ملف شمال افريقيا..بعد الهزيمة في ليبيا هل يجد «داعش» ملجأً في تونس؟.. مطالبات بـ «منحهم فرصة معاودة الاندماج إن صحت توبتهم» «العائدون من سورية» كابوس يؤرّق الدولة ويُـحيّـر التونسيين

تاريخ الإضافة الثلاثاء 19 تموز 2016 - 6:52 ص    عدد الزيارات 814    التعليقات 0

        

 

بعد الهزيمة في ليبيا هل يجد «داعش» ملجأً في تونس؟
المستقبل... توفيق المديني ()() كاتب من تونس
شهدت مدينة سرت التي يسيطر عليها تنظيم «داعش« الإرهابي، والواقعة على الساحل الليبي، معارك كبيرة بين قوات حكومة الوفاق الوطني وبين المجموعات الإرهابية المنتمية إلى «داعش«، وأطلقت القوات الحكومية قبل أكثر من شهر على هذه المعارك اسم عملية «البنيان المرصوص العسكرية« التي تهدف إلى استعادة مدينة سرت، مسقط رأس معمر القذافي، من أيدي التنظيم الجهادي الذي يسيطر عليها منذ حزيران 2015. وأسفرت المعارك هذه عن سيطرة قوات حكومة الوفاق الوطني التي يقودها فايز السراج على أحياء عديدة من مدينة سرت، ومنشآتها النفطية، حيث يؤكد المسؤولون الليبيون المتابعون لسير المعارك، أن المعركة الحالية لن تتوقّف حتى تحرير كامل المدينة، مشيرين إلى أنها المعركة النهائية، ومضيفين أن القوات الحكومية تتقدّم بكافة إمكانياتها البحرية والبرية والجوية، وقد أسرت عشرات من مقاتلي داعش التي تهاوت صفوفها في الوقت الحالي بشكل كبير.

وكان التنظيم الإرهابي «داعش« يشن في مواجهته القوات الحكومية سلسلة هجمات مضادة بينها هجمات انتحارية بسيارات مفخخة تستهدف تجمعات للقوات الحكومية عند الأطراف الغربية والجنوبية لمدينة سرت. ويتحصّن مقاتلو التنظيم الإرهابي في المنازل ويستخدمون القناصة والسيارات المفخخة والعبوات الناسفة والهجمات الانتحارية. وتواجه قوات الحكومة صعوبات في اقتحام هذه المناطق، وتخوض حرب شوارع من منزل إلى منزل مع عناصر التنظيم. وقالت قوات الحكومة المدعومة من المجتمع الدولي، خلال الشهر الماضي، أن «العمل المخابراتي لجبهتنا يواصل نشاطه استعدادًا لمعركة الحسم«، مضيفة أن نشاطها العسكري يتركز حاليًا على قصف مواقع للتنظيم المتطرف بالمدفعية الثقيلة، فيما ينفذ سلاح الطيران «طلعات بشكل يومي بعضها طلعات قتالية وبعضها استطلاعية«. وشددت على أنها تواصل «بثبات حصار فلول داعش في منطقة ضيقة داخل سرت، ورغم محاولاتهم المتكررة لإيجاد ثغرة للفرار إلا أن ثبات قواتنا أحبط كل محاولاتهم«.

واستفادت القوات الحكومية الليبية من الدعم القوي الذي قدمته القوات البريطانية الخاصة «إس.إيه.إس.« وقوات الزوارق الخاصة «إس. بي. إس.« التي تستخدم القوارب السريعة، والتي قامت بتنسيق الهجمات على تنظيم «داعش« الارهابي من البر والبحر والجو، انطلاقًا من قواعد في قبرص ومالطا وكذلك مدينة مصراتة. وكانت القوات البريطانية تنسّق الهجمات في عمل مشترك مع قوات البحرية الأميركية الخاصة «نيفي سيلز«، التي استخدمت طائرات استطلاع من غير طيار وتكنولوجيا متقدّمة تستخدم كاميرات مزودة بالأشعة تحت الحمراء من أجل تحديد مواقع مقاتلي «داعش« الارهابي بدقة في سرت.

