الاحتجاجات الشعبية في شمال أفريقيا والشرق الأوسط (3): الثورة البحرينية

تاريخ الإضافة السبت 16 نيسان 2011 - 5:20 م    عدد الزيارات 888    التعليقات 0

        

الاحتجاجات الشعبية في شمال أفريقيا والشرق الأوسط (3): الثورة البحرينية

 

 

 

ملخص تنفيذي

يمثل القمع للمتظاهرين في المنامة والتدخل العسكري السعودي في البحرين تحركات خطيرة من شأنها أن تقضي على أي أمل في التحول السلمي في البحرين وتنقل الأوضاع من حركة شعبية مطالبة بالإصلاحات الديمقراطية إلى صراع مسلح، وفي ذات الوقت تحويل صراع سياسي داخلي إلى صراع إقليمي. كما أن من شأنها أن تفاقم من التوترات الطائفية ليس فقط في البحرين أو الخليج فقط بل في المنطقة بأسرها. ويبدو أن السعودية، إضافة إلى أعضاء آخرين في مجلس التعاون الخليجي، تستجيب إلى مخاوف مزدوجة. يتمثل الجانب الأول من هذه المخاوف في إمكانية أن تُفضي الانتفاضة الشعبية إلى استيلاء الشيعة على السلطة، واما الجانب الاخر فيتمثل في أن يفضي ذلك في المحصلة إلى إحكام السيطرة الإيرانية. في الواقع فإن كلا هذين الافتراضين لا أساس له. كما أن السعودية تخشى أن هذه الاحتجاجات يمكن أن تُلهم تحركات مماثلة بين الشيعة السعوديين في المنطقة الشرقية، ناسية أن تدخلها بحد ذاته يمكن أن يشكل استفزازاً لمثل تلك الاحتجاجات لا رادعاً لها. إن القمع الوحشي الذي مارسته البحرين والتدخل السعودي فيها يصبّان زيتاً على نيران تحاول كلاهما إخمادها. إن الرد الأكثر فعالية على التهديد بالتغيير الجذري للنظام أو بتنامي النفوذ الإيراني ليس في القمع العنيف للمتظاهرين المسالمين بل بإجراء إصلاحات سياسية. ليس هناك الكثير من الوقت للقيام بذلك، وتبدو الأمور سائرة في الاتجاه الخطأ.

لقد كانت هذه المملكة الصغيرة ولوقت طويل موطناً للتحركات الشعبية. ويعود ذلك جزئياً إلى الانفتاح النسبي لمجتمعها – وهو نسبي، مقارنة بالمعايير المتدنية لجيرانها المباشرين – وجزئياً إلى حرمان الأغلبية الشيعية من مواطنيها من حقوقهم على يد عائلة مالكة سنيّة. لقد نجم عن عدد من الانتفاضات المتقطعة تقدم ضئيل في توسيع الحلبة السياسية. وبدلاً من ذلك، فقد اتُهم النظام باستقدام مسلمين سُنة من بلدان إقليمية أخرى، بما في ذلك بلدان غير عربية مثل الباكستان، وتوظيفهم في قوات الأمن ومنح عدد غير محدود منهم الجنسية البحرينية. ونظراً لوجود هذه السياسة، فإن المعارضة الشيعية في الغالب كان من حقها أن تشجب هذا التلاعب بالتركيبة الديمغرافية الذي من الواضح أنه يهدف إلى إدامة أوضاع لا تحقق المساواة.

الشباب البحريني، الذي تأثر بالمحتجين في تونس ومصر، والذي طفح به الكيل من الاستمرار في السياسات القائمة، نزل إلى الشوارع في 14 شباط/فبراير؛ وبعد أسبوع من المناوشات مع قوات الأمن، احتل دوّار اللؤلؤة، في قلب العاصمة. وخلال الأسابيع الثلاثة التالية انضم إلى احتجاجات الشباب مجموعات من المعارضة القانونية – بمعنى أنها حاصلة على ترخيص للعمل – وغير القانونية. وبمرور الوقت، وسّعت مجموعات المعارضة المختلفة هذه، والحركات السياسية الناشئة وغيرهم من الشباب الذين ليس لهم انتماءات سياسية من سيطرتهم على الشوارع سواء في المنامة أو في بلدات وقرى أخرى ووضعوا مجموعة من المطالب التي تتراوح بين الإصلاحات السياسية والدستورية والمطالبة المباشرة بتغيير النظام. وقد كانت احتجاجاتهم غير عنيفة بشكل عام.

في البداية رد النظام على المحتجين بالقوة، وفتح النيران على المتظاهرين في دوّار اللؤلؤة وسمح للبلطجية الموالين للنظام بمهاجمتهم. واستجابة للضغوط، بشكل أساسي من الولايات المتحدة، سمح بقيام المظاهرات السلمية. لكن فترة ثلاثة أسابيع من النقاشات التي أجريت خلف الكواليس واستمرار المظاهرات غير العنيفة نسبياً فشلت في التوصل إلى أية خطوات ذات معنى نحو التغيير. وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس الذي زار المنامة في 12 آذار/مارس، انتقد النظام على ما أسماها "بالخطوات الضئيلة" نحو الإصلاح.

