الرئيس المفقود...! اختفاؤه سُجل في ثلاث دول عربية... أو أكثر

تاريخ الإضافة الأربعاء 10 شباط 2016 - 4:19 ص    عدد الزيارات 569    التعليقات 0

        

 

الرئيس المفقود...! اختفاؤه سُجل في ثلاث دول عربية... أو أكثر
الرئيس المفقود يؤجج الانقسامات في بعض الدول
 كتب عماد المرزوقي
عادة ما يبحث الشعب في الرئيس عن الرمزية التي تجذر الهوية الوطنية لكل مواطن
إذا غاب الرئيس سيبحث أي فرد حتماً عمن يعوض سلطته حتى لو كان معنوياً
أكبر تهديد لأي وطن حين يتقمص البعض أدوار الرئيس مستغلين غيابه أو ضعف دوره
غياب الرئيس في لبنان جعل المشهد السياسي حلبة صراع تتنافس فيها الأحزاب المختلفة والقوى المصلحية
الرئيس في دول الغرب مهمته المقدسة تتمثل في الحفاظ على المصلحة العامة للشعب والتواصل المستمر مع كل مكوناته
في الغرب تسحب من الرئيس سلطات كثيرة لكن تبقى قوته في هيبته المعنوية وقدرته على التأثير العاطفي في شعبه
اختفى الرئيس في أكثر من دولة عربية. للوهلة الأولى قد يظن البعض أنه اختطف لكن جُل الناس يعلمون مصيره جيداً، في المقابل قليلون من يستطيعون توقع عودة ظهوره وجلوسه على الكرسي في قصره، وتبين أن العالم العربي أكثر منطقة في العالم سجلت فيها مذكرات فقدان الرئيس، حتى باتت بعض الشعوب تعتاد على غيابه.
فأكثر من ثلاث دول عربية سجلت فقدان الرئيس. اليمن ولبنان وليبيا أصبحت موقتاً دولاً من دون رئيس فعلي... ناهيك عن دول أخرى ثارت فيها شعوبها على رؤوسائهم، وهناك ملايين آخرون عالقون بين سورية والعراق يخضعون لحكم زعيم مفقود لا يظهر للعلن وحياته من موته ظلت لغزاً.
...لكن هل وجود الرئيس من عدمه يؤثر على استقرار الدولة وحياة الشعوب؟ وهل الجماهير بفعل التغيير الديموقراطي التي فرضته في بعض الدول العربية أصبحت لا تكترث إلى وجود الرئيس في ظل محاولات ترسيخ دولة المؤسسات؟
في الواقع بينت إحدى الدراسات المتغيرات السياسية حديثاً في العالم العربي شدة اهتمام وتعلق العرب إجمالاً بـ«الزعامات» علاوة عن افتقاد الكثيرين لقوة الرئيس العاطفية التي يمكن قياسها بقياس تأثير مواقفه وكلماته على ميولات الملايين وقناعاتهم. وبالتالي زاد الاهتمام بالسلطة الأبوية المعنوية التي يرمز لها الزعيم أو القائد.
ففي ظل غياب الرئيس في بعض الدول، برزت الحاجة إلى عاطفة الانتماء الوطني التي يرسخها الرئيس في شعبه، وتعمق الانشقاق في بعض الدول بين مكونات المجتمع وطبقاته وظهرت ميولات مختلفة للانتماء والولاء، فبدلاً من أن يكون هناك رئيس جامع واحد، أصبح في دولة غائبا فيها هذا المنصب المحوري أكثر من شخص يتقمص سلطة الرئيس المعنوية خصوصاً... حيث عادة ما يبحث الشعب في الرئيس عن الرمزية التي تجذر الهُوية الوطنية لكل مواطن.
فالرئيس قدوة عليا وممثل لكل مكونات الشعب يجد كل فرد ضالته فيه، ويجد فيه كذلك شغف الانتماء للوطن أيضاً، فإذا غاب الرئيس فبالتأكيد سيبحث أي فرد حتماً عمن يعوض سلطته حتى لو كان معنوياً، ومما لا شك فيه فإن حب الانتماء إلى مجموعة يقودها شخص ما يبعث بالطمأنينة للأفراد. لذلك فإن أكبر تهديد لأي وطن حين يتقمص البعض أدوار الرئيس مستغلين غيابه أو ضعف دوره في تمثيل كل الشعب.