وتتزامن التطورات الأخيرة في ليبيا، مع هزيمة «داعش« في مدينة الفلوجة العراقية وتداعياتها على خطط توسع التنظيم الطموحة في المنطقة، وعجز «داعش« عن تحويل مدينة سرت إلى «نسخة من مدينة الرقة« في إشارة إلى عاصمته في سوريا، مع نجاح قوات «البنيان المرصوص« في حصار مقاتلي التنظيم داخل مساحة ضيقة وسط مدينة سرت، وقطع طريق الهروب الوحيد عبر البحر. ومع تقدم القوات الليبية إلى عمق سرت، تفككت شبكة الخوف التي سيطرت على المدينة سابقًا، لا سيما بعد أن تقلّصت المساحة التي كان يسيطر عليها التنظيم الإرهابي، من 150 ميلًا من الشريط الساحلي إلى نحو أربعة أميال فقط، إلى جانب الزيادة الكبيرة في الخسائر البشرية، التي تعرض لها في الفترة الأخيرة.

يصل عدد الإرهابيين المنتمين إلى تنظيم «داعش« في سرت إلى نحو 5 آلاف إرهابي، ينتمون في معظمهم إلى بلدان شمال أفريقيا والخليج، وهم محاصرون داخل سرت ويحتجزون رهائن من الأطفال والنساء. وبما أن ليبيا تحولت إلى بلد مصدر للإرهاب «الداعشي« في ظل الفوضى الذي عاشها هذا البلد العربي منذ سقوط نظام العقيد القذافي في سبتمبر 2011، فإن العديد من الخبراء في مجال الحركات الإرهابية، يرون أن نفوذ «داعش« في ليبيا تراجع وتحديداً في منطقة سرت التي كانوا يعتبرونها دولتهم والمعقل الرئيسي للتنظيم الذي خسر عددًا هائلاً من المقاتلين إثر العملية العسكرية الأخيرة والتي كبدته خسائر في العتاد والمقاتلين.

والسؤال الذي يطرحه الخبراء الآن، هل سيبحث «داعش« ليبيا عن منافذ جديدة لبث نفوذه من جديد وهل ستكون تونس ملاذه لا سيما وأن عددًا كبيرًا من التونسيين يقاتلون في هذا التنظيم؟

رغم أن معركة حسم تواجد «داعش« في سرت بدأت ، ويمكن أن تنتهى قريباً، لكن الوجود الداعشي لن ينتهي في ليبيا إلا بعد مدة ربما تكون سنة أو سنتين، لأن «الدواعش« سيتفرقون داخل البلاد الليبية الشاسعة المساحة، وسيختفون داخل السكان المدنيين حتى يصعب الوصول إليهم، كما أن جزءاً منهم سيختار التوجه نحو الجنوب الليبي للعبور إلى غرب أفريقيا وموريتانيا. أما بخصوص التونسيين «الدواعش« في ليبيا وعددهم لا يتجاوز في أقصى الحالات 800 شخص وربما أقل، والذين لم يعد مرحبًا بهم لا في ليبيا ولا في غيرها من دول الجوار، فإن قسمًا منهم سيبحث في إمكانية العودة إلى تونس سواء عبر استعمال الوثائق المزورة أو عبر الدخول إلى التراب التونسي بطريقة غير قانونية عن طريق المهربين. أما الأغلبية منهم ولا سيما المطلوبين بكثرة من القضاء أو من المصالح الأمنية التونسية، فإنهم سيلتجئون إما إلى التخفي في ليبيا لدى بعض التيارات الدينية إلى حين، أو يتجهون إلى مالي والنيجر والتشاد وغرب أفريقيا عمومًا. علماً أن جزءًا كبيرًا من الإرهابيين المتواجدين في سرت، ينتمون إلى الجنسية التونسية، وبينهم قيادات كبيرة على غرار «أبو موسى التونسي« الذي كان أميرًا على منطقة هراوة الليبية المدينة الثانية في سرت.

