إلى وقوع شجار انتهى بمقتل والد الفتاة وأحد أقاربه، وأثناء تشييع جنازة القتيلين توجهت عائلة الضحيتين إلى الكنيسة فأشعلوا النيران فيها.
المنيا: في نيسان 2011، اندلعت اشتباكات طائفية في مركز أبو قرقاص بمحافظة المنيا (بصعيد مصر) أسفرت عن مقتل 3 مسلمين وإصابة العشرات من الجانبين.. واندلع اشتباك آخر بعد أيام في قرية نزلة فرج الله، أسفر عن مقتل قبطي وإصابة العشرات وتسبب في حرق وإتلاف عدد من المنازل. كما وقعت حوادث شغب في مركز مطاي في المحافظة نفسها وأدت إلى إصابة 10 أشخاص، بينهم 7 من الشرطة.
ماسبيرو 1: اشتباكات "ماسبيرو" 14 أيار2011، وتعرف بحوادث ماسبيرو الأولى، وقعت اشتباكات بين متظاهرين مسيحيين معتصمين فى المنطقة المحيطة بمبنى إتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري (ماسبيرو) في أول اعتصام لهم، للمطالبة بإقرار قانون دور العبادة الموحد وبين مجموعة من "البلطجية"، أسفرت عن وقوع قتيلين وإصابة العشرات من المسيحيين جراء استخدام العيارات النارية وقنابل المولوتوف.
إمبابة: كنيسة مارمينا والسيدة العذراء بفي منطقة إمبابة 7 حزيران 2011 قد بدأت الحوادث عندما حاول عدد من المسلمين اقتحام كنيسة "مارمينا" في حي إمبابة الشعبي (شرق القاهرة) على خلفية شائعة احتجاز سيدة مسيحية (تدعي عبير) أشهرت إسلامها داخل الكنيسة، وقيام بعض المسيحيين بإطلاق النار عليهم، وامتدت أعمال العنف إلى إضرام النار في كنيسة "السيدة العذراء"، وأسفرت الاشتباكات عن مقتل أكثر من 12 شخصا من الطرفين بالإضافة الى إصابة العشرات.
أسوان: قرية الماريناب 30 أيلول2011: اندلعت أعمال عنف بين مسلمين ومسيحيين في القرية، بعد محاولة عدد من المسلمين هدم مبنى قديم، كان المسيحيون قد شرعوا في تحويله كنيسة، مما جعل العشرات من المسيحيين يتصدون لهم لمنع الاقتراب من المبنى، وأسفرت الاشتباكات بين الجانبين عن احتراق كمية من الأخشاب وإطارات السيارات الموجودة داخل المبنى.
وتعتبر أحداث الماريناب مقدمة لتظاهر عدد كبير من الأقباط والمسلمين أمام ماسبيرو من أجل حل هذه القضية وإقالة محافظ أسوان.
ماسبيرو 2: صباح 10 تشرين الأول 2011، وقعت مجزرة ماسبيرو، اذ نظم آلاف المسيحيين مسيرة من حي شبرا (شمال القاهرة) إلى مبنى التلفزيون المصري (ماسبيرو) للتنديد بحوادث كنيسة الماريناب، مطالبين بحرية المسيحيين في بناء الكنائس، وتطورت الحوادث إلى اشتباكات، أسفرت عن مقتل أكثر من 20 شخصا وإصابة المئات.

 

اقباط في لبنان مصعوقون: ما شاهدناه من معاناة أهلنا واخواننا "يفوق الخيال"
نحن ابناء الشهداء... ولن نترك مصر حتى لو استشهدنا

بكاء على الأحباء. تضرّع الى الله.

صرخة ألم. تظاهرة غاضبة.

جنازة جماعية.

تحت صدمة "مشاهد تفوق الخيال"، تفيض مشاعر اقباط في لبنان. "الحزن والاسى كبيران"، يؤكد عدد منهم. وتضامنهم مع اشقائهم في مصر تلقائي: "انها مأساة... اضطهاد... ممنوع ان يعبر الاقباط عن حريتهم..."، قال بعضهم. ولسانهم لسان حال ابناء طائفتهم في مصر. "نطالب بالعدالة الاجتماعية والمساواة... ولن نترك مصر، حتى لو استشهدنا".

"ما حصل مأسوي... اضطهاد رسمي"، يقول رئيس الطائفة القبطية الارثوذكسية في لبنان الاب رويس الاورشليمي. "نشكر الله ان العالم يرى ما يحصل، فلا يكذب احد ولا يغالط". الامر واضح بالنسبة اليه. "ما حصل ليس فتنة، او مناوشات او اشتباكات كما يقولون. كيف يمكن الاشتباك مع الجيش؟ وبأي سلاح يقاوم أناس خارجون في مسيرة سلمية ومعترضون على هدم كنيسة؟".
منذ ورود الاخبار عن قتلى وجرحى بين الاقباط المشاركين في التظاهرة، يعيش الاب الاورشليمي قلقا على ابناء طائفته. "نشعر بأسى تجاه معاناة اهلنا واخواننا في مصر. ما رأته عيوننا يفوق الخيال"، يقول.  ما قرأه من الحوادث الاخيرة هو انه "ممنوع ان يعبر الاقباط عن حريتهم، او ان يتظاهروا. يُضْطَهَدون، ويُمنَعون من الكلام. تُهدَم كنائسهم، ويُمنَعون من الكلام".
رغم كل الاستياء الذي تكتنفه القلوب، يجد ان رد الاقباط يجب ان يكون "مزيدا من الصلاة والصوم. الكنيسة فرضت صلاة وصوما لثلاثة ايام. والله يتدخل بالتأكيد، لان لدينا تجارب سابقة مع الصلاة والصوم... وقد خلصنا الله بموجبهما من مضطهدين سابقين. وعسى يخصلنا اليوم من كل معتد".
مستقبل الاقباط في مصر ينظر اليه الاورشليمي بثقة. "مستقبلنا في يد ربنا، في كل وقت"، يؤكد. "مصر بلدنا، والارض التي رواها اجدادنا بدمائهم. الايمان لم يصل الينا الا بدماء اجدادنا الشهداء. ونحن ابناء الشهداء. ولن نترك بلدنا، حتى لو استشهدنا".  

