خطة طريق لإنقاذ المشروع الأوروبي من الانهيار

تاريخ الإضافة الجمعة 30 أيلول 2016 - 6:14 ص    عدد الزيارات 541    التعليقات 0

        

 

خطة طريق لإنقاذ المشروع الأوروبي من الانهيار
الحياة..محمد خلف 
للمرة الأولى بعد تفكّك الاتحاد السوفياتي وانهياره وسقوط الأنظمة الشيوعية في أوروبا الشرقية بالتتابع عام 1989، تعصف مجدداً رياح التغيير العاتية بأوروبا، إلا أن ما تواجهه القارة العجوز اليوم إعصار داهم قد يلتهم في طريقه الجميع. ما الذي سيفعله الأوروبيون باتحادهم بعد بريكست؟ وما الذي يجول في خواطر قادة الاتحاد لتجاوز المحنة الجديدة؟ هذان السؤالان استغرقا الوقت الأكبر من القمة الأوروبية التي عقدت في براتيسلافا، عاصمة سلوفاكيا، التي تترأس الآن الدورة الحالية للاتحاد، وشارك فيها قادة الدول الـ27 من دون بريطانيا. وقال رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك، أمام القمة: «لم نأت إلى هنا لنواسي بعضنا البعض أو حتى الأسوأ من ذلك، أن ننكر التحديات الحقيقية التي نواجهها»، وأضاف: «في هذه اللحظة الحرجة من تاريخ مجتمعنا، وبعد التصويت في المملكة المتحدة، الشيء الوحيد ذو الجدوى هو إجراء تقييم واقعي للوضع».
لم يكن متوقعاً إطلاقاً أن تتمكن القمة من التوصل الى إجابة محددة للسؤالين المطروحين اللذين يقلقان الحكومات والمجتمعات الأوروبية، وإنما كما قال الباحث في الشؤون الأوروبية فاسلين جيليف، لـ«الحياة»، أن «ما كان مطلوباً كبداية هو رسم مبادئ أولية تساعد في وضع تشخيص دقيق للأمراض التي تعاني منها أوروبا، وتؤدي الى زعزعة ثقة مواطني دولها بوحدتها وبمستقبل المشروع الأوروبي ككل»، و«أن تحدّد أيضاً معالم خطة أولية لإنقاذ الاتحاد الذي أقر جميع قادته بأنه «يعيش وضعاً قلقاً للغاية». ففي حسابه على «تويتر»، كتب نائب رئيس المفوضية الأوروبية فرانس تيميرانس: «للمرة الأولى في تاريخ تجربتي الواعية في العمل الاندماجي الأوروبي، لدي شعور ينمو باضطراد بأن المشروع يمكن أن يفشل».
هل تواجه أوروبا خطراً وجودياً؟ هذا السؤال طرحه أمام منتدى أمبروزيتي في إيطاليا، رئيس الحكومة الإيطالية الأسبق ورئيس مركز الدراسات السياسية في باريس حالياً أنريكو ليتا، وأجاب بنفسه قائلاً: «نعم بالتأكيد، فالخطر غير مسبوق على خلفية الأزمات المتلاحقة: الاقتصادية واللاجئين والإرهاب وليس أخيراً البريكزيت». وأضاف «ينتابني قلق كبير من حقيقة أننا ما زلنا أسرى «الستاتيكو» بانتظار ما سينجم عن الانتخابات في ألمانيا وفرنسا، من دون أن نفكر جيداً بأننا سنخسر أوروبا الموحدة».
تمحورت مناقشات قمة براتيسلافا حول مجموعة من القضايا الملحة التي تؤرق الأوروبيين مجتمعات وحكومات: الهجرة غير الشرعية، العنف، التطرف الديني، الإرهاب، سياسة تحرير الاقتصاد الدولي واتفاق التجارة مع الولايات المتحدة، وهي هواجس أيقظت لدى غالبية الأوروبيين المخاوف من المستقبل المجهول، ودفعتهم الى أحضان كراهية الأجانب والإسلاموفوبيا . ورأى الخبير في الشؤون الدولية إيفان كريستيف، أن «رفض شعوب أوروبا الشرقية قبول اللاجئين يعكس في الجوهر تمرداً ضد العولمة»، وقال: «إن أزمة اللاجئين تعيد الأوضاع الى المرحلة التي كان العالم ينقسم فيها الى شرق – غرب».
سياسات اندماج ومعضلات ملحّة