إذا كان العقيد القذافي استخدم في قتال معارضيه عقب اندلاع انتفاضة 17 فبراير 2011، «المرتزقة« الأجانب سواء من الضباط والخبراء القادمين من أوكرانيا وصربيا، أو عن طريق جلب الجنود الأفارقة للقتال في صفوف كتائبه، لإجهاض الثورة، فإن القاسم المشترك الوحيد بين جميع أطراف الحرب المتواصلة منذ ما بعد الثورة الليبية، يتمثل في لجوء كل المجموعات المسلحة إلى استخدام أعداد كبيرة من المقاتلين الأجانب «المرتزقة« للقتال في صفوفها، سواء قوات المجلس الرئاسي الليبي في مدينة سرت، معقل تنظيم «الدولة الإسلامية« (داعش) الرئيسي في البلاد، أو القوات الموالية للواء خليفة حفتر، أو تنظيم «داعش« الإرهابي الذي اعتمد بشكل كبير على الجنسيات نفسها للقتال في صفوفه، إلا أن اللافت هو سعي المجموعات المسلحة المختلفة الحالية في ليبيا إلى الاستعانة بمقاتلين «مرتزقة« أكثر كفاءة وذوي خبرة عسكرية أكبر من المقاتلين الليبيين.

وطبقاً للمصادر الغربية، فإن تغير شكل القتال في سرت إلى قتال قناصة وعمليات انتحارية، استدعى من أحد قيادات قوات «فجر ليبيا« العاملة تحت إمرة حكومة الوفاق الوطني، تجديد اتصاله مع شركات جلب المقاتلين الأجانب، التي وفّرت له عناصر من صربيا وأوكرانيا مدربة، كانت قد شاركت في حروب العصابات خصوصاً في النزاعات الأفريقية، إضافة إلى خبراء اتصالات تمكّنوا من فك تشفير اتصالات تنظيم «داعش«، الذي تبيّن أنه يستخدم أيضاً خبراء ومنظومات اتصال متطورة، وتم التشويش على تردداتها وتعقب اتصالاته.

لعل ما يلفت الانتباه في التطورات المتسارعة داخل المشهد السياسي الليبي، يكمن في الإفراج عن نجل العقيد الليبي معمر القذافي سيف الاسلام القذافي المحتجز في الزنتان الليبية منذ سنة 2011 تاريخ الإطاحة بحكم والده، حيث جاء هذا الإفراج بما يتماشى مع ميثاق العفو العام الذي أصدره البرلمان الليبي، الهيئة التشريعية المعترف بها دوليا في ليبيا. ولم يغادر سيف الإسلام الزنتان، باعتبار أن الرجل محكوم عليه بالإعدام من قبل حكومة المليشيات بطرابلس والتي تسعى بكل الطرق لاختطافه وتنفيذ الحكم فيه، كما أنه مستهدف من الخارج من محكمة لاهاي وقد يتطلب الأمر تسخير فرقة كومندوس لاختطافه أيضاً، ونقله إلى لاهاي، وهو ما جعله يفضل البقاء في الزنتان حيث يخضع للحماية الكافية والتأمين الشامل من قبل جيش القبائل. علماً أن كتيبة أبو بكر الصديق التي كانت تشرف على احتجازه في سجن الزنتان، موالية للجيش الليبي وحكومة الثني التي قررت الإفراج عن سيف الإسلام، باعتباره رجلاً لم يتقلد أي منصب في عهد حكم والده سوى مناصب رئيس جمعية خيرية كانت تساهم في أفعال الخير في ليبيا وخارجها.

وقد لقي قرار الإفراج عن سيف الإسلام ترحيبًا من طرف القبائل الليبية التي تكفلت بحمايته كما أن الرجل قد يكون جزءًا من الحل في الأزمة الليبية المتشعبة، لا سيما أن حكومة السراج أيضًا تذهب في اتجاه المصالحة الشاملة مع الليبيين بعد إخفاق سياسة الإقصاء، والتي لم ينتج عنها سوى المزيد من الخراب والدمار والتشتت وانتشار العصابات والميليشيات، وتغول المنظمات الإرهابية في ليبيا، وتدهور المستوى المعيشي والاقتصادي لليبيين، وهو ما يجعل ليبيا مقبلة على مرحلة مهمة في الفترة القادمة قد تتجه بها نحو إيجاد تسوية سياسية تنهي الحرب المستمرة منذ خمس سنوات. وقد أبدى سيف الإسلام استعداده للمساهمة في توحيد ليبيا على الصعيد السياسي، ووضع حد للانقسامات في البلاد ومحاربة الإرهاب.