فقد ظهرت زعامات مختلفة في كل من اليمن و العراق وسورية ولبنان وليبيا وحتى في تونس، وقد عمل بعضهم على استقطاب الشغوفين بالانتماء، وذلك عبر الترويج لشعارات بديلة للهوية الوطنية، فأصبحت هناك بوادر انشقاقات اجتماعية وطائفية حيث يصطف البعض وراء زعيم روحي أو ديني أو سياسي أو عسكري يراه مناصروه الأجدر بمنصب الرئيس أو القائد.
لكن الخطر يكمن في تنافس البعض على فرض ممثلهم كقائد يجدر للكل اتباعه، والرافض لذلك يتم اقصاؤه. ففي اليمن في ظل غياب الرئيس، يتنافس الحوثيون وزعيمهم بالتحالف مع جماعة الرئيس السابق علي عبد الله صالح وقيادات تنظيم «القاعدة» على فرض شخصية قيادية بديلة للرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي.
الأمر ينطبق على الحالة الليبية، فغياب الرئيس دفع الليبيين إلى الاختلاف حول من يجدر اتباعه كقائد أو كقدوة، وبرز الانشقاق عندما تقمصت بعض القيادات أدوار الرئيس كقيادات الحركات الإسلامية الإخوانية والداعشية وقيادات الجيش كخليفة حفتر وقيادات ليبرالية وكل زعيم منهم لديه أتباع وهدفهم فرض كل زعيم يرونه قدوتهم الروحية كرئيس أو قائد لكل البلاد،وهنا برز الخلاف الذي يمنع ليبيا من المضي في الانتقال الديموقراطي.
والصورة اللبنانية مع بعض الاختلاف مقارنة بالمشهد في ليبيا واليمن، تتشابه في استمرار غياب الرئيس وتداعيات غيابه على زيادة حالة الاستقطاب والانقسامات السياسية التي جرت وراءها أيضا بوادر نزاعات اجتماعية حول الهُوية الموحدة، فقد برزت أكثر من حادثة إرهابية أو حركة احتجاجية تسعى لتأجيج الهُوية الطائفية بدل الهُوية اللبنانية الجامعة لكل الأطياف. فقد ترك غياب الرئيس المشهد السياسي كحلبة صراع تتنافس فيها الأحزاب المختلفة والقوى المصلحية الداخلية والخارجية على فرض رئيس يتماشى مع مصالح البعض التي قد تكون متعارضة مع مصالح الأغلبية، وفي ظل التنافس السياسي المحموم على فرض كل تيار لخياره وتسويقه كالخيار الأفضل لمصلحة البلاد، نمت ظاهرة الإحباط المجتمعي وأصبحت هناك بوادر عودة العصبية الفئوية المصلحية التي قد تحكم المجتمع والتي يروج لها الإعلام المحلي المنقسم أصلاً.
فغياب رئيس جامع وقائد غير فئوي يخاطب كل اللبنانيين على أساس المواطنة والمصلحة المشتركة قد يؤثر مستقبلاً على الهُوية اللبنانية التي ترسخت فقط بالنضال الديموقراطي والتفاهمات بدل الصراعات، كما أن سلطة الرئيس في المجتمعات الغربية غير منحصرة فقط في الدور السياسي بل تتجاوزه إلى أدوار أخرى أهمها الأدوار الاجتماعية التي تفرض على الرئيس أن يكون حاضراً في مناسبات جميع الفئات الاجتماعية، وأن يشارك ويؤازر كل الأطياف من دون إقصاء. حتى بلغ الأمر بالرئيس الأميركي باراك أوباما إلى تبني قضية المثليين الجنسيين في رسالة واضحة لإحساس الرئيس بهم! وكذلك السجناء وعمال النظافة والمطاعم وضحايا الكوارث مهما كانت طبيعتها ومكانها.