 

حبشي: الامر يفوق الخيال

لا يزال الشماس في الكنيسة القبطية الارثوذكسية الناشط في جمعية "عدل ورحمة" اسحق حبشي تحت صدمة الحوادث الدموية. "لا ازال غير مستوعب ما حصل. الامر يفوق الخيال. لا شيء يستدعي هذا الحجم من الخسائر التي وقعت. كان يمكن استيعاب الامور بطريقة عادية والاستماع الى مطالب الناس... واذا كانت لهم حقوق، فليعطوهم اياها".    
"تطورٌ" في التعامل مع الاقباط يلاحظه حبشي. في الماضي "كانوا يعبرون عن رأيهم من دون ان يجدوا من يسمع لهم. اما اليوم، فباتوا يتكلمون، "فيُدعَسون". يجب الاستماع الى مطالبهم، وهي مزمنة. لا نزال لا نفهم ما الخطر في بناء كنيسة واحدة؟".
مع الثورة التي اطاحت بحكم الرئيس المصري حسني مبارك، كان امل في ان "تكون هناك عدالة اجتماعية ومساواة". وفي ظل ما حصل، لم يفقد حبشي الامل. "رجاؤنا نضعه في ربنا. لم نفقد الامل". مراقبته للوضع تقوده الى تقويم سريع: "لم نشعر بأي تحسن أو تغيير ايجابي حتى اللحظة. نشعر بان هناك عدم استقرار وعشوائية في التعامل". بالنسبة اليه، "الدعوة الى السلام التي دعا اليها بابا الاقباط الارثوذكس والكرازة المرقسية الانبا شنودة الثالث هي الطريقة التي يرد بها الاقباط. ولا طريقة اخرى لديهم ليردوا بها".
تجاه المستجدات المصرية، لا يخفي حبشي "انه تعبان كثيرا، لانه لم يكن يجب ان يتعرض الاقباط لما يتعرضون له في بلدهم". اهله بخير في مصر، وقد اطمأن اليهم، لكن هذا لا يعفيه من الشعور بمصاب سائر ابناء طائفته. "اذا كان البلد الذي ولد فيه المرء وكبر فيه لم يعد مكان راحة، فأين يجدها اذاً؟"، يسأل. مطالب الاقباط يرددها بحزم "نريد العدالة الاجتماعية والمساواة وان يأخذ كل مرء حقه. الوطن للجميع. والاقباط يكنون المحبة للجميع ولبلدهم، ويودون ان يشعروا بانهم شركاء في البيت الواحد".

 

سليمان: ظلم وقع على الاقباط

هول المأساة صعقت ايضا رئيس الرابطة القبطية في لبنان الدكتور سليمان سليمان. "نفتش عن تفسير لما حصل. هل الجيش تعدى على الناس، ام كان هناك مخربون؟"، المؤكد لديه هو ان "الشعب القبطي لا يملك النزعة الاجرامية. وما شاهدناه منظر غريب بالفعل. بالتأكيد هناك اناس او طابور ثالث او جواسيس او مندسون. لكن ثمة ظلماً وقع على الاقباط، لاسيما في التأخير في بت قضاياهم".  
ما يستنتجه هو ان "هناك متطرفين، وهؤلاء لا يريدون اعطاء الاقباط حقوقهم. هذه هي كل القصة". بالنسبة اليه، لا يزال النظام في مصر "غير مستتب، لا حكومة "مزبوطة"، والمجلس العسكري "يا دوبك". يجب ان يستتب الوضع من خلال مجلس النواب ومجلس الشورى... واذا طال هذا الوضع، فستكون كارثة. يجب فرض الامن بيد من حديد. وعلى الدولة ان تحافظ على مصالح مصر".   

 

جورج: حزننا كبير

عندما علم جورج- ويؤثر عدم ذكر اسم عائلته-بما تعرض له ابناء طائفته في مصر، شعر "بحزن واسى شديدين على مصر قبل ان يكون ذلك على الاقباط انفسهم". ويقول: "لا اعتقد ان هناك مخططا يستهدف الاقباط بذاتهم. لكن يبدو ان كلا له اجندته الخاصة. وجميع المصريين يدفعون ثمن ذلك".
المطلوب حاليا، في رأيه، "الصوم والصلاة، تماما كما طلب البابا شنودة". واذ يذكر بان "الاقباط موجودون في مصر من آلاف الاعوام، ولا خوف عليهم اليوم"، يتمنى على جميع الافرقاء "التروي والتعقل والنظر الى مصلحة بلدهم".  
فور علمه بالمواجهات الدامية، اتصل جورج بعائلته للاطمئنان. "كانت المشاعر مشتركة: اسى وحزن"، يقول. "الحمد الله انهم بخير. ونواكب اوضاعهم بالاتصالات اليومية ومتابعة الاخبار".
 