ويشكل الإفراج عن سيف الإسلام القذافي خطوة مهمة في هذا الطريق، لأنه مرشح للعب دور في أي تحول سياسي مقبل في ليبيا، لا سيما أنه ومنذ أكثر من سنتين قررت القبائل المتضررة من الناتو تحميله مسؤولية ولي الدم والشهداء في أبنائها الذين قتلوا على يد المليشيات، ما يؤهله ليكون رقمًا مهمًا في المصالحة الوطنية، وإن كان من المستبعد أن يلعب الرجل أي دور في المرحلة الحالية في ليبيا، الا بعد حسم مسألتين: الأولى عسكرية متعلقة بهزيمة «داعش«، والثانية، سياسية متعلّقة بالمجلس الرئاسي الذي فشل بعد سبعة أشهر من التوقيع عليه وحتى الدوائر الغربية تعمل على تدارك الموقف وتعديل الاتفاق او المجلس بما سيتماشى ورغبات شريحة واسعة من الليبيين.

[ (1) هناك لغط بشأن الافراج عن القذافي، فقد نفى مجلس ثوار الزنتان نبأ الافراج.
مطالبات بـ «منحهم فرصة معاودة الاندماج إن صحت توبتهم» «العائدون من سورية» كابوس يؤرّق الدولة ويُـحيّـر التونسيين
الحياة..رشيد خشانة.. * كاتب وإعلامي من تونس 
شكل العائدون من ساحات الصراع في سورية وليبيا والعراق مصدر قلق للتونسيين، كونهم يتوجسون من احتمال تشكيل خلايا نائمة وتنفيذ أعمال إرهابية جديدة. وتُقدر مصادر مطلعة أعداد العائدين بأكثر من 650 عنصراً غالبيتهم عادت عبر ليبيا، فيما ضبطت قوات الدرك الوطني، التي تحرس الحدود المشتركة مع ليبيا، عناصر تونسية كانت تحاول التسلل إلى داخل البلد للانضمام إلى جماعات مسلحة مرابطة في جبلي «الشعانبي» (جنوب غرب) وورغة (شمال غرب). ويمكن اعتبار بلال الشواشي، القيادي في تنظيم «أنصار الشريعة» المُصنف في خانة المُنظمات الإرهابية، أخطر العائدين من سورية في نظر السلطات التونسية، التي ما زالت تسعى لاعتقاله.
ووفق معلومات استخباراتية قاتل الشواشي في صفوف «داعش» في الرقة وانتمى لمجلس شوراها، قبل أن ينتقل إلى ليبيا، وكان أحد المخططين البارزين للعمليات التي نُفذت في تونس، قبل أن يتسلل إلى بلده عبر الحدود مع ليبيا في أواسط العام الماضي على الأرجح، في أعقاب ارتقائه إلى رُتبة المسؤول الأول عن الساحة التونسية. وكشفت التحقيقات التي أجريت مع 37 عنصراً من مجموعة إرهابية اعتقلت في أيار (مايو) الماضي في حي المنيهلة شمال العاصمة تونس، أنهم كانوا يتلقون التعليمات من الشواشي الموجود في تونس. ولا تستبعدُ السلطات أن يكون في صدد التخطيط لعمليات إرهابية جديدة. وهذا ما يُثير مخاوف في المجتمع، بخاصة بين النُخب من احتمال وجود خلايا تُخطط للقيام بعمليات إرهابية.
مخاوف جزائرية
وبالإضافة إلى مخاوف التونسيين من أن يكون العائدون مُكلفين بتشكيل خلايا جديدة أو إيقاظ أخرى نائمة، أبدى الجزائريون خشيتهم من خطر العائدين من «ساحات الجهاد»، وطلبوا من السلطات التونسية التدقيق في جوازات هؤلاء بعد ورود معلومات تشير إلى استخدام عناصر إرهابية جوازات مزورة للدخول إلى تونس ومنها إلى الجزائر.
وأتى الطلب في أعقاب اعتقال مواطن تونسي مقيم في تركيا في مطار هواري بومدين الدولي، حيث اعترف بضلوعه في شبكة تعمل في تركيا لتزوير الجوازات وبطاقات الهوية للتونسيين والجزائريين والليبيين.
