المسألة الجديدة: سوريا الكبرى أم الصغرى؟

تاريخ الإضافة السبت 21 أيار 2011 - 5:43 ص    عدد الزيارات 829    التعليقات 0

        

المسألة الجديدة: سوريا الكبرى أم الصغرى؟
مأمون كيوان

 


 
شهد العقد الأخير من القرن التاسع عشر ظهور ما عُرف باسم المسألة اليهودية التي طًرحت لحلها حلول عدة منها الحل الصهيوني والحل النازي، وكان تصريح بلفور تكريساً للحل الصهيوني· وفي العقد الأول من القرن العشرين شكلت وثيقة كامبل بنرمان واتفاقية سايكس بيكو حلاً مركباً - مزدوجاً للمسألة الشرقية أو ما عُرف باسم رجل أوروبا المريض·

ونجم عن حل المسألة الشرقية ظهور المسألة السورية، وتحديداً في ظل الحرب العالمية الثانية· ونظراً لكون سوريا منذ القدم هي مفتاح السيطرة على الشرق· وتمثلت المسألة السورية في عملية فك وتركيب خريطة بلاد الشام وتحديداً ما سمي سوريا الكبرى (وفيها فلسطين ولبنان)· وكانت بلاد الشام في بداية الحرب العالمية الأولى، تنقسم إلى ثلاث ولايات وثلاث متصرفيات مستقلة· كما أمر الجنرال البريطاني اللنبي بتقسيم البلاد إلى ثلاث مناطق عسكرية، فتكوّنت منطقة الجيش البريطاني من القسم الساحلي الجنوبي من بلاد الشام، وضمت متصرفية القدس المستقلة، مع متصرفيتي نابلس وعكا· بينما تكوّنت منطقة الجيش الفرنسي من متصرفية لبنان القديمة، مع بيروت وصيدا وصور جنوبا، وطرابلس واللاذقية شمالاً· وأما منطقة الجيش العربي فتكوّنت من الأقسام الداخلية من بر الشام ، من شمال حلب حتى جنوب معان وضمت أقسام ولاية سوريا ومتصرفية دير الزور ومركز حلب والأقضية التابعة للمركز·

وأنشأت فرنسا في البلاد - بين سنة 1920 وسنة 1922 - ست وحدات سياسية، أضفت على كل واحدة منها صفة> المستقلة <لكونها مستقلة عن غيرها من البلاد السورية، ولو كانت خاضعة لسيطرتها، وهي: أ- دولة لبنان الكبير التي تكوّنت من متصرفية جبل لبنان القديمة، مضافاً إليها بيروت، مع صيدا وصور جنوباً، وطرابلس الشام شمالاً، والأقضية الأربعة شرقاً· ب- حكومة اللاذقية المستقلة· ج- سنجق الاسكندرون: تكوّن من قضاءي اسكندرون وانطاكية· د- حكومة جبل الدروز المستقلة· هـ- دولة دمشق: تكوّنت مما تبقى من ولاية سوريا القديمة، بعد فصل جبل الدروز وشرق الأردن، والأقضية الأربعة منها· كما أنشأت فرنسا اتحاداً بين الدول السورية المستقلة المؤلفة من دولة حلب ودولة دمشق وأراضي العلويين·

وبالرغم من تكريسها لمبدأ <فرّق تسد>، عانت فرنسا من تعقيدات المسألة السورية إلى درجة دفعت المؤرخ ميشيل كرستيان دافيه نحو القول في كتابه <المسألة السورية المزدوجة>: <سوريا بالنسبة للجنرال ديغول انطلاقاً من الدعوة ومروراً بالانفصال هي أرض ملعونة ليس فيها سوى فاكهة مرة· إنها الوجه الآخر لميدالية براقة>·

وجرى حل هذه المسألة في سياق حل المسألة العربية، أي بموجة استقلالات ومعاهدات أنتجت دولاً وكيانات سياسية ملكية وجمهورية سرعان ما انضوت تحت مظلة جامعة الدول العربية· ومن المعروف أن ممثلين عن العراق، سوريا، لبنان، الأردن، السعودية، اليمن ومصر وضعوا <ميثاق الجامعة العربية> الذي يهدف إلى تمتين العلاقات بين الدول الأعضاء وتنسيق نشاطاتها السياسية·

وكان حل المسألة السورية حلاً جزئياً وناقصاً من حيث شكله وجوهره، وارتباطه بحل المسألة اليهودية على حساب أحد مكونات المسألة السورية المتمثل جغرافياً وديمغرافياً بما سمي سوريا الجنوبية أي فلسطين، والفلسطينيون· فظهرت المسألة الفلسطينية بتداعياتها الأيديولوجية وانعكاساتها على التحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية على الخرائط الجيوبوليتيكية لشرق المتوسط· وتمثلت تلك التداعيات والتحولات بصعود الجنرالات إلى سدة السلطة في عدد من الدول العربية عبر انقلابات بيضاء، وصعود المد القومي في عدد من البلدان العربية الرئيسة، لكن سرعان ما دب الشقاق والنفور بين تياراته من بعثيين وناصريين، وكان فشل تجربة الوحدة السورية - المصرية مؤشراً على تجدد المسألة السورية حيث كان <الاستقلال> السوري <الثاني>·