هالة حمصي    

 

الأقباط في لبنان

يصل عدد الاقباط الارثوذكس في لبنان الى نحو 5 آلاف.
هل عددهم الى ازدياد ام الى تناقص؟ يجيب رئيس الطائفة القبطية الارثوذكسية في لبنان الاب رويس الاورشليمي "النهار" "انه من الطبيعي ان يكون الى ازدياد، في ظل الظروف التي شهدتها مصر. لكنه ليس ارتفاعاً ملحوظاً، بمعنى ان هناك هجرة".
هم منتشرون في كل لبنان والغالبية في جبل لبنان. لهم كنيسة واحدة حالياً في جسر الباشا، ودير قيد الانشاء حالياً في جبيل.
أما بالنسبة الى الاقباط الكاثوليك فإن عددهم يبلغ 600 اضافة الى 23 عائلة تنتشر غالبيتهم في جبل لبنان وبيروت، على ما أفاد راعيهم في لبنان الاب انطونيوس مقار ابرهيم.
والاقباط الكاثوليك في رعاية الكنيسة المارونية ورئيس أساقفة بيروت للموارنة المطران بولس مطر هو أسقفهم بتكليف مشترك من بطريرك الاقباط الكاثوليك والبطريرك الماروني. "لا كنيسة لهم حالياً وطموحنا ان تتوافر لنا كنيسة خاصة"، يقول الأب ابرهيم. وهم يجتمعون كل أحد في كنيسة مار أنطونيوس الكبير في جديدة المتن للاحتفال بالقداس وفق طقسهم.
 

 

 


 

شهادات عن تظاهرة ماسبيرو الاخيرة في القاهرة:
الجيش دهس طلائع المتظاهرين بمصفحاته وأطلق النار على الحشود

صلاة على نية الأقباط؟ مشهد من التظاهرة.

مصفحة ومتظاهرون في ماسبيرو. من ضحاا المقتلة.
تنقل هذه المتابعة بعضاً من شهادات فتيات مصريات ناشطات، شاركن في تظاهرة "ماسبيرو" الاخيرة نهار الاحد 9 تشرين الاول الجاري، اضافة الى بعض من معمعمة التعليقات التي تتناول الحوادث المصرية المتسارعة منذ ما بعد ثورة 25 يناير (كانون الثاني) الماضي.

لبنى درويش، ناشطة مصرية الخامسة والعشرين من عمرها، شاركت في تظاهرات ثورة 25 يناير (كانون الثاني) وملحقاتها. اخيراً، كغيرها من مصريات كثيرات ومصريين كثيرين، كتبت على صفحتها في "فايسبوك" شهادة تفصيلية موسعة عن مشاركتها في التظاهرة الاحتجاجية على الاعتداء على الكنائس القبطية، التي انطلقت من محلة شبرا ذات الغالبية السكنية القبطية في القاهرة، وتوجهت الى وسط العاصمة المصرية للاعتصام امام مبنى الاذاعة والتلفزيون (ماسبيرو). وما يلفت متصفح صفحات "فيسبوك" ان من كتبوا شهاداتهم عن التظاهرة هذه، معظمهم من الفتيات المسلمات الناشطات اللواتي تكثر بينهن المحجبات.

من وقائع المقتلة
في واحدة من الشهادات، كتبت الناشطة شيماء يحيى انها لجأت مع كثير من المتظاهرين والمتظاهرات الى مبنى فندق رمسيس هيلتون القريب من "ماسبيرو"، هاربين من اطلاق الجيش النار على الحشود، ودهسه طلائع المتظاهرين بمصفحاته، وكان بين الهاربين اللاجئين الى الفندق الفخم عائلات مسيحية مع اطفالها. وروت شيماء ان امرأة من هذه العائلات، رجتها ان تسير معها في الشارع، وسط اولادها وزوجها، بعد خروجهم من الفندق في الساعة التاسعة والنصف مساء، عقب المقتلة التي ألمّت بالمتظاهرين. ومما قالته المرأة القبطية للناشطة شيماء: “خليكي معانا، اذا عرفوكِ مسلمة محجبة لا يضربونا". وروت ناشطة ثالثة، محجبة ايضا، انها صادفت في احد الشوارع القريبة من "ماسبيرو" امرأة تصرخ معولة الى جانب زوجها الملقى على الرصيف، يشخر ملطخ الجسم بالدماء. وحين وصلت سيارة اسعاف لنقل الزوج، وجد المسعفون انه فارق الحياة، فتركوه لضرورة اسعاف الجرحى، فساعدت الناشطة المرأة في نقل جثة زوجها الى مدخل احدى البنايات.
في شهادتها المفصلة ذكرت لبنى درويش ان مسلمين كثيرين من سكان شبرا شاركوا في التظاهرة – المسيرة، بعدما دعاها هاتفياً، شاب قبطي يدعى عادل، كانت تعرفت اليه في تظاهرات سابقة في ميدان التحرير، فلبت دعوته، وقامت بتصوير التظاهرة في سيرها من شبرا الى "ماسبيرو"، ثم كتبت شهادتها التي، لدقتها وحيويتها الوصفية، تناقلتها مواقع الكترونية كثيرة، فضلاً عن صفحات "فيسبوك". قدرت لبنى عدد المتظاهرين الذين انطلقوا من شبرا بـ25 الف شخص، بينهم جمهور واسع من العائلات القبطية، نساء ورجالا واطفالاً ومن اعمار متباينة، وراحت اعدادهم تتزايد في الطريق الى "ماسبيرو". وقد رُشقت التظاهرة بـ"الطوب والزجاجات الفارغة" مرتين، الاولى "تحت جسر حلمي" والثانية قبيل وصولها قريبا من فندق رمسيس هيلتون. وتطلق لبنى صفة "البلطجية" على من قاموا برشق المتظاهرين. و"تحت كوبري الجلاء، كانت الروح المعنوية للمسيرة عظيمة، وغالبية الهتافات ذات الطابع الديني، اختفت، وكنت سعيدة بذلك، لكنني كنت خائفة وقلقانة، فالتظاهرة مليئة بالعجزة والأطفال، وكنا نهتف: يسقط يسقط حكم العسكر، إحنا الشعب الخط الاحمر. ومصر لكل المصريين، من اي ملة وأي دين. والكنيسة اتحرقت ليه؟! والعادلي راجع ولا إيه؟!". وهذا قبيل أن تصف لبنى مقتلة الدهس وإطلاق النار، وتنهي شهادتها بما بثه التلفزيون المصري الرسمي من "تحريض ديني" ضد المتظاهرين، حينما دعا المصريين (المسلمين ضمناً) لنجدة جيشهم "الوطني" الذي "حمى الثورة والثوار" طوال ثورة 25 يناير (كانون الثاني). فالتلفزيون، مساء الاحد 9 تشرين الأول الجاري، أثناء إطلاق الجيش النار على المتظاهرين ودهسهم بمدرعاته، أخذ يبث بلسان المذيعة رشا مجدي، نداءات لنجدة الجيش الذي يتعرض لإطلاق النار من "فئة من المصرين" (الأقباط ضمناً). وذكرت المذيعة التلفزيونية التي بثت النداء، أن "ثلاثة جنود قتلوا"، وتبين لاحقاً أن الخبر هذا مختلق وعارٍ من الصحة. أما لبنى درويش وغيرها من أصحاب الشهادات، فرووا أن الأهالي الذين اندفعوا من بعض الأحباء لنجدة الجيش في "ما سبيرو"، أخذوا يتساءلون "أين الأقباط الذين يهاجمون الجيش بالسلاح؟!"، وذلك عندما لم يجدوا في الشوارع سوى الناس الهلعين، والكثير من الجرحى وجثث القتلى المسحولة.