وقــدر تقـــرير أصدرتــه مفوضية حقوق الإنسان التابعـــة للأمم المتحدة في العام الماضــي أعداد التونسيين في بُؤر التوتر بمــا بين 5300 و5800 موزعين بين ليبيا وسورية والعراق ومالي واليمن.
وأفاد التقرير بأن نحو 800 منهم لقوا حتفهم، فيــما عاد أكثر من 650. غير أن وزير الداخلية هادي المجدوب نفى هذه الإحصاءات في مؤتمر صحافي عقده أخيراً واعتبرها «بعيدة عن الواقع»، من دون أن يُقدم أرقاماً بديلة. أما «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأوسط» فقدر عدد المقاتلين التونسيين في سورية بـ2800 عنصر وفي ليبيا بـ1500 وعدد العائدين بأكثر من 600 عنصر.
وكشف رئيس الحكومة حبيب الصيد أن 3800 شاب مُنعوا من مغادرة البلد حتى آذار (مارس) الماضي، للاشتباه بنيتهم الالتحاق بجماعات إرهابية. ويستعد التونسيون حالياً لمناقشة مشروع سن قانون خاص بالعائدين من بؤر الصراع، رُبما يُطلق عليه اسم «قانون التوبة» بُغية ملء الفراغ القانوني الراهن.
وبرغم غياب مرجع قانوني خاص بالعائدين من جبهات الحرب، تُبادر أجهزة الأمن إلى اعتقالهم والتحقيق معهم، من أجل تصنيفهم إلى عناصر تُحال على المحاكم لملاحقتها بناء على قانون مكافحة الإرهاب، فيما يُخلى سبيل العناصر التائبة بعد أشهر من الاعتقال الإداري، مع إخضاعهم لرقابة أمنية بُغية التأكد من أنهم تخلوا عن ماضيهم الإرهابي واندمجوا اجتماعياً. وقال الشاب سامي لصحيفة محلية رفضت الكشف عن هويته الكاملة أنه عاد السنة الماضية مع أسرته من ليبيا لتمضية إجازة عيد الأضحى مع الأهل في تونس، إلا أنه مُنع من العودة إلى ليبيا من دون مُبرر قانوني، بالرغم من كونه موظفاً في شركة ليبية، مُرجِحاً أن السبب هو كونه مُلتحياً وزوجته مُحجبة.
ليس سامي وقرينته حالة شاذة، فآلاف الشباب العائدين من بُؤر التوتر، بخاصة من سورية وليبيا والعراق، ممنوعون من السفر. وفيما يُقدر مسؤولون في «مرصد الحقوق والحريات» التونسي أعداد الشباب الذين أخضعوا لإجراء حظر السفر (أو الإجراء الحدودي آس 17 S مثلما يُعرف هنا) بنحو 100 ألف شاب، بمن فيهم الذين لم يسبق أن غادروا بلدهم، تقول أوساط أمنية أنهم أقل من ذلك بكثير. وشمل إجراء منع السفر ثلاث فئات هم المتشددون المُسرحون من السجون بموجب عفو عام سنته الحكومة بعد ثورة 14 كانون الثاني/ يناير 2011. كما شمل عناصر رصدتها السلطات الأمنية من خلال عملها في أحزاب أصولية أو جمعيات دعوية، بخاصة الجمعيات التي تتخفى وراء الأعمال الخيرية لتجنيد الشباب للقتال في سورية وليبيا، وهي جمعيات ازدهرت في ظل حكومة «الترويكا» (2012-2014). أما الفئة الثالثة فهي العائدون من تركيا وسورية وليبيا والعراق وهم يُصنفون في فئة آس 19 S وتعني «خطر جداً». ولجأت السلطات الأمنية، بعد سلسلة العمليات الانتحارية التي نفذها أعضاء في «تنظيم الدولة» خلال العام الماضي، إلى وضع أساور خاصة في معاصم العناصر «الخطرة» لمراقبة تحركاتها. وهي عناصر لم يثبُت تورطها المباشر في تلك العمليات.