كشف خطاب رئيس المفوضية الأوروبية جان – كلود يونكر، حول حالة الاتحاد، الذي ألقاه أمام البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ، مؤشرات عن ميل الاتحاد الى تخفيض طموحاته بإنجاز عملية اندماج عميقة وواسعة، وبدلاً من ذلك التوجّه نحو التركيز على حل المشاكل الراهنة وتبديد مخاوف المواطنين وهواجسهم من اهتزازات اقتصادية واجتماعية وأيديولوجية لحمايتهم من الوقوع في مصائد الأحزاب الشعبوية والقومية المتشددة عشية الانتخابات العامة في ثلاث دول محورية، هي: ألمانيا وفرنسا وهولندا. وأقر يونكر بأن «هناك انقسامات وخلافات بين الدول الأعضاء توفّر أجواء تساعد في تنامي التطرف القومي وتنامي نفوذ التيارات الشعبوية»، التي أشار الى أنها «لا تمتلك لا الكفاءة ولا القدرة على حل المشاكل، بل العكس تماماً الإتيان بمشاكل أكثر تعقيداً».
وفي رأي رئيس صندوق روبرت شومان الباحث جان – دومينيك جوليان، فإن «القادة في بروكسل وفي الدول الأعضاء دأبوا على الاهتمام بالدرجة الأساسية بالإجراءات، وتجاهلوا عن عمد المهمات»، ما يكشف عن «حالة فاضحة ومزرية من الضعف والعجز»، وأضاف: «إن ما كان ضرورياً هو إظهار قوة أوروبا من خلال إنجاز المهمات وحل المشكلات بأفكار وطرق إبداعية»، وفي توضيحه مغزى القمة، لفت مسؤول أوروبي في تصريح نقله الموقع الإلكتروني لجريدة «دنفنيك» بالبلغارية: «نعمل الآن لوضع الحجر الأساس لعملية جديدة». وأضاف: «أما القرارات المهمة، فستتخذ خلال القمة المقررة في آذار (مارس) المقبل لمناسبة الذكرى الستين لتوقيع المعاهدة الأوروبية». ورأى أستاذ العلوم السياسية في جامعة صوفيا البروفيسور أوغنيان منتشيف، في حديث لـ «الحياة»، أن «الاتحاد الأوروبي يجب أن تكون له هوية يدافع عنها بقوة». وأضاف: «ليس من الضروري أبداً التخلّي عن القيم الأوروبية، بل إجراء تبدلات وتغييرات تستجيب لمصالح كل أطراف المنظومة الأوروبية». وأشار الى «أن الملح هو خلق اتحاد له استراتيجية متكاملة ومنظومة أمنية مهنية، وحدود خارجية واضحة ومحصنة، وميكانيزم لمعاقبة البلدان الأعضاء الذين يعملون لتقويض الاتحاد من الداخل». وأكد «أن ضعف الاتحاد متأتٍّ من غياب هويته السياسية و الثقافية والعسكرية وحدوده المشتركة».
تسود مجتمعات الدول الأوروبية حالة من الغضب العارم على النخب الأوروبية الحاكمة، وقال المحلل في صحيفة «فرانكفورتر الجماينة تسايتونغ» كلاوس- ديتر فرانكينبرغر: «لقد طفح كيل الناس من النخب السياسية الحاكمة التي عجزت عن تقديم الحلول للأزمات المتراكمة الواحدة بعد الأخرى». وتابع «أثارت هذه الأزمات مشاعر متفجرة من انعدام الثقة بالمؤسسات الأوروبية»، وشدّد على «أن المستفيد من هذه الحالة هم أولئك الساسة والأحزاب الذين يغذون مخاوف الناس ويعمّقونها، ويثيرون السخط وخيبة الأمل بالمشروع الأوروبي».
المشكلة الحقيقية الملحّة تتمثل في أن المشروع الأوروبي بعد أن كان نموذجاً للبناء والتقدّم والحداثة والمعاييرالإنسانية والازدهار الاقتصادي والاجتماعي، يبدو الآن بعد ستة عقود من النجاحات المتراكمة والاندماج الإيجابي، كأنه ليس تلك المنظومة من الشركاء المتجانسين فكرياً وسياسياً، وإنما اتحاد بين عدد من النوادي المصنفة وفق المصالح والاهتمامات. وفي هذا الصدد، قالت مديرة مكتب المجلس الأوروبي للسياسة الخارجية في صوفيا فيسلا تشيرنيفا، لـ «الحياة»، أن «ألمانيا هي الحكم الوحيد بين اللوبيات السياسية المتعارضة مع بعضها البعض في الدول الأعضاء»، وأوضحت: «ما زالت برلين تعتقد أن جميع المشاكل يجب أن تكون حلولها مركزية من بروكسل، لإيمانها بأنها ستكون أكثر فاعلية وتؤدي الى نتائج أفضل». وأضافت: «الواقع أن ما حصل هو أن المشاعر السلبية المتراكمة على جانبي خطوط التماس الفاصلة، تحوّلت الى نيات عدائية صارخة لا يمكن أن تخدم أي طرف من الأطراف المتعارضة في أوروبا».
لا توحي المعطيات والمؤشرات المستقاة من مواقف قادة الدول الأعضاء في الاتحاد ومحتوى مداخلات القمة، بإمكان الوصول الى إجماع في ما يخص الرؤى والحلول حول الشكل الذي يجب أن يكون عليه الاتحاد لينجو من التفكك، لكن بغض النظرعن كل الاختلافات والتعارضات والخلافات، فإن الجميع من دون استثناء اتفقوا كمحطة أولى على أهمية تقوية الاتحاد وتدعيمه وضرورتهما. واللافت، أن قادة دول أوروبا الشرقية الذين لم يدخروا جهداً طيلة السنتين المنصرمتين في توجيه الانتقادات للاتحاد، وللمستشارة مركل لفتحها أبواب ألمانيا أمام اللاجئين وإصرارها على توزيعهم وفق حصص محددة على الدول الأعضاء، بدوا من أكثر المتحمسين للمشروع الأوروبي، وهذا مفهوم إذا عرفنا أن ناخبيهم يريدون استمرار تدفّق أموال المساعدات والإعانات من الصناديق الأوروبية، فالمسألة المهمة بالنسبة إليهم ليست الوحدة الأوروبية، بل تدفّق الأموال ولا شيء غير ذلك. ويبدو توسك مدركاً هذه الحقيقة، فقد كتب في حسابه على «تويتر» أن «قمة براتيسلافا يجب أن توضح لزعماء أوروبا السياسيين أنهم ليسوا منقطعين عن الواقع».
الاندماج وآليات العولمة
تنشغل النخب السياسية والاجتماعية والأكاديمية ومراكز البحوث الأوروبية، في البحث عن الطريقة والكيفية اللتين تضمنان نجاح عمليات إصلاح سياسات الاندماج، التي كشفت تجربة السنوات المنصرمة من خطوات الوحدة الأوروبية، عدم صلاحية بعض آلياتها ومكوناتها وعدم توافقها وانسجامها مع المتغيرات والتبدلات والتحولات الجذرية الحاصلة في الدول والمجتمعات تحت تأثير العولمة. يقول المحلل الألماني جان دانغ هونغ: «إن تجربة الأعوام الستين المنصرمة من عمر الاتحاد الأوروبي، بيّنت أن سياسة الاندماج المتّبعة بصرامة، أولت الاهتمام الأكبر لما تفكر به النخب السياسية وتصيغه كقرارات وقوانين، من دون أن تعير أي اهتمام لآراء الشعوب ومنظمات المجتمع المدني ووجهات نظرها». وهو واقع أقر به رئيس المفوضية يونكر بصراحة وفي شكل غير متوقع، في مقابلة أجرتها معه مجلة «دير شبيغل» بقوله: «كنا نتّخذ قراراً محدداً ونترقب ما الذي سيحدث بعد ذلك، فإذا لم تعقبه موجة من الغضب والتمردات، نواصل المضي قدماً من دون أي عودة الى الوراء».
انطلقت عملية الاندماج الأوروبي قبل 60 عاماً، كنتيجة للمصالحة بين ألمانيا وفرنسا، التي أنتجت معاهدة الإليزية عام 1963، وأنهت عداوة تاريخية بين البلدين. يردف هونغ: «إن الدولتين كسبتا أكبر الفوائد من عملية الاندماج، فبالنسبة الى فرنسا، كان شغلها الشاغل يقتصر على استخدام الاتحاد الأوروبي لاستعراض عضلاتها لمعادلة دورها مع ألمانيا، على رغم ضعف اقتصادها مقارنة بالألماني، أما ألمانيا فقد نجحت تحت راية الاتحاد في مضاعفة مقومات قوتها السياسية والاقتصادية من دون أن تهدد الجيران». ويضيف «بريطانيا بعد انضمامها الى الاتحاد، لم تلتزم بعملية الاندماج بدرجة الحماسة التي تميزت بها الفيديرالية الألمانية على سبيل المثل»، ولهذا في رأيه «من الخطأ تحميل البريطانيين مسؤولية الأزمات التي يعيشها الاتحاد الآن».