هذا المأزق الواضح، مصحوباً بالتكتيكات الأكثر ابتكاراً للمحتجين ورؤية الرياض بأن حماية النظام كانت خطاً أحمر، يرجح أنها أفضت إلى تدخل شركاء البحرين. في 14 آذار/مارس، واستحضاراً للاتفاقية الأمنية لمجلس التعاون الخليجي، عبر حوالي ألف جندي سعودي الجسر الذي يربط السعودية بالبحرين مرفقين مع حوالي 500 شرطي من الإمارات العربية المتحدة وبعض الجنود القطريين. في اليوم التالي، عبرت عشرات الدبابات وأكثر من مئة شاحنة عسكرية، إضافة إلى ناقلات الجنود المصفحة، إلى البحرين. واختفت جميعها في الثكنات غير المرئية للمواطنين البحرينيين. غير أن التحذير كان واضحاً إما أن تتوقفوا أو أننا سنجعلكم تتوقفون. وأتبع الملك حمد بن عيسى آل خليفة استعراض القوة هذا بإعلانه عن "حالة السلامة الوطنية"، بما في ذلك حظر تجول جزئي، وحظراً على التجمعات ومنح سلطات واسعة للجيش. خلال الاحتجاجات التي تلت في اليومين التاليين، هاجمت قوات الأمن البحرينية والبلطجية الموالين للنظام والمسلحين بالسيوف والعصي المتظاهرين في سائر أنحاء المملكة، وقتلت سبعة أشخاص في الأيام الثلاثة الأولى وجرحت العديد غيرهم. ومنذ ذلك الحين تم سجن قادة المعارضة.

التدخل السعودي دفع بقادة أكبر مجموعات المعارضة البحرينية، "الوفاق"، إلى القول بأن الحوار لن يكون ممكناً طالما ظلت القوات الأجنبية على التراب الوطني. كما أنها ولدّت رداً مباشراً من إيران، التي وصفت التحرك بأنه تدخل غير مقبول في الشؤون الداخلية للبحرين. وهذا ما وضع الولايات المتحدة، حليفة البحرين، في موقف محرج، ما دفع وزيرة الخارجية الأمريكية إلى وصف التطورات بأنها "مرعبة". ومما لا شك فيه فإنها أدت إلى تنفير الأغلبية الشيعية في البحرين – حيث قدم العديد من المسؤولين الشيعة استقالاتهم احتجاجاً – وأدت أيضاً إلى تزايد تعاطفهم مع طهران. ويمكن القول أن ذلك ألهب أيضاً مشاعر السكان الشيعة في السعودية. في العراق، منح آية الله العظمى علي السيستاني، المرجع الديني الشيعي الأعلى، دعمه للاحتجاجات السلمية في البحرين، مما أدى إلى مظاهرات شيعية تضامناً مع إخوانهم البحرينيين، في العراق والكويت وفي المنطقة الشرقية من السعودية، التي يقطنها عدد كبير من السكان الشيعة. باختصار، فإن هذا التدخل قد حقق على الأرجح عكس ما كان يهدف إليه.

لقد جعل التدخل العسكري والموقف المتشدد الذي اتخذته البحرين بعد ذلك من التوصل إلى حل سلمي للأزمة السياسية للبلاد أكثر صعوبة بكثير وجعل السياق الإقليمي أكثر توتراً. فمن غير الواضح كيف يمكن استئناف حوار سلمي ذي معنى، غير أن مثل ذلك الحوار كان ينبغي أن يبدأ منذ وقت طويل ويظل ضرورة مطلقة. وبالنظر إلى المستويات الكبيرة من عدم الثقة، يبدو أن تدخل طرف ثالث يحظى بالمصداقية لتيسير قيام مثل ذلك الحوار أمر جوهري وعاجل. وسيكون الهدف وضع خطة لإجراء إصلاحات تدريجية لكن جوهرية تؤدي إلى إقامة ملكية دستورية، مع سلطات برلمانية حقيقية ومعالجة التمييز الطائفي. في هذا السياق، ينبغي على السعودية ودول الخليج التي شاركت في إدخال قواتها إلى البحرين أن تسحب قواتها الأمنية ومعداتها من الجزيرة. وينبغي أن تستمر الاحتجاجات باستعمال الوسائل السلمية للتعبير عن المظالم والمطالب وأن توافق على التفاوض مع النظام.

بالنسبة للولايات المتحدة، القلقة بشأن علاقتها مع السعودية ومع مجلس التعاون الخليجي، فينبغي أن تفهم رغم ذلك بأن القمع في البحرين لن يكون في مصلحتها أو مصلحة أيٍ من حلفائها على المدى البعيد. إن تاريخ البحرين في مرحلة ما بعد الاستعمار يُعطي بعض الأمل في احتمال قيام الحوار والتوصل إلى تسوية، حيث ورغم مشاكل البلاد الواضحة فإنها عرفت درجة من التعددية ومجتمعاً مدنياً حيوياً. غير أن نافذة الفرصة تقفل بسرعة.

هذا التقرير، هو الثالث من سلسلة متتابعة من التقارير تـُحلل موجة الاحتجاجات الشعبية في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، تصف خلفية ومسار الانتفاضة الحالية، وتعرض كذلك للاعبين الرئيسيين في البحرين، ومصالحهم ومواقفهم.

بروكسل، 6 نيسان/إبريل 2011

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,745,954

عدد الزوار: 6,912,369

المتواجدون الآن: 104