وإذا كان الصراع على سوريا هو السمة الرئيسة لمرحلة ما بين الاستقلالين: الأول عن فرنسا والثاني عن مصر بمباركة جيل المؤسسين في حزب البعث، ويمثل في الوقت نفسه مرحلة تالية في المسألة السورية، فإن حقبة حكم البعث لسورية الطويلة، وعلى نحو خاص في عهد الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، كانت تنزع نحو الاستقرار السياسي ودخول سوريا في معترك الصراع على الشرق الأوسط· وهو الصراع الذي مر بالمراحل أو المحطات التالية:

المحطة الأولى، كانت حرب العام 1973 بنتائجها السياسية التي توجت بخروج مصر من دائرة الصراع في الشرق الأوسط طلباً للسلام والانفتاح الاقتصادي·

المحطة الثانية، اندلاع الحرب في وعلى لبنان عام 1975 بفصولها الرئيسة ممثلة بالاجتياح العسكري الإسرائيلي عام 1982 واتفاق 17 أيار 1983 مروراً باتفاق الطائف والانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان العام 2000 وصولاً إلى اتفاق الدوحة·

المحطة الثالثة، تمثلت في حروب الخليج الأولى والثانية والثالثة التي حملت التسميات التالية: الحرب العراقية - الإيرانية 1978 وحرب تحرير الكويت 1991 وحرب تحرير العراق 2003·

المحطة الرابعة، كانت استجابة لتحولات دولية كبرى من طراز انهيار الاتحاد السوفياتي السابق وانتهاء الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي وارهاصات تبلور نظام دولي جديد وحيد القطب أي تحت قيادة الولايات المتحدة الأميركية التي دعت إلى مؤتمر مدريد للسلام الذي أنجب معاهدة سلام بين الأردن وإسرائيل ومتاهات ماراثونية لاتفاقات بين إسرائيل وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية كان حصادها اخماد الانتفاضة الفلسطينية الثانية، وسلطتان متنازعتان·

وترافقت تلك المحطات بمحطات من التحولات الداخلية السياسية والاقتصادية والاجتماعية السورية، بدءاً من عام 1970 حيث حُسمت الخلافات السياسية والايديولوجية الرئيسة بين القيادتين القومية والقطرية لحزب البعث التي تمحورت حول العلاقات بين العسكريين والمدنيين، فتم وضع دستور جديد واعتماد <الديمقراطية الشعبية> وتشكيل جبهة وطنية تقدمية، ومروراً بتحديات داخلية من خارج السلطة ولاحقاً من داخلها، ومحاولات لتجسيد نظرية التوازن الآستراتيجي لمواجهة إسرائيل·

وكنتيجة رئيسة لتلك المحطات المتداخلة مع بعضها البعض انخفض بارومتر الدور السوري في الصراع في وعلى الشرق الأوسط إلى حدود <الممانعة> التي عكست حالة من الاختلال في التوازن بين الركائز الأساسية للدور المفتاحي لسوريا في الشرق الأوسط، المتمثلة في الموقع الجيوبوليتيكي والدور التاريخي لدمشق، والبنية الاجتماعية - الاقتصادية وتوافر متطلبات عملية تنموية - نهضوية قادرة على الانسجام مع مقتضيات عصر الحداثة والدمقرطة·

وكان أمراً طبيعياً وفي سياق حركة التسونامي السياسي العربي المعبّرة عن وجود ضرورة موضوعية وتاريخية لمشاركة شعبية في عملية صياغة مستقبل الكيانات السياسية العربية، جاءت الأحداث الأخيرة في سوريا المتزامنة مع مجريات الحراك السياسي الشعبي العربي الذي شمل بأشكال مختلفة دولاً مجاورة لسوريا، وسيناريوهات أفاقها المستقبلية المُحتملة احتمالات لتشير إلى توافر إمكانية إعادة إنتاج المسألة السورية التي قد يترتب عليها تشكل تضاريس خريطة سياسية جديدة للمنطقة قد لا تأخذ شكلاً تقسيمياً منشوداً من جهات إسرائيلية تعتقد أن <الثورات والحروب في الدول العربية لن تؤدي فقط إلى تغيير الأنظمة، بل والى إعادة تصميم خريطة المنطقة· وفي السنوات القريبة المقبلة وستظهر على خريطة المنطقة أعلام دول مستقلة جديدة، مثل: جنوب السودان، كردستان، فلسطين، الصحراء الغربية ، جنوب اليمن المستعاد وإمارات في الخليج تنفصل عن الاتحاد· ويحتمل انشقاق في السعودية، وانشقاق سوريا إلى دول عدة·

وفي مقلب آخر، ربما يتبلور جهد شعبي وحدوي- ديمقراطي ? نهضوي ? تنموي، لا يشكل استنساخاً لمشروع سورية الكبرى، لا يتطلب ذلك إعادة إنتاج لكتاب <أزرق> أو <أصفر> أو <أبيض> أو <أخضر> و قد لا يتطلب انتظاراً لقدوم بسمارك عربي جديد على طريقة <غودو> أو المهدي المُنتظر·

 كاتب سوري·

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 154,033,309

عدد الزوار: 6,931,543

المتواجدون الآن: 97