الاحتجاجات الشعبية في شمال أفريقيا والشرق الأوسط :( II ) اليمن بين الإصلاح والثورة

تاريخ الإضافة الجمعة 18 آذار 2011 - 5:57 ص    عدد الزيارات 897    التعليقات 0

        

الاحتجاجات الشعبية في شمال أفريقيا والشرق الأوسط :( II ) اليمن بين الإصلاح والثورة

Middle East/North Africa Report N°10210 مارس 2011

 

 

الملخص التنفيذي

حتى قبل أن تصل موجة الاحتجاجات الشعبية التي نشأت في تونس ومصر إلى اليمن، واجه نظام الرئيس علي عبد الله صالح تحديات هائلة؛ ففي الشمال، يواجه التمرد الحوثي، وفي الجنوب حركة انفصالية متنامية.  ويظهر تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية علامات متزايدة على نشاطه.  الطبقة السياسية في صنعاء عالقة في معركة منذ عامين حول الإصلاحات الانتخابية والدستورية؛ أما وراء الكواليس، فهناك منافسة شرسة على غنائم حقبة ما بعد صالح.  تزداد الأوضاع الاقتصادية لليمنيين العاديين سوءاً.  ثمة مخاوف من احتمال أن تدفع حركة الاحتجاج غير المسبوقة البلاد إلى حافة الهاوية وتطلق العنان لحرب أهلية.  ولكنها يمكن أيضاً أن تكون، وينبغي أن تكون، بمثابة دعوة للاستيقاظ وحافزاً لإجراء إصلاحات سياسية سريعة وبعيدة المدى، تفضي إلى تقاسم حقيقي للسلطة،  وتطوير مؤسسات تمثيلية خاضعة للمساءلة.  ويتعين على المعارضة وأعضاء الحزب الإصلاحيين ونشطاء المجتمع المدني أن يعملوا معاً وبجرأة لتحقيق ذلك.  أما المجتمع الدولي فيتمثل دوره في

تشجيع الحوار الوطني، وإعطاء الأولوية للمساعدات السياسية والاقتصادية وضمان عدم استخدام المساعدات الأمنية لقمع المعارضة.

كانت أحداث تونس ومصر مصدر إلهام وفاقت سرعتها وامتدادها الجغرافي الخيال.  تمثل تأثيرها في اليمن في تحويل طبيعة التعبئة الاجتماعية، وطبيعة المطالب الشعبية والحسابات الاستراتيجية للنخب.  لقد منحت الأحداث الجرأة لجيل من النشطاء الذين قلدوا بشكل واع أساليب إخوانهم ومطالبهم، حيث خرجوا إلى الشوارع يطالبون علناً بالإطاحة بصالح وتغيير النظام – وهي التطلعات  التي دعمها كثيرون بصمت ولكن قلة تجرأت على التصريح بذلك علناً.  في البداية، وقفت المعارضة الرسمية، والزعماء القبليين ورجال الدين موقف المراقب.  ولكن مع التنامي المضطرد للاحتجاجات - ومع لجوء قوات أمن النظام إلى العنف المفرط - حاولوا اللحاق بالركب و تبنوا بعض مطالب المتظاهرين الأكثر طموحاً.

كان رد النظام، الذي أُخذ على حين غرة، مختلطاً.  فقد استخدم أساليب قاسية، لا سيما في الجنوب  حيث ضرب النشطاء وضايقهم وحتى قتلهم.  وحسب معظم الروايات، فإن أنصاره قادوا العمليات ضد المتظاهرين فنزلوا إلى الشوارع باللباس المدني مستخدمين العصي، والسكاكين والبنادق لتفريق المتظاهرين.  أما الشرطة وقوات الأمن فقد فشلت، في أحسن الأحوال، في حماية المتظاهرين؛ أما في أسوئها، فقد شجعت القمع أو شاركت به.  وتشكّل أحداث 8 آذار/مارس، عندما استعمل الجيش الرصاص الحي ضد المتظاهرين، تصعيداً مقلقاً.  