معمعة مصرية وتكتم قبطي
يُجمع المصريون وغير المصريين المتتبعين لسلسلة الحوادث المصرية اليوم والمنخرطين فيها وفي مناقشتها، على أن مصر تعيش في معمعة هائلة من الاضطرابات والانقسامات والمعضلات المتناسلة والمرهقة، لا تنفصل عن معمعة أخرى من الأخبار والتعليقات والآراء المتعلقة بسلسلة هذه الحوادث اليومية المتدافعة. وبلغت المعمعة الضخمة المزدوجة هذه حدودها القصوى اللامعقولة مع تظاهرة الأحد 9 تشرين الأول، الاخيرة. فإحدى الناشطات كتبت على صفحتها في "فيسبوك" نموذجاً تهكمياً على ما يبثه الإعلام المصري الرسمي من أخبار، من أنه "تم تسجيل 3 حالات وفاة في صفوف الجيش، فجرى نقل (الجنود المتوفين) الى المستشفى، (حيث) تلقوا العلاج وتحسنت حالهم". وختمت الناشطة خبرها هذا بالدعاء: "ألف سلامة ليكم يا أبطال". وفي مكالمة هاتفية أجريتها مع الصديق المصري القاهري، هاني درويش، سألته عن تعليقات مصريين سمعتها في برنامج "نقطة حوار" على إذاعة (B.B.C) اللندنية، أوحت لي بأن كثيرين من المعلقين على حوادث التظاهرة الاخيرة، يعتبرون ان الاقباط شقوا عصا الطاعة ضد الجيش الذي حمى الثورة المصرية، ويشجبون خروجهم في تظاهرات احتجاجية خدمة لمؤامرات اجنبية، فقال هاني إن الأقباط، في وجه من وجوه الوعي العامي للمصريين المسلمين، هم من "مخلفات الانكليز والاستعمار البريطاني". هذا فيما كان بعض المشاركين من "الإخوان المسلمين" في برنامج "نقطة حوار" الإذاعي، يطلبون من الأقباط "الصبر والتروي والانتظار" حتى نهاية المرحلة الانتقالية وحصول الانتخابات العامة، مهونين عليهم ما حدث في تظاهرة ماسبيرو، وإلا فإن ما أقدموا عليه سيؤدي الى "إحراق الوطن، ومن دون أن يطالب هؤلاء "الإخوانيين" المجلس العسكري المصري في شيء. وتعليقاً على البيان الرسمي الذي أصدره "الاخوان المسلمون" في شأن ما حدث في التظاهرة الأخيرة، ذكر أحد المعلقين الصحافيين المصريين أن قارئ البيان "الإخواني"، "لا يعلم مَن ضرب مَن في التظاهرة، ومَن أطلق النار ومَن قتل، وما هو الموضوع – الحادثة، وما هو الموقف منه، ومن يتوجب عليه التوقف عن العنف". وأشار المعلق ايضاً الى استهجانه قلة ظهور مشاعر التعاطف مع الضحايا الأقباط، فيما كتب لبناني مقيم في القاهرة على صفحته في "فايسبوك": "اليوم، أنا مواطن قبطي في مصر، ومواطن حرّ في سوريا، ومن شهداء ثورة الأرز في لبنان، وأنا من المعارضة المدنية في كل بلد عربي". وروت شابة لبنانية طالبة في الجامعة الأميركية في القاهرة، منذ أشهر، أن ما فاجأها في إقامتها المصرية، وفي احتكاكها ببعض المصريين والمصريات، هو قلة تعرضهم لاختبارات حياتية وذهنية وشعورية لا تنطلق من اعتبار الإسلام والهوية الاسلامية، ليسا الناظم الوحيد للعالم وحياة البشر. ولاحظت الشابة اللبنانية ايضاً أن من التقت بهم وتعرفت اليهم من الأقباط، غالباً ما يخفون "هويتهم" الدينية، ويحاذرون التعبير عن مشاعرهم الخاصة، إلا في دوائر ضيقة وخاصة. ومن تجاربها في هذا السياق روت أن شابة مسلمة من زميلاتها في الجامعة، تتكتم على علاقتها العاطفية بطالب قبطي، وتحاذر أن تنكشف هذه العلاقة بينهما. وغالباً ما يتلفت زملاؤها وزميلاتها الأقباط، ويخفضون أصواتهم، فيما هم يتحادثون في المقاهي، إذا رغبوا في الكلام والتعبير عن آرائهم الفعلية في الحوادث التي تحصل يومياً في مصر.

تكتيك امتصاص الصدمات
من جملة التعليقات التي يصعب إحصاؤها على التظاهرة الأخيرة، كتبت إحدى الناشطات متهكمة: "مطالب الأقباط فئوية، ومطالب المسلمين وطنية". وفي تعليق آخر كتب وفيق ناصر متسائلاً: "ماذا يفعل الجيش المصري الذي يتعرض، منذ ما بعد ثورة 25 يناير، الى مطالب سياسية كاسحة؟"، فهو يتهرب من "المواجهة المباشرة، ويتبع تكتيك امتصاص الصدمات، منذ خلع الرئيس حسني مبارك". ووسيلته الدائمة في امتصاص الصدمات، هي "الايقاع ما بين فئات الشعب المصري"، وصولاً الى انهاكها وتيئيسها، وليبقى القوة الوحيدة المسيطرة على السلطة ومؤسسات الحكم والدولة. واللافت أن من نتائج ما حدث أخيراً في ماسبيرو، ظهور مطالبات كثيرة بـ"لجنة تقصي حقائق دولية، لأن لا ثقة في شيء وسط المعمعة المصرية الراهنة، لا بالإعلام، ولا بالحكومة، ولا بالجيش ومجلسه العسكري".

محمد ابي سمرا 

 

ستة كتّاب ومثقفين مصريين يدينون مجزرة ماسبيرو في القاهرة
عارٌ علينا ما حصل والدولة والقانون المدنيان يحميان الأمل ويصونان الحرية

لوحة لغويا.

كيف ينظر الكتّاب والمثقفون المصريون الى ما حصل في ميدان ماسبيرو في حق الأقباط؟ "صفحة أدب فكر فن"، في "النهار"، سألت ستة من وجوه الأدب والثقافة المصريين، آراءهم في ما جرى في الميدان المذكور، والحلول التي يرونها مناسبة للخروج من هذا المأزق العضوي الذي يواجه لا الثورة المصرية الوليدة فحسب، ولكن أيضاً معنى مصر التاريخي والثقافي والحضاري والمجتمعي. تجمع الأجوبة المنشورة أدناه على أن الإدانة اللفظية لم تعد تكفي، وعلى أن الهرب الى الأمام بات ضرباً من الانتحار الوجودي، وعلى أن الحل واضح وضوح الشمس: انهاء حكم البلطجية والأمن والفساد والقمع، والانتقال بمصر الى الدولة المدنية، بما يقتضيه ذلك من تغييرات جوهرية في الدستور والقانون المصريين. أجوبة الأدباء والكتّاب هذه، قد تكون معياراً قيمياً لما ينبغي لمصر وللمجتمعات العربية الثائرة أن تأخذ به، حماية للأمل، وصوناً للحرية والديموقراطية المأمولتين في العالم العربي الجديد.
 

 
*
 
كلنا مينا دانيال
أحمد يماني
 


"مينا دانيال" الناشط السياسي الشاب، أحد ثوار التحرير وأبطال الثورة، يتم قتله في مجزرة ماسبيرو المرعبة. في الصفحة التي أنشئت باسم "كلنا مينا دانيال" على غرار صفحة "كلنا خالد سعيد" الشهيرة، صورة لجثته على الـ"فايسبوك"، وهي غارقة في دمائها. وهناك صورة مقابلة لها لتشي غيفارا، كلاهما قتل في التاسع من تشرين الأول. الشبه كبير بين الصورتين، من الشعر الطويل إلى اللحية إلى افترار الثغر. غيفارا المصري كما يدعوه البعض الآن، هو الأيقونة الجديدة بعد خالد سعيد. الفارق أن الأيقونة الأولى دفعت بالثورة إلى الأمام بينما الثانية عادت بها عشرات الخطوات إلى الوراء. الفارق أنه في هذه المرة يتورط الجيش بعد تورط الشرطة من قبل. كانت ليلة من أسوأ ليالي مصر، تركت الجميع حزانى ومحبطين وبلا فهم لما يدور وهم يرون مشهد دهس المتظاهرين بمدرّعات الجيش. المشهد نفسه الذي تم على أيدي زبانية الداخلية أيام الثورة في بداية العام يعود من جديد. يعود أيضا الوجه الكئيب للتلفزيون الرسمي كأن شيئا لم يتغير ولم تقم ثورة في البلاد. التحريض على الفتنة حيث دعا "المواطنين" إلى "إغاثة" الجيش أمام "المتظاهرين"، إلى "إغاثة" الجنود العزّل". بكلمات أخرى تحريض المسلمين على المسيحيين، بل والشائعات الكاذبة عن قتل ثلاثة جنود على يد الأقباط وهو ما لم يحدث بالطبع. هل هناك احتقان طائفي في مصر؟ بالتأكيد، وسيظل قائما ما دامت أسبابه قائمة، ما دام هناك تمييز في خانة الديانة في البطاقة القومية، ما دام هناك نشر للكراهية والتعصب واحتقار الآخر ومعتقداته، وهذا يتسرب إلى جميع مناحي الحياة، الولاء للمسجد وللكنيسة بدلا من الدولة، المعبد مقابل الأمة. هناك أياد خفية خارجية تتربص بنا، هذا ما يقوله الجميع، لكن هناك أياد علنية أيضا هي أيادينا نحن، ففي النهاية نحن من يحرق ويدمر ويكره ويحرض على الكره. الثورة في حاجة إلى ثورات أخرى، ثورات في الوعي، في فهم طبيعة الدين والدولة والأمة، في تعايش اجتماعي لا يحتقر الآخر سواء نبع هذا الاحتقار من تعالٍ ديني أو سياسي.

