الدور الإقليمي السوري 2000- 2011

تاريخ الإضافة السبت 18 شباط 2017 - 6:36 ص    عدد الزيارات 740    التعليقات 0

        

 

الدور الإقليمي السوري 2000- 2011
محمد سيد رصاص 
بعد وفاة الرئيس حافظ الأسد في 10 حزيران (يونيو) 2000 كانت البيئة الدولية- الإقليمية مناسبة لانطلاق العهد السوري الجديد، وقد ظهر ذلك من خلال الحاضرين في جنازة الرئيس الراحل التي تمثلت فيها واشنطن وباريس والرياض والقاهرة وطهران وأنقرة. وأتى التحدي الأول لدمشق من مكان غير متوقع هو لبنان، مع بيان المطارنة الموارنة في 20 أيلول (سبتمبر) من العام نفسه مطالباً بإعادة النظر في الوجود العسكري السوري في بلاد الأرز. كان الوجود العسكري السوري في لبنان منذ 1976 برضا أميركي، ودخول القوات السورية في التحالف الدولي الذي شُكل بعد الغزو العراقي للكويت سمح بعملية اقتحام القوات السورية قصر بعبدا وإنهاء وجود الحكومة العسكرية للجنرال ميشال عون في 13 تشرين الأول (أكتوبر) 1990 بعد شهرين من تشكيل ذلك التحالف. لم يستطع بيان المطارنة الموارنة أن يهز الوجود السوري، ولو أن تشكيل تحالف قرنة شهوان لقوى مسيحية في ربيع 2001، معطوفاً على ذلك البيان، أنذر بتجمع غيوم لبنانية، كان من الممكن أن تتحرك لو جاءت رياح مواتية. وأتت تلك الرياح بعد 11 أيلول 2001 وضرب برجي نيويورك عندما لم تكتف واشنطن بالرد في أفغانستان حيث كان أسامة بن لادن، بل قررت غزو العراق واحتلاله لإعادة "ترتيب هذه المنطقة جذرياً بطريقة إيجابية تخدم أكثر المصالح الأميركية" وفقاً لتصريح وزير الخارجية الأميركي كولن باول قبل أسابيع من غزو العراق.
بعد ثلاثة أسابيع من سقوط بغداد بأيدي القوات الأميركية في 9 نيسان (أبريل) 2003 انكسرت العلاقات الأميركية- السورية ودخلت مرحلة توتر وصدام بدءاً من زيارة الوزير باول دمشق التي وقفت موقفاً مختلفاً عن الموقف الذي كان في أزمة غزو الكويت وحرب 1991 ضد العراق. وفي 9 أيار (مايو) 2003 كتب سمير قصير في "النهار" في مقال عنوانه "كيف تنسحب سورية؟" الكلمات الآتية: "في ماضٍ ليس ببعيد، كان التفكير في احتمال انتهاء الهيمنة السورية (على لبنان) يعد ضرباً من الوهم. اليوم أضحى الاعتقاد أن هذه الهيمنة ستظل قائمة إلى ما لا نهاية وهماً بدوره... لأن التأقلم الذي نصح به باول الحكم السوري، بما يعنيه من استجابة التطلعات الأميركية، يفضي إلى تعديل جوهري في سياسته... وسواء غيّر النظام السوري جلده أو لم يغير فإن قدرته على الاحتفاظ بغنيمته اللبنانية الموروثة صارت موضع شك في ظل انقلاب استراتيجي يضيره تمدد أي قوة اقليمية خارج حدودها".
صدام أميركي- سوري
لم تستجب السلطة السورية لمطالب باول، بل دعمت القوى التي انبرت لمقاومة الأميركي في العراق، وهي قوى كانت إما من بقايا نظام صدام حسين أو إسلامية عراقية أو إسلامية عابرة للحدود. ومنها قوى إسلامية سورية. وكان واضحاً أن هناك صداماً أميركياً- سورياً كانت ساحتاه هما بلاد الأرز حيث النفوذ السوري، وبلاد الرافدين حيث المحتل الأميركي. وكان للجنرال ميشال عون المقيم في المنفى الفرنسي دور في خريف 2003 في دفع الكونغرس الأميركي بمجلسيه لتبني "قانون محاسبة سورية واستعادة السيادة اللبنانية". وعمد الرئيس الأميركي جورج بوش الابن يوم 11 أيار 2004 إلى تحويل ذلك القانون إلى قرار تنفيذي، وبعد أسابيع من ذلك في الذكرى الستين لإنزال النورماندي أنهى الخصومة مع الرئيس الفرنسي جاك شيراك ليتحول القرار الأميركي إلى قرار دولي في مجلس الأمن يحمل الرقم 1559 ويطالب بـ "سحب القوات الأجنبية الباقية من لبنان ونزع أسلحة كل الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية". قادت المواجهة الأميركية- الفرنسية مع دمشق، في ظل نأي إيراني وسعودي وروسي، إلى اضطراب لبناني داخلي كبير مع انضمام وليد جنبلاط صراحة ثم رفيق الحريري ضمناً إلى المعارضة المسيحية للوجود السوري. وقادت تظاهرة 14 آذار (مارس)، بعد شهر من اغتيال