مصر والصندوق ... الإصلاح يبدأ من الداخل

تاريخ الإضافة الأربعاء 24 آب 2016 - 7:15 ص    عدد الزيارات 623    التعليقات 0

        

 

مصر والصندوق ... الإصلاح يبدأ من الداخل
محمد شومان 
وقعت مصر اتفاقاً أولياً مع صندوق النقد الدولي للحصول على قروض بقيمة 12 بليون دولار من الصندوق، و3 بلايين من البنك الدولي، إضافة إلى ما بين 7.5 بليون كقروض وودائع من دول خليجية وسندات دولارية، ويأتي الاتفاق في إطار حزمة متكاملة من سياسات الإصلاح المالي والاقتصادي خلال السنوات الثلاث المقبلة، ومنذ اللحظة الأولى للإعلان عن الخطوط العريضة للاتفاق أثير جدل ونقاش عام اتسم بالاستقطاب الشديد بين الحكومة وأنصارها، وبين المعارضة التي لم تعد تقتصر على جماعة «الإخوان» وحلفائهم، بل ضمت قوى وأحزاباً صغيرة وجماعات تنتمي الى يسار الوسط واليسار والناصريين، وهؤلاء كانوا ضمن المعسكر الذي أطاح بـ «الإخوان» ودعم الجيش والرئيس عبدالفتاح السيسي.
المفارقة أن الاتفاق مع الصندوق أفرز أصواتاً معارضة لم تكن معروفة – بعضهم خبراء في الاقتصاد – وذلك بسبب المخاوف من الآثار الاجتماعية السلبية للاتفاق والتي ستؤدي إلى تقليص الدعم الحكومي وخفض قيمة الجنيه وارتفاع الأسعار. والحقيقة أن المخاوف تحرك الكثير من المعارضين اعتماداً على التجارب الفاشلة للإصلاح الاقتصادي التي طبقها الصندوق في كثير من دول العالم، وأدت إلى فرض شروط صعبة، وإغراق تلك الدول في دوامة الاقتراض المستمر، ومن ثم تَدخّل الصندوق لتوجيه السياسات الاقتصادية للدول المدينة. في هذا السياق يقول أستاذ الاقتصاد الألماني أرنست فولف في كتابه «صندوق النقد الدولي: قوة عظمى في الساحة العالمية»: «لم يهتم الصندوق على الإطلاق على مدى تاريخه بالآثار الاجتماعية لسياسات الاستدانة وتداعياتها، فلقد كان المهم لديه- فقط- هو استلام أقساط الفوائد، وكل خدمات الدين بانتظام، بما يضمن الدخول في دوامة الاستدانة مجدداً، ومن دون توقف».
في المقابل، أكدت الحكومة المصرية أن الاتفاق هو شهادة ثقة في قدرة الاقتصاد المصري على جذب الاستثمارات الخارجية وتحقيق التوازن الاقتصادي، كما أوضحت أن الصندوق لم يفرض أي شروط، وأن برنامج الإصلاح مصري مئة في المئة، وأن هناك التزاماً من الحكومة والصندوق بمراعاة الجوانب الاجتماعية والإنفاق على الصحة والتعليم.
ووفق خبراء فإن الحكومة لم يكن لديها بديل سوى صندوق النقد بعد ارتفاع الدين العام الداخلي من 1.6 تريليون جنيه عام 2014 إلى ما قد يتجاوز 2.6 تريليون جنيه، وارتفاع الدين العام الخارجي من 46 بليون دولار إلى 53.4 بليون، وزيادة نسبة الدين العام إلى الناتج القومي الإجمالي من 95 في المئة إلى ما يقرب من 100 في المئة، وانخفاض سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار الأميركي في السوق الموازية بما يقرب من 45 في المئة، وارتفاع نسبة التضخم من 10 في المئة إلى نحو 13 في المئة، مع استمرار نسبة البطالة في حدود 13 في المئة.