 

*
 
حقوق الأقباط حقوقي
إبراهيم فرغلي


أنا مصري، وحقوق الأقباط حقوقي والتفريط فيها تفريط في اهداف ثورة 25 يناير: هكذا كتبت على صفحة الـ"فايسبوك" خاصتي مساء الأحداث الدامية التي شهدتها القاهرة أمام مبنى ماسبيرو (الإذاعة والتلفزيون). بينما كنت كتبت عقب اندلاع وقائع التوتر الطائفي التي شهدتها مصر في مطلع شهر كانون الثاني الماضي أن تلك الأحداث لن تكون الأخيرة، وبالتالي فخروج الأقباط للاعتصام والتظاهر في مصر بدا لي بديهيا وطبيعيا طالما أن الدولة تصر على منهجها التمييزي في التعامل مع المواطنين الأقباط بنص المادة الثانية من الدستور السابق للإعلان الدستوري القائم، بأن دين الدولة هو الإسلام، ومن خلال سياسة الدولة المستمرة منذ عهد الرئيس السابق المخلوع مبارك، والقائمة على إنهاء الوقائع الطائفية بعمل صلح بين الأطراف أيا يكن المخطئ، بدلا من تفعيل القانون ومحاكمة المجرمين وبشكل فوري وحاسم، وعبر مظاهر التمييز المستمرة في المجتمع التي تكرس لتحويل المجتمع فئتين تنعزل كل منهما عن الأخرى اجتماعيا وثقافيا على اساس ديني كما هو بديهي.
حتى اليوم لم تتم محاكمة اي شخص ممن اجترأوا على المسيحيين، ولم تتخذ الدولة خطوة في اتجاه محاكمة من قاموا بهدم الكنائس في فترة اعقبت الثورة، كما لم يتم اتخاذ اي خطوة لإقرار قانون دور العبادة الموحد، وبالتالي فكل الأسباب التي تدعو للاحتقان لا تزال موجودة كما هي، والفارق فقط هو زيادة حدة غضب الأقباط تجاه أي أخبار تتعلق بالاعتداء على مقدساتهم او عليهم.
هذه هي الحقيقة الأهم في كل ما حدث في موقعة ماسبيرو. وبدون أي تغير في هذه الحقائق سوف تتراكم كوارث من هذا النوع مرة ومرات، فمن حق الجميع أن يحموا مقدساتهم، بل وهو واجب الدولة ايضا وفي الأساس.
لكن ما يضاف إلى كارثة هذه المرة متغيرات منها أن الإعلام المصري الرسمي أثبت أنه بعد سنوات من السياسة الموجهة فقد معايير المهنية نهائيا بعد قيامه بالتحريض الطائفي على المتظاهرين الأقباط في سابقة هي الأولى من نوعها والتي تستوجب محاكمة وزير الإعلام المصري اسامة هيكل وليس فقط إقالته قبل إجراء حملة تطهير لهذا الجهاز الذي فقد صدقيته تماما.
كما قدمت الأحداث مجموعة من الرسائل المهمة وبينها أن هناك من اتباع النظام القديم من لا يزالون يراهنون على إبقاء الاوضاع على ما كانت عليه. البلطجية وانعدام الامن المتعمد من مصر، دلالتان كاشفتان، إضافة إلى دور اجنبي تمثل له الفوضى في مصر طموحا وهدفا اساسيا.
الأهم من هذا كله أن الأحداث قدمت للمجلس العسكري وللشعب المصري دليلا دامغا على فشله الذريع في إدارة المرحلة الانتقالية، وشددت الانتباه لجهة تأكيد انتقال السلطة الى المدنيين في اسرع وقت ممكن. وأعادت الى الائتلاف شباب الثورة وهجه الذي خفت كثيرا في الفترة الماضية والذي اثبت طوال مرحلة الثورة الأولى انه الصوت الأكثر وعيا ونقاء وثورية وينبغي له ألا يشحب حتى تتحقق مطالب هذه الثورة العظيمة، وفي مقدمها أن تصبح مصر دولة قانون وما يترتب عليه من استعادة الأقباط والمسلمين المصريين معا لكل حقوقهم المنقوصة في الحرية والعدل والكرامة.

 

*
 
نقطة سوداءلن تمحى بسهولة
منصورة عز الدين


كتبت احدى المشاركات في تظاهرة ماسبيرو، في شهادتها حول ما جرى، أن أسرة قبطية رجتها أن تظل بينهم لأنها مسلمة محجبة ووجودها سيمنع عنهم عنف الجيش. تُبكيني جملتهم المتوسلة للناشطة الشابة كلما أعدت قراءتها. كم تمنيت لو كنت معهم لحظتها كي أحتضنهم جميعاً وأتقاسم معهم محنتهم. كم هو مؤلم احساسهم بأن الجيش اعتدى عليهم ودهسهم بمدرعاته فقط لكونهم أقباطاً لا لأنهم مواطنون يتظاهرون سلمياً من أجل المطالبة بحقوقهم وبمنع التمييز ضدهم. شعور مرعب بالغبن والقهر يسيل من بين كلماتهم. بعد جمعة الغضب، وموقعة الجمل، يُضاف يوم دامٍ آخر إلى تاريخ جديد يكتبه المصريون بدمائهم من أجل الحرية والعدالة. لن أبالغ إذا قلت إن دلالات مقتلة ماسبيرو وتداعياتها أخطر بكثير من كل ما سبقها. أولاً لأنها المرة الأولى نرى فيها الجيش المصري يقتل المصريين بوحشية على الملأ بدلاً من أن يحميهم، مما يمثل نقطة سوداء لن تُمحى بسهولة. وثانياً لأن جريمة قتل المتظاهرين السلميين اكتست ببعد طائفي كون التظاهرة كانت للأقباط في الأساس. وثالثاً لأن الإعلام الرسمي المدلس مارس تحريضاً طائفياً مخزياً ضد التظاهرة والمشاركين فيها ببث أكاذيب وشائعات محرضة على العنف، وبمناشدة المواطنين المسلمين، بشكل صريح، النزول لحماية الجيش. أقل ما يجب فعله هو التحقيق فوراً في ملابسات هذه الجريمة، ومحاكمة المتورطين فيها دونما تباطؤ أو تواطؤ. والعمل على إصدار قانون دور العبادة الموحد، وقانون مناهضة التمييز الديني والتحريض الطائفي، وقانون اثبات تغيير الديانة أمام القضاء. ارساء دولة القانون هو الخطوة الأولى في مشوار طويل لتنقية مناهج التعليم ووسائل الإعلام من كل صور العنصرية سواء المعلنة أو المبطنة.