النظام أيضاً حشد أنصاره ونظّم مظاهرات حاشدة مضادة.  ومن المرجح أن يكون البعض قد شارك تحت تأثير الإغراءات المالية، إلاّ أنه من الخطأ تجاهلهم  بسهولة.  فما زال صالح  يتمتع بتأييد حقيقي ولد من رحم  الولاءات القبلية وترعرع  من خلال نظام محسوبية متأصل يتغذى على توزيع المنافع.  كما أنه يستفيد من منبع للشرعية السلبية نظراً لعدم وجود زعيم بديل معروف أو يحظى بالشعبية.  وأخيراً، فقد أُجبر الرئيس على اتخاذ سلسلة من التنازلات غير المسبوقة، لاسيما فيما يتعلق بالقيود التي تحدد الولاية الرئاسية والتوريث.

يبدو أن أياً من هذه الأساليب لم ينجح.  ارتد العنف إلى مصدره مثيراً غضب حركة الشباب ومجتذباً المزيد من المؤيدين إلى جانب المحتجين.  لاقت جهود النظام لحشد المؤيدين بعض النجاح، ولكن في كل يوم نرى المزيد من الانشقاقات عنه من قبل بعض ركائز دعمه التقليدية، بما في ذلك شيوخ القبائل ورجال الدين.  كما يُنظر إلى تنازلات صالح، مهما كانت مثيرة للإعجاب بالنسبة له، على أنها غير كافية وغير جدير بالثقة على حد سواء من قبل المحتجين الذين ما زالوا يتظاهرون بأعداد كبيرة.

ماذا بعد ذلك؟  من السهل أن ننظر إلى تونس والقاهرة ونتوقع سقوطاً سريعاً للنظام.  وهناك بالفعل بعض الخصائص المشتركة؛ فاليمنيون يعانون من الفقر، والبطالة وتفشي الفساد حتى أكثر من التونسيين أو المصريين.  فإذا كان التفاوت الاقتصادي والظلم مقياسين يمكن الاعتماد عليهما للتنبؤ  بالاضطرابات، فإن لدى النظام اليمني ما يدفعه للقلق.  وكما في الحالتين التونسية والمصرية، تمكّن المتظاهرون من تكثيف مطالبهم إلى المطالبة بالرحيل غير المشروط للرئيس.  كما أنهم يظهرون مرونة ملحوظة وقدرة على توسيع نطاق انتشارهم في مواجهة الإجراءات المضادة التي يتخذها النظام.

ومع ذلك، فإن اليمن ليس مصر ولا تونس (لكن حتى مصر لم تكن تشبه تونس، وهذا ما يظهر إلى أي مدى تُغفل الاحتجاجات الشعبية الفروقات المجتمعية ومدى فراغ التكهنات حول النظام التالي المرشح للسقوط).  فالنظام اليمني أقل قمعاً وأكثر تعددية وقابلية للتكيّف.  لقد أتقن فن استمالة معارضيه، كما أثنت شبكة المحسوبية الواسعة عزيمة كثيرين عن التحدي المباشر للرئيس.  علاوة على ذلك، فإن البلاد تمتلك مؤسسات تعمل، رغم عيوبها، وتشمل نظاماً متعدد الأحزاب، وبرلماناً، وحكومات محلية.  وتعتبر مجالس مضغ القات منافذ هامة لاختبار الأفكار والتعبير عن المظالم.  وتوفر هذه العوامل، مجتمعة، منافذ حقيقية للمنافسة السياسية والمعارضة وتحافظ، في نفس الوقت، على مساحة للتفاوض والوصول إلى تسويات.

الفروق الأكثر أهمية تتعلق بالديناميات المجتمعية.  فمن المرجح أن تحدد الانتماءات القبلية، والفروق الإقليمية والانتشار الواسع للأسلحة (لاسيما في المرتفعات الشمالية) كيفية تكشّف العملية الانتقالية.  لا يوجد ما يمكن اعتباره جيشاً وطنياً احترافياً لا من حيث التكوين ولا من حيث نطاق الوصول.  بعض الأجهزة الأمنية أكثر مؤسسية من غيرها، إلاّ أنها عموماً مجزأة بين إقطاعات شخصية.  تربط جميع القادة العسكريين في البلاد تقريباً علاقة قرابة بالدم مع صالح، ومن المتوقع أن يقفوا إلى جانبه إذا تأزم الوضع.