هذه السلطة مازالت إلى اليوم تنشدها شعوب العالم وليس العرب فقط، حيث إن دول الغرب الديموقراطية وفي مقدمها الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وأهم العواصم الأوروبية كفرنسا وألمانيا، مازالت الشعوب فيها تتمسك برمزية السلطة الأبوية للرئيس، كما أنها تعتبر الرئيس موجهاً وحكيماً، وقد تهتم أكثر بمدى عاطفة الرئيس تجاه مصلحة شعبه وتبحث فيه كما يبحث الابن في والده عن الفخر، أي بقدر ما كان الرئيس صلباً في شخصيته، قريباً من قلوب شعبه وأحسن التصرف في الأزمات وكان حاسماً، قليل الكلام يتقن اختيار كلماته ولم ينحز إلا هذا أو ذاك وسيطر على انفعالاته، وصدق في وعده، استطاع أن يكون مصدر الأمان الذي يرتكن إليه الشعب ويدفع نحو الاستقرار.
وفي دول الغرب، كثيراً ما تُسحب من الرئيس سلطات كثيرة، لكن تبقى قوته في هيبته المعنوية وقدرته على التأثير العاطفي الذي يلامس كل مكونات أبناء شعبه ويحث على لم شملهم، أي إن الرئيس في الغرب حتى وإن لم يكن لديه صلاحيات إلا أن نفوذه يبقى قوياً بقدر نفوذ رجل الدين أو الزعيم الروحي والملهم للأمل أيضاً، والمحفز للعزائم والمحرض على البناء وليس الهدم.
ويتضح من خلال ذلك أن سلطة الرئيس في الغرب معنوية أكثر منها إجرائية. فالرئيس في دول الغرب مهمته المقدسة تتمثل في الحفاظ على المصلحة العامة للشعب والتواصل المستمر مع كل مكوناته دون التوراي عنهم مع الحرص على الظهور في معظم المناسبات الوطنية.
بعض الشخصيات استغلت عدم وجود الرئيس فمارست أدواراً قيادية
جل الصراعات العربية اليوم تحركها زعامات أكثر منها شعوب
في ظروف الأزمات تبقى شخصية الرئيس مُهمة جداً لأنها إما أن تكون «مثلاً أعلى» للشعب في المثابرة والتعويل على الذات وحب الوطن والتوحد لأجل عمل وطني، و إما تكون في المقابل شخصية سلبية غير مؤثرة وغير مواكبة لهموم المواطنين، وبالتالي تؤثر على انتكاسة الشعور الوطني لدى الكثيرين ويتبدد عندهم الإحباط إذا كان الرئيس عاجزاً عن رسم الأمل في واقعهم، فما بالك إذا كان الرئيس مفقوداً أصلاً غير موجود.
فغيابه في دول عربية أجج استقطاب الجماهير من زعامات مختلفة الشرعيات (زعمات دينية وعسكرية وثورية وليبرالية)، والأخطر في ذلك هو الاستقطاب الديني الذي تمارسه بعض الزعامات في ليبيا ولبنان والعراق واليمن حيث إن بعض الشخصيات استغلت عدم وجود الرئيس أو ضعفه لتمارس أدواراً قيادية استقطبت فيها الآلاف لمشاريع فئوية تشجع على الانقسامات الداخلية. واقع وصفته بعض وسائل الإعلام الغربية بأنه ظرفي ساعد على إعادة تقسيم دول عربية من جديد. حيث إن جل الصراعات العربية اليوم تحركها زعامات أكثر منها شعوب، وبات الصلاع في دول مثل اليمن تحركه زعامات فرقت الشعب اليمني بسبب قناعات مختلفة، وكذلك لبنان يغيب فيه التوافق بسبب عدم وجود رئيس يستطيع ملامسة قلوب كل اللبنانيين ويوحد الفرقاء، وفي ليبيا، بسبب غياب الرئيس، أو الزعيم، تدخل ليبيا متاهة صراعات أهلية مستقبلها مجهول.