 

*
 
حرب أكتوبر الجديدة
محمد صلاح العزب
 


3 أيام فقط تفصل بين تاريخين مصريين مهمين، الأول: 6 أكتوبر، وفيه انتصر الجيش المصري على اليهود في سيناء، والثاني: 9 أكتوبر وفيه انتصر المجلس العسكري على المسيحيين في ماسبيرو، وقريبا الدور على المسلمين، حتى يتم القضاء على أتباع الديانات السموية الثلاثة نهائيا. انتظرونا.
النصر الأول مر عليه ما يقرب من 4 عقود، وما زلنا نحتفل به سنويا بأغنيات من نوعية: "بسم الله، الله أكبر، بسم الله، بسم الله". أما النصر الثاني فلم يمر عليه سوى أيام، ومع ذلك احتفل به الكثيرون من مخدوعي التلفزيون المصري الرسمي بهتافات من نوعية: "بسم الله، الله أكبر، بسم الله، بسم الله"، حيث صوّر الإعلام الرسمي ما حدث باعتباره حربا دينية يريد فيها الطرف المتطرف الإرهابي الصليبي المسيحي الاعتداء على الجيش المصري بكامل عدته وعتاده، مما "أجبر" الجيش على خوض الحرب ضد جيش المسيحيين ودهسهم بمدرعاته، وبالمرة اقتحم مقر قناتي 25 يناير والحرة واحتجز كل العاملين فيهما.
في يوم 28 يناير نزل الجيش إلى ميدان التحرير بعد انسحاب الشرطة زاعما أنه يحمي الثورة المصرية، وحاول المصريون استئناسه بالهتاف الشهير: "الجيش والشعب إيد واحدة"، وتناقلت الصحف والقنوات صور أحضان الجنود والمواطنين من دون أي تدخلات رقابية، لدرجة نشر صورة شهيرة لمواطن يقبل جنديا في فمه تلك القبلة التي يطلق عليها اصطلاحا "فرينش كيس".
المؤامرة في مصر الآن مفضوحة تماما، فتِّش عن الجيش الذي يريد بث الرعب والفتنة في قلوب المواطنين لإقناعهم بأنه الدرع الحامية لهم، من أجل الاستمرار في الحكم. وفتِّش عن الإعلام الرسمي الذي طالب المسلمين بالنزول لحماية الجيش من المسيحيين. وفتِّش عن أذيال مبارك المنتشرين في كل مكان، وفتِّش عن المشير طنطاوي ببدلته العسكرية ونظيرتها المدنية.
المفارقة التي لم يتوقف أمامها أحد، هي أن المصريين الذين حرصوا على التقاط الصور بجوار المدرعات العسكرية في أيام الثورة، هم أنفسهم الذين دهستهم هذه المدرعات بعدما التهم المجلس العسكري الثورة، والغريب أنهم في الحالتين كانوا يبتسمون للكاميرات، فليس المهم أن يكون جسد المواطن بجوار المدرعة أو أسفل عجلاتها، لأن روحه في الحالتين ترفرف في السماء، المهم أن تبقى مصر فوق الجميع.

 

*
 
بلطجية النظام بيننا
نجاة علي
 


نظام مبارك لا يزال يحكم مصر! هذا ما قلته لنفسي يوم موقعة ماسبيرو. للأسف بسبب ظروف العمل، تخلفت عن الذهاب مع أصدقائي المسيحيين والمسلمين في حي شبرا في تظاهرة خرجت هناك من دوران شبرا في اتجاه ماسبيرو، اعتراضا على هدم كنيسة المارينا وتصريحات محافظ أسوان التي بلغت حد الحماقة في الإساءة إلى إخواننا المسيحيين. وصلت متأخرة إلى ميدان التحرير على أمل أن ألحق بالتظاهرة لكنني فوجئت بصوت مذيع قناة النيل للأخبار من أحد التلفزيونات يعلن مقتل ثلاثة من جنود الجيش وإصابة البعض منهم، ويحرض الناس على النزول لحماية الجيش من مهاجمة الاقباط، ويبث صورا لبلطجية يحرقون ويسحلون جنود الشرطة العسكرية ويحرقون عربات الامن المركزي وعربات الجيش!
لم أصدق طبعا المشاهد التي يبثها التلفزيون المصري، لأني أعرف أنه لم يتم تطهيره بعد من ذيول النظام السابق، وما زلت أذكر أثناء ثورة 25 يناير كيف كان التلفزيون يحرض على قتل الثوار ويصورهم باعتبارهم عملاء وخونة، ويلفق الحكايات غير المنطقية والمضحكة في جانب منها عن التظاهرات في التحرير باعتبارها مؤامرة خارجية على مصر، أطرافها أميركا وإسرائيل وقطر وإيران. هكذا وحد ميدان التحرير الأعداء! في تصوري الشخصي أن ما يحدث في مصر الآن ليس فتنة طائفية، بل فتنة وطنية يريدها البعض ممن يرغبون في إحداث الفوضى في مصر وجرها إلى ما يشبه الحرب الأهلية حتى يجعل الناس تتمنى عودة مبارك وتكفر بالثورة المصرية. كلنا نعرف أن نظام مبارك كثيرا ما استخدم ورقة الفتنة الطائفية لإلهاء المصريين عن فساد حكمه. ليس أدل على ذلك من اكتشافنا بعد ثورة 25 يناير أن حبيب العادلي وزير الداخلية الاسبق هو من كان وراء حادثة تفجير كنيسة القديسين بالاسكندرية في مطلع السنة الحالية.
أظن أن المصريين بطبيعتهم متسامحون وليس لديهم تعصب طائفي ولا نوازع لهذا الأمر. ليس أدل على ذلك من أن أيام ثورة يناير المجيدة، كانت الكنائس وحتى المعبد اليهودي بدون حراسة ولم يعتدِ عليها أحد. ما زلت أذكر بشيء من الفرحة أيضا حينما سرت في جمعة الغضب 28 يناير من حي المعادي إلى التحرير، كيف جعل المسيحيون- في مشهد رائع- من أنفسهم دروعا بشرية للمسلمين حينما قرروا الصلاة حينما حانت صلاة العصر. لذلك أظن أن جهاز أمن الدولة لا يزال موجودا ويعمل بكامل قوته ويستخدم السيناريو المتكرر لإفشال الثورة المصرية وهو من يدير مسلسل الفتنة الطائفية بالطريقة التي كانت في عهد مبارك، وأعتقد أنه أرسل بلطجيته الذين اندسوا بين المتظاهرين السلميين لاستفزاز الجيش، وجعل البلطجية يطلقون النار من فوق كوبري 6 أكتوبر وهو ما تسبب في اشتعال الفتنة.
للأسف، يتحمل المجلس العسكري مسؤولية ما حدث. هو جزء من النظام السابق، يفكر بطريقته، لا يريد أن يسلم السلطة سريعا إلى سلطة مدنية خوفا على امتيازاته التي ربما يفقدها إذا لم يعد في الحكم.