لكن خطاب الحكومة وثقتها في الاتفاق وقدرتها على الوفاء بالتزاماته لم تقضِ على المعارضة، والتي يمكن أن تكون لها جذور أيديولوجية ومواقف مسبقة من القبول بالوصفة الجاهزة لصندوق النقد، والتي يطبقها في العديد من دول العالم من دون تمييز أحياناً، وحققت نجاحاً في بعض الدول، كما هو الحال في كوريا الجنوبية وتركيا والبرازيل، وأدت أيضاً إلى فشل ومعاناة كثير من الدول مثل الأرجنتين وتشيلي، ويوغوسلافيا، والاتحاد السوفياتي، ثم جنوب أفريقيا، وأيسلندا، وأيرلندا، واليونان، وقبرص.
المقصود أن الإصلاح الداخلي وحشد وتعبئة الموارد المادية والبشرية، والروح الوطنية هي أسس أي نجاح في التعامل مع الصندوق والمؤسسات الدولية. فدور الصندوق معروف، والأخطار أو المخاوف من تطبيق وصفته واضحة، وبالتالي يبقى دور الإرادة والإدارة الوطنية في العمل الجاد لتحقيق الإصلاح الاقتصادي والتعامل مع الصندوق أو أي مؤسسات أجنبية، بحيث يظل دوره ثانوياً مقارنة بجهود الإصلاح الداخلية وكفاءة الحشد والتعبئة، والعمل المشترك بين مؤسسات الدولة والمجتمع المدني والرأسمالية المحلية في تحقيق الإصلاح والتنمية.
درس الإصلاح الداخلي والاعتماد على الذات أثبتته دول عدة تعاملت مع الصندوق، في مقدمها البرازيل التي سددت كل ديونها للصندوق بعد ثلاث سنوات من تولي لولا دا سيلفا الحكم، وكانت تركيا سددت العام الجاري كل ديونها للصندوق لتكون بذلك من بين 11 دولة في العالم، تمكنت من «تصفير» ديونها للصندوق في الوقت المحدد. والدول التي نجحت في سد كامل ديونها إلى الصندوق منذ عام 2000، هي كوريا الجنوبية (2001)، والبرازيل (2005)، وروسيا والأرجنتين والأوروغواي (2006)، وتركيا ولاتفيا وهنغاريا (2013)، ومقدونيا ورومانيا وآيسلندا (2015).
ووفق الإحصاءات فإن أكثر من 70 دولة من أصل 189، مدينة لصندوق النقد الدولي، بنحو 80 بليون دولار، تتصدرها البرتغال بأكثر من 21.7 بليون دولار. بينما عجزت 28 دولة في العالم عن سداد ديونها إلى صندوق النقد الدولي في الوقت المحدد، من بينها فيتنام، والبوسنة والهرسك، والسودان، والكونغو، وكوبا، والعراق، وأفغانستان.
بإمكان مصر أن تكرر نماذج النجاح في التعامل مع الصندوق، وتبتعد عن الفشل، شرط تعظيم الاعتماد على الذات وجودة الأداء وعدم تحميل الفقراء والطبقة الوسطى فاتورة الإصلاح الاقتصادي، وفي مقدم أهم شروط نجاح مصر هو تحديث مؤسسات الدولة وتطويرها وتخليصها من البيروقراطية والفساد. والشاهد أن الجهود المبذولة في هذا المجال محدودة للغاية وأحياناً مترددة، والأهم أنها تفتقر إلى الرؤية أو الإستراتيجية التي تنطلق من ضرورة تطوير أجهزة الدولة، وإخضاعها للمحاسبة وقواعد الشفافية والمساواة، بحيث لا تكون هناك مؤسسة في الدولة ذات وضع خاص يجعلها بعيدة من الرقابة الشعبية والشفافية، أو تكون لهذه المؤسسة امتيازات خاصة في الإنفاق أو الاستثمار.