صراعات يحركها زعماء جدد من البلد نفسه والديانة نفسها، لكن أراءهم اختلفت فصنعوا بذلك أتباعاً من خلال التأثير العاطفي والأيديولوجي الذي يمارسونه على الشعب الليبي الذي بات غير متجانس رغم محاولات التوافقات وبناء دولة ليبية موحدة وذلك بسبب عدم وجود زعيم روحي و رئيس يلهم كل الليبين حب الانتماء لبلدهم على الرغم من اختلاف الأراء. لذلك فإن فقدان الرئيس فاقم حالة الانشقاق في هذه الدول.
الشعوب عبر التاريخ أثبتت أنه لا يمكن أن تعيش من دون زعيم
حاجة ملحة للرئيس في الأوقات الصعبة
عادة ما تُقاس شعبية الرئيس وجماهيريته في الأوقات الصعبة، وفيما يعيش غالبية العالم العربي أوضاعاً سياسية وأمنية واقتصادية صعبة فقد بات دور الرئيس ملحاً في إلهام شعبه الأمل وتحقيق تطلعاته، إذ إنه في أوقات الاضطرابات والتدهور الاقتصادي تصبح الشعوب ميالة إلى الاكتئاب والسخط وتبحث عمن تعلق فيها هيبة أملها أو فشلها وعادة ما تحمّل الجماهير الرئيس المسؤولية عن كل ذلك، وبالتالي فإن هذه الأوقات مطلوب فيها ظهور الرئيس وليس غيابه أو فقدانه.
وقد شهد التاريخ على أهمية ظهور الرئيس وحضوره في الأوقات الصعبة وقدرته على تحقيق وحدة الصف لتجاوز أصعب المحن كالحروب والانقسامات، ولعل أهم تجربة كانت الحرب العالمية الثانية. وفي ذلك كثير من الأمثلة من زعماء ورؤساء العالم في الولايات المتحدة كفرانكلين روزفيلت، وبريطانيا وينستون تشيرشل، وفي روسيا العم جو كما يحب الأميركيون تلقيب جوزيف ستالين.
ففي شتاء بارد جداً خرج الزعيم ليطل من شرفته مخاطباً شعبه الذي أصر أن يحضر إلى ساحة القصر من أجل الاستماع لخطاب مؤثر قلب موزاين التاريخ حينها. بمفردات روسية مؤثرة استطاع أن يشحذ هِمَم الروس ويحفزهم على صد الهجوم النازي الذي هدد آنذاك بابتلاع موسكو، فهبت النساء قبل الرجال والأطفال قبل الشباب لتقديم ملحمة دموية قلبت موزاين الحرب، وغلبت جحافل ملايين النازيين الذين ظن البعض أنهم لا يقهرون... تلك كانت إرادة سحرية استمدها الشعب الروسي من الزعيم.
وعلى الرغم من أن ستالين كان ديكتاتوراً إلا أنه مارس سُلطته المعنوية بشكل متقن واستمد منه الشعب القوة العاطفية والثقة بالنفس فتغلب على محنته بل وغيّر بإرادته واقعاً سيئاً، وفرض واقعاً جديداً جعل من روسيا القطب الثاني في العالم.
إلى ذلك ينسحب المثال حول أهمية الرئيس في الأزمات على أدولف هتلر الزعيم النازي، الذي طبع صفة الالتزام في الشخصية الألمانية. وعلى الرغم من مساوئ النازية إلا أن إيجابياتها انعكست خصوصاً في إقناع هتلر شعبه بقوة بلدهم، وبضرورة العمل موحدين في الأوقات الصعبة من أجل ازدهار ألمانيا، فزاد الانتاج الفكري والعلمي والصناعي والتكنولوجي. ولو استطاع هتلر توظيف هذا الانتاج في غير الحرب لكانت ألمانيا أقوى دول العالم.
وكذلك الصين والهند ناهيك عن الولايات المتحدة التي تقدس فيها الشعوب رمزية الرئيس القائد الملتزم الحاسم وهي صفات لا يمكن أن تتنازل عنها الشعوب في هذه الدول لأنها تهيب في الرئيس صفة القدوة وليس سلطة الهيمنة. وبالتالي فإن الشعوب عبر التاريخ لا يمكن أن تعيش في مجموعة متناغمة من دون رئيس قوي يتوفر فيه متناقضان أساسيان: عاطفي وصارم.

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,720,991

عدد الزوار: 6,910,285

المتواجدون الآن: 88