ثم هناك مسألة تماسك المعارضة، والتي أثبتت أنها حاسمة في الانتفاضات الإقليمية الناجحة.  سيمثل الحفاظ على وحدة الهدف وسط تمرد الحوثيين المتواصل والتوترات بين الشماليين والجنوبيين تحدياً.  في الجنوب، تدعو "الحراك"، وهي الحركة الأكثر قدرة على حشد المتظاهرين إلى الانفصال، وهي الأجندة التي يصعب حشد اليمنيين الآخرين حولها.  في حين يدرك مؤيدو "الحراك" الجنوبيون بأن حركة احتجاج قوية في الشمال تفيد قضيتهم من خلال تشتيت انتباه أجهزة الأمن، وبالتالي فإن الرابط  مستمد من فرص استراتيجية، وليس من التعاون في السعي لتحقيق هدف مشترك.  ويمكن لهذا أن يتغير: إذ أن هناك نشطاء شباب يسعون إلى تجاوز الانقسامات الجغرافية، ومظلة المعارضة (أحزاب "اللقاء المشترك") وتبنّي بناء علاقات أوثق مع المتمردين في كل من الشمال والجنوب.  ومن السابق لأوانه التكهن بحصيلة هذه الجهود التي يمكن أن تحدد إلى حد كبير مصير صالح.

يخيف شبح الانزلاق إلى حرب قبلية العديد من اليمنيين؛ وثمة صراع دامٍ على السلطة يلوح في الأفق بين اثنين من مراكز القوى المتنافسة داخل اتحاد قبائل حاشد - أحدهما مقرب من الرئيس، والأخر من أبناء الشيخ الراحل عبدالله بن حسين الأحمر.  قواعد اللعبة في حالة تغير مستمر، وتمثل فرصة نادرة لإصلاح جدي - ولكن أيضا لنشوء صراع عنيف.

لا يتوقع المتظاهرون، الذين تدفعهم رياح التغير، شيئاً أقل من الإطاحة السريعة بالرئيس.  ولكن من غير المرجح أن يستسلم الرئيس وأولئك المستفيدين من حكمه الطويل دون مقاومة.  ولن يكون التوصل إلى تسوية أمراً سهلاً.  سيتعين على النظام  تقديم تنازلات كبيرة،  أكبر وأشمل فعلياً من تلك التي كان مستعداً حتى الآن للتفكير في تقديمها.  كي تكون هذه التنازلات ذات معنى،  ينبغي أن تلامس جوهر النظام الذي اعتمد على شبكات المحسوبية وعلى قدرة الجهاز العسكري والأمني.  المعارضة ونشطاء المجتمع المدني يتحملون مسؤولية أيضاً.  لقد طال انتظار التحولات الديمقراطية التي كان ينبغي إجراؤها منذ أمد بعيد، ولكن ينبغي عليهم الانتباه إلى مخاطر الدفع من أجل تغيير فوري للنظام دون تقديم التنازلات أو الحوار.  فقد تكون الحصيلة دوامة عنف من شأنها تعريض الفرصة الحقيقية لإصلاح العقد الاجتماعي للخطر بعد أن باتت أخيراً في متناول اليد.  

التوصيات

إلى أحزاب المعارضة:

1.  الاستمرار في دعم الاحتجاجات السلمية التي يقودها الشباب والمجتمع المدني سواء خطابياً أو من خلال المشاركة الرسمية لأحزاب اللقاء المشترك، على أساس كل حالة على حدا.

 

2.  إجراء مفاوضات مع حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم ورجال الدين لوضع خطة للانتقال السلمي للسلطة.

 

3.  اقتراح جدول زمني محدد وجدول أعمال لحوار وطني على أساس أولويات محددة.

 

4.  اقتراح إصلاحات فورية واسعة النطاق من أجل:

 

أ‌. ضمان تنفيذ وعود النظام بعدم تمديد ولاية الرئيس أو تمرير المنصب لابنه؛

 

ب‌. نقل السلطة من الرئاسة والمؤسسة العسكرية الأمنية إلى حكومة مدنية أكثر تمثيلاً؛

5.  البقاء على مسافة من الصراع الشرس على السلطة بين عائلة صالح وعائلة الأحمر.