تسود الغالبية الكبرى من مواطني الدول الأعضاء، مشاعر حادة من خيبة الأمل، كما تثير طريقة إدارة الاتحاد وأسلوبها لدى فئات أخرى واسعة من السكان، الاشمئزاز لسيادة قناعة لا تهتز لديهم، بأنه (الاتحاد) لم يف بوعوده الأساسية بتحقيق الرفاهية والديموقراطية والسلام والأمن. ويعترف وزير الخارجية الألماني فرانك – فالتر شتاينمر، بأنه «أضحى من الصعب تسويق المشروع الأوروبي بشكله الراهن»، موضحاً: «تسببت الأزمات الاقتصادية والمالية بجروح عميقة». وأضاف: «كشفت موجات اللاجئين والمهاجرين عن حالات وظواهر لا يمكن اختصار عواملها وأسبابها بالاختلافات في القيم والعقائد»، وأكد «أن الحلول الأوروبية للمشاكل المستفحلة بعيدة للغاية عن تطلعات ورغبات وتصورات الشعوب ونظرتهم الى الطريقة التي يريدونها لحياتهم ومستقبلهم»، لافتاً الانتباه الى «أن السلام والأمن في أوروبا الآن هشان للغاية على خلفية النزاع في أوكرانيا والهجمات الإرهابية».
الثورة الشعبوية ضد النخب الحاكمة في الأنظمة الديموقراطية، هي في رأي الباحث في معهد بروكينغز وليام أ. غالستون، «تمثل الفصل الأخير من فصول قصة سياسية قديمة، ذلك أن السؤال الأكثر أهمية هو ما إذا كانت النخب تدير السلطة بما يحقق مصلحتها أم مصالح الشعوب؟». ولإيضاح هذه النقطة، استنجد الباحث بما كتبه هنري فوي في «أميركان إنترست»، عن أسباب فوز حزب قومي شعبوي في بولندا وإلحاقه الهزيمة العام الماضي، بحزب يمين الوسط الذي بلغ النمو الاقتصادي في عهده ضعفي نظيره في دول الاتحاد الأوروبي. فقد أوضح «أن التغييرات الإيجابية في حياة الناس الاقتصادية والمالية والاجتماعية اقتصرت على المدن الكبرى، فيما ظلت المدن الصغيرة مهمشة ولم تحدث مؤشرات لأي تحسّن أو تبدل إيجابي في حياة سكانها». وزاد: «إن اقتصاد السوق في المرحلة ما بعد الشيوعية، قوّض طرق العيش التقليدية من دون أن يقدم البديل الناجح».
الاستنتاج الذي يمكن بلورته من نقاشات القمة ومداخلاتها، أن المشروع الأوروبي يواجه تحديات خطيرة، لكنها حتى الآن لا تهدد وجوده ما دامت الرغبة متوافرة لدى نخب الدول الأعضاء في إصلاحه من الداخل، وهي شرعت ليس في تشريح الأوضاع والبحث عن الحلول، وإنما أيضاً في عمل ما ينبغي لمعالجة التشققات والتصدعات التي تقوّضه كمقدمة لإعادة الروح الى جاذبيته كمشروع حداثي فريد من نوعه في البناء الأوروبي».
واستبعد مدير مركز الإصلاحات الأوروبية الباحث شارلز غرانت، «أن يؤدي خروج بريطانيا أو غيرها الى انهيار الاتحاد»، لكنه رجح «أن يضعف دور القوى الساعية الى مزيد من الاندماج، إضافة الى احتدام المواجهة بين السياسيين الليبراليين والقوى الشعبوية متنامية النفوذ والتأثير المعادية لهم وللمشروع الأوروبي».
 

..How Iran Seeks to Exploit the Gaza War in Syria’s Volatile East..

 السبت 11 أيار 2024 - 6:24 ص

..How Iran Seeks to Exploit the Gaza War in Syria’s Volatile East.. Armed groups aligned with Teh… تتمة »

عدد الزيارات: 156,557,093

عدد الزوار: 7,033,200

المتواجدون الآن: 76