 

*
غويا في ميدان التحرير
محمد العشري
 


مشهدان داميان يخرجان المرء من الزمن، ويلقيان به في طبقات التاريخ البعيد، ولا يمكن أن تفر الذاكرة من أمامهما من دون أن تتوقف، لتتأمل وهي ملطخة بالدماء الساخنة والإنسانية التي أريقت في سبيل أمرين لا غنى عنهما للإنسان عبر تاريخه الطويل (الحرية والعبادة). كان الفنان الإسباني غويا راصداً ماهراً في لوحاته لجوهر المأساة في معانة الشعب الأسباني خلال احتلال فرنسا لإسبانيا لثماني سنوات، رسم خلالها اثنتين وعشرين لوحة عن المقاومة والحرب، أشهرها "هجوم المماليك"، و"إعدام الثوار" وهما لوحتان من أضخم أعمال التصوير في القرن التاسع عشر، أعادتهما الأحداث الأخيرة في مصر إلى الحياة من جديد في مشهدين مماثلين، مشهد أول: الحرية. تلك كانت أحداث ما سُمي بـ"موقعة الجمل" في ميدان التحرير، حيث اشتعلت ثورة 25 يناير في مصر، من أجل إسقاط النظام الديكتاتوري المصري والقضاء على خطة توريث الإبن. وأطلق النظام "الساقط" وفلوله الدواب والخيول والجمال والأحصنة وراء الثوار لسحقهم والقضاء عليهم، وقُتل الكثيرون تحت أقدام الحيوانات التي دفعت دفعاً في معركة ليست لها، ووجدت أمامها وتحت حوافرها كائنات رهيفة، لا تحمل سلاحاً ولا تحارب. شباب ثائر، يردد هتافاته المدوية، ويتكاتف بحماسته وهو لا يريد أكثر من أن يستنشق حريته ويعيش إنسانيته بكرامة في وطن كبير بحجم التاريخ الذي يحمله في طبقاته وخلاياه. مشهد يعيد إلى الذاكرة لوحة غويا "هجوم المماليك" المرسومة في عام 1808. وهو ما يشير إلى أن مبارك ونظامه كان خارج الزمن، ولا يزالون يعيشون في الماضي، في حقبة يفصلنا عنها أكثر من مائتي عام.
مشهد ثان: العبادة. في الأمس القريب يبدو أن الدراما الهزيلة في مبنى ماسبيرو الكائن على شاطئ النيل بالقرب من ميدان التحرير قررت أن تخرج خارج المسلسلات التلفزيونية الردئية، التي ينتجها التلفزيون المصري منذ سنوات، وأن تنزل إلى الشارع أمام المبنى وتصبح أكثر وحشية ودموية، وأن تركب المدرعات الحربية وتنطلق في لقطة خارج كادر الإنسانية، حيث اجتمع الآلاف من الشباب الثائر للتعبير عن رفضه في هدم كنيسة في صعيد مصر، يؤدي فيها المسيحيون صلواتهم. ما الذي منع الحكومة والمجلس العسكري من أن يستجيبا للجنة التي بحثت ونقبت وأوصت بضرورة الإستجابة للمطالب فوراً، قبل أن يحدث ما حدث، كما أعلنت إحدى عضواتها ذات المواقف الإنسانية المشرفة المستشارة نهي الزيني عبر وسائل الإعلام؟ لكن شئياً من ذلك لم يحدث، وحدث أن تجردت الآلة العسكرية من إنسانيتها، وأصبحت كتلاً حديدية، بلا قلب أو روح، انطلقت تدهس الشباب، وتقتل المطالبين بالإعتراض على هدم دار للعبادة. قُتل أربعة وعشرون متظاهراً، وجُرح المئات في مشهد حي، يستدعي على الفور لوحة غويا "إعدام الثور" المرسومة في عام 1814. كأننا لا نزال نعيش خارج التاريخ. كأن ما أحدثته الثورة من تغيير اعترف به العالم، لا يعترف به شيوخ الحكومة الحالية والمجلس العسكري الذي يحمي أبناءه في كل مكان. تظل الحسرة تملأ القلب حزناً وهماً على أرواح الشباب الشهداء "المسيحيين" على باب ماسبيرو.

 

 

 

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,301,053

عدد الزوار: 6,986,445

المتواجدون الآن: 66