إجراءات وقائية
السلطات القضائية هي من يتخذ هذه الإجـــراءات في شأن العائدين من بؤر التــوتر، ولا يُشترط أن يكون المعني بالإجراء قد تعرض للاعتقال في الماضي، إذ يكفي أن يعود من أحد البلدان العربية الثلاثة أو تركـــيا لكي يُحتجز جوازه بأمر من القضاء كإجراء وقائي. ووفق محامين دافعوا عن بعض العائدين من سورية، أصدرت محاكم خاصة أحكاماً بالسجن راوحت بين ستة عشر عاماً وستة أعوام على أفراد أو خلايا بتهمة «الانضمام الى تنظيم اتخذ من الإرهاب وسيلة لتحقيق أهدافه وتلقي تدريبات عسكرية بقصد (بهدف) ارتكاب جرائم إرهابية خارج تراب الجمهورية».
غير أن القبضة الأمنية في التعاطي مع العائديـــن تطال أحياناً أشخاصاً لم ينخرطوا بالضرورة في شبكات إرهابية. وروى شاب قدمتـــه صحيفة محلية على أن اسمــه محمد، كيف اعتقلته السلطات لدى عـــودته من تركيا لاشتباهها في سفره إلى سوريـــة، مع أنه أبرز ختم السلطات الحدودية اليونانية على جوازه، إذ إنه توجه إلى تركيا ليعبر إلى اليونان مع اللاجئين السوريين قبل أن يطرده اليونانيون على ما قال.
الوجه الآخر لإجراء منع السفر يتمثل في أن طلاباً نُجباء، بخاصة في مجال الهندسة يُحرمون من المشاركة في دورات بالخارج بسبب الشبهات التي تحوم حولهم. ويشتكي الذين يتعرضون لإجراء حظر السفر من امتناع السلطات عن تسليمهم وثيقة تُمكنهم من التقاضي وطلب رفع الإجراء. ولدى مناقشة الوسيلة المثلى لمجابهة تدفق العائدين من «ساحات الجهاد»، حض خبراء تونسيون على الاستفادة من تجربة الدنمارك التي وضعت خطة لإقناع المتشددين بالتخلي عن الغلو والتطرف، وأقامت مركزاً خاصاً بهم في مدينة أرهوس Aarhus وهي خطة أعطت نتائج إيجابية خلال السنوات العشر الأخيرة، وكذلك جمعية «حياة» Hayat الألمانية التي تعمل منذ 2011 على معاودة إدماج المتشددين في أسرهم ومصالحتهم مع بيئاتهم، مع تأمين الدعم الصحي والنفسي لهم. واقترح الخبير في العلاقات الدولية محمد النفطي إقامة مركز مماثل في تونس لاستقبال العائدين وتأهيلهم من أجل إبعادهم عن الفكر الإرهابي.
مع ذلك، تتباعد الآراء بين فريقين من التونسيين في شأن التعاطي مع «العائدين»، فالفريق الأول يحض على التعامل معهم بصرامة بدءاً من اعتقالهم تمهيداً لإحالتهم على القضاء، بوصفهم يشكلون خطراً على أمن الدولة والمجتمع، وصولاً إلى سن قانون يُعاقبهم على الأعمال التي ارتكبوها في «ساحات الجهاد». أما الفريق الثاني فيُغلب المُناصحة والاحتواء وإعادة الإدماج الاجتماعي، وإن بعد قضاء العائد فترة عقاب في سجن خاص، مع ضرورة وضع برامج ثقافية ودينية واجتماعية، والاعتماد على متخصصين في علم النفس وعلماء دين لتأطيرهم في السجون. ويصل الموقف الأخير إلى حد المطالبة بالعفو عن العائدين، إن لم يقترفوا جرائم حرب، ومنحهم فرصة معاودة الاندماج إن صحت توبتُهم.
 

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,732,556

عدد الزوار: 6,910,982

المتواجدون الآن: 106