الشرط الثاني مراجعة الأداء الاقتصادي بهدف تقويم جدوى المشاريع القومية الكبرى والاستثمارات في البنية الأساسية والإسكان والتي وصلت كلفتها إلى تريليون وحوالى 400 بليون جنيه خلال عامين، وكذلك تحديد الأولويات في ضوء الإمكانات المتاحة مثل إنشاء عاصمة جديدة، والسعي الى الحصول على قرض بقيمة 25 بليون دولار من روسيا لإنشاء مفاعل نووي لتوليد الكهرباء، علاوة على استصلاح مليون ونصف مليون فدان، وكلها مشاريع تحتاج الى مزيد من دراسات الجدوى الاقتصادية والبيئية.
الشرط الثالث: تحديد دور الدولة في الاقتصاد وهل ستقود الإصلاح والتنمية أم ستلعب دور المنظم والداعم للقطاع الخاص. في هذا السياق يرى روبرت ريكو أستاذ الاقتصاد الايطالي المتخصص في الاقتصاد المصري أن اتجاه مصر للصندوق يعكس إتباعها نفس مزيج السياسات التي تسير وفقاً لها منذ التسعينات، والذي يشمل خليطاً بين «السياسات النيوليبرالية وهيمنة الدولة». ولا شك في أن هذه الوضعية علاوة على الصورة السلبية لمصر في الخارج كبلد غير مستقر يتهدده الإرهاب ستؤثر سلباً في تدفق الاستثمارات، والتي يراهن عليها الصندوق والحكومة المصرية، حيث تقترح خطة الإصلاح جذب الاستثمارات وبيع حصص من بعض الشركات العامة الناجحة في قطاعات البترول والكهرباء للمصريين والأجانب.
الشرط الرابع يتعلق بتفعيل المشاركة الشعبية في تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي (نموذج البرازيل وتركيا) بحيث يتوافر قبول شعبي لنتائج وتداعيات البرنامج مثل التقشف وارتفاع الأسعار، وهذه الخطوة ضرورية حتى تتجنب مصر احتمال حدوث انتفاضة شعبية غاضبة على وصفة الصندوق، كما حدث في كانون الثاني (يناير) 1977 ضد الرئيس السادات وكانت لديه شعبية كبيرة آنذاك، ولا شك أن التاريخ لا يعيد نفسه، لكن تظل احتمالات الغضب الجماهيري واردة إن لم تبادر الحكومة بمصارحة المواطنين واتخاذ تدابير لحماية الفقراء ومحدودي الدخل.
الشرط الخامس والأخير يرتبط بضرورة توسيع المجال العام ومراجعة ملف الحريات وحقوق الإنسان، لأن المشاركة الشعبية – الشرط السابق – تتطلب تفعيل المشاركة السياسية ودعم الأحزاب والنقابات المستقلة، واحترام دور البرلمان والمحليات في ممارسة رقابة شعبية على اتفاقات الحكومة مع الصندوق والمؤسسات الدولية، ومدى التزام الحكومة بتنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي، والتحقق من مدى التزامها بالإنفاق في مجالات التعليم والصحة بالنسب المقررة في الدستور، وكذلك تعزيز شبكة الحماية الاجتماعية لحماية محدودي الدخل أثناء عملية الإصلاح.
والثابت من تجارب التعامل الناجح مع الصندوق وجود علاقة ارتباط بين الإصلاح والتنمية والديموقراطية وحقوق الإنسان، وليس صحيحاً أن الإجراءات القاسية أو الصعبة للإصلاح الاقتصادي تتطلب قبضة حديدية، أو تأميماً للسياسة لا يمكن تحقيقه في مصر بعد ثورتين، وفي عصر ثورة الاتصالات ووسائل التواصل الاجتماعي.
* كاتب مصري
 

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,790,077

عدد الزوار: 6,915,124

المتواجدون الآن: 110