الحريري، إلى الانسحاب السوري العسكري من لبنان يوم 26 نيسان 2005. انفتحت السلطة السورية عام 2004 على تركيا المعارضة أيضاً عبر قرار برلمانها غزو العراق والتي شعرت بالتضرر من نمو القوة الإيرانية اقليمياً في مرحلة ما بعد احتلال العراق، ومن نمو قوة الأكراد في عموم الإقليم إثر ذلك وليس فقط في "العراق الجديد". واستفادت دمشق من الانقسام اللبناني المجتمعي إلى معسكري "14آذار" و"8 آذار" لإظهار أن النفوذ السوري في لبنان هو أبعد من عنجر وأنه ليس متعلقاً بالوجود العسكري فقط، ولكن لم تستطع أن تعوّم نفسها إقليمياً عبر علاقاتها مع أنقرة، في ظل صدام سعودي- سوري كبير سببه لبنان، وإنما احتاجت من أجل ذلك إلى فرصة الانشقاق الايراني- الأميركي في آب (أغسطس) 2005 بسبب استئناف طهران برنامج تخصيب اليورانيوم مستغلة مكاسبها التي حصلتها من تحالفها مع واشنطن في العراق المحتل. كانت دمشق في توافق مع طهران، ولكن ظل هناك تباعد بل تناقض سوري- إيراني في العراق. عملياً، لم تستطع دمشق تنفس الصعداء على الصعيد الإقليمي إلا بعد حرب تموز (يوليو) 2006 التي كانت حرباً بالوكالة على أرض لبنان بين واشنطن وطهران سمتها كوندوليزا رايس "آلام مخاض ضرورية لولادة الشرق الأوسط الجديد". لكن الولادة لم تحقق في لبنان بعدما تعثرت في العراق.
المعادلة الأميركية
منذ 14 آب 2006 حكمت المجابهة الأميركية- الإيرانية مجمل تطورات إقليم الشرق الأوسط وحددت التحالفات والمحاور بعد عام من الانشقاق الإيراني- الأميركي: اتضح التمدد الإقليمي الإيراني في بغداد وبخاصة مع ميل نوري المالكي إلى الايرانيين أكثر من الأميركيين، وفي غزة مع انقلاب حركة "حماس" على سلطة أبو مازن في رام الله يوم 14 حزيران 2007، ثم في 7 أيار 2008 البيروتي ومع الحوثيين في اليمن في تمردهم العسكري على صنعاء الممتد من 2004 إلى 2009. في خريف 2006 حددت كوندوليزا رايس المعادلة في الشرق الأوسط بأنها "معتدلون ضد متطرفين". تقاربت واشنطن مع أنقرة والرياض من أجل مجابهة التمدد الإيراني الإقليمي فيما كانت حليفة لطهران على حسابهما أثناء غزو العراق. في ظل هذا الوضع الإقليمي المستجد، خرجت دمشق من عزلتها، بداية مع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي عام 2007، ثم أمير قطر، وبعده إدارة باراك أوباما بمبعوثيها عامي 2009 و2010. كان الهدف أخذ دمشق بعيداً من طهران. وفي آب 2009 اتهم نوري المالكي دمشق بأنها وراء سلسلة التفجيرات الدموية التي هزت بغداد آنذاك. بل يتقدم العراق بشكوى ضد سورية إلى الأمم المتحدة. وفي 23 أيلول 2009 قام الرئيس السوري بشار الأسد بزيارة مفاجئة للرياض أنهت التوتر في العلاقات السعودية- السورية الذي استمر منذ 2005، وهو ما أعقبته زيارة لدمشق في الشهر التالي قام بها الملك عبدالله بن عبدالعزيز. وأثمر الوفاق السوري- السعودي المستجد تأليف حكومة سعد الحريري في لبنان. في انتخابات البرلمان العراقي في آذار 2010 اقتربت دمشق من طهران بدعمها المالكي، مبتعدة من الرياض وأنقرة. ولم تكن بعيدة من ميشال عون وحسن نصر الله ونبيه بري في اسقاط حكومة سعد الحريري في 13 كانون الثاني (يناير) 2011 أثناء اجتماع الحريري مع باراك أوباما في البيت الأبيض. هذا كان يعني تراجعاً جديداً للعلاقات السورية- السعودية وبداية إعلان انفراط تقارب سبع سنوات مع أنقرة. وكان هذا أيضاً يعني إعلاناً عن فشل الخارج الدولي- الإقليمي في الدفع بين عامي 2007 و 2011 نحو ابتعاد دمشق عن طهران وفي إحداث انشقاق سوري- إيراني. من دون لوحة 2007- 2011 الدولية- الإقليمية الخاصة بدمشق، لا يمكن تفسير اللوحة الدولية- الإقليمية التي تشكلت في مرحلة ما بعد نشوب الأزمة السورية بدءاً من درعا في 18 آذار 2011 وصولاً إلى صراع دولي– إقليمي حول سورية وصراع دولي- إقليمي في سورية.
* كاتب سوري
 

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,079,018

عدد الزوار: 6,751,760

المتواجدون الآن: 106