6.  استمرارالضغط على النظام لإبقائه عرضة للمساءلة فيما يتعلق بالتزاماته بالإصلاح من خلال الاحتجاجات الشعبية؛ والمراقبة الدولية للحوار الوطني؛ والاتفاق على جدول زمني لانتقال السلطة؛ وعلى حملة إعلامية.

7.  تكثيف الجهود للتواصل والتنسيق مع أنصار التمرد الحوثي وأعضاء "الحراك" الجنوبي الراغبين بالإصلاح السلمي.

إلى الإصلاحيين داخل حزب المؤتمر الشعبي العام:

8.  تقديم اقتراحات ملموسة لجدول أعمال وجدول زمني للانتقال السلمي للسلطة وإجراء حوار وطني جامع.

9.  العمل مع أعضاء المجتمع المدني للضغط على الرئيس لاتخاذ إجراءات فورية بشأن التزاماته الإصلاحية (بما في ذلك عدم تمديد ولايته؛ وعدم نقل السلطة إلى ابنه؛ وإطلاق حوار وطني حقيقي؛ وحماية حقوق المتظاهرين ومعاقبة الذين انتهكوها).

10.  بعث الحيوية في النظام متعدد الأحزاب إما عن طريق:

أ. الاستقالة من حزب المؤتمر الشعبي العام وتشكيل حزب جديد يضم الإصلاحيين من مختلف ألوان الطيف السياسي والمناطقي؛

ب. إصلاح المؤتمر الشعبي العام من الداخل من خلال تفعيل عضوية الحزب على جميع المستويات وتمكين الشباب من المناطق الحضرية في هيكلية الحزب.

إلى الرئيس وعائلته:

11.  احترام حقوق جميع المواطنين - بما في ذلك مواطني الجنوب - في الاحتجاج السلمي والتجمع، ومقاضاة مرتكبي العنف ضد المتظاهرين.

12.  اتخاذ خطوات يمكن التحقق منها لضمان تنفيذ الإصلاحات الموعودة بشأن تحديد الفترة الرئاسية وتوريث السلطة.

13.  بدء المفاوضات مع أحزاب "اللقاء المشترك" ورجال الدين حول خطة للانتقال السلمي للسلطة والحوار الوطني، تتضمن فرض قيود حقيقية على سلطة وامتيازات قبيلة سنحان، قبيلة الرئيس، من خلال الرقابة المدنية على المؤسسة العسكرية الأمنية.

14.  وقف الخطاب التحريضي ضد أحزاب "اللقاء المشترك" و المتظاهرين، و "الحراك"، والحوثيين.

إلى مجموعة أصدقاء اليمن، بمن فيهم أعضاء مجلس التعاون الخليجي ومجموعة الثماني، بالإضافة إلى ممثلي الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وجامعة الدول العربية، وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي:

15.  تسهيل الحوار الوطني من خلال استعدادهم للعب دور المراقب.

إلى المملكة العربية السعودية:

16.  توجيه الجهود من خلال مجموعة "أصدقاء اليمن" بدلاً من الانخراط مع شيوخ منفردين.

إلى الحكومات الغربية المانحة، بما في ذلك الولايات المتحدة:

17.  ضمان أن لا ترجّح المساعدات الأمنية كفة شروط المنافسة ضد الإصلاحيين، وذلك من خلال:  

أ. إعادة تقويم مزيج المساعدات، وإعطاء الأولوية القصوى للمساعدات التنموية والاقتصادية والسياسية؛

ب. اتخاذ خطوات لضمان ألا تستخدم المساعدات العسكرية / الأمنية لإحباط المعارضة الداخلية والاحتجاجات السلمية؛

ج. إقامة علاقات أقوى مع المجتمع المدني وجماعات المعارضة، بما في ذلك تلك الموجودة داخل " الحراك" الساعية إلى الاحتجاجات السلمية.

18.  مواصلة إصدار بيانات واضحة وعلنية تدين استخدام العنف ضد المتظاهرين السلميين في جميع أنحاء البلاد.

صنعاء/بروكسل، 10 مارس 2011

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,176,697

عدد الزوار: 6,938,945

المتواجدون الآن: 123